ما الحكمة في تعطيل النبوة مع أن استكمال البشر لا توقف له؟
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1 ، ص 279 -281
2025-10-01
176
[السؤال]: ما الحكمة في تعطيل النبوة مع أن استكمال البشر لا توقف له، ألم يحسن أن تدوم النبوة مع دوام استكمال البشر؟
والجواب عنه أن حكمة ذلك عند الله تعالى؛ لأنه أعلم بالأمور، ولكن يظهر للمتأمل بعض المقربات؛ لأن علل تجديد النبوة فيما مضى من الزمان امور كلها منفية بعد ظهور الإسلام؛ لأن من العلل تحريف ما نزل من الله إلى الناس، فيحتاج إلى بعث النبي الجديد ليرفع التحريف، ويهدي الناس إلى الواقع مما نزل، ومنها أن البرامج المذكورة في الشرائع السابقة كثيرا ما ربما تكون عصريا ومختصا بزمان خاص، وليست بصورة الكليات ، لعدم امكان تحملهم لها ، كما يشهد لذلك وقوع النسخ في الشرائع السابقة ، فإنه حاك عن كون المنسوخ مختص ببعض الازمنة ، ولذا إذا تغيرت الامور ، واحتاجت إلى البرامج الجديدة ، يحتاج إلى بعث النبي الجديد لتغيير البرامج طبق الاحتياجات ، ومنها أن تفاصيل الوحي النازل يحتاج إلى تبيين وتطبيق ، فيحتاج إلى بعث النبي الجديد لذلك ، وليس في الإسلام والقرآن شيء من هذه الامور ؛ لأن القرآن الكريم مصون عن التحريف بحفظه تعالى ، كما نص عليه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (1).
وهكذا لا نقص ولا فقد في الإسلام بالنسبة إلى ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة ، فلا حاجة إلى ظهور شرع جديد لبيان حاجاتهم ، كما نص عليه في قوله تبارك وتعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (2) فإنه يحكي عن جامعية الإسلام وكماله بنزول القرآن ونصب الإمام المبين يوم غدير خم.
وهكذا وردت روايات كثيرة دالة على أن كل ما يحتاجه الناس، بيّنه الله للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وهو بيّنه للناس ولو بواسطة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ومن جملتها: ما روي عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ أنه قال : «إن الله لم يدع شيئا يحتاج إليه الامة إلى يوم القيامة إلّا أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله» (3).
ومنها أيضا : ما روي عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال : سئل علي ـ عليه السلام ـ عن علم النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ : فقال «علم النبي علم جميع النبيين ، وعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى قيام الساعة ، ثم قال : والذي نفسي بيده إني لأعلم علم النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وعلم ما كان وما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة» (4).
ثم لا يذهب عليك أن الاصول والقواعد الكلية المبيّنة في الإسلام ثابتة ، بحيث لا تحتاج إلى التغيير والتبديل ، لكليتها ووفقها مع الحاجات التي تقتضيها الفطرة كالزواج والمعاملات والأخلاقيات والروابط الداخلية والروابط الخارجية والدفاع وغير ذلك ، والتغير إنما هو في ناحية الموضوعات كالأمتعة ، فإنها تتغير بتغير الزمان ، ولكن أحكام المعاملة لا تتغير ، وكالأسلحة فإنها تتغير بمرور الزمان ، ولكن أحكام الدفاع بالسلاح لا تتغير ، وهكذا. وأيضا من الاصول الكلية التي لا تغيير فيها هو أصل نفي الضرر والضرار، وأصل نفي العسر والحرج ونحوهما ، مما لهما الدخل التام في حل المشاكل العصرية والمشاكل الفردية.
هذا مضافا إلى الأحكام الموقتة السلطانية ، ومما ذكر يظهر أن موجبات تجديد النبوة لا تكون موجودة بعد ظهور الإسلام وجامعيته ، نعم يبقى الحاجة إلى البيان والتفسير والتطبيق ، ولكنها محولة إلى الائمة ـ عليهم السلام ـ فمع وجودهم لا حاجة إلى النبي الجديد أصلا ، ولعله لذا ختم النبوة (5).
________________
(1) الحجر : 9.
(2) المائدة : 3.
(3) بصائر الدرجات : ص 6.
(4) بصائر الدرجات : ص 127.
(5) راجع معارف قرآن : جلسه 79 ص 794.
الاكثر قراءة في النبوة والأنبياء
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة