المقدّمة الإنسانيّة للظهور المبارك
المؤلف:
حسن ملّايي
المصدر:
شروط الظهور المبارك
الجزء والصفحة:
ص53-56
2025-12-01
33
مرّ سابقاً القول إنّ ظهور إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، وتبعاً لنظام العلّة والمعلول القائم في الوجود؛ لا يمكن أن يتحقّق ما لم تتحقّق الشروط والمقدمات التي يتوقّف عليها، وبعضها إلهيّ وبعضها إنسانيّ. وقد تحدّثنا في القسم السابق عن الشروط الإلهيّة للظهور، ونتناول هنا الشروط والمقدّمات الإنسانيّة للظهور. ولا بدّ أن نعلم من أنّ الشروط الإنسانيّة تنقسم بدورها إلى قسمين: بعضها يرتبط بالقادة الذين يعملون تحت إمرة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وبعضها يرتبط بعموم الناس.
تهيئة الشروط الإنسانيّة للظهور
إنّ التأمّل في الروايات التي تتحدّث عن الامتحانات والابتلاءات التي تقع في عصر الغيبة يفضي إلى أنّ أحد أسباب هذه الامتحانات الصعبة في عصر الغيبة وحتّى في عصر الظهور هو تهيئة المقدّمات والشروط الإنسانيّة لتشكيل الحكومة المهدويّة بشقّيها: تلك المرتبطة بالعاملين تحت إمرة الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، وتلك المرتبطة بعموم الناس، وهي امتحانات لا یمکن تجنّبها.
أمّا العلّة التي تجعل من هذه الامتحانات ضروريّة في زمن غيبة إمام العصر (عجل الله تعالى فرجه) فيمكن أن نقف عليها من معرفة الأهداف التي ذكرها القرآن الكريم للامتحان، وهذه الأهداف هي:
أ- إطلاق العنان للقدرات الكامنة في الإنسان:
﴿وَلِيَبتَلِيَ الله مَا فِي صُدُورِكُم وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُم﴾ (آل عمران: 154).
ب- تمييز الخبيث من الطيّب في الناس:
﴿مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المُؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُم عَلَيهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ (آل عمران: 17).
ج- تمييز صفوف المجاهدين والصابرين عن غيرهم:
﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ﴾ (محمد: 31).
د- الإيقاظ من الغفلة:
ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ﴿فَأَخَذنَاهُم بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُونَ﴾ (الأنعام: 42).
وتوضيحه أنّه من المسلّم في القيام المهدويّ أنّ الصالحين هم اللائقون بالالتحاق بركاب قائم آل محمّد (عجل الله تعالى فرجه)، وأنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) سيختار صفوة أنصاره على أساس اللياقة التي يتحلّون بها؛ أمّا أوّلاً فمن أجل تحقيق الانتصار على جميع القوى العالميّة، وثانياً لأنّه لا سبيل آخر لإقامة حكومة العدل في العالم؛ من هنا، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ أصحاب موسى ابتلوا بنهر،[...] وإنّ أصحاب القائم يبتلون بمثل ذلك»
وعلّة ذلك أنّه لا بدّ لكلّ قائد من تمييز قواه المنتجة من تلك غير المنتجة، حتّى يمكنه إخراج تلك القوى الضعيفة من المجموعة، التي سيؤدّي بقاؤها إلى حصول الضعف في سائر العناصر الأخرى. لذلك، يجب تنصيب الأشخاص في موقع معيّن أو رتبة معيّنة من الامتحان والانتخاب، كما امتحن الله [تعالى] إبراهيم (عليه السلام) قبل أن يجعله إماماً.
كذلك من الناحية التربويّة والاستعداد لدى عموم الناس، فإنّ لنزول البلاء والمصائب تأثيراً كبيراً، فالابتلاءات تذكّر بالله، وتحول دون غفلة الإنسان، وتبعث على التوبة والتوجّه بالدعاء لله تعالى والخضوع لإرادته وأوامره، والذي يمثّل تشكيل حكومة الحقّ على يد وليّ الله أهمّ تلك الأوامر.
جاء في القرآن الكريم:
﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَة مِّن نَّبِيٍّ إِلَّآ أَخَذۡنَآ أَهۡلَهَا بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَضَّرَّعُونَ﴾ (الأعراف: 94).
يتّضح من خلال هذه الآية: أوّلاً، أنّ الصعوبات والمشكلات تشكّل سبيلاً لإيقاظ الفطرة والتوجّه نحو الله [تعالى]: ﴿لَعَلَّهُمۡ يَضَّرَّعُونَ﴾؛ ثانياً، أنّ الصعوبات والمرارات لا تشكّل دوماً غضباً إلهيّاً، أحياناً تكون لطفاً تجلّى على شكل بلاء:﴿لَعَلَّهُمۡ يَضَّرَّعُونَ﴾. فكما أنّ تذويب الحديد في حفرة النار يصيّره ليّناً ليأخذ الشكل المطلوب؛ كذلك الحوادث والشدائد التي يتعرّض لها الإنسان تجعله ليّناً وتدفعه إلى التضرّع والاستكانة، وتدفع الناس إلى رفع أيديهم بالدعاء وطلب تعجيل ظهور المنجّي بصدق؛ فيصبحون عندها محلّاً لرحمة الله، وتجلّي تلك الرحمة بالأمر بظهور إمام الرحمة والعدل. كما يقول الإمام علي(عليه السلام): «وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ، وَتَزُولُ عَنْهُمُ النِّعَمُ، فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهمْ، وَوَلَهٍ مِنْ قُلُوبِهمْ، لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِدٍ، وَأَصْلَحَ لَـهُمْ كُلَّ فَاسِدٍ»
الاكثر قراءة في علامات الظهور
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة