قوانين الدين على أساس التوحيد
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج2/ص72-76
2025-11-10
14
أنّ الدين الذي جاء به رسول الله هو دين الحقّ الذي لا يأتيه العبث والباطل، ويستطيع أن يلبّي حاجات الناس جميعهم؛ ويقودهم نحو الكمال الحقيقيّ والتوحيد المطلوب.
الإسلام دين التوحيد؛ إذ أنّ كافّة تعاليمه الأخلاقيّة والعلميّة نزلت على أساس التوحيد؛ ومُقَنّنها ومشرّعها هو التوحيد. ووضعت هذه القوانين للوصول إلى التوحيد. وما نزلت إلّا على أساس التوحيد، وإذا ما طُبقّت، فهي تسمو على أساسه أيضاً.
وكما نرى في القوانين السائدة على العالم، وكذلك في الأنظمة الداخليّة للأحزاب أنّ تعاليم خاصّة قد انبثقت من روح الحزب وتمثّل أفكاره وآراءه. ولو تمسّك بها أحد، فإنّها ستقوده نحو آراء أصحابها وأفكارهم، فكذلك الإسلام فإنّه انبثق من التوحيد. والتوحيد يعني أن يرى أنّ جميع الكائنات بلا استثناء تخضع لعلم الله وقدرته وتأثيره، وأنّ الله هو المؤثّر في جميع عوالم الوجود. وأنّه لا قيمة ولا استقلال لأيّ أحد في وجوده حيال الخالق جلّ شأنه. فقد وضعت التعاليم الإسلاميّة كلّها على أساس هذا المبدأ. والإنسان المسلم المتمسّك بهذا القانون يرى نفسه مرتبطاً بعالم الوجود كلّه، غير مُعْرِضٍ عن أحد. يألف الجميع ويأنس معهم، ويلتذّ في معاشرته للناس، وصلة الأرحام، وعيادة المرضى وقضاء حوائج الناس، والإلفة مع الفقراء والمساكين، وبذل الأموال من أجل راحة الآخرين ورفاههم، وتعاليم اخرى كثيرة تربط الإنسان مع الكائنات جميعها، وكأنّه قطعة واحدة لا تقبل الانفصال عن مصنع الوجود. ولذلك نرى أنّ قوانين الجهاد منسجمة مع العبادات تماماً. فالجهاد هو من أجل هداية الناس الضالّين. لا من أجل التوسّع في الأرض وسلب الأموال ونهب الممتلكات، ولهذا فلا نجد اعتداءً أو انتهاكاً في تعاليم الإسلام الجهاديّة ولا نلمس قسوة أو إجحافاً فيها.
وكذلك تخلو تلك التعاليم من مفردات شاذّة، نحو قتل الأطفال والنساء، وحرق الأشجار والأمتعة، ومنع الماء، وفرض العطش، وقذف الأدوية السامّة، لأنّ الهدف من الجهاد هو هداية الناس، لا استئصالهم من أجل تحقيق المصالح الشخصيّة. والجهاد عبادة تنسجم تماماً مع جميع العبادات حتى مع الصلاة التي تلزمها الطهارة والخلوص. وقد يتصوّر أحد أنّ الزواج والطلاق أمران متعارضان كما يبدو في الظاهر. بَيدَ أنّهما منسجمان ولا تعارض بينهما.
وجاءت التعاليم الخاصّة في القرآن المجيد مرتكزة على أساس أخلاقيّ صحيح إلى الحدّ الذي لو طُبّقت فيه، فإنّها ستستوعب عالماً من الرحمة والعطف. تقول تلك التعاليم بأنّ الإنسان إمّا يمسك زوجته بإحسان، أو يسرّحها بإحسان، ولا يضيّق عليها، ولا يأخذ ممّا آتاها من الصداق ديناراً واحداً حتى لو كان مقداره قنطاراً من الذهب والمجوهرات ولا يضغط عليها، ولا يؤذيها حتى تتنازل عن مهرها؛ فالطلاق- في الحقيقة- مقارن للرحمة والمودّة. ويلاحظ في تعاليم هذا الدين المبين أنّه قد تمّ التأكيد على كلّ عمل يقرّب الإنسان إلى اللطف، والمودّة، والرحمة والشفقة، والحسن، وورد النهي عن كلّ ما من شأنه التفرقة والانفصال والقلق، والانعزال عن الناس. وعُدّ تتبّع عثرات الناس والطعن فيهم ذنباً وكذلك سوء الظنّ، والنبز بالألقاب التي لا يرضى بها أصحابها، والسبّ والشتم، والتجسّس على الناس.
يقول الإسلام بأنّ المسلم ينبغي له أن يحسن الظنّ بالآخرين، وينظر إلى إخوانه المؤمنين نظرة طيّبة، وينظر إلى جميع الكائنات من حيث ارتباطها بالله ومبدأ التوحيد نظرة طيّبة أيضاً. يجب على المسلم أن لا يلهث وراء حبّ الظهور، ولا يميل إلى الإستكبار، وينفق أمواله على الفقراء والمساكين، ولا يكنز الذهب والفضّة، ولا يملأ حبّ الدنيا قلبه ويجدّ ويعمل ويقدّم حصيلة أتعابه إلى البُؤَساء والمعدمين ابتغاء مرضاة الله وبلوغ أعلى درجات الإنسانيّة. وهذه القوانين كلّها رحمة.
وقد نبعت من التوحيد منسجمة مع روحه في كافّة ميادين الحياة ولو طبّقها الإنسان، فسترفعه إلى التوحيد، وتوصله إلى مبدئه ومنشئه. على عكس القوانين المضادّة للتوحيد، فإنّها- شاء الإنسان أم أبى- مرتكزة على أساس التفرقة، والنفعيّة، والمصلحيّة، وتحقيق الأرباح، فهي تدعو الإنسان إلى التفرقة، وتقطع صلته بالعالم. ويتصوّر كلّ أحد أنّه منفصل عن العالم ويسعى لبقاء وجوده حتى لو كان منافياً لوجود الغير.
ونلمس هذا واضحاً حتى في البلدان المتطوّرة، إذ تلهث وراء مصالحها، لا يهمّها ما تعانيه الدول الاخرى من فقر وحرمان. فهدفها هو تحقيق الأرباح لصالحها، وبهذا فهي ترى نفسها منقطعة عن عالم الوجود، {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ واتَّقُوهُ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ ولا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[1].
يقول الإسلام: تحرّكوا كلّكم إلى الله، واخلعوا عنكم رداء الشرك واجتنبوا عن كلّ ما يصدّكم عن التوحيد، وأقيموا الصلاة للوصول إلى هذا المنزل، ولا تكونوا من المشركين الذين وضعوا قوانينهم على أساس التفرقة، وانقسموا شيعاً وجماعات.
وهذا الدين الحنيف هو الذي يرى الله وحده فعّالًا ما يشاء، ويراه مؤثّراً ومربّياً ومكمّلًا. وينظر إلى الكائنات جميعها على أنّها من فعل الله وأثره، وأنّها محكومة بإرادته القويّة ومشيئته. وهو على عكس المبادئ والسنن التي لا تعتمد على التوحيد، فهذه ترى أنّ الإنسان هو المؤثّر في الوجود. والشرك- مهما كانت درجته- فإنّه يقحم غير الله في عالمالوجود، وحصيلة ذلك أنّه يرى غير الله مؤثّراً، ويرى الله منفعلًا ومتأثّراً. والإنسان المتوكّئ على أفعاله، نبذ الله - بزعمه- وراء ظهره فرآه منفعلًا. والغفلة عن الله أيضاً درجة من الشرك ولها نفس الأثر.
و بهدف تربيّة الناس، وتصعيد مستوى معارفهم، وهدايتهم نحو أصالة العلم، وحقائق العالم التي تستظلّ بظلّ التوحيد، وردت الآيات الكريمة التالية: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ ولَهُ الْأُنْثى، تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى، إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وما تَهْوَى الْأَنْفُسُ ولَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى}[2]
«هل أنّ قوى الفصل والأثر متعلّقة بكم معشر البشر والانفعال والتأثّر متعلقان بالله؟ هذه قسمة غير صائبة، أنّ هذه الكائنات التي تعتدّون بقدرتها وعظمتها هي أسماء فحسب أطلقتموها أنتم وآباؤكم عليها (لا حقيقة لها) وأنتم تعتبرونها مؤثّرة، في مقابل الله ظنّاً منكم واتّباعاً للهوى ولقد جاءكم دين التوحيد من ربّكم وعرّفكم أصل التوحيد وانحصار القدرة والعظمة والإرادة والعلم والحياة وسائر الصفات والأسماء بذات الله المقدّسة الدائمة».
[1]الآيتان 31 و32، من السورة 30: الروم.
[2]الآيات 21 إلى 23، من السورة 53: النجم.
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة