الحكاية
المؤلف:
الأشموني
المصدر:
شرح الأشموني على الألفية
الجزء والصفحة:
ج1/ ص413- ص417
22-10-2014
2166
هذا الباب للحكاية بأي وبمن. والعلم بعد من (إحْك بأيَ ما لمنكورٍ سُئِلْ عَنْهُ بِهَا في الوقفِ أوْ حينَ تَصِلْ) أي يحكى بأي وصلاً ووقفاً ما لمنكور مذكور مسؤول عنه بها من إعراب وتذكير وإفراد وفروعهما، فيقال لمن قال رأيت رجلاً وامرأة وغلامين وجاريتين وبنين وبنات: أياً وأية وأيين وأيتين وأيين وأياتِ، هذا في الوقف، وكذا في الوصل فيقال: أياياً هذا وأية يا هذا إلى آخرها. واعلم أنه لا يحكي بها جمع تصحيح إلا إذا كان موجوداً في المسؤول عنه أو صالحاً لأن يوصف به، نحو رجال فإنه يوصف بجمع التصحيح فيقال رجال مسلمون، هذه اللغة الفصحى؛ وفي لغة أخرى يحكى بها ما له من إعراب وتذكير وتأنيث فقط ولا يثنى ولا يجمع فيقال: أيا أو أياياً هذا لمن قال رأيت رجلاً أو رجلين أو رجالاً، وأية أو أية يا هذا لمن قال رأيت امرأة أو امرأتين أو نساء (وَوَقْفَاً احْكِ مَا لِمنكورٍ بِمَنْ والنُّوْنَ حرِّكْ مُطْلَقَاً وأَشْبِعَنْ) فتقول لمن قال قام رجل منو ولمن قال رأيت رجلاً منا، ولمن قال مررت برجل، مني هذا في المفرد المذكر (وقلْ) في المثنى المذكر (مَنانِ ومَنَيْنِ بَعْدَ) قول القائل (لِي إلْفانِ بِابنيْن) وضرب حران عبدين، فمنان لحكاية المرفوع ومنين لحكاية المجرور والمنصوب (وَسَكِّن) آخرهما (تَعْدِلِ) وإنما حرك في النظم للضرورة (وقُلْ) في المفرد المؤنث (لِمَنْ قَالَ أتَتْ بِنْتٌ مَنَهْ) بفتح النون وقلب التاء هاء، وقد يقال منت بإسكان النون وسلامة التاء. وقل في المثنى المؤنث لمن قال لي زوجتان مع أمتين، أو ضربت حرتان رقيقتين، منتان، ومنتين: فمنتان لحكاية المرفوع، ومنتين لحكاية المجرور والمنصوب (والنُّوْنُ قبلَ تَا المُثَنَى مُسْكَّنَه والفتحُ) فيها (نَزْرٌ) أي قليل. وإنما كان الفتح أشهر في المفرد والإسكان أشهر في التثنية لأن التاء في منت متطرفة وهي ساكنة للوقف فحرك ما قبلها لئلا يلتقي ساكنان، ولا كذلك منتان (وَصِلِ
ص413
التَّا والألِفْ بِمَنْ) في حكاية جمع المؤنث السالم فقل (بإثْرِ) قول القائل (ذَا بِنِسْوعةٍ كَلِفْ): منات بإسكان التاء (وقُلْ) في حكاية جمع المذكر السالم (مَنُوْنَ ومَنِيْنَ مُسْكِنَا) آخرهما (إنْ قِيْلَ جَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ فُطَنَا) أو ضرب قوم قوماً. فمنون للمرفوع، ومنين للمجرور والمنصوب.
تنبيه: في الحكاية بمن لغتان: إحداهما ــ وهي الفصحى ــ أن يحكي بها ما للمسؤول عنه من إعراب وإفراد وتذكير وفروعهما على ما تقدم، ولم يذكر المصنف غيرها، والأخرى أن يحكى بها إعراب المسؤول عنه فقط، فيقال لمن قال: قام رجل أو رجلان أو رجال، أو امرأة أو امرأتان أو نساء: منو، وفي النصب منا، وفي الجر مني (وإنْ تَصِل فَلَفْظُ مَنْ لا يَخْتَلِفْ) فتقول: من يا فتى في الأحوال كلها، هذا هو الصحيح. وأجاز يونس إثبات الزوائد وصلاً، منوياً فتى، وتشير إلى الحركة في منت ولا تنوّن، وتكسر نون المثنى وتفتح نون الجمع وتنوّن منات ضماً وكسراً، وهو مذهب حكاه يونس عن بعض العرب، وحمل عليه قول الشاعر:
أتَوْا نَارِي فَقُلْتُ مَنُوْنَ أنْتُمْ
وهذا شاذ عند سيبويه والجمهور من وجهين: أحدهما إثبات العلامة وصلاً، والآخر تحريك النون. وقال ابن المصنف والآخر أنه حكى مقدراً غير مذكور، وقد أشار المصنف إلى البيت المذكور بقوله: (ونادِرُ مَنونَ في نَظْمٍ عُرِفْ) وهو لتأبط شراً. ويقال لشِمْر الغساني. وتمامه:
فقالوا الجنُّ قلتُ عِمُوا ظَلاَما ويروى: عموا صباحاً. ويغلَّط المنشد على إحدى الروايتين بالرواية الأخرى، وكذلك فعل الزجاجي فغلط من أنشده صباحاً، وليس الأمر كما يظن بل كل واحدة من الروايتين صحيحة: فهو على رواية عموا ظلاماً من أبيات رواها ابن دريد عن أبي حاتم السختياني عن أبي زيد الأنصاري. أولها:
ونارٍ قد خَضَأتُ بُعَيْدَ وهْنٍ بِدارٍ مَا أريدُ بِهَا مُقَاما
ص414
وهي مشهورة. وعلى رواية عموا صباحاً من أبيات معزوة إلى خديج بن سنان الغساني أولها:
أتَوْا نَارِي فَقُلْتُ مَنْونَ أنْتُمْ فَقَالُوا الجنُّ قلتُ عِمُوا صَبَاحَا
نزلتُ بِشِعْبِ وادي الجنِّ لما رأيتُ الليلَ قَدْ نَشَرَ الْجَناحَا
قيل: وكلا الشعرين أكذوبة من أكاذيب العرب (والعَلَمَ احْكِيَنَّهُ مِنْ بَعْدِ مَنْ إنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ بِهَا اقْتَرَنْ) فتقول لمن قال جاء زيد: من زيد، ورأيت زيداً: من زيداً، أو مررت بزيد: من زيدٍ. وهذه لغة الحجازيين. وأما غيرهم فلا يحكون، بل يجيئون بالعلم المسؤول عنه بعد من مرفوعاً مطلقاً، لأنه مبتدأ خبره من، أو خبر مبتدؤه من، فإن اقترنت بعاطف نحو ومن زيد تعين الرفع عند جميع العرب.
ص415
تنبيهات: الأول يشترط لحكاية العلم بمن أن لا يكون عدم الاشتراك فيه متيقناً، فلا يقال من الفرزدق ــ بالجر ــ لمن قال سمعت شعر الفرزدق، لأن هذا الاسم تيقن انتفاء الاشتراك فيه. الثاني شمل كلامه العلم المعطوف على غيره، والمعطوف عليه غيره، وفيه خلاف منعه يونس وجوّزه غيره واستحسنه سيبويه، فيقال لمن قال رأيت زيداً وأباه: من زيداً وأباه، ومن قال رأيت أخاً زيد وعمراً: من أخا زيد وعمراً. الثالث أجاز يونس حكاية سائر المعارف قياساً على العلم، والصحيح المنع. الرابع لا يحكى العلم موصوفاً بغير ابن مضاف إلى علم، فلا يقال من زيداً العاقل، ولا من زيداً ابن الأمير، لمن قال: رأيت زيداً العاقل، أو رأيت زيداً ابن الأمير. ويقال من زيد بن عمرو لمن قال رأيت زيد بن عمرو. الخامس فهم من قوله احكينه أن حركاته حركات حكاية، وأن إعرابه مقدر، وقد صرح به في غير هذا الكتاب، والجمهور على أن من مبتدأ والعلم بعدها خبر سواء كانت حركته ضمة أو فتحة أو كسرة، وحركة إعرابه مقدرة لاشتغال آخره بحركة الحكاية. السادس: قد بان لك أن من تخالف أياً في باب الحكاية في خمسة أشياء: أحدها أن من تختص بحكاية العاقل، وأي عامة في العاقل وغيره. ثانيها أن من تختص بالوقف، وأي عامة في الوقف وفي الأصل. ثالثها أن من يجب فيها الإشباع فيقال: منو ومنا ومنى، بخلاف أي. رابعها أن من يحكي بها النكرة ويحكي بعدها العلم، وأي تختص بالنكرة. خامسها أن ما قبل تاء التأنيث في أي واجب الفتح تقول: أية وأيتان، وفي من يجوز الفتح والإسكان على ما سبق.
خاتمة: الحكاية على نوعين: حكاية جملة، وحكاية مفرد: فأما حكاية الجملة فضربان: حكاية ملفوظ وحكاية مكتوب: فالملفوظ نحو قوله تعالى: {وقالوا الحمدُ } (الأعراف: 43)، وقوله:
سَمِعْتُ الْنَّاسُ يَنْتَجِعُوْنَ غَيْثاً فَقُلْتُ لِصَيْدَحَ انْتَجِعِي بِلاَلا
ص416
والمكتوب نحو قوله: قرأت على قصه محمد رسول الله ، وهي مطردة ويجوز حكايتها على المعنى فتقول في حكاية زيد قائم: قال قائل قائم زيد، فإن كانت الجملة ملحونة تعين المعنى على الأصح. وأما حكاية المفرد فضربان: ضرب بأداة الاستفهام ويسمى الاستثبات بأي أو بمن وهو ما تقدم، وضرب بغير أداة وهو شاذ كقول بعض العرب ــ وقد قيل له هاتان تمرتان ــ دعنا من تمرتان. قال سيبويه: وسمعت أعرابياً وسأله رجل فقال أنهما قرشيان، فقال: ليسا بقرشيان. وسمعت عربياً يقول لرجل سأله: أليس قرشياً؟ قال ليس بقرشياً. وا أعلم.
ص417
الاكثر قراءة في الحكاية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة