تعريفه: اسم يعين مدلوله تعيينًا مقرونًا بإشارة حسية إليه؛ كأن ترى عصفورًا فتقول وأنت تشير إليه: "إذا" رشيق؛ فكلمة: "ذا" تتضمن أمرين معًا، هما: المعنى المراد منها: "أي: المدلول"، وهو:: جسم العصفور، والإشارة إلى ذلك الجسم في الوقت نفسه. والأمران مقترنان؛ يقعان في وقت واحد؛ لا ينفصل أحدهما من الآخر.
والغالب أن يكون المشار إليه "وهو: المدلول" شيئًا محسوسًا كالمثال السابق. وكأن تشير بأحد أصابعك إلى كتاب، أو قلم، أو سيارة، وتقول: ذا كتاب -ذا قلم- ذي سيارة. وقد يكون شيئًا معنويًّا، كأن تتحدث عن رأي، أو: مسألة في نفسك، وتقول: ذي مسألة تتطلب التفكير، ذا رأي أبادر بتحقيقه...
تقسيم أسماء الإشارة:
تنقسم أسماء الإشارة بحسب المشار إليه إلى قسمين؛ قسم يجب أن يُلاحَظ فيه المشار إليه من ناحية أنه مفرد، أو مثنى، أو جمع...، مع مراعاة التذكير، والتأنيث، والعقل، وعدمه في كل ذلك. وقسم يجب أن
ص321
يُلاحَظ فيه المشار إليه أيضًا، ولكن من ناحية قربه، أو بعده، أو توسطه بين القرب والبعد.
فالقسم الأول خمسة أنواع:
أ- ما يشار به للمفرد المذكر مطلقًا؛ "أي: عاقلا أو غير عاقل": وأشهر أسمائه "ذا". نحو: ذا طيار ماهر -ذا بلبل صَدَّاح.
ب- ما يشار به للمفردة المؤنثة -عاقلة وغير عاقلة- وهو عشرة ألفاظ؛ خمسة مبدوءة بالذال هي: ذي، ذهْ، ذهِ، بكسر الهاء مع اختلاس كسرتها، ذهِ – بكسر الهاء مع إشباع الكسرة نوعًا، ذات.
ص322
وخمسة مبدوءة بالتاء، هي: تي، تا، تهْ، تهِ، بكسر الهاء مع اختلاس الكسرة، تهِ، بكسر الهاء مع إشباع الكسرة نوعًا. تقول: ذي الفتاة شاعرة... تي الفتاة محسنة... وكذا الباقي منهما.
ج- ما يشار به للمثنى المذكر مطلقًا- أي: عاقلًا وغير عاقل، وهو لفظة واحدة: "ذانِ" رفعًا، وتصير: "ذَيْنِ" نصبًا وجرًّا. تقول: ذانِ عالمان، إنّ ذيْنِ عالمانِ، سلمت على ذَيْنِ، فيعرب كالمثنى، أي: "ذانِ": مبتدأ مرفوع بالألف. "ذيْنِ": اسم: "إنّ" منصوب بالباء. "ذينِ"، مجرور بعلى، وعلامة جره الياء أيضًا.
د- ما يشار به إلى المثنى المؤنث مطلقًا، وهو لفظة واحدة: "تان" رفعًا "وتصير: تَيْنِ" نصبًا وجرًّا؛ تقول: تان محسنتانِ؛ إن تيْنِ محسنتانِ، فرحت بِتَيْنِ المحسنتينِ. "تان" مبتدأ مرفوع بالألف. "تْينِ" اسم: "إن" منصوب بالياء. "تَيْن" مجرور بالياء، وعلامة جره الياء.
هـ- ما يشار به للجمع مطلقًا "مذكراً ومؤنثًا، عاقلا وغير عاقل" هو لفظة واحدة: "أولاَءِ". ممدودة في الأكثر، أو: أولَى مقصورة؛ مثل:
ص323
أولئك الصناع نافعون. ومثل: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا}.
أما القسم الثاني من أسماء الإشارة، وهو الذي يلاحظ فيه المشار إليه من ناحية قربة، أو بعده، أو توسطه بين القرب والبعد؛ فإنه ثلاثة أنواع:
أ- الأسماء التي تستعمل في حالة قربه. هي: كل الأسماء السابقة الموضوعة للمفرد، والمفردة، والمثنى والجمع، بنوعيهما، من غير اختلاف في الحركات أو الحروف، ومن غير زيادة شيء في آخرها.
ب- الأسماء التي تستعمل في حالة توسطه للدلالة على أن المشار إليه متوسط الموقع بين القرب والبعد، هي: بعض الأسماء السابقة بشرط أن يُزاد في آخر اسم الإشارة الحرف الدالة على التوسط، وهذا الحرف هو: "كاف الخطاب الحرفية". فإنها وحدها، بغير اتصال لام البعد بها، هي الخاصة بذلك.
ص324
وهي تلحق الآخر من بعض أسماء الإشارة، دون بعض آخر؛ فتلحق آخِر أسماء الإشارة التي للمفرد المذكر، والتي للمثنى، والتي للجمع بنوعيهما؛ نحو: ذاك المكافح محبوب -ذانك المكافحان محبوبان- تانك الطبيبتان رحيمتان، أولئك المقاومون للظلم أبطال، أو: أولاك "بمد كلمة: "أولاء" وقصرها".
وكذلك تلحق ثلاثة من أسماء الإشارة الخاصة بالمفرده المؤنثة، هي: "تي، تا، ذي"؛ نحو، تِيك الدار واسعة... ولا تلحق آخر السبعة الأخرى التي للمفردة المؤنثة، فباستبعاد هذه السبعة تكون بقية أسماء الإشارة التي للقُرب صالحة للتوسط أيضًا.
ولا تلحق آخر اسم من أسماء الإشارة إذا كان مبدوءًا بحرف التنبيه: "ها" وبينهما فاصل، كالضمير في مثل: هأنذا محب للإنصاف، فلا يقال في الأفصح هأنذاك -كما سيجيء.
"ملاحظة": هذه الكاف تلحق اسم إشارة للمكان وهو يعتبر في الوقت نفسه ظرفًا من ظروف المكان؛ ونعني به الظرف: "هنا" -وسيجيء أيضًا إيضاحه قريبًا1؛ نحو: هناك في أطراف الحديقة دوح ظليل.
وخلاصة ما تقدم أن الأسماء التى للمتوسط هي الأسماء السابقة التي للقرْب. ولكن بشرط زيادة "كاف" الخطاب الحرفية في آخر الاسم للدلالة على التوسط؛ تقول: ذاك الطائر مغرد...، تِيك الغرفة واسعة... وبشرط أن كاف الخطاب الحرفية لا تدخل في اسماء الإشارة الخاصة بالمفردة المؤنثة إلا في ثلاثة: "تي" و"تا" و"ذي" ولا تدخل في السبعة الأخرى -على الصحيح. وهذا هو الموضع الثاني الذي لا تدخله تلك الكاف.
ج- الأسماء التى تستعمل فى حالة بُعْده.
لا سبيل للدلالة على أن المشار إليه بعيد إلا بزيادة حرفين فى آخر اسم الإشارة، هما: لام فى آخره تسمى: "لام البعد" يليها" وجوبا.
ص325
"كاف الخطاب" الحرفية حتمًا، ولا توجد "لام البعد بغيرها. وهذه اللام تزاد في آخر بعض الأسماء دون بعض: فتزاد مع "الكاف" في آخر أسماء الإشارة التي للمفرد؛ نحو: ذلك الكتاب لا ريب فيه. وفي آخر ثلاثة من الأسماء التي لإشارة المفردة "وهي الثلاثة التى تدخلها "كاف" الخطاب الحرفية دون السبعة الأخرى التي لا تدخلها"؛ نحو: تلك الصحاري ميادين أعمال ناجحة.
وتزاد في آخر كلمة: "أُولَى" المقصورة التي هي اسم إشارة للجمع مطلقاً، نحو: أُولاَلِكَ المغتربون في طلب العلم جنود مخلصون، دون "أولاء" الممدودة التي اسم الإشارة للجمع -في الرأي الأرجح- فلا يقال: أولاء لَكَ1 المغتربون مخلصون...
ولا تزاد في اسم الإشارة الذي للمثنى المؤنث أو المذكر، ولا في اسم الإشارة المبدوء بحرف التنبيه: "ها"، والمختوم بـ"كاف" الخطاب الحرفية؛ فلا يصح في مثل: "هذاك وهاتاك" أن يقال: هذا لِكَ، ولا هاتا لِكَ... على اعتبار "اللام" فيهما للبعد، و"الكاف" حرف خطاب.
ومما سبق يتبين أنه لا يجوز زيادة لام البعد وحدها بغير "كاف" الخطاب الحرفية بعدها، ولهذا يمتنع زيادة "لام البعد: في آخر الأسماء الخالية من تلك "الكاف" إما لأن "الكاف" لا تدخلها مطلقًا؛ كالأسماء السبعة التي لإشارة المفردة، وإما لأنها تدخلها ولكن اسم الإشارة خال منها عند الرغبة في إلحاق لام البعد بآخرها. وإن شئت فقل: إن أسماء الإشارة التي تستعمل في حالة البعد لا بد أن يزداد في آخرها حرفان معًا: لام تسمى: لام البعد، وحرف الخطاب "الكاف" بعدها؛ نحو: ذلك السّبّاح بارع. وهذه اللام لا توجد وحدها بغير كاف الخطاب؛ فيجوز إلحاقها بآخر أسماء الإشارة التى للمفرد والمفردة بشرط وجود تلك الكاف. ويمتنع إلحاقها بأسماء الإشارة التى لا تدخلها الكاف مطلقًا، أوالتى تدخلها، ولكنها غير موجودة فيها عند الرغبة فى إلحاق اللام.
ص326
وكذلك يصح إلحاق هذه اللام بكلمة "أُولَى" المقصودة، دون الممدودة، على الأرجح ودون المثنى بنوعيه أيضًا.
ويصح أن تدخل: "ها" التي هي حرف تنبيه على اسم الإشارة الخالي من كاف الخطاب؛ مثل: هذا، هذه، هذان، هؤلاء... وقد تجتمع مع الكاف بشرط عدم الفاصل -كالضمير- بين "ها" واسم الإشارة.؛ نحو هذاك، هاتاك... لكنهما إذا اجتمعا لم يصح مجيء لام البُعْد معهما، فلا يجوز هذا لِكَ. وهذا موضع آخر من المواضع التي تمتنع فيها لام البعد.
وتمتنع الكاف إن فصل بين "ها" التنبيه واسم الإشارة فاصل؛ كالضمير في نحو: هأنذا مُخلص، فلا يصح الإتيان بالكاف بعد اسم الإشارة وهذا هو الموضع الثاني الذي لا تدخله كاف الخطاب، وإذن لا تدخله لام البعد أيضًا.
بقي من أسماء الإشارة التي من القسم الثاني كلمتان: هُنا، و: "ثَمَّ"
ص327
وكلتاهما تفيد الإشارة مع الظرفية التي لا تتصرف. فأما: "هُنَا" فهي اسم إشارة إلى المكان القريب، مثل: "هنا العلم والأدب". وقد يزاد في أولها حرف التنبيه: "ها" نحو: "هَا هُنَا الأبطال؛ فهي في الحالتين سواء.
وبسبب دلالتها على المكان مع الإشارة دخلت في عِدَاد ظروف المكان أيضًا، فهي اسم إشارة وظرفُ مكان معًا وهي ظرف مكان لا ينصرف، فلا تقع فاعلًا، ولا مفعولًا، ولا مبتدأ، ولا غير هذا مما لا يكون ظرف مكان. ولا تخرج عن الظرفية المكانية إلا إلى نوع خاص من شبه الظرفية، وهو معها الجر بالحرف "مِنْ" أو "إلى"، نحو: سرت من هنا إلى هناك.
ويصح أن يزاد على آخرها الكاف المفتوحة للخطاب وحدها أو مع "ها" التنبيه صارت مع الظرفية اسم إشارة للمكان المتوسط؛ مثل: هنا، أو: "ها هناك" في الحديقة الفواكه. وإن اتصل بآخرها كاف الخطاب المفتوحة واللام صارت مع الظرفية اسم إشارة للمكان البعيد؛ مثل: هنالك فى الصعيد أبدع الآثار. وفى هذه الصورة تمتنع "ها" التنبيه، لأن "ها" التنبيه لا تجتمع مع لام البعد - كما أشرنا.
وقد يدخل على صيغتها بعض تغيير، فتصير اسم إشارة للمكان البعيد؛ من ذلك، هَنَّا، هِنَّا، هَنَّتْ - هِنَّت... فهذه لغات فيها، وكلها تفيد مع الظرفية الإشارة للمكان البعيد.
ص328
وأما الأخرى: "ثَمّ" فاسم إشارة إلى المكان البعيد؛ مثل: تأمل النجوم فثَم الجلال والعظمة. وهي كسابقتها ظرف مكان لا يتصرف، إلا أن "ثَمَّ" للبعيد خاصة، ولا تلحقها "ها" التنبيه" ولا كاف الخطاب، وهما اللذان قد يلحقان نظيرتها. وقد تلحقها -دون نظيرتها- تاء التأنيث المضبوطة -غالبًا- بالفتح؛ فيقال ثَمَّة.
ومما تقدم نعلم أن المكان باعتباره وعاء، أيْ: ظرفًا -يقع فيه أمر من الأمور ومعنى من المعنى- قد اختص وحده باسمين من أسماء الإشارة؛ فلا يشار إليه باعتباره وعاء وظرفا إلا بواحد منهما. ومن أجل هذا كانا في محل نصب على الظرفية لا يفارقها أحدهما إلا إلى الجر بمن أو إلى. أما بقية أسماء الإشارة فتصلح لكل مشار إليه، مكانًا أوغير مكان. إلا أن المشار إليه إذا كان مكانًا فإنه لا يعتبر ظرفًا؛ مثل هذا المكان طيب، وتلك بقعة جميلة، فكل واحدة من كلمتى: "مكان"، و"بقعة" مشار إليه، دال على المكان، ولكنه لا يسمى ظرفًا.
ص329
وفي الجدول الآتي بيان أسماء الإشارة في الأنواع الخمسة السابقة؛ وهي التي يلاحظ فيها المشار إليه من ناحية إفراده، وتثنيته؛ وجمعه، مع التذكير، والتأنيث، العقل، وعدمه، في كل حالة، وكذلك مع القرب، والتوسط، والبعد:
ص332
كيفية استعمال أسماء الإشارة، وإعرابها
عند اختيار اسم من أسماء الإشارة لا بد أن نعرف أولا: حالة المشار إليه من ناحية: "إفراده، أو: تثنيته، أو: جمعه" و"تذكيره، أوتأنيثه" "عقله، وعدم عقله" ثم نعرف ثانيًا: حالته من ناحية: "قربه، توسطه، أوبعده".
أ- فإذا عرفنا حالته من النواحي الأولى تخيرنا له من أسماء الإشارة ما يناسب؛ فالمشار إليه إن كان مفردًا مذكراً -عاقلا أو غير عاقل- كرجل وباب، نختار له: "ذا"، مثل: ذا رجل أديب، ذا باب مُحكَم. فكلمة "ذا" اسم إشارة، مبني على السكون في محل رفع؛ لأنها مبتدأ في هذه الجملة، وقد تكون في محل نصب أو جرّ في جملة أخرى، فمثال محلها المنصوب: نجح العلماء في إرسال القذائف إلى القمر؛ فنزلت على سطحه، وإن ذا من عجائب العلم. وقول الشاعر:
أيها الناس، إن ذا العصرَ عصُر الـ ... ـعلْم، والجدّ فى العلا، والجهاد
ومثلها محلها المجرور قول الآخر:
ولسْتُ بإمَّعَةٍ فى الرجالِ ... أسائل عن ذا، وذا، ما الخبر؟
فهى مبنية دائمًا. ولكنها فى محل رفع، أونصب، أوجر، على حسب موقعها من الجمل.
وإن كان المشار إليه مفردة، مؤنثة عاقلة أوغير عاقلة - مثل: فتاة وحديقة - فاسم الإشارة المناسب لها هو: "ذى" أوإحدى أخواتها مثل: ذى غرفة بديعة
ص333
ذي فتاة ماهِرة... وهي اسم إشارة مبنية دائمًا على السكون في محل رفع؛ لأنها مبتدأ، هنا، أما في جملة أخرى فمبنية أيضاً، ولكن في محل رفع، أو نصب، أو جرّ، على حسب موقعها من الجملة.
وإن كان المشار إليه مثنى مذكرًا -للعاقل أو غيره- مثل: فارسين، وقلمين، فاسم الإشارة المناسب له: "ذَان" رفعًا، و"ذَيْن" نصبًا وجرًّا؛ فيعرب كالمثنى؛ تقول: ذان فارسان، حاكيت ذَيْن الفارسين، اقتديت بذين الفارسين، ذان قلمان جميلان، اشتريت ذَيْن القلمين، كتبت بذين القلمين؛ فاسم الإشارة هنا معرب مرفوع بالألف في حالة الرفع، ومنصوب ومجرور بالياء في حالتي النصب والجر. وكذا في كل جملة تشبه هذه.
فإن كان المشار إليه مثنى مؤنثًا -للعاقل أو غيره- "ومنه: فصيحتان، وردتان...". فاسم الإشارة الذى يناسبه هو: "تانِ" رفعًا، و"تَيْنِ" نصبًا وجرًّا، فيُعرب إعراب المثنى؛ تقول: تان فصيحتان، إن تين فصيحتان، أصغيت إلى تَيْن الفصيحتين. وتانٍ وردتان - شمِمْت تَيْن الوردتين، حرَصت على تَيْن الوردتين؛ فاسم الإشارة هنا كسابقه، معرب إعراب المثنى. وكذا فى كل جملة أخرى.
وإن كان جمعًا للعاقل أوغيره مثل: الطلاب -الأبواب- أتينا باسم الإشارة المناسب؛ وهو كلمة "أولاء" ممدودة أو مقصورة، وفي الحالتين لا بدّ
ص334
من بنائها، ولا بد لها من محل إعرابي، تقول: أولاء الطلاب نابهون، أولاء الأبواب مفتحة. واسم الإشارة هنا ممدود مبني على الكسر في محل رفع؛ لأنه مبتدأ. أما في جملة أخرى فيكون مبنيًّا أيضًا ولكنه في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب موقعة من الجملة التى يكون فيها: ومثله: "أُولَى" المقصورة. إلا أنها في جميع أحوالها مبنية على السكون في محل رفع أو نصب أو جر على حسب موقعها من الجملة.
وإن كان المشار إليه مكاناً أتينا بكلمة: "هُنَا" وهي إشارة وظرف مكان معًا فهي مبنية على السكون -أو غيره على حسب لغاتها- في محل نصب؛ لأنها ظرف غير متصرف -كما سلف- تقول؛ هنا موظف العلم؛ أي: في هذا المكان. وقد يكون قبلها "ها" التي للتنبيه وحدها، نحو: ها هنا، أو هي والكاف المفتوحة نحو: ها هناك. وقد يلحقها الكاف واللام معًا بشرط عدم وجود "ها" التي للتنبيه.
ومثلها. "ثَمّ" فهي اسم إشارة للبعد وظرف مكان معًا -ولا يتصرف، مبنية على الفتح في محل نصب تقول: ثَمَّ مَقَر السماحة. أي: هنالك. ويجوز أن تلحقها تاء التأنيث المضبوطة بالفتحة غالبًا كما سبق فتقول: ثَمَّةَ ميدان للتسابق الأدبي.
ولما كانت "ثمّ" تفيد البعد بنفسها لم يكن هنا داعٍ لأن تلحقها الكاف ولا اللام.
ومما تقدم نعلم:
أن كل مشار إليه له اسم إشارة يناسبه؛ وكل اسم إشارة مقصور على مشار إليه بعينه، وأن جميع أسماء الإشارة مبنية؛ إما على السكون أو غيره، ولكنها في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب تصرفها، وموقعها من الجملة.
ص335
وليس فيها معرب إلا كلمتان؛ هما "ذان" للمذكر المثنى "وتان" للمؤنث المثنى؛ فيعربان إعراب المثنى؛ فيرفعان بالألف، وينصبان ويجران بالياء، ومع أنهما معربان، فإنهما لا يضافان -كما سبق - فشأنهما في ذلك كشأن المبني من أسماء الإشارة؛ لا يجوز إضافة شيء منه مطلقًا.
ب- وإذا عرفنا حالته في ناحية قربه أو بعده أو توسطه لم يتغير شيء من طريقة إعراب الأسماء السابقة. فإن وجد في آخر واحد منها كاف الخطاب الدالة على التوسط "نحو ذاك... هناك" قيل فيها: "الكاف" حرف خطاب، مبني لا محل له من الإعراب. وإن وجد معها لام البعد أحياناً، مثل: "ذلك"، وهذه اللام لا توجد منفردة عن الكاف -كما أشرنا - قيل فيها: اللام حرف للبعد، مبني على الكسر في نحو: ذلك، وعلى السكون في نحو: تَلْك... لا محل لها من الإعراب.
وإن وجد في أول اسم الإشارة "ها" التي للتنبيه؛ مثل: "هذا" قيل فيها: حرف تنبيه مبني على السكون لا محل له. "مع ملاحظة أن الكاف بعد كلمة: "هنا" حرف خطاب لا يتصرف مطلقًا فهو مبني على الفتح دائمًا، أما بعد غيرها فيجوز أن تتصرف.
ص336
زيادة وتفصيل:
أ- للمناسبة هنا وللأهمية نلخص ما ذكرناه وأيدناه بالنصوص المسموعة الصحيحة في ص225 وهو أنه: يجوز الفصل بين: "ها" التي للتنبيه واسم الإشارة بضمير المشار إليه؛ مثل: هأنذا أسمع النصح، وهأنت ذا تعمل الخير، وهأنتم أولاء تصنعون ما يفيد...
وقد يكون الفصل بغير الضمير قليلا؛ كالقسم بالله؛ نحو: ها -والله- ذا الرجلُ محب لوطنه. وكذلك "إن" الشرطية، مثل: ها، إن، ذي حسنةٌ تتكررْ يُضاعف ثوابُها... وقد تعاد "ها" التنبيه بعد الفصل، لتوكيد التنبيه وتقويته؛ مثل: ها أنتم هؤلاء تحبون العمل النافع.
والشائع هو دخول: "ها" التي للتنبيه على ضمير الرفع المنْفصل الذي خبره اسم إشارة، نحو: هأنذا المقيم على طلب العلوم. ومن غير الشائع، مع صحته طبقًا للبيان والأمثلة المتعددة التي في ص 225 -دخولها إذا كان خبره غير اسم إشارة، نحو: هأنا ساهر على صالح الوطن.
ويُستأنَس لهذا أيضًا -وإنْ كان في غنى عنه لكنه في معرض التخصيص- بما جاء في الصبان والخضرى معًا في باب الحال عند الكلام على العامل المضمن معنى الفعل، كتلك، وليت، وكأن، وحرف التنبيه... حيث قالا فى التمثيل لحرف التنبيه: "هأنت زيد راكبًا..." ا. هـ وهذا لمجرد الاستئناس فقط فقد سبقت الأمثلة الفصحة الواردة عمن يستشهد بكلامه من العرب.
"ملاحظة" يتعين أن يكون اسم الإشارة المبدوء بكلمة: "ها" التى للتنبيه مبتدأ في مثل: هذا أخي. لأن "ها" التنبيهية لها الصدارة بشرط أن تتصل باسم الإشارة مباشرة لا يفصل بينهما ضمير، فإن فصل الضمير بينهما في مثل: "هأنذا" فالضمير هو المبتدأ، واسم الإشارة هو الخبر.
ص337
ويجوز: "هذا أنا" ولكن الأول أحسن وأسمَى في الأساليب الأدبية العالية.
ب- عرفنا أن كلمة "هنا" اسم إشارة للمكان القريب، وظرف مكان معًا. وقد تقع: "هُناك" و"هنالك" و"هَنَّا" المشددة، أسماء إشارة للزمان؛ فتنصب على الظرفية الزمانية؛ مثل قول الشاعر:
وإذا الأمورُ تشابهتْ وتعاظمتْ ... فهناك يعترفون أين المفزعُ
أي: في وقت تشابه الأمور. وكقوله تعالى عن المشركين: {يَوْمَ نَحْشُرُهُم} إلى أن قال: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} ، أي: في يوم حشرهم.
وكقول الشاعر:
حَنَّت نوارُ ولات هَنَّا حَنَّت ... وبدَا الذى كانت نوَارُِ أَجنت
أي: ولات في هذا الوقت حنين، لأن "لات" مختصة بالدخول على ما يدل على الزمن.
ج- يطلق النحاة على أسماء الإشارة وأسماء الموصول اسمًا خاصًّا؛ هو "المُبْهمات"، لوقوعها على كل شيء؛ من حيوان، أو نبات، أو جماد،
ص338
وعدم دلالتها على شىء معين، مفصَّل مستقل إلا بأمر خارج عن لفظها؛ فالموصول لا يزول إبهامه إلا بالصلة، نحو: رجع الذى غاب، كما ستجئ. واسم. الإشارة لا يزول إبهامه إلا بما يصاحب لفظه من إشارة حسية كما عرفنا. ولذلك يكثر بعده مجئ النعت، أوالبدل، أوعطف البيان؛ لإزالة إبهامه، ومنع اللبس عنه؛ تقول؛ جاء هذا الفضل. جاء هذا الرجل...
ص339