مدينة هابو في العهد البطلمي
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج15 ص 480 ــ 482
2025-11-07
61
لقد ظل اسم مدينة «هابو» يُذكَر في المتون المصرية منذ الدولة الحديثة حتى نهاية العصر الروماني، ولا زالت المباني الدينية لهذه المدينة حتى الآن تُعَد من أفخم وأروع ما خلَّفه المصريون في كل عصور التاريخ المصري القديم.
وتشمل مباني مدينة «هابو» الأجزاء الرئيسية التالية:
(1) المعبد الرئيسي الذي أقامه «رعمسيس الثالث».
(2) الحرم الداخلي للمعبد المقام من اللبنات.
(3) السور العظيم المبني من اللبنات.
(4) يوجد بين هذين البناءين الأخيرين عدة بيوت لخدم المعبد في الجنوب، وفي الشمال توجد المصالح الإدارية، وحديقة المعبد، والبركة المقدسة.
(5) معبد «آمون» الصغير.
(6) الجدار الخارجي المنخفض، ويبعد نحو 12 مترًا من جدار السور العظيم.
(7) البوابة الشرقية المحصنة، وهي التي تسمى المجدل، والميناء، والقناة التي تتصل بالنيل أمام هذه البوابة.
(8) البوابة الغربية المحصنة (1).
وتدل شواهد الأحوال على أن هذا المعبد العظيم قد هُجِر بعد موت «رعمسيس الثالث» الذي أقامه، ومنذ الأسرة العشرين هُجِر نهائيًّا بوصفه محرابًا واستُعمل معقلًا، وأصبح يُستَعمل بمثابة مصالح حكومية للإدارة، وقد دلتنا الكتابات الديموطيقية التي نُقِشت على جدرانه على أن بعض الأعمال الإدارية كانت تُؤدَّى في بعض أجزاء هذا المعبد في كلٍّ من العهدين الإغريقي والروماني (2). فمثلًا نجد أن حجرة كانت تستعمل في عهد «رعمسيس الثالث» مجزرة قد أصبحت تستعمل في عهد «بطليموس الثالث» إدراة، وكذلك نشاهد أن خمس الحجرات التي أقامها «رعمسيس الثالث» في معبد مدينة «هابو» لتكون خزانة قد استخدمت في العصر البطلمي لمثل هذا الغرض نفسه، ومما يلفت النظر أن الأشخاص الذين تركوا لنا أسماءهم على جدران معبد مدينة «هابو» كانو يعتبرون هذا المبنى مأوى إلهٍ يُدعَى «مين» ولا غرابة في ذلك، فإنهم لا بد قد تأثروا بمناظر الإله «مين» المنقوشة على جدران المعبد، وقد تحدثنا عنها بإسهابٍ في الجزء السابع من مصر القديمة.
والواقع أن البطالمة كانوا يعتنون عناية خاصة بالمعابد المصرية، كما نوَّهنا عن ذلك آنفًا، ولم يقصروا في ذلك على إقامة المعابد الجديدة، بل كانوا يصلحون المعابد القديمة التي تُهدِّمت؛ ولا أدلَّ على ذلك من عنايتهم بالمعبد الصغير في مدينة «هابو»، والظاهر أن هذا المعبد بالذات كان موضع تقدير منذ إقامته (3)، فقد أصلح عدة مرات، وقد ظلَّ كذلك إلى أن خربت مدينة «جمي» وأصبحت أثرًا بعد عين، وكان القوم يتعبدون فيه حتى النهاية؛ ولا أدلَّ على ذلك من صلاة كتبها أحد كهنة «آمون» في العام التاسع عشر من حكم أحد البطالمة، أو أباطرة الرومان على جدران هذا المعبد؛ يطلب فيها لآلهة «جمي» أن يمنحوه أولادًا عدة، وحياة مديدة، وعمرًا طويلًا طيبًا، وأن يوضع اسمه على مدخل معبد مدينة «هابو» (أي المعبد الصغير) أبد الآبدين، وكان الإله «آمون» في هذا المعبد يُسمَّى «آمون جمي» ومن ثَم ليس هناك ما يمنع أن لقب حانوتي «آمون» في معبد مدينة «هابو» يشير هنا إلى المعبد الصغير، وقد جاء هذا اللقب في كثير من الوثائق التي ترجمناها فيما سبق، وكذلك كان يحمل هذا اللقب كاهن «آمون» بالدير البحري، أما مدينة «جمي» نفسها فعلى الرغم من الإشارة إليها في أماكن عدة في العهد البطلمي، فإن الحفائر التي عُمِلت في هذه الجهة لم تكشف لنا عن موقعها بالضبط.
وتدل شواهد الأحوال على أن موقعها على حسب ما لدينا من وثائق ديموطيقية ربما كان «دير المدينة» أو «مدينة هابو» فقد ذكر الأثري «برويير» أنه كان يوجد في «دير المدينة» بعض بيوت مِلْك موظفي المعبد وحسب، وليس هناك قرية أو مدينة بالمعنى الحقيقي ازدهرت في العهد البطلمي في هذا الجزء من «طيبة» الغريبة.
أما الأثري «هولشر» فيقترح أن القرية الهيلانستيكية لم تكن على ما يبدو داخل معبد «مدينة هابو»؛ وذلك لعدم وجود بقايا أية آثار بما في ذلك الفخار في هذا المكان، وأخيرًا اقترح الأثري «ونلوك» أن موقع القرية، لا بد، كان في معبد «مدينة هابو» نفسه في هذا العهد، ويمكن قبول هذا الفرض مؤقتًا (4).
ومما سبق نجد أن موقع «جمي» قد أصبح مسألة لا يمكن حلها من هذه الاستنباطات، ولكن المتون الديموطيقية تلقي بعض الضوء على هذا الموضوع على حسب دراسة مصطفى الأمير (5) إذ يقول في هذا الصدد — بعد درس هذه المصادر السابقة: إنه إذا استثنينا أقدم وثيقة في سلسلة وثائق هذا العهد أي عام 317ق.م فإنا نجد أن المنازل التي وُصِفت في العقود الديموطيقية كانت كلها في جزءٍ ما من مدينة «جمي»، ويمكن أن نحدد موقعها في داخل سور «مدينة هابو»، وإن عدم ذكر الجهة الغربية أو الشرقية في هذه البرديات يرجع سببه إلى أن هاتين الجهتين كانتا تُشغَلان بالبوابتين المحصنتين اللتين قد أصبحتا تلقائيًّا المدخل والمخرج للقرية من «طيبة» وخارج الجبَّانة. ويمكن بذلك أن نستنبط مع «ونلك» أن «جمي» عصر البطالمة وما بعده كانت «مدينة هابو»، وأن السبب في عدم وجود براهين أثرية يرجع إلى أعمال التخريب التي قام بها السباخون الذي أزالوا كل المباني المقامة من اللبنات. وعلى أية حال يوجد تفسير آخر: وذلك أن المسافة التي كانت عند مدخل «مدينة هابو» كانت محددة، والوثائق التي في متناولنا لا تقدم لنا أية صورة عن مجموعة كبيرة من البيوت، ومن المحتمل أن سكان قرية «جمي» في العهد البطلمي كانوا حفنة من الذين يمثلون الأماكن المشاعة من جبل إلى جبل في بيوت أعيد بناؤها ويرجع عهدها للعصر الفرعوني. وعلى أية حال فإن الشاطئ الغربي للنيل عند «طيبة» كان يسكنه عدد عظيم من الأهالي أكثر مما يُظَن كما كشفت لنا عن ذلك أوراق بردية خاصة بالمقابر، والتفسير المحتمل لذلك هو أن الجزء الأكبر من هؤلاء الناس كانوا يسكنون مقابر حوَّلوها إلى مساكن صغيرة أو أقاموها ملاصقة لها (6).
أما مقابر العهد البطلمي في هذه الجهة فكانت جبَّانة «ذراع أبو النجا».
.....................................................
1- Holscher V. Excavations at Medinet Habu in CIOC. Vol. V. VII. X. XV. Etc
2- Edgerton, Report on the Graffiti at Medinet Habu. A.J.S. LLL P. 116
3- Holscher. The Excavations of Medinet Habu. Or. Inst. Comm. X PP. 61–69
4- Edgerton Ibid. P. 116
5- Mustafa El Amir. Ibid. P. 61
6- Glanville Cat. P. XXV, Mustafa El Amir. Ibid. P. 56
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة