يوم الرجيع
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص429-431
2025-11-15
55
وبدخول السنة الرابعة من هجرته ( ص ) حدث الطبري عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن قتادة أنه قال قدم على رسول اللّه ( ص ) بعد معركة أحد رهط من عضل والقارة ، فقالوا يا رسول اللّه : ان فينا إسلاما وخيرا فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرءوننا القرآن ويعلموننا شرائع الاسلام ، فبعث رسول اللّه معهم ستة من أصحابه وهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي وكان حليفا لحمزة بن عبد المطلب وخالد بن البكير وعاصم بن ثابت بن أبي الأفلح وحبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنة ، وعبد اللّه بن طارق ، وامر عليهم مرثد بن أبي مرثد فخرجوا مع القوم حتى إذا كانوا على الرجيع وهو ماء لهذيل غدروا بهم واستصرخوا عليهم هذيلا فلم يشعر المسلمون وهم في رحالهم الا بالرجال في أيديهم السيوف وقد أحاطوا بهم فأسرع المسلمون إلى أسيافهم ليقاتلوا القوم ، فقالوا لهم واللّه انا لا نريد قتلكم ولكنا نريد ان نصيب بكم شيئا من أهل مكة ، ولكم عهد اللّه وميثاقه ان لا نقتلكم ، فأما مرثد بن أبي مرثد وخالد بن البكير وعاصم بن ثابت ، فقالوا واللّه لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا فقاتلوهم حتى قتلوا .
واما زيد بن الدثنة وحبيب بن عدي وعبد اللّه بن طارق فلانوا ورغبوا في الحياة فأسروهم ثم خرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد اللّه بن طارق يده من القرآن واخذ سيفه وتأخر عن القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه ودفن بالظهران وساروا بحبيب بن عدي وزيد بن الدثنة حتى انتهوا بهما إلى مكة فباعوهما فابتاع حجير بن أبي اهاب التميمي حليف بني نوفل حبيب بن عدي وكان حجير أخا لحارث بن عامر ، ابتاعه ليقتله بأبيه .
وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أميّة بن خلف ، ولما قدم زيد للقتل سأله أبو سفيان أنشدك اللّه يا زيد أتحبّ ان محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وتسلم أنت وتعود إلى أهلك ، فقال زيد رضوان اللّه عليه ، واللّه ما أحب ان محمدا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وانا جالس بين أهلي فعجب أبو سفيان وقال : ما رأيت من الناس أحدا يحبه أصحابه كما يحب أصحاب محمد محمدا .
واما حبيب فلما خرجوا به ليقتلوه صلبا قال لهم ان رأيتم ان تدعوني حتى اركع ركعتين فافعلوا فأعطوه ما أراد فركع ركعتين ، ثم اقبل على القوم وقال :
اما واللّه لولا ان تظنوا اني انما طولت فيهما جزعا من الموت لأطلت ركوعهما وسجودهما ، ثم التفت إلى القوم وقال : اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا ، فأخذت القوم رجفة من صوته واستلقوا على جنوبهم مخافة ان تصيبهم لعنته .
وكانت هذيل حينما قتل عاصم بن ثابت قد أرادوا رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد ، وقد نذرت حينما قتل ابنها يوم أحد ان قدرت على رأس عاصم قاتل ولدها ان تشرب في قحفته الخمر ، فلما أرادوا قطع رأسه حومت عليه الدبر فمنعتهم عنه فتركوه إلى الليل فبعث اللّه سيلا فاحتمله ولم يعرف مكانه كما جاء في رواية الطبري وغيره .
ويدعي المؤرخون ان حادثة هؤلاء الستة على يد هذيل انتقاما لقتل خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي الذي اغتاله عبد اللّه بن أنيس .
ولما بلغ خبرهم رسول اللّه ( ص ) حزن هو وأصحابه لذلك وازداد تفكيره في أمور الدعوة وخشي ان تتكرر أمثال هذه الحوادث فتستخف العرب بشأنه .
وقال جماعة من المنافقين : ويح هؤلاء المفتونين لا هم قعدوا في أهلهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم فأنزل اللّه تعالى في شأن أولئك المنافقين الذين اظهروا الشماتة كما جاء في سيرة ابن هشام .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ . وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ . وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ .
وقد رثاهم حسان بن ثابت كما جاء في كتب السيرة بأبيات كثيرة منها :
يا عين جودي بدمع منك منسكب * وأبكي خبيبا مع الفتيان لم يؤب
صقرا توسط في الأنصار منصبه * سمح السجية محضا غير مؤتشب
قد هاج عيني على علات عبرتها * إذ قيل نصّ على جذع من الخشب
وقال يهجو هذيلا ويذكر غدرها بذلك الوفد :
ان سرك الغدر صرفا لا مزاج له * فأت الرجيع وسل عن دار لحيان[1]
قوم تواصوا بأكل الجار بيتهم * فالكلب والقرد والانسان مثلان
لو ينطق التيس يوما قام يخطبهم * وكان ذا شرف فيهم وذا شان
[1] لحيان بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة