بطليموس يوباتور وقبرص
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج16 ص 361 ــ 363
2025-12-17
45
ذهب بعض المؤرخين إلى الزعم بأن «يوباتور» بن الملك «بطليموس فيلومتور» و«كليوباترا الثانية» كان قد نُصب نائب ملك، بل وقيل إنه تُوِّجَ ملكًا على «قبرص». ونحن نعلم من الأوراق البردية أنه كان قد اشترك مع والده في حكم مصر منذ أبريل عام 152ق.م، غير أنه من المحتمل أنه لم يكن مشتركًا معه في يناير عام 150ق.م وأنه في يوليو من نفس العام حضره الموت، وقد اقْتُرِحَ أنه كان قد تُوِّجَ ملكًا على «قبرص» لأجل أن يقوي حكومتها بسبب التهديد بالهجوم عليها من قبل «بطليموس إيرجيتيس الثاني» أو «البطين» كما كان يُدْعَى، وقد قام فعلًا هذا الهجوم عام 154ق.م كما ذكرنا آنفًا. يُضاف إلى ذلك أن فصل «قبرص» عن «مصر» كان يتمشى مع رغائب السياسة الرومانية. وكان من فائدة «فيلومتور» أن يرضى الرومان، وبخاصة عندما نعلم أنه كان على أبواب القيام بالتدخل في شئون سوريا في جانب «الإسكندر بالاس». ولكن مما يُؤْسَفُ له أن وجود «يوباتور» في «قبرص» وقتئذ لم تَقُمْ عليه دلائل قاطعة. وقد تحدث عن هذه الأوراق البردية الأثري «جوتييه» (1). وعلى أية حال نجد أن «جوتييه» قد قبل وجود عملة — كما سنذكر بعد — تدل على أن السنة الأولى من عهد «يوباتور» تقابل السنة السادسة والثلاثين من عهد الملك «فيلومتور» (2).
أما عن النقوش التي دُوِّنَت على شرف الإله «يوباتور» فإن واحدًا منها يبرهن على أنه كان ابن «فيلومتور» و«كليوباترا الثانية» (3). هذا، وقد تحدث «باريتي» (4) عن ثلاثة نقوش أَرَّخَهَا بعامي (153-152 و151-150 ق.م) مدعيًا أنها تبرهن على وجود «يوباتور» وقتئذ في «قبرص»؛ والواقع أنها لا تبرهن على ذلك، غير أنه يمكن القول إنه من الأشياء التي تلفت النظر أن ثلاثة التماثيل التي مُثل فيها «يوباتور» بوصفه ملكًا كانت كلها قد أُقِيمَتْ في «قبرص» في حين أنه لم يُعْرَف له حتى الآن أي تمثال في مصر. ومما يُؤْسَفُ له أنه في كل من هذه التماثيل الثلاثة قد مُحِيَ اسم المهدي، والمسلم به بوجه عام أن هذا المحو كان قد عُمِلَ بعد تولي «إيرجيتيس الثاني»؛ وذلك تمشيًا مع سياسة إنزال اللعنة على ذكرى «فيلومتور» ونسله.
هذا، ونجد من جهة أخرى أن الأثري «أوتو» (5) Otto قد وضع أمامنا استنباطًا غاية في الفطنة؛ فقد قال إن ما تدل عليه أوراق البردي هو أن «يوباتور» قد ظهرت عبادته بوصفه إلهًا في عام (153-152ق.م)، وفي أبريل عام 152ق.م نجد أنه كان مشتركًا مع والده (6)، وفي يناير عام 150ق.م لم يكن مشتركًا مع والده في الحكم. غير أنه لم يمت إلا بعد ذلك؛ لأنه على ما يظهر على حسب نكتة فاه بها «أنتباتور» الصوري منسوبة إليه جعلت موته يقع في وقت واحد مع كسوف كلي للقمر رؤي في مصر. وهذا الكسوف يشير إلى الثالث من يوليو أو الثامن والعشرين من ديسمبر عام 150ق.م، وعلى ذلك فإن النقوش الثلاثة تقع في الفترة ما بين (153-152) إلى 150ق.م. ولما كانت هذه النقوش تذكر «يوباتور» وحده ولم تذكر والده فإن «أوتو» قد استنبط من ذلك أن هذه النقوش عندما حُفِرَتْ لم يكن «يوباتور» بعد مشتركًا مع والده في الملك؛ بل كان ملكًا منفردًا، وعلى ذلك فإن والده لم يعد بعد حاكمًا ﻟ «قبرص»، ومن ذلك نفهم أن «يوباتور» بعد انقضاء وقت ما بعد أبريل عام 152ق.م قد أصبح لا يشترك في حكم كل الدولة المصرية، بل أصبح حاكمًا مستقلًّا؛ أي ملكًا على «قبرص»؛ وذلك لأن «فيلومتور» قد نزل عن «قبرص» له. وقد اقْتُرِحَ أن «أميليوس لبيدوس» Aemilius Lepidus هو الذي نصب «يوباتور» بمثابة ملك في عام 152ق.م، وأن هذا هو موضوع عملة إغريقية مشهورة (7)، وقد استعمل «أنتيباتور» كلمة ανοξ وهي اللفظة القديمة التي كانت تُطْلَقُ على أمراء «قبرص» لتصف «يوباتور» بأنه حاكم «قبرص»، غير أن البيان الذي قدمه لنا «أوتو» هنا ينطوي على نقطتي ضعف. فقد ذكر لنا المؤرخ «دتنبرجر» Dittenberger أنه فيما يخص قاعدة تمثال «إبيفانس» (8) فإن تماثيل الحكم المشترك يمكن أن تقام كل منها على انفراد، وأن النقش يشير لكل منهما على انفراد باسم صاحبه.
ومن جهة أخرى لا يمكن أن نبني قضية تاريخية على نكتة شعرية.
ولكن على أية حال مهما كان غرض الخطة سواء أكان «يوباتور» قد نُصب ملكًا على «قبرص» أم لا فإنها قد أسفرت على لا شيء؛ وذلك بسبب القضاء على الملكية المشتركة لسبب مجهول وموت «يوباتور» وهو غض الإهاب. على أن هذا الموضوع قد أُحْيِيَ من جديد، وذلك أنه عُثِرَ على عملة في بافوس Paphos عليها تاريخ مزدوج يوحد السنة الأولى — لملك اشترك حديثًا في الملك — بالسنة السادسة والثلاثين من عهد الملك «فيلومتور»، وذلك يبرهن على أنه في عام (146-145ق.م) لا بد قد نصب ابنًا آخر معه على عرش الملك ليكون شريكًا له. وقد كان هذا الحادث دون شك في أمسية سفره على رأس الحملة التي قام بها إلى «سوريا»، وهي التي كان فيها القضاء على حياته. وهذه الحملة — كما ذكرنا من قبل — كانت لمساعدة «الإسكندر بالاس» لا عليه، وقد كان هذا الابن الذي نُصب شريكًا له هو الذي يُعْرَفُ عند المؤرخين باسم «نيوس فيلوباتور»، وهو الذي يُقال إن «بطليموس إيرجيتيس الثاني البطين» قد قضى على حياته في نفس اليوم الذي تزوج فيه من أمه «كليوباترا الثانية».
.............................................
1- راجع: Gauth. L. R. IV. PP. 335 ff.
2- راجع: Ibid. p. 297 No. 1.
3- راجع: O. G. 1 S. 125, 126, 127.
4- راجع: L. Parete, Ricerche sui Tolemi Eupatore e Neo Filopatore in Atti acad. Torino, XLIII, 1907-8, 497–519
5- راجع: W. Otto, zur Gesch. Der zeit des 6 Ptolemaers in Abh. Bayer Akad. Phil-hist. Abt., N.F. Heft XI, (1934) PP. 119 ff
6- راجع: Anth Pal, VII, 241.
7- راجع: Hill. Hist. Rom. Coin. PP. 51 ff.
8- راجع: O. GIS, 93.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة