x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الجغرافية الطبيعية
الجغرافية الحيوية
جغرافية النبات
جغرافية الحيوان
الجغرافية الفلكية
الجغرافية المناخية
جغرافية المياه
جغرافية البحار والمحيطات
جغرافية التربة
جغرافية التضاريس
الجيولوجيا
الجيومورفولوجيا
الجغرافية البشرية
الجغرافية الاجتماعية
جغرافية السكان
جغرافية العمران
جغرافية المدن
جغرافية الريف
جغرافية الجريمة
جغرافية الخدمات
الجغرافية الاقتصادية
الجغرافية الزراعية
الجغرافية الصناعية
الجغرافية السياحية
جغرافية النقل
جغرافية التجارة
جغرافية الطاقة
جغرافية التعدين
الجغرافية التاريخية
الجغرافية الحضارية
الجغرافية السياسية و الانتخابات
الجغرافية العسكرية
الجغرافية الثقافية
الجغرافية الطبية
جغرافية التنمية
جغرافية التخطيط
جغرافية الفكر الجغرافي
جغرافية المخاطر
جغرافية الاسماء
جغرافية السلالات
الجغرافية الاقليمية
جغرافية الخرائط
الاتجاهات الحديثة في الجغرافية
نظام الاستشعار عن بعد
نظام المعلومات الجغرافية (GIS)
نظام تحديد المواقع العالمي(GPS)
الجغرافية التطبيقية
جغرافية البيئة والتلوث
جغرافية العالم الاسلامي
الاطالس
معلومات جغرافية عامة
مناهج البحث الجغرافي
السكان في الجغرافية السياسية (حضاريا)
المؤلف: محمد رياض
المصدر: الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا
الجزء والصفحة: ص 129-137
22-1-2016
2972
تهتم الجغرافيا السياسية بدراسة السكان من الناحية الحضارية أو الأنتروبولوجية؛ وتشتمل على السلالة والمقومات الثقافية أو الحضارية التي تجعل منهم أمة أو أكثر، خاصة اللغة والدين.
أن الدولة هي تطور تاريخي بمعنى أن جماعة من الناس التصقت بوطن من الأوطان وكونت شعبا معينا وأقامت دولة، وتطورت تطورا حضاريا أو ثقافيا معينا، وكونت تقاليد خاصة بها أو لهجة مختلفة عن جيرانها، وكونت عاطفة معينة في نفوس أفرادها نحو هذا الوطن بحيث أصبحوا شخصية متميزة تطلق على نفسها اسم أمة، وقد يكون لهذه الأمة دولة أو تنطوي تحت لواء دولة أخرى.
اللغة:
وتتمثل مقومات الأمة وخاصة النواحي الحضارية منها التي أهمها اللغة والدين بجانب الأصول المشتركة بنسب مختلفة في تكوين الأمم، ويمكننا القول أن اللغة أهم مقومات الأمة والحاجز اللوني أهم الحواجز التي تفصل السلالات بعضها عن بعض، فاللغة العربية مثلا هي الرباط الهام الذي يربط شعوب العرب ويجعلهم أمة واحدة تمتد من المحيط إلى الخليج.
ونشأة اللغة البرتغالية ميزت البرتغاليين وفصلتهم عن الإسبان، وحتى في إسبانيا هناك شبه قوميتين قائمتين على اللغة القطالونية واللغة القشتالية.
في الجزر البريطانية سادت اللغة الإنكليزية على اللغات الغالية القديمة بعد أن فرض الأنجلو ساكسون أنفسهم سادة وحكاما على سكان الجزيرة؛ مما أدى إلى اندثار بعض اللغات الغالية القديمة مثل لغة كورنول. واتفاق المهاجرين الأوروبيين إلى أمريكا الشمالية في لغة واحدة هو في النهاية الأساس الذي تكونت عليه الأمة الأمريكية، وقد عملت القوميات الحديثة التي كونت دولا بعد الحرب الأولى على دعم قوميتها بجعل لغتها هي اللغة الرسمية الوحيدة وفرضها على الأقليات اللغوية والقومية الموجودة داخل حدودها، ونلاحظ أن بعض الدول عملت على إحياء لغتها القديمة كإحياء اللغة العبرية في إسرائيل أو اللغة الكلتية في أيرلندا الحرة، ومحاولة الفرنسيين إحياء اللغة البربرية في الجزائر وإنشاء قومية بربرية تناهض بها القومية العربية السائدة في شمال أفريقيا.
وقد اعترفت بعض الدول بوجود أكثر من لغة بها، ففي اتحاد جنوب أفريقيا تعتبر لغة البوير وهي لغة هولندية قديمة اللغة الرسمية بجانب اللغة الإنجليزية، وفي كندا تعتبر اللغة الفرنسية لغة رسمية بجانب الإنكليزية، وفي بلجيكا لغتان رسميتان: لغة الفلمنك ذات الأصل الجرماني في الشمال، ولغة الوالون ذات الأصل اللاتيني في الجنوب.
وتوجد في سويسرا أربع لغات هي: الفرنسية والألمانية والرومانشية والإيطالية، ويصل عدد اللغات أقصاه في الهند حيث توجد أكثر من ٢٠٠ لغة مختلفة، وفي الملايو اثنتا عشرة لغة آسيوية ومن ثم كان لا بد من Lingua Franca.
الدين:
رغم أنه عنصر هام في بناء المجتمع إلا أنه في المجتمعات المتطورة ليس عاملا حاسما في تكوين القومية، بل ربما كانت اللغة أبلغ أثرا في التمييز بين الشعوب وتكوين القوميات من الدين، ولا يشذ عن هذه القاعدة سوى اقتران الدين اليهودي بالقومية الصهيونية من ناحية، واقتران الدين الإسلامي بالقومية الباكستانية من ناحية أخرى، وهاتان هما الدولتان الوحيدتان في العالم اللتان تقومان على أساس الدين في الوقت الحاضر باستثناء الفاتيكان، وهي مقر البابا الرئيس الروحي للكنيسة الكاثوليكية في العالم، ولا شك أن العاطفة الدينية تربط الشعوب بعضها بالبعض الآخر عبر الحدود السياسية المرسومة،
فهناك عاطفة قوية تربط دول أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية بالدول الكاثوليكية بأوروبا، وللبابا نفوذ سياسي لا شك فيه في كثير من الدول الكاثوليكية مما جعل بعض الدول تعمل على فصل الدولة عن الكنيسة مثل فرنسا، وفي بلجيكا التي حاولت إبعاد الكنيسة الكاثوليكية، غير أن عوامل القومية قد تغلبت في بعض الأقطار القومية على الدين، والإسلام يعتبر قوة دينية كبيرة في العالم، وهو يتكتل وينتشر من المحيط الأطلسي غربا حتى غرب الصين شرقا، ومن البحر الأسود وقزوين شمالا إلى خط الاستواء جنوبا، وهذه القوة نمت بالتدريج من نواتها الأولى في شبه جزيرة العرب، وبعد قرن من الزمان كانت قد امتدت وشملت العالم العربي كما نعرفه في الوقت الحاضر، ومنه انتشر الإسلام بالتدريج شمالا وشرقا في آسيا كما انتشر عبر الصحراء الكبرى في أفريقيا إلى إقليم الحشائش، ومن شرق أفريقيا وجنوب الجزيرة العربية انتشر عبر المحيط الهندي مع التجار العرب إلى جزر إندونيسيا، ولم يعرف هذا العالم الإسلامي الكبير الوحدة السياسية الكاملة في تاريخه الطويل، غير أن أجزاء كبيرة منه عرفت تلك الوحدة في فترات من تاريخها مثلا أثناء الدولة العباسية. ويعتبر العالم الإسلامي بقومياته المختلفة وهي العربية والإيرانية والتركية والإندونيسية وحدة ثقافية من ناحية الدين والتقاليد وإن اختلفت اللغات.
ومن الدول التي تكونت في الوقت الحاضر ( حديثا ) على أساس الدين الإسلامي الباكستان وإندونيسيا، رغم أن إندونيسيا لم تزعم أنها استقلت على أساس الدين، ولكن فكرة باكستان قامت على أساس فصل الأقلية المسلمة الكبيرة التي بلغت ١٥ ٪ من سكان الهند بثقافتها ولغتها عن الأغلبية الهندوكية.
إن الدول التي تكون الغالبية العظمى من سكانها أي ٩٠ ٪ فما فوق من دين واحد، لا توجد فيها عادة مشاكل أقلية دينية، فمصر وشمال أفريقيا حتى السودان وشبه جزيرة العرب والدول العربية الآسيوية ما عدا لبنان، وتركيا وإيران وأفغانستان وباكستان وإندونيسيا ذات أغلبيات عظمى إسلامية، وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا وجمهوريات أمريكا الوسطى واللاتينية تتكون من غالبيات كاثوليكية، ودول اسكندناوة وأستراليا وجنوب أفريقيا أغلبيتها العظمى بروتستانتية، أما دول البلقان فغالبيتها العظمى أرثوذكسية.
أما الدول ذات الأغلبية الكبيرة من الناحية الدينية فهي التي يتكون 60 – 80% من سكانها من دين واحد، فالولايات المتحدة الأمريكية توجد فيها أقلية كبيرة كاثوليكية تتركز في شرقي الولايات المتحدة وفي الولايات الجنوبية القريبة من المكسيك، أما في أوروبا فهناك نطاق يعتبر منطقة انتقال بين الدول الكاثوليكية والدول البروتستانتية، وهذا النطاق يمتد من بحر الشمال إلى بحر البلطيق شمالا حتى جبال الألب، وهناك أقلية كاثوليكية في الجزر البريطانية، بينما معظم الأيرلنديين كاثوليك والفلمنك في بلجيكا بروتستانت، بينما الوالون كاثوليك، وهناك أقلية كاثوليكية كبيرة أيضا في ألمانيا.
هذا بينما يوجد ٢٧ ٪ من السكان بروتستانت في المجر الكاثوليكية توجد أقلية بروتستانتية كبيرة في شمال أيرلندا، أما بولندا فهي معقدة إلى حد كبير فنجد أغلبيتها الكبيرة كاثوليكية ثم ١٢ ٪ أرثوذكسية و ٢٪ بروتستانت، وكان هناك ١٠ ٪ يهود ولكن معظمهم هاجر إلى فلسطين. والأقليات الإسلامية الموجودة في أوروبا هي التي بقيت بعد انسحاب الأتراك من البلقان: هؤلاء من السكان المحليين الذين دخلوا الدين الإسلامي أثناء الحكم الإسلامي للبلقان أو من بقايا الحكام والجنود والتجار الذين آثروا البقاء في البلقان واتخذوه وطنا لهم، وأعظم فئة إسلامية في البلقان تتمركز في وسط ألبانيا حيث يكونون 70 ٪ من السكان يحيط بهم ٢٠ ٪ من الأرثوذكس في الشمال و ١٠ ٪ من الكاثوليك في الجنوب، كما توجد أقليات إسلامية قديمة في كل من رومانيا وبلغاريا واليونان وخاصة في مقدونيا، أما يوجسلافيا فهي تشبه بولندا في تكوينها الديني؛ إذ إن الكروات قد تأثروا بالكاثوليك ويكونون ٣٧ ٪ من السكان، بينما الصرب أرثوذكس، ويضاف إلى ذلك أقلية
إسلامية كبيرة تبلغ ١١ ٪ من السكان في منطقتي البوسنة والهرسك. وعلى العموم يمكن أن نقسم أفريقيا إلى ثلاثة نطاقات: الشمالي مسلم والجنوبي وثني فيما عدا المستوطنين الأوروبيين، والوسط توجد فيه العقائد الثلاث بدرجات متفاوتة.
أما في آسيا فتوجد أقليات مسيحية في دول الشرق العربي، ففي سوريا ٢٠٪ مسيحيون و ٨٠ ٪ مسلمون، وفي لبنان تتساوى الفئات الإسلامية والمسيحية، أما فلسطين فلها وضع خاص حيث كانت نسبة اليهود ١٠ ٪ في بداية الانتداب البريطاني ثم أصبحت30 ٪ في نهاية الانتداب، وقد زاد هذا العدد نتيجة لسياسة الهجرة اليهودية التي نفذتها بريطانيا في فلسطين، وقد اقتطعت أجزاء من فلسطين تشمل السهل الساحلي والجليل وصحراء النقب ومرج ابن عامر، وكونت ما يعرف بدولة إسرائيل، ولكن عدد اليهود تطور من ٣٨٦ ألف نسمة ١٩٣٧ إلى ٢٣٧٦٠٠٠ إلى ٢٥٠٠٠٠٠ سنة ١٩٦٥ وتضم عددا بسيطا من العرب هو ٨٠ ألفا.
وفي بعض الجمهوريات السوفيتية أغلبيات إسلامية كبيرة مثلا ٦٥ ٪ القزاق قوزاق وفي تركستان الروسية ٧٥ ٪ من السكان مسلمون، أما الصين ففيها أقلية إسلامية تبلغ ٢٠ مليون نسمة معظمهم في الولايات الغربية، وفي جنوب شرقي آسيا 50 ٪ من سكان الملايو مسلمون و ٤٪ من سكان الفلبين مسلمون، ويعتبر هؤلاء أطراف الأغلبية الإسلامية المتمركزة في إندونيسيا، والخلاصة أن الدين عامل قوي مرتبط في بعض الأحيان بالقومية، وينفصل عنها في أحيان أخرى، فالقومية الصهيونية دينية في الأصل وهي المسئولة عن إنشاء إسرائيل، أما في البلاد العربية فالثقافة إسلامية والدعوة القومية تقوم على أساس اللغة.
السلالة:
يقسم العلماء سكان العالم إلى سلالات رئيسية لكل منها صفاتها الجسمانية الخاصة، والتي تميزها كمجموعة وتفصلها عن غيرها من السلالات الأخرى، وأهم هذه السلالات البشرية الرئيسية هي القوقازية والمغولية والزنجية بجانب بعض سلالات أخرى ثانوية.
وتنقسم السلالات الرئيسية إلى سلالات فرعية عديدة مثلا السلالة الرئيسية القوقازية التي تنقسم إلى السلالة النوردية والسلالة الألبية وسلالة البحر المتوسط. وقد اختلطت هذه السلالات منذ فجر البشرية بوسائل الاختلاط الكثيرة عن طريق الغزوات والهجرات والزواج، وأصبحنا حاليا لا نجد سلالة بشرية نقية إلا فيما ندر بين أشد الشعوب بدائية وعزلة مثل الأقزام في داخل الغابات الاستوائية، ولا بد أن نميز بين السلالة بمفهومها البيولوجي، وهي عبارة عن جماعة تتصف بصفات جسمانية معينة تميزهم عن غيرهم من الجماعات الأخرى، وبين الاصطلاحات الأخرى اللغوية أو الدينية أو القومية التي حصل خلط بينها وبين مفهوم السلالة، مثال ذلك الاصطلاحات التي انتشرت لفترة من الزمن حول السلالة الآرية أو السامية أو السلالة اليهودية أو السلالة العربية، وهذا خطأ لأن هذه الاصطلاحات اصطلاحات حضارية ( لغوية أو دينية )، ولا شك أن الذين يصرون على استعمال الخطأ لهذه الاصطلاحات هم دعاة العنصرية والقومية السياسية. والواقع أنه نتيجة الاختلاط الشديد الذي حصل بين السلالات نجد الشعوب مكونة من اختلاط أكثر من سلالة؛ ولذا لا توجد مشاكل سلالية إلا حيث توجد جماعات من سلالات مختلفة يسهل التعرف عليها بسرعة وتعيش معا في دولة واحدة كما في الولايات المتحدة الأمريكية حيث توجد المشكلة الزنجية، وكما في جنوب أفريقيا حيث تظهر بشدة مشكلة الملونين وفي أستراليا قوانين الهجرة القائمة على أساس التمييز العنصري.
المشكلة السلالية في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية:
إن سكان الولايات المتحدة برغم أن غالبيتهم الساحقة من الأصول الأوروبية يكونون خليطا كبيرا من السلالات العالمية الرئيسية، فهناك ٣٥٠ ألفا من سلالة الأمريند الهنود الحمر وهم السكان الأصليون لأمريكا والذين أبادت الحروب البيضاء معظمهم، ولكن أكبر المشاكل السلالية هي الناجمة عن وجود الزنوج والمغول والملونين.
والخوف الأكبر للبيض ليس راجعا فقط إلى الخوف من الاختلاف السلالي وفقدان لون البشرة الأبيض والصفات القوقازية الأخرى، إنما أكبر ما يثير الخوف هو أن إزالة كافة أنواع التمييز العنصري سوف تؤدي إلى منافسة قوية لكل الملونين في أشكال الحياة الاقتصادية والسياسية، وبذلك ينزل الأبيض الفقير من مكانته الاجتماعية التي يكتسبها لمجرد لون بشرته.
وفي الولايات المتحدة حوالي ٢٠ مليونا من الزنوج ( ١٩٦٠ ) غير أولئك الذين تسربوا داخل الكتلة السكانية البيضاء، وهم يتمركزون أساسا في عدد من الولايات الجنوبية ويكونون أكثر من ثلث هذه الولايات عامة، بينما تقل نسبتهم إلى مجموع سكان الولايات الأخرى كلما اتجهنا شمالا (انظر الخريطة ٨) ويتضح هذا التتابع على الساحل الشرقي بوضوح شديد؛ فنسبة الزنوج في كارولينا الجنوبية ٣٥ ٪ تنخفض إلى ٢٥ ٪ في كارولينا الشمالية، وإلى ٢١ ٪ في فرجينيا، ١٦ ٪ في ديلاور، و ٨٫٥ ٪ في نيوجرسي ونيويورك، و ٤٫٢٪ في كونيتيكت، و ٢٫٢ ٪ في ماساشوستس، و ٠٫٣ ٪ في نيوهامشاير ومين.
ويتكون ٢٠ ٪ من السكان الأمريند والإسكيمو، بينما ٣٢ ٪ فقط من سكان ولاية هاواي هم من الأوروبيين، وإلى جانب ذلك توجد أقليات صينية ويابانية مركزة في منطقة الساحل الغربي الأمريكي، لكن التمييز العنصري موجه بعنف ضد الزنوج أكثر منه ضد غيرهم، ويرجع ذلك إلى كثرتهم العددية التي تساوي في مجموعها حوالي ١٠ ٪ من مجموع سكان الولايات المتحدة.
ولا شك أن مشكلات الأقليات عامة والزنوج خاصة تميل إلى إضعاف التضامن والتواجد السياسي العام في أمريكا، ويرى البيض أن حل المشكلة يكمن في بقاء الزنجي مستقلا اجتماعيا، بينما هو مندمج اقتصاديا في العمل الأمريكي، لكن الزنوج يرفضون
هذا الاستقلال الاقتصادي، وتنادي هيئاتهم السياسية المتطرفة باستقلالهم في ولاية واحدة مثل كارولينا وجورجيا.
أما أمريكا اللاتينية فهي تختلف عما تقدم؛ إذ حدث فيها اختلاط كبير بين سلالات متباينة، ويمكن إرجاع عناصر السكان إلى ثلاث مجموعات هي:
1- الهنود الأمريكيون (الأمريند).
2- الأوروبيون.
3- الزنوج.
ويتمركز الهنود الأمريكيون في الجمهوريات الشمالية الغربية من أمريكا اللاتينية حيث كانت تقوم مدنيات هندية قديمة، ففي جمهورية المكسيك كانت حضارة الأزتك وفي جمهورية جواتيمالا حضارة المايا، وفي الإكوادور وبيرو وبوليفيا كانت حضارة الأنكا، والهنود يكونون أغلبية عددية في كل من بوليفيا وجواتيمالا ونصف سكان بيرو ولهم أقلية كبيرة في المكسيك، أما الأوروبيون فأغلبهم من سكان جنوب أوروبا وأقدمهم الإسبان والبرتغال، ويوجد معهم عدد كبير من السوريين واللبنانيين وكذلك في شيلي، وتكاد هذه الجمهوريات الثلاث تكون خالية من الهنود أو الزنوج، ويفوق عدد الأوروبيين فيها
عدد العناصر المختلطة ( المستيزو )، كذلك يفوق عدد العنصر الأوروبي العناصر المختلفة والهندية في أورجواي وفي كوستاريكا.
أما الزنوج فتركز عددهم في الجمهوريات الاستوائية الحارة في البرازيل وفنزويلا، كذلك في جزر البحر الكاريبي في بنما وجاميكا وهايتي، وتقل نسبتهم في بقية جمهوريات أمريكا اللاتينية، وقد اختلط الزنوج بالبيض؛ لأن البرتغاليين لم ينفروا من الزنوج كما نفر الأوروبيون الآخرون، ويقبل سكان هذه الجمهوريات أصولهم الزنجية بنفس الروح التي يقبل الأمريكي في الولايات المتحدة أصله الإيطالي أو التشيكي، ونشأ عن اختلاط الزنوج بالأوروبيين عناصر المولاتو وعددهم في العالم الجديد حوالي ٨ ملايين نسمة، كذلك حدث اختلاط بنسبة قليلة بين الزنوج والهنود والأمريكيين، وحدث اختلاط أكبر بين الأوروبيين والهنود الأمريكيين، والعناصر الجديدة هي التي تسمى بالمستيزو، وتسود عناصر المستيزو في بعض الجمهوريات؛ فهي في بارغواي ٩٧ ٪ من السكان، وفي فنزويلا ما بين ٧٠ و ٩٠ ٪ مستيزو، وعددهم في أمريكا الجنوبية حوالي ١٦ مليونا، ويقدر بعض الكتاب نسبة الإسبان والبرتغاليين الخلص بحوالي ١٠ ٪ من السكان، وتدل القرائن على
أن هذه القارة قد انصهرت فيها عناصر مختلفة واختلط فيها أيضا المولدون، وقد تنتهي هذه العملية بسلالة واحدة تغلب فيها صفات الأوروبيين والهنود الأمريكيين، فتصبح أمريكا اللاتينية المثل الصالح للتسامح العنصري، ولا سيما إذا اقترن هذا برفع مستوى الطبقات الفقيرة التي يحتشد فيها الهنود الأمريكيون والزنوج والمولدون والمستيزو.
الدول الناضجة عنصريا:
ونختم هذا الموضوع بالإشارة إلى أن الدول التي تكون من سلالة واحدة قليلة العدد في الوقت الحالي، وتختلف الدول من حيث تجانسها السلالي فقد يكون التكوين للدولة من الناحية السلالية من ناحية تجانسها بسيطا أو ملتئما أو مركبا، فالتكوين البسيط هو الذي لا يلحظ فيه الغريب أي تنافر سلالي في الشعب الذي يكون الدولة، فمثلا المصريون متجانسون أتم تجانس رغم تعدد السلالات التي دخلت في تكوينهم؛ إذ استطاعت البيئة المصرية على مدى القرون أن تتمثل جميع العناصر التي دخلتها بحيث أصبحت جميعا مصرية، وتشبه هذه الحالة أيضا الأمة الفرنسية؛ فهي أمة متجانسة رغم وجود ثلاث سلالات أوروبية رئيسية ممثلة داخلها فقد حدث الانصهار والتمثيل خلال تاريخها الطويل بين العنصر الغالي الكلتي والعناصر النوردية، وامتزجت الثقافات وكونت أصول الثقافة الفرنسية الحديثة رغم وجود عنصر الباسك في الجنوب الغربي والبريتون في شبه جزيرة برتني.
ويتمثل التكوين الملتئم في جمهوريات العالم الجديد؛ إذ من السهل التعرف على عناصر السكان المختلفة دون عناء كبير في أي وحدة سياسية فيه، ويمكن اعتبار البريطانيين تكوينا ملتئما؛ فهناك ثلاث قوميات لكل لغتها المتميزة وهي: الإنجليزية والغالية والاسكتلندية، هذا رغم وحدة اللغة والتقاليد ووحدة المصالح المادية والفرص الواحدة المتساوية أمام هذه القوميات جميعا في العمل والحكم، وكانت كلها عوامل تمثيل قوية تؤدي إلى وحدة قومية واحدة.
أما التكوين المركب فهو لا يميز إلا الدول التي لم تنضج قوميا، وهذا التكوين يشبه تكوين العناصر التي لم يمتزج بعضها ببعض إلى جانب احتفاظ كل منها بشخصيته الحضارية، بل وولائه القومي، ومن ثم كان هذا التكوين مصدر ضعف للدولة، ومن ثم أيضا كانت المشكلة التي يطلق عليها مشكلة الأقليات. وتنقسم الأقليات إلى أقليات قومية وأقليات غير قومية، والأقليات القومية هي التي تدخل في تكوين القومية الأصلية في الدول، مثل: الفرنسيون في كندا، والإيطاليون في الأرجنتين، والألمان في البرازيل وشيلي، كذلك هناك أقليات قومية سلالية مثل: الزنوج في الولايات المتحدة، واليابانيون في البرازيل، والباسك في فرنسا، والأتراك في بلغاريا، واللاب في السويد. أما الأقليات غير القومية فبعضها قانع راض بوضعه في الدولة التي وجد نفسه فيها، وبعضها له ميول للانفصال والانضمام إلى بقية أفراد قوميتها الموجودين خارج الحدود، من الأمثلة على القنوعيين الدانمركيون والهولنديون في ألمانيا، وعددهم قليل، كذلك الكروات والسلوفيون في جنوب شرق النمسا، وكلاجنفورت في جنوب النمسا، والأرمن في تركيا وسوريا، والإيطاليون في ساحل دالماشيا الساحل الشرقي لبحر الأدرياتيك.
وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى عقدت تركيا عدة اتفاقيات مع اليونان ورومانيا أعيد بمقتضاها الأتراك الموجودون في اليونان ورومانيا إلى تركيا، وأخطر الأقليات جميعا هي التي تأمل في الانضمام إلى الدولة الأم، ولقد استغل القوميون المتطرفون هذه الأقليات لأغراض توسعية كالحزب النازي المسئول عن إحياء حركات الانفصاليين في بولندا والسوديت، وكانت ألمانيا العظمى في نظر الحزب تشمل كل مكان يسكن فيه ألماني بغض النظر عن القوميات الأخرى، والألمان الموجودين خارجها لأن حدودها لأسباب اقتصادية وتاريخية وسياسية عديدة لم تستطع أن تضمهم جميعا، فهناك الألمان في شلزويج (جنوب الدنمارك) والألمان الموجودون في بلجيكا في إقليم مالميدي وفي التيرول الإيطالي وفي سويسرا وفي إقليم بانات في رومانيا ويوجسلافيا، والألمان الذين كانوا يسكنون في دول البحر البلطي مع الألمان الذين كانوا يسكن ونشرق نهر الأودر قد نقلوا عبر الحدود إلى ألمانيا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي إحدى عمليات نقل السكان الكبيرة التي تمت بعد الحرب العالمية الثانية، فلم يبق الألمان في ممل أو بروسيا الشرقية أو الممر البولندي القديم أو سيليزيا العليا.
وتوجد أقلية مجرية في إقليم الزكلر في رومانيا، وقد طلب هؤلاء الانضمام إلى المجر عندما خضعت للغزو الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، وتعمل المبادئ الماركسية على إذابة الخلافات بين الأقليات، خاصة في البلقان الذي يمتلئ بأقليات لغوية ودينية كثيرة في رومانيا ويوجسلافيا على وجه التحديد، ولم يحن الوقت الكافي لمعرفة نتائج السياسة الجديدة وانعكاساتها على التركيبات السكانية المختلفة داخل الدول، سواء كانت سلالية أو لغوية أو حضارية.