الحمل
المؤلف:
الخطيب الشيخ حسين انصاريان
المصدر:
الاُسرة ونظامها في الإسلام
الجزء والصفحة:
ص 320 ــ 324
2025-10-23
38
بالرغم من أن الأم تعتبر منهلاً للحنان والعواطف، ورمزاً للرحمة الإلهية، وهي تعيش اللهفة لان تصبح أماً وتكحل عينيها برؤية وجه ولدها المفعم بالجمال والبراءة، إلا فترة الحمل تعتبر بالنسبة لها فترة عصبية مقترنة بالقلق والاضطراب ومواجهة شتى الاعراض بدنياً وروحياً.
على الزوج ومن انتسب اليه، واقارب الزوجين نساءً ورجالاً مداراة الحامل والوقوف إلى جانبها والاعتناء بها بشكل كامل وعلى مدار الساعة، لان أدنى تصرف شانئ، وصراخ وتشويش وكلام غير مقبول وسوء خلق وإلحاق اي نوع من الأدنى بالمرأة الحامل، بالإضافة إلى ما يتركه من أثر سلبي عليها فهو يؤثر سلبياً على الجنين في رحم امه ايضاً.
وإذا كان العريسان يعيشان مع والدي الزوج أو مع والدي الزوجة، يتعين عليهم جميعاً - سواء من الجانب الشرعي أو الأخلاقي - تجنب إثارة الزوج ازاء زوجته الحامل، ومراعاة الظرف الذي تمر به باي نحو كان.
على والدي الزوج الاحتراز من التدخل فيما يعيشه الزوجان من حياة وادعة، وعلى والدي الزوجة التزام الحذر من النظر إلى الزوج بعين الاستصغار. لئلا يتسببوا في انهيار الحياة الزوجية لهذين العريسين، لان أقارب الطرفين بأسرهم مسؤولون ازاءهما وكذا ازاء الجنين الذي يستقر في رحم أمه.
وإذا ما تسبب المقربون بالحاق الأذى بالجنين عن طريق ايذائهم المرأة الحامل بسبب سوء أخلاقهم وأقاويلهم والآمال غير المبررة التي يحملها أهل الزوج أو الزوجة، لا شك أن عليهم تقديم الاجابة عن ذلك يوم تقوم محكمة العدل الالهية، وبالطبع فإنهم عاجزون عن ذلك، يومذاك حيث يوم العدل والانصاف سينالهم العذاب الأليم بما ارتكبوه من ظلم.
والقرآن الكريم يرى أن الجميع مسؤولون أزاء ممارساتهم وأخلاقهم وحركاتهم وسكناتهم وتصرفاتهم صغيرها وكبيرها.
{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93].
{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24].
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
لقد وصلتني الكثير من الرسائل أيام ذهابي إلى مختلف نقاط ايران للتبليغ خلال اشهر رمضان و محرم وصفر، من الذين دخلوا عش الزوجية تواً، وقد ساهمت في حل الكثير من الاختلافات الناشئة بين العوائل، وكانت نسبة عالية من التقصير صادرة عن الكبار والمحيطين بالزوجين، وفي الأغلب كان السبب في الاختلاف هو الآمال غير المبررة لأبوي الزوج لا سيما أمه، أو التدقيق الزائد لأبوي الزوجة تجاه صهرهم، أو الحسد الذي عبر عنه الامام الصادق (عليه السلام) بأنه منشأ الاختلافات المنافية للإخلاف والدين، وبطبيعة الحال فإن بعض العرائس لم يكونوا بريئين من التسبب في جانب من الاختلافات، وذلك انما يأتي بسبب صغر سنهما وقلة تجربتهما ويمكن تجاوزه، الا ان الكبار لم يفعلوا، وعلى اثر ذلك كانت تندلع نيران الاختلاف، أضف إلى ذلك النواقص الأخلاقية والدينية التي كانت تمثل عاملاً مساعداً في تأجيجها أكثر فأكثر فيبلغ الأمر في بعض الأحيان ان تنهار حياة شابين وتذهب احلامهما ادراج الرياح.
الكل يعلم أن الانسان رجلا كان أم امرأة مجبول على الاستقلال ويتعطش للحرية، وسلب هذه الحرية وهذا الاستقلال من وجهة النظر الاسلامية. من قبل اي كان، وبحق أي يعتبر ذنباً كبيراً ومعصية قبيحة.
ان الدعوة للعناية بالحامل والمحافظة على أمنها لا يعني تجويز اهمالها والاساءة اليها أثناء خروجها من فترة الحمل، لما تتمتع به المرأة من ظرف حساس أثناء تلك الفترة، بل من الواجب والضروري للجميع احترام حرية الناس واستقلالهم في كل ظرف وزمان.
وإذا كان بمقدور ذوي العريسين توفير مسكن مستقل لهما منذ البداية، وان يتعاملوا معهما بعيداً عن الافراط في التمني، تعاملاً مقترناً بالعفو، تعاملاً إسلامياً وانسانياً، وعلى والدي الطرفين التردد عليهما ودعوتهما إلى بيوتهم واعتبار ذلك صلة للرحم، وخلال هذه الزيارات ينبغي تجنب الغيبة والبهتان والتدخل غير المبرر والقيل والقال، واثارة روح التذمر لدى العريسين ازاء بعضهما البعض، اذ ان مثل هذه الخلق أكثر سوءاً من تصرفات الحيوانات وشبهاً بالوحشية.
وإذا لم يكن بوسع ذوي العريسين توفير مسكن مستقل لهما، ينبغي توفير جانب من المنزل لهما والسعي لان يعيشا حياة هانئة تطفح بالمحبة فيما بينهما كي لا تتعكر حياتهما.
أن العروس بمثابة الأمانة الالهية لدى عائلة الزوج، إذ أنها قد دخلت حياتها الجديدة يحدوها الأمل نافضة يديها من حياتها السابقة، والصهر بمثابة النعمة الالهية بالنسبة لعائلة العروس عليهم المحافظة عليه كما يحافظون على ابنائهم. وهذا يعتبر عبادة في منظور الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، وعاقبة العبادة بلوغ رضى الحق تعالى ودخول جنان الخلد.
ربما لمس العريسان الخير والمحبة من قبل والديهما أو المحيطين بهما واقربائهما وقضيا أجمل أيام شبابهما ومطلع زواجهما إلى جانبهم، وربما كان العكس من ذلك ففي الوقت الذي كان لابد أن يقضي العريسان أحلى ايامهما. يكونان قد ذاقا الأمرين من والديهما أو غيرهم من الأهل وتجرعا العذاب منهم.
على أية حال، اليوم إذ أصبح للأهل صهر أو عروس عليهم أن يضعوا أنفسهم مكانهما ويتصوروا الدور الذي يلعبه الأمن والاستقرار بالنسبة لهذين الشابين في المحافظة على الصفاء والمحبة والارتباط بينهما، وأنه يهيء الأرضية لان يمضيا حياتهما بكل هناء وينعما بما وهبهما الباري تعالى، وبالعكس من ذلك ما تفعله التدخلات غير المبررة والتقولات والمبالغة في الأماني وسوء الخلق، في تعكير الاجواء واثارة التذمر، قد تؤدي إلى تزلزل الأمن والاستقرار وتثير الضغينة بين الأسرتين، وبالتالي احتراق حياة شابين بريئين.
وعلى ما اتذكر فإني قد قرأت هذه الرواية المهمة في أصول الكافي مضمونها: ان الامام الرضا (عليه السلام) قال إن آدم (عليه السلام) لما بدأ حياته على الأرض واجه اول المصاعب وهي أن الله سبحانه نصحه.
أحب لنفسك ما تحب لغيرك، وأكره لها ما تكره لغيرك.
نعم، على ذوي الزوج والزوجة والمحيطين بهما وأقاربهما ان يحبوا لهما ما يحبون لأنفسهم وأن يكرهوا لهما ما يكرهوا لأنفسهم، وهذه القاعدة إذا ما روعيت من قبل الجميع ازاء بعضهم البعض لن تحصل مشكلة أبداً، وإذا ما حصلت فإنها تحل بيسر وسهولة.
والآن تأملوا هاتين الآيتين المتعلقتين بالحمل:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15].
أليس من الضروري المحافظة على المرأة الحامل ومراعاة الجوانب الضرورية بالنسبة لها أثناء هذه الفترة الحرجة، التي هي فترة ضعف على ضعف. وفترة المشقة والعذاب، والاضطراب والقلق؟ ومداراتها تقع بالدرجة الأولى ومن وجهة النظر الشرعية والعرفية والأخلاقية على عاتق الزوج، ومن بعده اقرباؤه للمحافظة على سلامة الأم والجنين بدنياً ونفسياً.
الاكثر قراءة في الآباء والأمهات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة