محن ومصائب أمير المؤمنين كانت أكثر من جميع الأنبياء
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج4/ص51-54
2025-12-06
47
القدرة الربّانيّة لم تمنح للإمام مجّاناً، بل منحت له مكافأة لما مرّ به من مخاطر جسمية ومحن عظيمة، وما لاقاه من أذى لم يؤذ به أيّ نبيّ من الأنبياء. أنّ كلّ ما عاناه الأنبياء وما قاسوه من محن كإرهاق الامّة لهم، والشماتة، والاستهزاء، والطرد من البلاد، والقتل، والإبعاد، وارتداد الناس عن الدين، وابتلائهم بالجهلاء، وغيرها من ضروب المعاناة، كلّها قد كابدها وقاساها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولذلك قال: "مَا اوذِيَ نَبِيّ مِثْلَ ما اوذيتُ. وورث ذلك كلّه سيّد المتّقين عليّ بن أبي طالب"
عليه السلام فلم تتركه المحن يوماً منذ طفولته حتى انفلاق هامته المقدّسة واستشهاده في محراب العبادة.
لقد عانى ذلك الإمام العظيم أشدّ المعاناة، وتجرّع الغصص التي لا تطاق سواء في مكّة المكرّمة أبان البعثة النبويّة، أو في المدينة بعد الهجرة أو بعد وفاة رسول الله حيث الفترة المظلمة السوداء التي دامت خمس وعشرين سنة، أو أبان حكومته الظاهريّة. فلم يسترح ساعة واحدة. وإن كان إسماعيل الذبيح قد مرّ ببلاء القتل، ولم يتحقق ذلك عمليّاً، فأنّ عليّاً بات على فراش النبيّ ليلة الهجرة مضحيّاً بنفسه بعد توطينها على مواجهة صوارم قريش البتّارة. وكانت كلّ لحظة من لحظات تلك الليلة لحظة قتل واستشهاد. وإن كان إبراهيم الخليل قد مرّ بأربعة وعشرين بلاءً أشدّها قتل ولده العزيز إسماعيل، فأنّ رسول الله كان يعلم علم اليقين بما سيجري على ولد فاطمة من قتل وتعذيب، وكان يعلم بقتل الحسن، والحسين، عليهما السلام وواقعة الطفّ، وطالما كان يتحدّث عن تلك القضايا المروّعة ويبكي، ولكنّه عهد الله ورسوله له، وقد قبل به وأقرّه إحياءً للدّين وكذلك المحن الاخرى التي كابدها. وفي ضوء القول المعروف: الْبَلاءُ بِقَدْرِ الْوِلاءِ فأنّ مصيبة عليّ في الدنيا كانت أعظم من مصائب جميع الأنبياء، وصبره كان أكثر من صبرهم، وجهاده أكبر من جهادهم. صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ يَا أبَا الْحَسَنِ.
روى أبو نعيم الإصفهانيّ في «حلية الأولياء»[1] بإسناده عن أبي بُرزة، قال: قالَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "أنّ اللهَ عَهِدَ إلَيّ عَهْداً في عَلِيّ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ بَيّنْهُ لِي، فَقَالَ: اسْمَعْ، فَقُلْتُ: سَمِعْتُ. فَقَالَ: أنّ عَلِيّاً رَايَةُ الْهُدَى وإمَامُ أوْلِيائِي ونُورُ مَنْ أطَاعَنِي، وهُوَ الْكَلِمَةُ التي ألْزَمْتُهَا الْمُتَّقِينَ، مَنْ أحَبَّهُ أحَبَّنِي، ومَنْ أبْغَضَهُ أبْغَضَنِي، فَبَشِّرْهُ بِذَلِكَ. فَجَاءَ عَلِيّ فَبَشَّرْتُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أنَا عَبْدُ اللهِ وفي قَبْضَتِهِ، فَإنْ يُعَذِّبْنِي فَبِذَنْبِي. وإنْ يُتِمَّ لِي الذي بَشَّرْتَنِي بِهِ فَاللهُ أولى بي. قَالَ: قُلْتُ: اللهُمَّ اجْلُ قَلْبَهُ واجْعَلْ رَبيعَهُ الإيمَانَ. فَقَالَ اللهُ: قَدْ فَعَلْتُ بِهِ ذَلِكَ. ثُمَّ أنّهُ رَفَعَ إلَيّ أنّهُ سَيَخُصُّهُ مِنَ الْبَلاءِ بِشيء لَمْ يَخُصَّ بِهِ أحَدٌ مِنْ أصْحَابي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ أخي وصَاحِبي! فَقَالَ: أنّ هَذَا شيء قَدْ سَبَقَ أنّهُ مُبْتَلى ومُبْتَلى بِهِ".
نقل ابن شهرآشوب[2] القصّة المتعلّقة بهجرة رسول الله من مكّة إلى المدينة، وكذلك نقلها المظفّر في «دلائل الصدق»[3]. ونحن هنا نذكرها بالألفاظ التي رواها ابن شهرآشوب. قال: قال رسول الله لأمير المؤمنين عليّ: "أنّ اللهَ سبحانه وتعالى أوْصى إلَيّ أنْ أهْجُرَ دَارَ قَوْمِي وأنْ أنْطَلِقَ إلى غَارِ ثُوْرٍ، فَارْقَدْ على فِرَاشِي واشْتَمِلْ بِبُرْدِيَ الْحَضرَمِيّ، واعْلَمْ أنّ اللهَ يَمْتَحِنُ أوْلِياءَهُ على قَدْرِ إيمَانِهِمْ ومَنَازِلِهِمْ مِنْ دِينِهِ فَأشَدُّ النَّاسِ بَلاءً الأنْبِيَاءُ ثُمَّ الأمْثَلُ فَالأمْثَلُ. وقَدِ امْتَحَنكَ يَا ابْنَ امَّ وامْتَحَنَني بِمِثْلِ ما امْتَحَنَ بِهِ خَلِيلَهُ إبْرَاهِيمَ والذَّبيحَ إسْمَاعِيلَ، فَصَبْراً صَبْراً فَأنّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. ثُمَّ ضَمَّهُ إلى صَدْرِهِ وأوصَاهُ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ وإنْجَازِ عِدَاتِهِ ورَدِّ الْوَدائِعِ إلى أهْلِهَا ثُمَّ خَرَجَ" (الحديث).
ومن خلال المواضيع التي طرحناها آنفاً تمّ تحليل ثلاثة أشياء هي:
أوّلًا: عظمة رسول الله وسعة علمه بكتاب الله، القرآن الكريم. ثانياً: عظمته وسعته الروحيّة فيما يتعلّق بكتاب التكوين وظهور المعجزات والتصرّف في شئون الكائنات وعناصرها. ثالثاً: عظمة البلاءات والمحن.
[1] «حلية الأولياء» ج 1، ص 66 و67.
[2] «المناقب» ج 1، ص 127.
[3] «دلائل الصدق» ج 2، ص 80.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة