النجاة من فكرة المعصية
المؤلف:
الشيخ عبد الله الجوادي الطبري الآملي
المصدر:
مفاتيح الحياة
الجزء والصفحة:
ص184ــ187
2025-11-09
98
من همّ بارتكاب المعصية فعليه أن لا يستسلم لها وأن يتوكل على الله ويستعيذ به من حبائل الشيطان. وقد قال الإمام الصادق (سلام الله عليه): وَمَنْ هَم بِسَيِّئَة فَلَا يَعْمَلْهَا فَإِنَّهُ رُبَّمَا عَمِلَ الْعَبْدُ السَّيِّئَةَ فَيَرَاهُ الرَّبُّ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى – فَيَقُولُ لا وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَغْفِرُ لَكَ بَعْدَهَا أَبَداً(1).
ذكر الله سبيل النجاة من المعاصي: من غفل فلن يغفل الشيطان عنه، وعلى الإنسان أن يحاسب نفسه وأن يستثمر ثروته على أفضل نحو.
قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): لا يَتَمَكَّنُ الشَّيْطَانُ بِالْوَسْوَسَةِ مِنَ الْعَبْدِ إِلَّا وَقَدْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَاسْتَهَانَ بِأَمْرِهِ وَسَكَنَ إِلَى نَهْيْهِ وَنَسِيَ اطَّلَاعَهُ عَلَى سره...(2)؛ وقال (سلام الله عليه) أيضاً: إِذَا أَتَاكَ الشَّيْطَانُ مُوَسْوِسَا لِيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ وَيُنْسِيَكَ ذِكْرَ اللهِ فَاسْتَعِذْ مِنْهُ بِرَبِّكَ وَرَبِّهِ؛ فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ الْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ وَيَنْصُرُ المظْلُومَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99](3).
وقال أمير المؤمنين (سلام الله عليه): وَإِيَّاكَ وَالإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ وَالثَّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وَحُبَّ الإِطْرَاءِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ المُحْسِنين(4).
ملاحظة: إن ذكر الله والاستعاذة به لهي خير سبيل أمام المؤمنين للنجاة من شراك الشيطان؛ لأنّ ما من عصر أو مصر يخلو من وجود الله، ولا ينبغي للّسان أن ينسى ذكر الله ويغفل عنه؛ فهو ما يحتاج إليه الإنسان دائماً وأبداً، وخير عامل لقضاء الحاجات ذكر الله قاضي الحاجات الغني عن كل حاجة؛ وحيثما لم يبادر - العبد بلسانه في كل زمان ومكان إلى اغتنام هذه الفرصة، فسيجر على نفسه الحسرة والندم(5).
أمثلة على ذكر الله: قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): ذِكْرُ الله عَلَى كُلِّ حَالٍ، لَيْسَ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْدُ للهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَطْ، وَلَكِنْ إِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ شَيْءٌ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، أَخَذْتَ بِهِ، أَوْ إِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ شَيْءٌ نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ، تَرَكْتَهُ(6).
لقد حث الإسلام على ذكر الله، وبيّن لنا كيفية ذلك بأن يلهج الذاكر بما ورد عن الشارع المقدس من أذكار، لا أن يسعى إلى أذكار مبتدعة؛ وهو ما أكد عليه نجوم سماء العرفان. فالذكر المأثور هو عمل صالح سواء كان باللسان أو بالقلم، لكنّه ليس سيد الأعمال الصالحة، وإنّما الذكر القلبي - من حيث أن قلب الإنسان يتسيّد جميع أعضائه وأن ليس للذاكر قبض وبسط أو أخذ وعطاء أو بطش ونشط إلا برضا الله - سيّد الأعمال الصالحة كافة بما فيها الذكر باللسان أو بالقلم؛ فهو ذو إنصاف ومواساة في سيرته ونهجه، ولا حيثية لــه ســوى الحيثية الدينية، وعليه، فأذكاره هي ذكرا الله(7).
قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي جَنَّتِهِ(8).
ملاحظة: ينطوي الذكر الدائم على خصوصية دفع ومنع العدو، ذلك أنّ إبليس بخيله ورجله، داخلياً وخارجياً، يسعى إلى وسوسة الإنسان واختراق حريم قلبه، ولكن بمقدور الإنسان رجمه ومنعه من النفوذ عبر المواظبة على ذكـر الله؛ وللذكر خاصية رفع السلبيات، فإذا ما تمكّن الشيطان من اختراق الإنسان نتيجة لارتخاء الأخير وتقاعسه، يستطيع، مع ذلك، بكثرة الذكر رفع الآثار السيئة الحاصلة، وهو وسيلة جذب أيضاً، لأنّ جذب ذكر الله إلى العبد رهن بالذكر؛ لذا، لا بدّ دائماً من الاشتغال بالذكر، لكي ينعم ببركاتـه الوفيرة(9). وإذا تحقق ذلك، صارت خشية الله ملء وجوده، ولان قلبه واطمأنت نفسه وفاضت عيناه بدموع الشوق. كما قال فريد الدين عطار:
هرکه دریاهای اشکش حاصل است گوبیا کو در خور این منزل است
وانکه او را دیده خون بار نیست گوبرو کو را بر ما کار نیست(10)
_________________________
(1) الكافي، ج 2، ص 272.
(2) مصباح الشريعة، ص 79؛ بحار الأنوار، ج 69، ص 124.
(3) مصباح الشريعة، ص 79 - 80؛ بحار الأنوار، ج 69، ص 125.
(4) نهج البلاغة، الكتاب 53، فقرة 145.
(5) انظر: تسنیم، ج 7، ص 554.
(6) الكافي، ج 2، ص 144.
(7) انظر: تسنیم، ج7، ص 555.
(8) الكافي، ج 2، ص 500.
(9) انظر: تسنیم، ج 7، ص 558.
(10) المعنى: فلتقل لكل من ذرف الدمع كالبحار، أقبل، فهو جدير بهذه الديار، وقل لمن يصب بالهموم والأحزان امض، فهو غير جدير بالأعمال. منطق الطير، ص256.
الاكثر قراءة في التربية الروحية والدينية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة