غزوة ذات الرقاع
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص441-442
2025-11-16
18
لقد اطمأنت المدينة بعد اجلاء بني النضير عنها أذلاء صاغرين ، وضعف امر المنافقين الذين كانوا يتآمرون مع اليهود على النبي وأصحابه ، وأصبح عبد اللّه بن أبي بن أبي سلول خائفا يترقب اليوم الذي يلاقي فيه هو واتباعه مصير احلافه اليهود ، وكانت المدينة لثلاثة اشهر تبدو عليها الطمأنينة ويخيم عليها السكون والهدوء ، وبمضي أيام قلائل من جمادى الأولى من تلك السنة كما جاء في تاريخ الطبري وأكثر المؤلفات في السيرة بلغه ان بني محارب وبني ثعلبة من غطفان يعدون العدة لغزوه فخرج إليهم في أربعمائة من المسلمين ، وقيل في سبعمائة ، واستخلف على المدينة ابا ذر الغفاري كما جاء في سيرة ابن هشام وقيل غيره .
ولما بلغ ذات الرقاع وهي محلة فيها جبل فيه سواد وبياض وحمرة لقي جمعا عظيما من غطفان قد تأهبوا لحربه واستعدوا لقتاله كما جاء في رواية الطبري ، فتهيب كل من الفريقين الآخر ، ولم يحدث بينهما قتال ، وشرع اللّه صلاة الخوف في ذلك الموقف ، فصلى النبي ( ص ) بأصحابه ركعتين ركعتين ، بعد ان صلى نحو من نصفهم معه ووقف الباقون يحرسونهم من عدوهم ، وبعد انتهائهم صلى بالباقين أيضا ، ولم يذكر أحد من المؤرخين انه وقع بين الطرفين قتال في هذه الغزوة ، كما وأنه لم يذكر أحد بأن المسلمين قد غنموا فيها سوى ابن سعد في طبقاته فقد جاء فيها ان النبي مضى في طريقه حتى انتهى إلى محلاتهم فلم يجد بها أحدا غير النسوة فأخذهن وفر الرجال والأعراب إلى رؤوس الجبال .
وذكر ابن سعد هذه الغزوة بعد بدر الموعد وذكرها غيره من المؤلفين في السيرة قبلها . ويدعي هيكل في كتابه حياة محمد والسيد الأمين في أعيان الشيعة ، ان غطفان ومن معها لما رأوا النبي تفرقوا تاركين نساءهم وأمتعتهم فحمل المسلمون منها ما استطاعوا ولا مصدر لهما سوى ابن سعد في طبقاته .
ومن الجائز ان يكون النبي قد غزاهم مرتين في وقتين مختلفين غنم منهم في إحداهما ولم يغنم في الأخرى .
وجاء في تاريخ أبي الفداء ان رجلا من غطفان قال لقومه : ألا اقتل لكم محمدا قالوا بلى فحضر عند النبي ( ص ) وقال يا محمد أريد ان أرى سيفك هذا وكان محلى بالفضة وقد وضعه النبي على ركبتيه فدفعه إليه النبي ( ص ) فأخذه واستله ، ثم جعل يهزه ويهم بضرب النبي ويكبته اللّه ، ثم قال يا محمد ألا تخافني ، فقال له النبي لا أخافك فإن اللّه يمنعني منك ، ثم إن الرجل رد السيف إلى غمده وأعطاه للنبي ( ص ) فأنزل اللّه سبحانه بهذه المناسبة :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ .
وقد ورد نظير هذه الحادثة في احدى غزوات النبي لغطفان بواسطة دعثور بن الحارث أحد المعروفين بينهم بالفروسية والفتك في حدث ذكرناه سابقا ومن الجائز ان يحدث في غزوة نظير ما حدث في سابقتها ، كما يجوز ان يختلف الرواة في مكان وزمان الحادثة الواحدة كما نجد ذلك كثيرا في كتب السيرة والتاريخ ومرد ذلك التشويش الموجود في كتب التاريخ والسيرة إلى تأخير زمان التدوين عن حياة النبي ( ص ) وتلاعب القصاصين والرواة وعملاء الحكام بأكثر الحوادث خلال الفترة التي كان التدوين فيها خاضعا لسيطرة الحاكمين كما ذكرنا ذلك في كتبنا السالفة .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة