سند حديثي الغدير والمنزلة (الدالان على تعيين أمير المؤمنين عليه السلام من الله تعالى)
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج2، ص 102 - 108
2025-12-01
7
انّ الإمام بعد النبيّ هو عليّ بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ وتدلّ عليه الروايات الصحاح والمتواترات وذلك واضح ، وقد أشار المصنف إلى بعض هذه الروايات وفي ما أشار إليه غنى وكفاية.
ثم إنّ المصنّف أشار إلى أن تعيينه ـ صلى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السلام ـ في عدة مواطن وهو كذلك ، بل قد كرّر بعضها في مواطن متعددة ، وهذا التكرار يشهد على أن النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ اهتم بهذا الأمر كمال الاهتمام ولم يهمله ، بل من أوّل الأمر وشروعه في دعوة الناس إلى التوحيد توجّه إليه وأحكم أمر الإمامة بعده ، فنسبة الإهمال إليه ـ صلى الله عليه وآله ـ إفك وافتراء ، وعليه فلا مجال بعد نصب النبيّ عليّا من جانب الله تعالى للخلافة لهذه الأبحاث ، من أنّ نصب الإمام واجب على الناس؟ أم لا يكون واجبا؟ فإذا كان واجبا ، فهل هو واجب على جميع الامّة؟ أو على بعضها؟ وعلى الأخير هل المراد من البعض أصحاب الحلّ والعقد؟ أو المراد غيرهم ، فإنّ تلك الأبحاث من متفرعات الإمارة والخلافة الظاهريّة دون الخلافة الالهيّة المنصوصة ، فإنّ النصب فيه نصب إلهي كنصب النبيّ ، والمفروض هو وقوعه ، فتلك الأبحاث اجتهاد في قبال النصّ ، ثم من المعلوم أنّ النصب الإلهي خال عن الانحراف وأبعد عن الاختلاف فيه ، ولعلّه لذلك قال الشيخ أبو علي سينا : والاستخلاف بالنصّ أصوب ، فإنّ ذلك لا يؤدي إلى التشعب والتشاغب والاختلاف (1).
ثم إنّ المصنّف لم يشر إلى البحث السندي عن هذه الروايات ، لأنّها من المتواترات ، وقد تصدّى لإثباته جمع من أعاظم الأصحاب كالعلّامة مير سيّد حامد حسين موسوي النيشابوريّ الهنديّ ـ قدس سره ـ في عبقات الأنوار ، وكالعلّامة الشيخ عبد الحسين الأميني ـ قدس سره ـ في الغدير ، قال العلّامة الأميني حول حديث الغدير : ولا أحسب أنّ أهل السنّة يتأخرون بكثير من الإمامية في إثبات هذا الحديث ، والبخوع لصحته ، والركون إليه ، والتصحيح له ، والإذعان بتواتره ، اللهم إلّا شذاذ تنكبت عن الطريقة ، وحدت بهم العصبية العمياء إلى رمي القول على عواهنه ، وهؤلاء لا يمثّلون من جامعة العلماء إلّا أنفسهم ، فإنّ المثبتين المحققين للشأن المتولعين في الفن لا تخالجهم أية شبهة في اعتبار أسانيدهم التي أنهوها متعاضدة متظافرة، بل متواترة إلى جماهير من الصحابة والتابعين وإليك أسماء جملة وقفنا على الطرق المنتهية إليهم على حروف الهجاء ، ثم ذكر مائة وعشرة من أعاظم الصحابة ، وقال : هؤلاء من أعاظم الصحابة الذين وجدنا روايتهم لحديث الغدير ولعلّ فيما ذهب علينا أكثر من ذلك بكثير ، وطبع الحال يستدعي أن تكون رواة الحديث أضعاف المذكورين ؛ لأنّ السامعين الوعاة له كانوا مائة ألف أو يزيدون ، وبقضاء الطبيعة أنّهم حدّثوا به عند مرتجعهم إلى أوطانهم شأن كلّ مسافر ينبئ عن الأحداث الغريبة التي شاهدها في سفره ، نعم ، فعلوا ذلك إلّا شذاذا منهم صدّتهم الضغائن عن نقله ، والمحدثون منهم وهم الأكثرون فمنهم هؤلاء المذكورون ، ومنهم من طوت حديثه أجواز الفلى بموت السامعين في البراري والفلوات قبل أن ينهوه إلى غيرهم ، ومنهم من أرهبته الظروف والأحوال عن الإشادة بذلك الذكر الكريم.
وجملة من الحضور كانوا من أعراب البوادي لم يتلق منهم حديث ولا انتهى إليهم الإسناد ، ومع ذلك كلّه ففي من ذكرناه غنى لإثبات التواتر ، ثم ذكر أربعة وثمانين من التابعين ، ثم قال : ليست الصحابة والتابعين بالعناية بحديث الغدير بدعا من علماء القرون المتتابعة بعد قرنهم ، فإنّ الباحث يجد في كلّ قرن زرافات من الحفّاظ الأثبات ، يروون هذه الإثارة من علم الدين ، متلقين عن سلفهم ، ويلقونها إلى الخلف ، شأن ما يتحقق عندهم ، ويخضعون لصحته من الأحاديث ، فإليك يسيرا من أسمائهم في كلّ قرن شاهدا على الدعوى ، ونحيل الحيطة بجميعها إلى طول باع القارئ الكريم ، والوقوف على الأسانيد ومعرفة المشيخة.
ثم شرع من القرن الثاني إلى القرن الرابع عشر ، وذكر وعدّ ستين وثلاثمائة من الحفّاظ والناقلين لحديث الغدير مع أنّ جمعا من هؤلاء كانوا يروون ذلك بطرق مختلفة ، كما قال في هامش ص 14 : إن أحمد بن حنبل رواه من أربعين طريقا وابن جرير الطبريّ من نيف وسبعين طريقا ، والجزريّ المقرئ من ثمانين طريقا وابن عقدة من مائة وخمس طرق ، وأبو سعيد السجستانيّ من مائة وعشرين طريقا ، وأبو بكر الجعابيّ من مائة وخمس وعشرين طريقا ، وفي تعليق هداية العقول ص 30 عن الأمير محمّد اليمنيّ (أحد شعراء الغدير في القرن الثاني عشر) أنّ له مائة وخمسين طريقا ، ثم قال العلّامة الأميني ـ قدس سره ـ في متن الغدير : بلغ اهتمام العلماء بهذا الحديث إلى غاية غير قريبة ، فلم يقنعهم إخراجه بأسانيد مبثوثة خلال الكتب ، حتّى أفرده جماعة بالتأليف ، فدوّنوا ما انتهى إليهم من أسانيده ، وضبطوا ما صحّ لديهم من طريقه ، كلّ ذلك حرصا على كلاءة متنه من الدثور ، وعن تطرق يد التحريف إليه ، ثم أيّد تواتره بالمناشدة والاحتجاج ، حيث قال : لم يفتأ هذا الحديث منذ الصدر الأوّل ، وفي القرون الأولى ، حتّى القرن الحاضر من الاصول المسلّمة ، يؤمن به القريب ، ويرويه المناوئ ، من غير نكير في صدوره ، وكان ينقطع المجادل إذا خصمه مناظره بإنهاء القضية إليه ، ولذلك كثر الحجاج به ، وتوفرت مناشدته بين الصحابة والتابعين ، وعلى العهد العلويّ وقبله.
ثم ذكر الاثنين والعشرين ، من مواضع المناشدة والاحتجاج ، وبين أعلام الشهود فيها ، ثم ذكر جماعة من علماء العامّة الذين اعترفوا بصحّة الحديث وثبوته وتواتره، وهم الثلاثة والأربعون ، وهذا هو المحصّل لما أفاده ـ قدس سره ـ في تحقيق سند حديث الغدير فراجع (2).
قال في إحقاق الحق: وقد شهد بتواتره فطاحل الآثار وحفظة الأخبار أودعوه في كتبهم على تنوّعها ، وأذعنوا بعد التأويلات الباردة بصراحته في ما نقول نحن معاشر شيعة أهل البيت ، ثم نقل ذلك عن جمع منهم فراجع (3).
قال في دلائل الصدق: بل الحق أنّ هذا الحديث من المتواترات حتّى عند القوم، فقد نقل السيد السعيد ـ رحمه الله ـ عن الجزريّ الشافعيّ أنّه أثبت في رسالته أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب تواتره من طرق كثيرة، ونسب منكره إلى الجهل والعصبية إلخ (4) هذا يكفيك بالنسبة إلى سند حديث الغدير.
وأمّا سند حديث المنزلة فهو أيضا في غاية القوّة ويكفيك فيه ما حقّقه آية الله السيد شرف الدين ـ قدس سره ـ في المراجعات حيث قال : «لم يختلج في صحّة سنده ريب حتّى الذهبيّ ـ على تعنّته ـ صرّح في تلخيص المستدرك بصحته ، وابن حجر الهيثميّ ـ على محاربته بصواعقه ـ ذكر الحديث في الشبهة 12 من الصواعق ، فنقل القول بصحته عن أئمة الحديث الّذين لا معوّل فيه إلّا عليهم فراجع ، ولو لا أنّ الحديث بمثابة من الثبوت ، ما أخرجه البخاري في كتابه ، فإنّ الرجل يغتصب نفسه عند خصائص عليّ وفضائل أهل البيت اغتصابا ، ومعاوية كان إمام الفئة الباغية ، ناصب أمير المؤمنين وحاربه ، ولعنه على منابر المسلمين ، وأمرهم بلعنه ، لكنّه ـ بالرغم من وقاحته في عدوانه ـ لم يجحد حديث المنزلة ، ولا كابر فيه سعد بن أبي وقاص حين قال له ـ فيما أخرجه مسلم ـ ما منعك أن تسب أبا تراب ، فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله فلن أسبه ؛ لإن تكون لي واحدة منها أحبّ إليّ من حمر النعم ، سمعت رسول الله يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي ... الحديث ، فأبلس معاوية ، وكفّ عن تكليف سعد.
أزيدك على هذا كلّه أنّ معاوية نفسه حدّث بحديث المنزلة ، قال ابن حجر في صواعقه : أخرج أحمد أنّ رجلا سأل معاوية عن مسألة ، فقال : سل عنها عليّا فهو أعلم ، قال : جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب عليّ ، قال : بئس ما قلت : لقد كرهت رجلا كان رسول الله يغرّه بالعلم غرا ، ولقد قال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه ... إلى آخر كلامه.
وبالجملة فإنّ حديث المنزلة مما لا ريب في ثبوته بإجماع المسلمين على اختلافهم في المذاهب والمشارب ، ثم أشار إلى جمع من كتب السير وجوامع الحديث التي نقل فيها حديث المنزلة كالجمع بين الصحاح الستة ، وصحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وسنن ابن ماجة ، ومسند احمد بن حنبل ، والطبراني ، ثم قال : وكلّ من تعرّض لغزوة تبوك من المحدّثين وأهل السير والأخبار ، نقلوا هذا الحديث ، ونقله كلّ من ترجم عليّا من أهل المعاجم في الرجال من المتقدمين والمتأخرين على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم ، ورواه كلّ من كتب في مناقب أهل البيت ، وفضائل الصحابة من الأئمة ، كأحمد بن حنبل ، وغيره ممن كان قبله أو جاء بعده ، وهو من الأحاديث المسلّمة في كلّ خلف من هذه الامّة (5) وخصّ صاحب عبقات الأنوار جلدا ضخما بحديث المنزلة جزاه الله عن الإسلام خيرا ، وروى في غاية المرام مائة حديث من طريق العامّة ، وسبعين حديثا من طرق الخاصّة حول حديث المنزلة فراجع ، هذا كلّه بالنسبة إلى حديث المنزلة.
وأمّا اعتبار نصّ الدار يوم الإنذار فيكفيك ما في المراجعات حيث قال : وحسبك منها (أي النصوص) ما كان في مبدأ الدعوة الإسلامية قبل ظهور الاسلام بمكة ، حين أنزل الله تعالى عليه (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) فدعاهم إلى دار عمه ـ أبي طالب ـ وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه ، وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ، والحديث في ذلك من صحاح السنن المأثورة ، ثم أشار إلى من أخرج هذا الحديث في كتابه ، وكان فيهم ابن اسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقيّ والطبريّ والثعلبيّ ، ثم قال : وأرسله ابن الأثير إرسال المسلمات ، وصحّحه غير واحد من أعلام المحققين كابن جرير والاسكافيّ والذهبيّ ، وصرّح في آخر كلامه بتواتره عند الشيعة فراجع (6).
هذه جملة من النصوص التي وردت لتعيين عليّ ـ عليه السلام ـ للولاية والإمامة وبقيتها تطلب من المطوّلات كما لا يخفى.
______________
(1) إلهيات الشفاء : ص 564.
(2) راجع الغدير : ج 1 ص 14 ـ 314.
(3) احقاق الحق : ج 2 ص 422.
(4) دلائل الصدق : ج 2 ص 53.
(5) المراجعات : ص 129 ـ 132
(6) المراجعات : ص 118 ـ 124.
الاكثر قراءة في امامة الامام علي عليه السلام
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة