هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تساعد الآباء في معالجة حالة القلق والإضطراب عند الأطفال نشير إلى بعضها:
الأول: تعزيز الروح الإيمانية
إن الإيمان بالله تعالى له دور أساسي ومهم في التخفيف من حالة الإضطراب عند الأولاد، ومن الأمور التي لا يمكن إنكارها هي أن الأبناء الذين ترعرعوا في عوائل دينية وإيمانية، وتعلموا فيها مبادئ التوحيد والإيمان بالله تعالى أقل عرضة للقلق والإضطراب وقد صرّحت بذلك الآيات القرآنية قال تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
إنّ القلب الذي يمتلأ إيماناً بالله تعالى وينشغل بذكره سبحانه سوف لا يدخله خوف ولا جزع وقد جاء في: الآية 4 من سورة الفتح {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4] وجاء في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله): ((مَنْ أَحَبَ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى))(1).
وليس هذا العامل مجرد دعاية وشعار يهتف به أهل الإيمان بل هو من الحقائق التي صرّح به الخبراء والأخصائيون الغربيون ما ذكروه في دراساتهم بأن حالة القلق والإضطراب عند المؤمنين بمبدأ العالم وخالق الكون أقل من وجودها عند الذين لا يؤمنون بذلك المبدأ وأن الدول التي يؤمن شعبها بعقيدة التوحيد أقل عرضة للقلق والإضطراب من الدول التي لا تعتقد بعقيدة المبدأ والمعاد(2).
الثاني: تعزيز العلاقات الأسرية
من أهم العوامل والأسباب لإزالة حالة القلق والإضطراب عند الأبناء هو تعزيز الحالة الإجتماعية لديهم حيث يسعى الأبوان في أن يجعلوا من أبنائهم أطفالا إجتماعيين يحبون التواصل مع الآخرين ويوفران لهم فرصاً من اجل تعزيز تواصلهم مع أرحامهم وأقربائهم، لأن الطفل الذي يشعر بأنّ له أرحاماً يعينونه في الازمات الشديدة والاوقات الحرجة التي تمر به، سوف لا تؤثر عليه كثير من عوامل القلق والإضطراب.
وبعبارة اخرى أن الأطفال الذين يكثرون التواصل والإرتباط مع ذويهم وأهلهم أقل عرضة للقلق والإضطراب ولعلّ هذا السبب هو الذي دعا الشريعة الإسلامية الى أن تؤكّد على موضوع صلة الأرحام فقد جاء في الأحاديث في أهمية صلة الرحم إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تُزَكَّيِ الْأَعْمَالَ وَتُيَسِّرُ الْحِسَابَ وَتَدْفَعُ الْبَلْوَى وَتَزِيدُ فِي الْعُمُرِ)(3).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال ((إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي أَهْلًا قَدْ كُنْتُ أَصِلُهُمْ وَهُمْ يُؤْذُونَنِي وَقَدْ أَرَدْتُ رَفْضَهُمْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) إِذَنْ يَرْفُضُكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً قَالَ وَكَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ تُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ ظَهِيراً قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ فَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) مَا الظَّهِيرُ قَالَ الْعَوْنُ(4).
وعنه (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: ((أَوَّلُ نَاطِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْجَوَارِحِ الرَّحِمُ تَقُولُ يَا رَبِّ مَنْ وَصَلَنِي فِي الدُّنْيَا فَصِلِ الْيَوْمَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَمَنْ قَطَعَنِي فِي الدُّنْيَا فَاقْطَعِ الْيَوْمَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ))(5).
الثالث: الاصغاء إلى مشاعر الطفل
إنَّ استماع الأبوين لمشاعر طفلهما، والاهتمام بها، والسماح له بالتعبير عن آرائه ورفضه لأمرٍ ما بشكل حر ودون فرض أي قيود عليه؛ له دور كبير في تخلص الطفل من قلقه.
فعلى الأبوين أن يسألا طفلهما عن المشكلة التي يعاني منها وليحذرا من تحقيره وإلقاء المسؤولية عليه وإتهامه بالتقصير ويقولا له أنه هو السبب في المشكلة التي وجدت ولا يقوما بنصحه في وقت لم يكن مناسباً للنصح، ذلك انه سوف لا يسمع لنصحهما لأنّ الطفل المصاب بالاضطراب يشبه الغريق الذي لا يفيده نصح الناصح، وإنما على الناصح في ذلك الوقت أن يحاول ويسعى لإنقاذ الغريق لا غير فإذا أنقذه من خطر الغرق والموت المحتم هنالك يبدأ بنصحه وتوبيخه وأنّه لماذا فعل كذا ولم يفعل كذا وهكذا الحال في الولد المصاب بالقلق والإضطراب فإنه يشبه الغريق فلابد للآباء أولاً من حلّ مشكلته التي يعاني منها ثم توبيخه وتحذيره من الخطأ الذي إرتكبه والذي تسبب في تورطه في هذه المشكلة، ولذلك ينبغي عليهما أن يصغيا لكلامه وليسمعاه بدقة وجدية وأن يدعماه ويسانداه بكلامهما وتأييدهما له فإن الطفل المصاب بحالة القلق بأمس الحاجة إلى المساندة ومساعدة الآخرين لأنه يشعر بالوحدة والغربة ويحس أنه مطرود ومنعزل عن الآخرين.
ولذلك فإنّ تعاطف الأبوين مع مشاعر الطفل يخفف عليه من تلك المعاناة ويزيل عنه الإضطرابات التي يعانيها بسبب وحدته وعدم إندماجه مع الآخرين.
الرابع: مدح الأبوين لإنجازات الطفل
إنَّ المدح والثناء وامتداح الجهود التي يبذلها الطفل، والإنجازات التي يحققها - ولو كانت صغيرة وقليلة - تساعده للتخلّص من القلق وتعزز من ثقته بنفسه، وتحثّه على القيام بإنجازات أكبر وأعظم وترغبه في القيام بأعمال أكثر وأفضل. لاسيّما إذا كانت تلك الإنجازات إجتماعية تدعو الطفل إلى التكثيف من حالات تواصله الإجتماعي مثل المشاركة في دورات رياضية وتقييم دوره الفعال في فوز فريقه أو المشاركة في دورات فنية تقام في المدرسة أو تشجيعه لإلقاء الكلمات والخطب في جمع من زملائه وأصدقائه.
وقد روي عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنهم كانوا يشجعون أولادهم ويحثونهم على القيام بنشاطات فردية وإجتماعية، فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال لولده الحسن ((بني قم فأخطب حتى اسمع كلامك قال: يا أبتاه كيف أخطب وأنا أنظر إلى وجهك استحيي منك؟))(6) فجمع علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمهات أولاده ثم توارى عنه حيث يسمع كلامه....
وقد ورد أيضاً أنه كان (عليه السلام) يشجع الآباء على تعليم أولادهم شعر أبي طالب (عليه السلام)، فعن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: ((كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعجبه أن يروي شعر أبي طالب وأن يدون، وقال: تعلموه وعلموه أولادكم فإنه كان على دين الله وفيه علم كثير))(7).
الخامس: مساعدة الطفل في الحفاظ على هدوئه
يجب على الأبوين مساعدة طفلهما في الحفاظ على هدوئه وذلك عندما يرون أنه يشعر بالتوتر والقلق تجاه أمرٍ ما فعليهم حينئذ أن يبعدوه عن المشاهد والمناظر التي تزيد في قلقه وإضطرابه، فإذا كان إضطراب الطفل ناشئ من الظلام والشعور بالوحشة، فلابد من منعه عن مشاهدة الأفلام والمسلسلات المخيفة التي تزيد في قلقه، وعلى الآباء أن لا يتابعوا تلك الأفلام والمسلسلات في حضور طفلهم الذي يعاني من الوحشة والقلق.
وإذا كان قلق الطفل ناشئ من ذهابه إلى المدرسة أو إهمال واجباته المدرسية المطلوبة منه أو من الإمتحان الذي تقرر أخذه من الطلاب، فحينئذ يجب على الأبوين أن يحافظوا على هدوئهم وهدوء طفلهم ولا يزيدان في قلقه ورعبه تجاه واجباته وإختباره المدرسي من خلال لومهم وتوبيخهم للطفل بأن يقولوا له لماذا لم تدرس...؟ أنت سترسب في الإمتحان... من حق الأستاذ أن يعاقبك لإهمالك الواجبات... أو غيرها من الكلمات التي تزيد من حالة القلق والإضطراب لدى أبنائهم.
ولابد للأبوين أن يحافظا على هدوئهم في تلك المواقف الحرجة التي تمر بالطفل لما فيه من التأثير المباشر على هدوء الطفل لأنّ الطفل عندما يرى ردة فعل أبويه هادئة ومتزنة تجاه أي حدث أو أمر طارئ، عندها سوف يتعلم الهدوء وعدم التوتر والقلق مع مرور الوقت.
السادس: علاج جذور المشكلة
لابد للأبوين أن يتعرفا على طبيعة القلق والإضطراب الذي يعاني منه الطفل لأنّ الإضطرابات التي يصاب بها الطفل تختلف بعضها عن البعض الآخر ولكل نوع من أنواع القلق والإضطراب علاجه الخاص به ومن أهم وأشهر أسباب القلق والإضطراب هو الذهاب الى المدرسة - وقد تقدم ذكره – فإذا كان سبب قلق الأولاد الذهاب إلى المدرسة أو عدم رغبته في العودة إلى المدرسة فيجب على الأبوين حينئذ أن يتداركا الأمر ولا يتسرعا في إرسال طفلهم إلى المدرسة بل لابد لهما أن يكشفا عن سبب إمتناع الولد للذهاب إلى المدرسة فيقوما بمواجهة ذلك السبب والتغلب عليه بالطرق المناسبة ووضع حلول تكافح سبب المشكلة، فعلى سبيل المثال إذا كان سبب خوفه من الذهاب إلى المدرسة صعوبة الدراسة وعدم إستيعابه للدرس، فحينئذ يجب على الوالدين أن يبذلا أقصى جهدهما لتعليم الطفل وتدريبه على المواد الدراسية فيواكب في التعليم مسار زملائه ولا يشعر الولد بالتأخر والتخلف أمام أصدقائه وزملائه.
وإذا كان سبب إمتناعه من الذهاب إلى المدرسة التعامل السيء والعنيف الذي قد رآه من معلمه واستاذه فحينئذ يجب على الوالدين مراجعة المدرسة والتحدّث مع المدير حول هذا الأمر الذي أوجب قلق الطفل وإضطرابه. ولينبه الاستاذ على سوء تصرفه وسلوكه مع الطفل والأثر السيء الذي خلفه في نفسه وأن لا يعود إلى ذلك ويجب أن يكون ذلك بعيداً عن أنظار الطفل حتى لا يتجرأ على الاستاذ مهما كان خلق الاستاذ وسلوكه مع الأطفال، وقد جاء في رسالة الحقوق عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في أهمية وضرورة تقدير المعلم أنّه قال: ((وَحَقٌّ سَائِسِكَ بِالْعِلْمِ التَّعْظِيمُ لَهُ وَالتَّوْقِيرُ لِمَجْلِسِهِ وَحُسْنُ الِاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ وَأَنْ لَا تَرْفَعَ عَلَيْهِ صَوْتَكَ وَأَنْ لَا تُجِيبَ أَحَداً يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُجِيبُ وَلَا تُحَدِّثَ فِي مَجْلِسِهِ أَحَداً وَلَا تَغْتَابَ عِنْدَهُ أَحَداً وَأَنْ تَدْفَعَ عَنْهُ إِذَا ذُكِرَ عِنْدَكَ بِسُوءٍ وَأَنْ تَسْتُرَ عُيُوبَهُ وَتُظْهِرَ مَنَاقِبَهُ وَلَا تُجَالِسَ لَهُ عَدُوّاً وَلَا تُعَادِيَ لَهُ وَلِيّاً فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ شَهِدَ لَكَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ بِأَنَّكَ قَصَدْتَهُ وَتَعَلَّمْتَ عِلْمَهُ لِلَّهِ جَلَّ اسْمُهُ لَا لِلنَّاسِ))(8).
السابع: إستخدام طريقة الاسترخاء
يمكن للأبوين أن يُعلَّما طفلهما رياضة التمدد والتأمل، وكيفية أخذ نفس عميق والعد من الواحد الى العشرة، وكيف يمكنه أن يحصل على حالة الاسترخاء؛ فكل ذلك يساهم في مساعدة الطفل على تحسين قدرته في التحكم بأعراض القلق لديه ويعزز من شعوره بإمكانية السيطرة على جسمه.
الثامن: النوم الكافي
من الأسباب المؤثرة في إزدياد حالة القلق عند الأولاد هو اليقظة الطويلة وعدم النوم الكافي وتزداد هذه الظاهرة عند المراهقين منهم لما لهم من النشاط المضاعف والإنشغالات الكثيرة المملوءة بالحيوية والحركة والسعي والتي تمنعهم من النوم وأخذ الحصة الكافية من الراحة والإسترخاء، ذلك أنّ أغلب هؤلاء الأولاد ينامون في وقت متأخر من الليل ويستيقظون في وقت مبكر من الصباح للذهاب إلى المدرسة فيفقدون السكينة والطمأنينة المطلوبة، وهذا ما يخلق فيهم حالة القلق والإضطراب، ولهذا يجب علينا ومن اجل معالجة القلق والإضطراب الناشئ من السهر أو اليقظة الزائدة أن نستخدم العلاج الطبيعي وهو النوم الكافي بحيث لا يحتاج الولد إلى الإسترخاء والراحة ولا يذهب به إلى القلق والإضطراب.
التاسع: الرياضة
تعتبر الأعمال الرياضية من أهم طرق معالجة القلق والإضطراب النفسي عند الأطفال والمراهقين، وذلك لأنّ الكثير من الاضطرابات التي يبتلى بها الأطفال والمراهقون إنّما تتضخم وتتضاعف بسبب الخمول الذي يتصف به الأبناء فلهذا نجد أنّ أغلب الأفراد الذين يتعرضون لحالة القلق والإضطراب هم اولئك الأفراد الذين لا يحبذون الحركة البدنية بل يميلون إلى السكون وعدم التحرّك والقيام بالأنشطة، على العكس من أولئك الذين يمارسون الحركة والنشاط والفعالية فإنّهم أقل عرضة للقلق والإضطراب.
من هنا يتبين أن الحركة والنشاط والفعاليات الجسمية بشكل عام لها دور في تفريغ حالة الهيجان التي تسبب حالة القلق والإضطراب عند الإنسان لاسيّما الأطفال والمراهقين ولعل هذا هو السبب الذي جعل الدين الإسلامي يؤكد على الأبوين في تعليم أولادهم السباحة والسباق فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال ((علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل))(9) وذلك لما في هاتين الرياضتين من الفوائد الجسمية والصحية التي ربّما لا يمارسها الكثير من الناس فقد ذكر الأخصائيون:
أن السباق يقوي العضلات ويخفف من حالات التشنج ويزيد في تنشيط الدورة الدموية وهي أكثر الرياضات التي تعمل على حرق السعرات الحرارية.
وأما فوائد ممارسة السباحة فقد دلّت البحوث الصحية والرياضية على أن ممارسة السباحة لمدة نصف ساعة يومياً يخفض من ضغط الدم ويقوي القلب ويقلل من معدل الكولسترول في الدم وأما ممارسة السباحة بمقدار ساعة فقد ذكروا من فوائدها أنها تحرق ما بين 250 و 500 سعرة حرارية وهي تساعد في التغلب على الضغوط النفسية وإسترخاء الجسم وأما رياضة الرماية فهي رياضة تقوم بتنبيه أعضاء الجسم، وتجعل الشخص يعتمد على نفسه، وتقوّي الإرادة والشجاعة، كما تؤدّي إلى إحداث توافق دقيق بين المجموعات العضلية والجهاز العصبي المركزي وهذا ما يساعد الولد المبتلى بحالة القلق ذلك أنّ القلق والإضطراب النفسي له تأثير كبير في تشتت الأجزاء المختلفة للجهاز العصبي.
ومن هنا يتبين من خلال ما تقدم أن كل واحدة من هذه الرياضات الثلاث التي ذكرت في الحديث النبوي وغيرها من الرياضات التي تؤدي دور تلك الرياضات، لها أثر كبير على تنظيم حالة الإضطراب النفسي عند الأولاد بل القضاء على تلك الحالة النفسية.
العاشر: تناول الأغذية الصحية
من الطرق الهامة التي ذكرت لمعالجة القلق والإضطراب النفسي هي إستخدام البرنامج الغذائي المناسب والصحي فقد يكون التزام النظام الغذائي والإبتعاد عن الكثير من الأغذية التي تسبب التوتر والإضطرابات النفسية أو تضاعف القلق والإضطراب عند الأولاد هو البرنامج الغذائي المقترح وذلك للحفاظ على الصحة العامة والتخلص من حالة القلق والإضطراب ولهذا يجب علينا ان نحذر من تناول بعض المواد الغذائية وسنشير هنا إلى بعضها:
1- إجتناب تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين بمعدل يومي بحيث يؤثر على الحالة النفسية للإنسان؛ ويصيبه بالتوتر والاكتئاب؛ ذلك أنه يساعد على تنبيه الجهاز العصبي بشكل مستمر؛ ما يؤدي إلى إفراز هرمون الكورتيزول، الذي يتسبب في الإصابة بالقلق والتوتر، كما أنه يؤدي إلى صعوبة في النوم بشكل كبير.
2- الإبتعاد عن تناول الأطعمة التي تحتوي على الدهون الزائدة فإنها تساعد على الإصابة بالاكتئاب والتوتر والقلق وحدوث التقلبات المزاجية بالإضافة إلى أنها تؤثر على صحة القلب والأوعية الدموية بشكل كبير، ومن أمثلة هذه الأطعمة الوجبات السريعة والأطعمة المقلية.
3- اجتناب تناول الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الملح ذلك انها تؤثر على توازن المعادن بالجسم؛ ما يساعد على تقليل البوتاسيوم الذي يُعد من العناصر المهمة التي تحسن عمل الجهاز العصبي، كما ان الإكثار من تناول الأطعمة المالحة بكثافة يتسبب في التعرض إلى الإصابة بالاكتئاب والتوتر والقلق.
4- الإبتعاد عن أكل الجلاتين وهو البروتين الذي يوجد في أنواع من الحبوب والمعجنات والفطائر المختلفة، ويؤثر تناولها على الحالة المزاجية والتعرض إلى الإصابة بالأرق والتوتر، كما يصاحبه الإصابة بالصداع والاضطرابات بالجهاز الهضمي، ولهذا يجب التقليل من تناولها قدر الإمكان.
5- ولكن ينصح الآباء الذين يعاني أولادهم من حالة القلق والإضطراب بتناول بعض الأغذية التي تساعدهم على الوقاية من الاكتئاب وتخفيف التوتر والقلق ومن تلك الأطعمة والاغذية هي الاسماك الدهنية، الفاصوليا والعدس والمكسرات والبذور، الفواكه والخضروات وقد ورد في أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وسيرتهم المباركة التأكيد على أكل الخضروات وأنه ما كانت مائدتهم تخلو من الخضروات وضرورة توفرها على موائد الطعام؛ وقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام) عندما كان يأكل الخبز والملح، كان يأكل معهما الخضار جاء في الرواية عن حنان قال: ((كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) على المائدة فمال على البقل وامتنعت أنا منه لعلة كانت بي فالتفت إلي فقال: يا حنان أما علمت أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يؤت بطبق إلا وعليه بقل، قلت: ولم جعلت فداك ؟ فقال: لأن قلوب المؤمنين خضرة وهي تحن إلى أشكالها)).
وفي رواية الكافي ((عَنْ مُوَفَّقِ الْمَدِينِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ الْمَاضِي (عليه السلام) يَوْماً فَأَجْلَسَنِي لِلْغَدَاءِ فَلَمَّا جَاءُوا بِالْمَائِدَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بَقْلُ فَأَمْسَكَ يَدَهُ ثُمَّ قَالَ لِلْغُلَامِ: أَمَا عَلِمْتَ أَنِّي لَا أَكُلُ عَلَى مَائِدَةٍ لَيْسَ فِيهَا خُضْرَةٌ فَأْتِنِي بِالْخُضْرَةِ قَالَ فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَجَاءَ بِالْبَقْلِ فَأَلْقَاهُ عَلَى الْمَائِدَةِ فَمَدَّ يَدَهُ حِينَئِذٍ وَأَكَلَ))(10).
وهناك روايات أخرى تؤكّد على أكل الفاكهة والحبوب والبذور وغيرها من الأطعمة التي تخفّض من حالة القلق والإضطراب النفسي التي يصاب بها الأفراد فمن أراد فليرجع إلى الكتب المدوّنة في طبّ الأئمة (عليهم السلام).
الحادي عشر: التركيز على النقاط الإيجابية
من الطرق المؤثرة لعلاج التوتر والقلق هو التركيز على النقاط الإيجابية التي يمتلكها الأولاد فيجب على الآباء أن يذكروا أولادهم المصابين بحالة الإضطراب النفسي بالنقاط الإيجابية والتفكير بالقدرات والإمكانيات التي يملكها الطفل وأن يتجنب التفكير في جميع الذكريات والخواطر الصعبة والعسيرة التي مرّت عليه والتي أوجدت له حالة القلق والإضطراب فإنّ الطفل كلما فكّر في تلك الذكريات المرّة إزداد قلقه وإضطرابه وتضخمت حالته النفسية ولأجل ذلك وجب على الآباء أن لا يتركوا أولادهم يعيشون تلك الأفكار المريرة والصعبة التي تذكّرهم بالمواقف الحرجة، فتزداد عندهم حالة القلق والتوتر النفسي بل يجب عليهم أن يستبدلوا تلك الأفكار والتصورات السيئة بتصورات جميلة وحلوة بحيث كلما تذكرها الطفل إزداد ثقة وفخرا بنفسه وعرف قدراته وسعى للرقي والتقدّم بل ويزداد عزمه على إستئناف العمل ويؤمن إيمانا قاطعاً بقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5، 6].
أن عقيب كل خسارة وفشل، نجاح وإنتصار بشرط أن يؤمن الإنسان أنّ جميع الأمور بيد الله تعالى وأنه تعالى هو الخالق والقادر على كل شيء وأنه لا يحدث في عالم الوجود شيء إلا ما أراد الله تعالى قال سبحانه {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] وقال تعالى {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سبأ: 3].
وهذا ما يجب على الوالدين تعليمه للأولاد، يجب أن يعلموا أطفالهم طريقة إستخدام قابلياتهم وقدراتهم الجسمية والفكرية وأن يتوكلوا على الله تعالى في جميع الأمور ويستعينوا به قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] وجاء في الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال ((مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ لَا يُغْلَبُ وَمَنِ اعْتَصَمَ بِاللَّهِ لَا يُهْزَم))(11).
ولا يخفى أن تعليم طريقة إستبدال الفكر الحسن بالسيئ تختص بالأطفال الصغار وأمّا المراهقين والكبار منهم فيلزمهم أن يقوموا بأنفسهم بتفعيل تلك القابليات التي منحها الله تعالى في وجودهم وأن يزرعوا الثقة في أنفسهم ولا يهملوا التفكير بتلك القدرات والقابليات التي تجعلهم يتفوقون على أصدقائهم وزملائهم في المدرسة يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): ((أَصْلُ الْعَزْمِ الْحَزْمُ وَثَمَرَتُهُ الظُّفَر))(12).
وفي حديث آخر عنه (عليه السلام) قال: ((خُذِ الْقَصْدَ فِي الْأُمُورِ فَمَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ خَفَّتْ عَلَيْهِ الْمُؤَنِ))(13).
الثاني عشر: الحديث عن أسباب القلق والإضطراب
من الأساليب الناجحة في تخفيض حالة القلق والتوتر النفسي عند الأطفال، هو الحديث حول أسباب القلق والإضطرابات التي تلحقهم، وقد صرّح علماء النفس عن أهمية تحديث الأولاد بالعوامل والدوافع التي تسببت قلقه وإضطرابه وأنّ لها دور مهم في إزالة التوتر النفسي أو في التخفيف من حدته، ومن هنا يجب على الآباء ان لا يتهاونوا في الحديث مع أولادهم المصابين بحالة القلق النفسي.
وتعتبر الهواجس والهيجانات من أهم العوامل في حصول القلق والتوتر النفسي في الإنسان فلو إستطاع أن يتخلى عنها ويزيحها عن نفسه لكان من السهل اليسير ازاحة القلق والإضطراب النفسي أيضاً ومن الطرق المهمة والمؤثرة في إزاحة الهواجس والهيجانات هو الحديث مع الآخرين ولهذا ينصح المصابون بالإضطراب النفسي أن يتحدثوا عن مشاكلهم ومعضلاتهم التي تسببت في اثارة القلق عندهم مع من يثقون به ومع من يحفظ أسرارهم من الأهل أو الأصدقاء ويرجّح أن يكون الحديث عن المشاكل والمصائب والمعاناة التي تمرّ بالإنسان مع ربّ العالمين عز وجل فهو عزّ وجل يعلم ما في نفس الإنسان وما يختلج في صدره قال تعالى {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19].
وقال تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16].
فإنه تعالى يعلم كل ما يجري على الإنسان ويعلم ما في صدره من هواجس ووساوس وهموم وهو قادر على رفعها.
وتعد هذه من مميزات الحديث مع ربّ العزّة سبحانه وتعالى.
إن الإنسان الذي يستأنس في الحديث مع خالقه وصانعه فهو من جهة قد حقق هدفه الذي كان يبحث عنه وهو التنفيس عما يختلج في نفسه من الهواجس والهيجانات التي كان يعاني منها والتي تسببت في حصول حالة القلق والتوتر عنده ومن جهة أخرى قد وجه شكواه ومعاناته إلى من هو قادر على حلّها، وطلب منه أن يحلّها، ولا شك إذا كان قلبه متوجهاً إلى الله تعالى فسيستجيب ربّ العالمين دعاءه وطلبه قال تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وقال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ((إنّ الله يستحي من العبد أن يرفع إليه يديه فيردهما خائبتين))(14).
إذن من المعالجات المهمة لحالة القلق والتوتر النفسي هو الحديث مع الآخرين لاسيما الحديث مع ربّ العالمين عن المشاكل والصعوبات التي يعاني منها الفرد فإنّ ذلك يساعده بشكل كبير على تفريغ الهواجس والهيجانات التي يحملها ومن ثمّ يستطيع أن يتخلص من القلق والإضطرابات النفسية التي يعاني منها.
___________________________________
(1) تحف العقول: ص 27.
(2) امیل یور کیم – یونگ.
(3) الكافي: ج 2 ص 157.
(4) بحار الأنوار: ج 71 ص 101.
(5) بحار الأنوار: ج 71 ص 101.
(6) تفسير فرات كوفي: ص79.
(7) جامع أحاديث الشيعة: ج 26 ص 850.
(8) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 620.
(9) الكافي: ج 6 ص 47.
(10) الكافي: ج 6 ص 362.
(11) روضة الواعظين: ج 2 ص 425.
(12) غرر الحكم ودرر الكلم: ص199.
(13) غرر الحكم ودرر الكلم: ص 360.
(14) مكارم الأخلاق: ص 276.
الاكثر قراءة في الآباء والأمهات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة