الهالة ولمعان التقابل
المؤلف:
جيرل ووكر
المصدر:
سيرك الفيزياء الطائر
الجزء والصفحة:
ص736
2025-09-21
156
تأمل ظل رأسك على العشب في صباح يكون فيه العشب مبتلا بالندى. قد يكون الظل محاطًا بضوء ساطع يُطلق عليه «الهالة» (انظر شكل1). يُمكن أن ترى أماكن ساطعة مشابهة حول ظلك في بيئات أخرى كثيرة، مثل العشب الجاف أو النباتات الأخرى أو المسطحات المائية الضحلة التي تعلوها الدوامات وغيرها من الأسطح الجافة والخشنة. من الممكن أيضًا أن ترى خيطا لامعًا صادرًا من ظل سيارة متحركة عندما يمتد الظل على حقل تكسوه الحشائش.
عندما تكون على متن الطائرة ابحث عن الهالة على الأرض الواقعة عند نقطة ظل الطائرة (النقطة المقابلة للشمس مباشرةً). وبينما تُغطّي نقطة الظل الحشائش والأشجار والأراضي الخلاء والرصيف والسحب، تظهر الهالة وتختفي. إذا كنت قريبا من الأرض فمن الممكن أن ترى ومضات ضوء ساطعة تظهر فجأة داخل الهالة. وإذا كنت فوق الأرض فمن الممكن أن ترى خطا داكنا رفيعا يمتد من الهالة، فما الذي يُنتج الهالة والومضات الساطعة والخط الداكن؟
عند إضاءة نباتات معينة مُغطَّاة بالندى ليلا باستخدام كشاف وامض أو وميض كاميرا، فإن الشخص الذي يحمل الكشاف أو المصباح الوامض سيرى النباتات متوهجة، في حين أن الشخص الواقف بعيدا عند الجانب لن يرى ذلك التوهج، فما سبب هذا التوهج، ولماذا لا تتوهج كل النباتات بهذه الطريقة؟
وبمجرد اكتمال القمر يزداد سطوع أي منطقة مضيئة على سطحه فجأة، ويُطلق على هذه الظاهرة« لمعان التقابل» في الحقيقة من الممكن أن تصبح هذه المنطقة أكثر لمعانًا بنسبة 25 في المائة عندما يكون القمر بدرًا مقارنة بأي يوم سابق أو لاحق. فما السبب في هذه الزيادة المفاجئة في ضوء الشمس الذي يُشتته سطح القمر؟ (قبل أن يهبط رواد الفضاء على القمر، كانت وكالة ناسا قلقة من أن يتسبب تشتّت ضوء الشمس العائد من تربة القمر في عمى لرواد الفضاء على القمر إن لم تكن خوذاتهم مزودة بحاجز واقٍ مناسب يُمكِّنهم من الرؤية.

شكل 1: (أ) ظل على الحشائش المرطّبة بالندى في حالة اقتراب الشمس. (ب) طريق شعاعين عبر تربة القمر.
عند جز الحشائش أو ملعب رياضي بطريقة معينة، يُشبه العشب رقعة الشطرنج بمربعاتها الفاتحة والقاتمة. فما السبب في هذا الاختلاف في السطوع؟ هل للقول المأثور «العشب أكثر اخضرارًا عند الجانب الآخر من السور» أي قيمة علمية؟
الجواب: تدبَّر أولا العشب الجاف. عندما تنظر إلى المنطقة المحيطة بظل رأسك لن ترى إلا أنصال الحشائش وليس الظلال التي تلقيها؛ لأن الظلال واقعة خلف الأنصال؛ ومن ثم فإن المنطقة ساطعة لأنك تستقبل فقط ضوء الشمس المنعكس منها. وعندما تنظر بعيدا عن المنطقة الساطعة ستبدأ في رؤية بعض ظلال الأنصال، وسيقل السطوع العام. ومن ناحية أخرى ستكون المنطقة المحيطة بظل رأسك ساطعة
أما الهالة المحيطة بالأرض الجافَّة فمن الممكن أن يكون سببها الانخفاضات الصغيرة في الأرض التي تتَّخذ شكلا أشبه بالأركان قائمة الزوايا. هذه المناطق تعكس الضوء مرة أخرى إلى مصدره، فتعترض أنت بعضًا من هذا الضوء العائد وقد تُسهم الأشكال والمواد الأخرى الموجودة على الأسطح في عودة إضافية للضوء، لا سيما عندما يكون السطح مساميا وبه «أنفاق». فعندما تنظر حول ظل رأسك ستجد ضوءًا مُشتَّتَا عائدًا لك عبر دواخل الأنفاق لكنك لا تراه عندما تنظر بعيدًا إلى الجانب.
وعندما يكون العُشب مغطّى بقطرات الندى من الممكن أن يدخل الضوء إلى قطرة الندى، وينعكس من السطح الخلفي ونضل ورقة العشب ثم يترك القطرة عائدًا تقريبا نحو الشمس. إذا نظرت إلى العشب المحيط بظل رأسك فستعترض بعضًا من هذا الضوء العائد؛ ومن ثم سيكون العشب ساطعًا. أما إذا نظرت على العشب الموجود على الجانب فلن تعترض أيًّا من الضوء العائد، ومن ثَم لن يكون العُشب هناك بنفس السطوع. تركز القطرة الكروية ضوء الشمس على بقعة صغيرة واقعة تقريبا خلف السطح الخلفي. ويكون الضوء العائد أكثر سطوعًا إذا وُجد نصل العشب عند نقطة التركيز، لكن عادةً ما ترتكز القطرة مباشرةً على النصل رغم ذلك، تكتسي أنواع معينة من الأوراق بشعيرات رفيعة يمكن أن تحمل القطرة فوق سطح الورقة نسبيا. وتعطي هذه الأوراق هالة ساطعة جدًّا.
عندما يُضيء مصباح كشاف قطرات الندى على النباتات يعود جزء من الضوء في الاتجاه العام للكشاف في صورة هالة. ويكون الضوء العائد أكثر سطوعًا إذا كانت القطرات شبه كروية على الأوراق الشمعية لنباتات معينة فتميل القطرات إلى التحبُّب في صورة كريات؛ ومن ثم عندما يُوجه شعاع الضوء على هذا النبات يبدو النبات مشعًا مقارنة بالنباتات الأخرى.
وأما الومضات الساطعة التي تراها داخل الهالة أثناء التحليق بالطائرة فتعود إلى «العواكس الرجعية» التي تكون عادةً حُبَيبات بلاستيكية أو زجاجية ترسل الضوء مرة أخرى إلى مصدره. فعلى سبيل المثال من المحتمل أن يحتوي دهان لافتة المرور على عواكس رجعية صغيرة مثبتة لإرسال الضوء من كشافات السيارة إلى قائدها مرةً أخرى كي يرى اللافتة بسهولة ليلًا. وعندما يمرُّ ظل الطائرة على هذه اللافتة، فإنك تعترض جزءا من الضوء الذي يرسله الدهان مرة أخرى إلى الاتجاه العام للشمس. أما الخط القاتم الذي يُصاحب الهالة أحيانًا فهو ظلُّ خط التكتف «الخط النفاث» الذي تتركه الطائرة.
وإذا كانت الطائرة منخفضة على نحو يسمح لك برؤية ظلها على الأرض، فقد تجد شريطًا ساطعًا محيطا بظلها من الممكن أن يكون سبب هذا الشريط هو الضوء المشتت العائد إلى اتجاه الشمس العام من قطرات الماء الموجودة على النباتات (ومن ثُمَّ الهالة) أو من الممكن أن تكون هذه القطرات محمولة في الهواء. ومع ذلك، من الممكن أن ترى شريطًا ساطعًا حتى مع عدم وجود قطرات الماء كما هي الحال في الأراضي الجافة أو القاحلة). بالإضافة إلى ذلك من الممكن أن ترى شريطا ساطعًا حول ظل طائرة «أخرى»، وبالتأكيد من غير الممكن أن تكون قطرات الماء. هي السبب في ظهور هذا الشريط. في هذه الحالة، يكون هذا الشريط الساطع وهما إدراكيًا. عندما توجد منطقة قاتمة (مثل ظل الطائرة) بجوار منطقة أكثر سطوعًا في مدى رؤيتك، فإن جهازك البصري ينتج شريطاً ساطعا يعرف باسم شريط ماتش» على طول الحد الفاصل بين المنطقتين.
عندما يصل ضوء الشمس إلى سطح القمر فمن الممكن أن يتشتت تقريبا في أي اتجاه. ومع ذلك، فإن التشتت الأكثر سطوعًا يكون في الاتجاه العام للشمس بسبب طريقة تعزيز الموجات الضوئية بعضها لبعض في ذلك الاتجاه. فمن الممكن أن يتخذ شعاعان ضوئيان منفصلان نسبيًّا المسار نفسه عبر تُربة القمر لكن في اتجاهين متقابلين، ثم يخرجان عائدين إلى الشمس (انظر شكل 1ب). وموجتا هذين الشعاعين «متطاورتان» (في الطور نفسه) تقريبًا ومِن ثَمَّ تُعزّز كلٌّ منهما الأخرى؛ أي تجتمعان لجعل الضوء ساطعًا. وعندما يكون القمر بدرًا فإننا نتحرك إلى هذا الضوء الساطع المشتت نحو الشمس؛ ولذلك يكون القمر ساطعا جدًّا. وعندما نعترض طريق الضوء المشتت في الليالي الأخرى، تكون الأشعة قد خرجت بطرق عشوائية من تربة القمر ولا يعزز بعضها بعضًا في العموم، ومن ثُمَّ يكون القمر أقل سطوعًا.
بعض أنواع النباتات الحزازية يمكنها أيضًا تشتيت الضوء بسطوع نحو الشمس وتعزّز موجات ذلك الضوء بعضها بعضًا. ومن الممكن أن ترى عودة ذلك الضوء الساطع إذا كانت نقطة ظلك ساقطة على نباتات حزازية بعيدة نسبيًّا، لكن يكثر عادةً رؤية ذلك الضوء في الصور الجوية الملتقطة لمناطق النباتات الحزازية.
أما تصميم الشطرنج الناتج عن تقليم الحشائش فيعود إلى اتجاه أنصال الحشائش الذي تتركه آلة جز الحشائش. ففي بعض المناطق تكون الأنصال موجهةً بحيث تعكس لك الضوء، وفي مناطق أخرى لا تكون كذلك، بل ترى بعض ظلالها.
قد يبدو العشب على الجانب الآخر من السور أكثر اخضرارًا؛ لأن زاوية النظر المائلة التي تنظر منها قد لا تكشف لك عن التربة البنّية السفلية التي تراها بسهولة عندما تنظر إلى الأسفل مباشرةً. (بالتأكيد. يوجد درس عن الحياة والعلاقات في هذا المثل، لكني أتركه لك لتعرفه بنفسك.)
الاكثر قراءة في مواضيع عامة في علم البصريات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة