النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
زوجة الإمام العسكري ووالدة الإمام المهدي ( عليهم السلام )
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الحسن العسكري "ع" والد الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص303-328
2025-08-24
12
صحت الرواية عندنا أن الله تعالى جعل أم الإمام المهدي ( عليه السلام ) حفيدة قيصر الروم ، وأن أمها من ذرية شمعون الصفا وصي عيسى ( عليهما السلام ) .
وشمعون هو بطرس ، الذي يقول المسيحيون إنه قُتل في روما ، وعلى قبره أقيمت كنيسة القديس بطرس ومركز الفاتيكان .
وتقول روايتنا إنه بقي مع قومه في المنطقة ، وكان يتنقل بين طبرية وصور وأنطاكية وبابل ، واستشهد في هذه المنطقة ، لكن لا نعلم أين بالتحديد ، ويوجد قبر في جنوب لبنان يسمى شمع ، يقال إنه قبره ( عليه السلام ) .
وقد سافر بطرس ( عليه السلام ) إلى روما مرات ، وبقي ذات مرة سنوات ، وآمنت على يده زوجة قيصر ، لكنه رجع وبقي مع قومه ، وليس عندنا رواية عن أولاده ، ومن بقي منهم في روما وصار من أهلها .
وقد روى في إثبات الهداة ( 3 / 569 ) عن الفضل بن شاذان ( رحمه الله ) في كتابه إثبات الرجعة : ( عن محمد بن عبد الجبار قال : قلت لسيدي الحسن بن علي ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله جعلني الله فداك : أحب أن أعلم من الإمام وحجة الله على عباده من بعدك ؟ فقال : إن الإمام وحجة الله من بعدي ابني سميُّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكنِيُّه ، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه . قلت : ممن هو يا ابن رسول الله ؟ قال : من ابنة ابن قيصر ملك الروم . ألا إنه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ، ثم يظهر ) .
أقول : سند الرواية صحيح بامتياز ، لأن الفضل بن شاذان الثقة يرويها عن الإمام الهادي ( عليه السلام ) بواسطة واحدة ، هو محمد بن عبد الجبار ، وهو ثقة .
وهذا يدل على أن والدة الإمام ( عليه السلام ) مليكة أونرجس من ذرية شمعون الصفا ، وصي عيسى ، سلام الله عليهما ، وهي تقوي صحة الرواية المفصلة التالية .
كيف جاء الله بمليكة إلى الإمام العسكري ( عليه السلام ) ؟
الرواية المعتمدة عندنا في قصتها رواها الصدوق ( قدس سره ) في كمال الدين ( 2 / 417 ) : ( عن محمد بن بحر الشيباني قال : وردت كربلا سنة ست وثمانين ومائتين ، قال : وزرت قبر غريب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم انكفأت إلى مدينة السلام متوجهاً إلى مقابر قريش في وقت قد تضرمت الهواجر وتوقدت السمائم ، فلما وصلت منها إلى مشهد الكاظم ( عليه السلام ) واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة ، المحفوفة بحدائق الغفران ، أكببت عليها بعبرات متقاطرة ، وزفرات متتابعة ، وقد حجب الدمع طرفي عن النظر ، فلما رقأت العبرة وانقطع النحيب ، فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه وتقوس منكباه ، وثفنت جبهته وراحتاه ، وهو يقول لآخر معه عند القبر : يا ابن أخي لقد نال عمك شرفاً بما حَمَّلَهُ السيدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم ، التي لم يحمل مثلها إلا سلمان ، وقد أشرف عمك على استكمال المدة وانقضاء العمر ، وليس يجد في أهل الولاية رجلاً يفضي إليه بسره .
قلت : يا نفس لا يزال العناء والمشقة ينالان منك بإتعابي الخف والحافر في طلب العلم ، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل على علم جسيم وأثر عظيم ، فقلت : أيها الشيخ ومن السيدان ؟ قال : النجمان المغيبان في الثرى بسر من رأى . فقلت : إني أقسم بالموالاة وشرف محل هذين السيدين من الإمامة والوراثة إني خاطب علمهما ، وطالب آثارهما وباذل من نفسي الإيمان المؤكدة على حفظ أسرارهما ، قال : إن كنت صادقاً فيما تقول ، فأحضر ما صحبك من الآثار عن نَقَلة أخبارهم ، فلما فتش الكتب وتصفح الروايات منها قال : صدقت ، أنا بشر بن سليمان النخاس ، من ولد أبي أيوب الأنصاري . أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد وجارهما بسر من رأى ، قلت : فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما ، قال : كان مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري ( صلى الله عليه وآله ) فقهني في أمر الرقيق فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلا بإذنه ، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات ، حتى كملت معرفتي فيه ، فأحسنت الفرق بين الحلال والحرام . فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى ، وقد مضى هوي من الليل إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعاً ، فإذا أنا بكافور الخادم رسولٌ مولانا أبي الحسن علي بن محمد ( صلى الله عليه وآله ) يدعوني إليه ، فلبست ثيابي ودخلت عليه فرأيته يحدث ابنه أبا محمد وأخته حكيمة من وراء الستر ، فلما جلست قال : يا بشر إنك من ولد الأنصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف ، فأنتم ثقاتنا أهل البيت وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها شأو الشيعة في الموالاة بها : بسرٍّأ طلعك عليه وأنفذك في ابتياع أمَة . فكتب كتاباً ملصقاً بخط رومي ولغة رومية ، وطبع عليه بخاتمه ، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً ، فقال : خذها وتوجه بها إلى بغداد ، واحضر معبر الفرات ضحوة كذا ، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري منها ، فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس وشراذم من فتيان العراق ، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس ، عامة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا ، لابسة حريرتين صفيقتين ، تمتنع من السفور ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها ، ويشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق ، فيضربها النخاس فتصرخ صرخة رومية ، فأعلم أنها تقول : واهتك ستراه ، فيقول بعض المبتاعين علي بثلاث مائة ديناراً - فقد زادني العفاف فيها رغبة ، فتقول بالعربية : لوبرزت في زي سليمان وعلى مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة ، فأشفق على مالك ، فيقول النخاس : فما الحيلة ولا بد من بيعك . فتقول الجارية : وما العجلة ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى أمانته وديانته ، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له : إن معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي ، ووصف فيه كرمه ووفاه ونبله وسخاءه ، فناولْها لتتأمل منه أخلاق صاحبه ، فإن مالت إليه ورضيته ، فأنا وكيله في ابتياعها منك .
قال بشر بن سليمان النخاس : فامتثلت جميع ما حدَّهُ لي مولاي أبو الحسن ( عليه السلام ) في أمر الجارية ، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً ،
وقالت لعمر بن زيد النخاس : بعني من صاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالمحرجة المغلظة إنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها ، فما زلت أشاحُّهُ في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي ( عليه السلام ) من الدنانير في الشستقة الصفراء ، فاستوفاه مني وتسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة ، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها ( عليه السلام ) من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدها ، وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها ، فقلت تعجباً منها : أتلثمين كتاباً ، ولا تعرفين صاحبه ؟
قالت : أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء ( عليهم السلام ) ، أعرني سمعك وفرغ لي قلبك : أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم ، وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون ، أنبئك العجب العجيب : إن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه ، وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة ، فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسيسين والرهبان ثلاث مائة رجل ، ومن ذوي الأخطار سبع مائة رجل ، وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف ، وأبرز من بهوملكه عرشاً مصوغاً من أصناف الجواهر ، إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة ، فلما صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان ، وقامت الأساقفة عُكَّفاً ونُشرت أسفار الإنجيل ، تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض ، وتقوضت الأعمدة فانهارت إلى القرار ، وخر الصاعد من العرش مغشياً عليه ! فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم ، فقال كبيرهم لجدي : أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني ، فتطير جدي من ذلك تطيراً شديداً ، وقال للأساقفة : أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان ، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده ، لأزوج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده ، فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول ، وتفرق الناس وقام جدي قيصر مغتماً ، ودخل قصره وأرخيت الستور !
فأُرِيتُ في تلك الليلة كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين ، قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علواً وارتفاعاً ، في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه ، فدخل عليهم محمد ( صلى الله عليه وآله ) مع فتية وعدة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول : يا روح الله إني جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا ، وأومأ بيده إلى أبي محمد صاحب هذا الكتاب ، فنظر المسيح إلى شمعون فقال له : قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : قد فعلت ، فصعد ذلك المنبر وخطب محمد وزوجني وشهد المسيح وشهد بنومحمد والحواريون ، فلما استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل ، فكنت أسرُّها في نفسي ولا أبديها لهم .
وضرب صدري بمحبة أبي محمد حتى امتنعت من الطعام والشراب ، وضعفت نفسي ودق شخصي ومرضت مرضاً شديداً ، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي وسأله عن دوائي ، فلما برَّحَ به اليأس قال : يا قرة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا ؟ فقلت : يا جدي أرى أبواب الفرج عليَّ مغلقة ، فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أسارى المسلمين ، وفككت عنهم الأغلال وتصدقت عليهم ومننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح وأمه لي عافية وشفاء .
فلما فعل ذلك جدي تجلدت في إظهار الصحة في بدني ، وتناولت يسيراً من الطعام فسر بذلك جدي ، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم ، فرأيت أيضاً بعد أربع ليال كأن سيدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران ، وألف وصيفة من وصائف الجنان فتقول لي مريم : هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمد ، فأتعلق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي ، فقالت لي سيدة النساء ( عليها السلام ) : إن ابني أبا محمد لايزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى ، وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله تعالى من دينك ، فإن ملت إلى رضا الله عز وجل ورضا المسيح ومريم عنك ، وزيارة أبي محمد إياك فتقولي : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن أبي محمداً رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء إلى صدرها فطيبت لي نفسي وقالت : الآن توقعي زيارة أبي محمد إياك ، فإني منفذته إليك . فانتبهت وأنا أقول : وا شوقاه إلى لقاء أبي محمد ، فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد ( عليه السلام ) في منامي ، فرأيته كأني أقول له جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك !
قال : ما كان تأخيري عنك إلا لشركك ، وإذ قد أسلمت فإني زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان ، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية !
قال بشر : فقلت لها وكيف وقعت في الأسر ؟ فقالت : أخبرني أبو محمد ليلة من الليالي أن جدَّك سيسرب جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا ، ثم يتبعهم ، فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم ، مع عدة من الوصائف من طريق كذا ، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت ، وما شعر أحد بي بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك ، وذلك بإطلاعي إياك عليه .
وقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت نرجس ، فقال : اسم الجواري . فقلت : العجب أنك رومية ولسانك عربي . قالت : بلغ من ولوع جدي وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلي امرأة ترجمان له في الاختلاف إلي ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربية ، حتى استمر عليها لساني واستقام .
قال بشر : فلما انكفأت بها إلى سر من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري ( عليه السلام ) فقال لها : كيف أراك الله عز الإسلام وذل النصرانية وشرف أهل بيت محمد ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قالت : كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به مني . قال : فإني أريد أن أكرمك ، فأيما أحب إليك عشرة آلاف درهم أم بشرى لك فيها شرف الأبد ؟ قالت : بل البشرى ، قال : فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً . قالت : ممن ؟ قال : ممن خطبك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية . قالت : من المسيح ووصيه ؟ قال : فممن زوجك المسيح ووصيه ؟ قالت : من ابنك أبي محمد . قال : فهل تعرفينه ؟ قالت : وهل خلوت ليلة من زيارته إياي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة النساء أمه ؟
فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : يا كافور أدع لي أختي حكيمة ، فلما دخلت عليه قال ( عليه السلام ) لها : ها هيه ، فاعتنقتها طويلاً وسرت بها كثيراً ، فقال لها مولانا : يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك ، وعلميها الفرائض والسنن ، فإنها زوجة أبي محمد ، وأم القائم ( عليه السلام ) ) .
ملاحظات
1 . راوي هذه الرواية العالم المؤلف الأديب محمد بن بحر الشيباني ( رحمه الله ) ، وقد تقدم توثيقه ، وأن الصدوق ( رحمه الله ) استشهد على عقائد المذهب بفقرات من كتبه .
أما سيدنا الخوئي ( قدس سره ) فطبَّقَ منهجه المتشدد ، وَضَعَّفَ الرواية ! قال ( 4 / 224 ) : ( لكن في سند الرواية عدة مجاهيل ، على أنك قد عرفت فيما تقدم أنه لا يمكن إثبات وثاقة شخص برواية نفسه ) . يقصد بذلك قول الإمام الهادي ( عليه السلام ) لبشر بن سليمان الأنصاري : فأنتم ثقاتنا أهل البيت . ويقصد أن ذلك لا يثبت وثاقة سليمان ، لأنه هو الذي رواه .
لكنا لا نقول بصحتها بسبب هذه الفقرة بل بسبب رواية محمد بن عبد الجبار الصحيحة المتقدمة ، وبسبب وثاقة الشيباني ، وبسبب ارتضاء الصدوق والقميين لها رغم تشددهم . ولأن دواعي الوضع هنا منتفية .
بل يكفينا لتصحيحها رواية ابن عبد الجبار المتقدمة ، ومبنى الشيخ الأنصاري الذي صحح به رواية استشارة عمر لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الفتوحات وإذنه بها .
قال ( قدس سره ) في المكاسب ( 2 / 243 ) : « والظاهر أن أرض العراق مفتوحة بالإذن كما يكشف عن ذلك ما دل على أنها للمسلمين . وأما غيرها مما فتحت في زمان خلافة الثاني ، وهي أغلب ما فتحت ، فظاهر بعض الأخبار كون ذلك أيضاً بإذن مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأمره ، ففي الخصال في أبواب السبعة في باب أن الله تعالى يمتحن أوصياء الأنبياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ، وبعد وفاتهم في سبعة مواطن . . إلى أن قال : فإن القائم بعد صاحبه ، يعني عمر بعد أبي بكر ، كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري ، ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي ، لا أعلم أحداً ولا يعلمه أصحابي يناظر في ذلك غيري . . . ثم قال : وفي سند الرواية جماعة تُخرجها عن حد الاعتبار ، إلا أن اعتماد القميين عليها وروايتهم لها ، مع ما عُرف من حالهم لمن تتبعها من أنهم لا يخرجون في كتبهم رواية في راويها ضعف ، إلا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها جابرٌ لضعفها في الجملة ) .
فهذا كافٍ في تصحيح رواية مليكة رضي الله عنها . فكيف إذا أضفنا اليه الصحيحة المتقدمة عن محمد بن الجبار ، وهي بنفسها كافية لتصحيحها .
2 . تدل رواية مليكة على المستوى العلمي والعقلي الجيد لبشر الأنصاري ( رحمه الله ) لأنه لم يحدث الشيباني حتى امتحنه واطمأن إلى أنه عالم موالٍ : ( قال : إن كنت صادقاً فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نَقَلة أخبارهم ، فلما فتش الكتب وتصفح الروايات منها قال : صدقت . أنا بشر بن سليمان . . ) .
3 . ما وصفته مليكة من سقوط الزينة والصلبان والعريس من المنصة ، وتكرار ذلك مع العريس الثاني الذي أرادوها لها ، كان آيةً ربانية لقيصر ليفهم أن هذا العمل نحسٌ فيتركه ، وقد فَهم ذلك وتركه . وقد رأيتُ بعض النواصب يسخر من قصة نرجس رضي الله عنها ، وفي نفس الوقت يؤمن بكراماتٍ لابن تيمية أعظم منها ، ويأتمُّ بمن لا يعقل الخطاب والجواب !
4 . كانت تسمى مليكة ، ونرجس ، وسوسن ، وريحانة ، وصقيل . ( كشف الحق / 33 ) . وسبب هذا التعدد أن الخليفة وظف جاسوسات يأتينه بأخبار بيت الإمام ( عليه السلام ) ومن هي حامل من نسائه . وقد زادت رقابتهم على الأئمة ( عليهم السلام ) لما اقترب الأمر من الإمام الثاني عشر ، لأنه الموعود ( عليه السلام ) الذي يُنهي دولة الظالمين .
السيدة حكيمة تروي ولادة الإمام المهدي ( عليه السلام )
1 . اتفقت الروايات على أن وصول نرجس إلى الإمام العسكري ( عليه السلام ) كان محفوفاً بالكرامات ، وكذا زواجه بها ، وحملها وولادتها الإمام المهدي ( عليه السلام ) .
وقد حفظ الله وليه من تجسس الخليفة المشدد ، وروت عمته حكيمة بنت الإمام الجواد ( عليه السلام ) ولادته ( عليه السلام ) بروايات متعددة .
ويلاحظ المتأمل في النص أن حكيمة شخصية محترمة في إيمانها وعقلها ، فهي تعرف مقام المعصوم عند الله تعالى ، ولا تتبجح بأنها بنت المعصوم وأخته ، وأنها من ذرية النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا بمكانتها عند الأئمة ( عليهم السلام ) .
بل عندما سئلت بعد وفاة الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) عن الحجة ، حولت السائل على أم الإمام العسكري سمانة المغربية رضي الله عنها ، لأن الإمام ( عليه السلام ) أوصى إليها ، ولم تقل حكيمة إنها هي أولدت الإمام المهدي ( عليه السلام ) وشاهدته .
وقد روت مصادرنا عدة روايات في زواج الإمام العسكري ( عليه السلام ) من مليكة ، وفي ولادتها للإمام المهدي ( عليه السلام ) ، وتلقى علماؤنا روايات السيدة حكيمة بالقبول لأنها جليلة موثوقة عند الأئمة ( عليهم السلام ) وعند شيعتهم . ومن الطبيعي أن تتفاوت رواياتها في بعض التفاصيل بسبب تفاوت مستوى فهم الرواة ودقتهم .
2 . قال الطوسي في الغيبة / 147 : ( وروي أن بعض أخوات الحسن ( عليه السلام ) ( أي حكيمة ) كانت لها جارية ربتها تسمي نرجس ، فلما كبرت دخل أبو محمد فنظر إليها فقالت له : أراك يا سيدي تنظر إليها ؟ فقال : إني ما نظرت إليها إلا متعجباً ، أما إن المولود الكريم على الله تعالى يكون منها ، ثم أمرها أن تستأذن أبا الحسن ( عليهما السلام ) في دفعها إليه ففعلت ، فأمرها بذلك ) .
بعد أن أرسل الإمام الهادي ( عليه السلام ) بشر بن سليمان فاشترى مليكة ، سلمها لأخته حكيمة لتعلمها فرائض الإسلام ، ويبدو أنها بقيت عندها مدة يسيرة .
3 . قال أحمد بن إبراهيم ( كمال الدين / 507 ) : ( دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا أخت أبي الحسن صاحب العسكر ( عليهم السلام ) في سنه اثنتين وستين ومائتين [ بالمدينة ] فكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمت لي من تأتم بهم ، ثم قالت : والحجة ابن الحسن بن علي فسمته ، فقلت لها : جعلني الله فداك معاينة أو خبراً ؟ فقالت خبراً عن أبي محمد ( عليه السلام ) كتب به إلى أمه . فقلت لها : فأين الولد ؟ فقالت : مستور ، فقلت : إلى من تفزع الشيعة ؟ فقالت : إلى الجدة أم أبي محمد ( عليه السلام ) ، فقلت لها : أقتدي بمن وصيته إلى امرأة ؟ فقالت : اقتداءً بالحسين بن علي ( عليهما السلام ) فإن الحسين بن علي أوصى إلى أخته زينب بنت علي في الظاهر ، فكان ما يخرج عن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) من علم ينسب إلى زينب ستراً على علي بن الحسين ، ثم قالت : إنكم قوم أصحاب أخبار ، أما رويتم أن التاسع من ولد الحسين بن علي يقسم ميراثه وهو في الحياة ) !
4 . روى الطبري في دلائل الإمامة / 499 ، عن محمد بن القاسم العلوي ، قال : ( دخلنا جماعة من العلوية على حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى ( عليهم السلام ) فقالت : جئتم تسألونني عن ميلاد ولي الله ؟ قلنا : بلى والله .
قالت : كان عندي البارحة وأخبرني بذلك ! وإنه : كانت عندي صبية يقال لها نرجس ، وكنت أربيها من بين الجواري ولا يلي تربيتها غيري ، إذ دخل أبو محمد ( عليه السلام ) عليَّ ذات يوم ، فبقي يُلِحُّ النظر إليها ، فقلت : يا سيدي هل لك فيها من حاجة ؟ فقال : إنا معشر الأوصياء لسنا ننظر نظر ريبة ، ولكنا ننظر تعجباً أن المولود الكريم على الله يكون منها .
قالت قلت : يا سيدي فأروح بها إليك ؟ قال : إستأذني أبي في ذلك ، فصرت إلى أخي ( عليه السلام ) فلما دخلت عليه تبسم ضاحكاً وقال : يا حكيمة ، جئت تستأذنيني في أمر الصبية ، إبعثي بها إلى أبي محمد ، فإن الله عز وجل يحب أن يشركك في هذا الأمر . فزينتها وبعثت بها إلى أبي محمد ( عليه السلام ) ، فكنت بعد ذلك إذا دخلت عليها تقوم فتقبل جبهتي فأقبل رأسها ، وتقبل يدي فأقبل رجلها ، وتمد يدها إلى خفي لتنزعه فأمنعها من ذلك ، فأقبل يدها ، إجلالاً وإكراماً للمحل الذي أحلها الله تعالى فيه !
فمكثت بعد ذلك إلى أن مضى أخي أبو الحسن ( عليه السلام ) فدخلت على أبي محمد ذات يوم فقال : يا عمتاه ، إن المولود الكريم على الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) سيولد ليلتنا هذه ! فقلت : يا سيدي في ليلتنا هذه ؟ قال : نعم . فقمت إلى الجارية فقلبتها ظهراً لبطن فلم أر بها حملاً ، فقلت : يا سيدي ليس بها حمل فتبسم ضاحكاً وقال : يا عمتاه ، إنا معاشر الأوصياء ليس يحُمل بنا في البطون ، ولكنا نُحمل في الجنوب !
فلما جَنَّ الليل صرت إليه فأخذ أبو محمد ( عليه السلام ) محرابه ، فأخذت محرابها فلم يزالا يحييان الليل ، وعجزت عن ذلك ، فكنت مرة أنام ومرة أصلي إلى آخر الليل ، فسمعتها آخر الليل في القنوت لما انفتلت من الوتر مُسَلِّمَةً صاحت : يا جارية الطست ، فجاءت بالطست فقدمته إليها فوضعت صبياً كأنه فلقة قمر ، على ذراعه الأيمن مكتوب : جَاءَالْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً . وناغاه ساعة حتى استهل وعطس ، وذكر الأوصياء قبله حتى بلغ إلى نفسه ، ودعا لأوليائه على يده بالفرج . ثم وقعت ظلمة بيني وبين أبي محمد ( عليه السلام ) فلم أره ، فقلت : يا سيدي ، أين الكريم على الله ؟
قال : أخذه من هو أحق به منك ، فقمت وانصرفت إلى منزلي فلم أره ، وبعد أربعين يوماً دخلت دار أبي محمد فإذا أنا بصبي يدرج في الدار ، فلم أر وجهاً أصبح من وجهه ، ولا لغةً أفصح من لغة ، ولا نغمةً أطيب من نغمته فقلت : يا سيدي من هذا الصبي ، ما رأيت أصبح وجهاً منه ولا أفصح لغة منه ولا أطيب نغمة منه ؟ قال : هذا المولود الكريم على الله . قلت : يا سيدي وله أربعون يوماً وأنا أرى من أمره هذا ! قالت : فتبسم ضاحكاً ، وقال : يا عمتاه ، أما علمت أنا معشر الأوصياء ننشأ في اليوم كما ينشأ غيرنا في الجمعة ، وننشأ في الجمعة كما ينشأ غيرنا في الشهر ، وننشأ في الشهر كما ينشأ غيرنا في السنة !
فقمت فقبلت رأسه وانصرفت إلى منزلي ، ثم عدت فلم أره ، فقلت : يا سيدي يا أبا محمد ، لست أرى المولود الكريم على الله !
قال : استودعناه من استودعته أم موسى موسى ( عليه السلام ) ، وانصرفت وما كنت أراه إلا كل أربعين يوماً ) .
5 . وقال المسعودي في إثبات الوصية ( 1 / 257 ) : ( وروى جماعة من الشيوخ العلماء ، منهم علان الكلابي ، وموسى بن محمد الغازي ، وأحمد بن جعفر بن محمد ، بأسانيدهم أن حكيمة بنت أبي جعفر عمة أبي محمد ( عليه السلام ) كانت تدخل إلى أبي محمد ( عليه السلام ) فتدعو له أن يرزقه الله ولداً ، وأنها قالت : دخلت عليه يوماً فدعوت له كما كنت أدعو ، فقال لي : يا عمة أما إنه يولد في هذه الليلة ، وكانت ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، المولود الذي كنا نتوقعه ، فاجعلي إفطارك عندنا ، وكانت ليلة الجمعة ، فقلت له : ممن يكون هذا المولود يا سيدي ؟ فقال : من جاريتك نرجس . قالت : ولم يكن في الجواري أحب إلي منها ولا أخف على قلبي ، وكنت إذا دخلت الدار تتلقاني وتقبل يدي وتنزع خفي بيدها .
فلما دخلت إليها ففعلت بي كما كانت تفعل ، فانكببت على يدها فقبلتها ومنعتها مما تفعله ، فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثله فأنكرت ذلك ، فقلت لها : لا تنكري ما فعلته ، فإن الله سيهب لك في ليلتنا هذه غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة . قالت : فاستحيَتْ . قالت حكيمة : فتعجبت وقلت لأبي محمد : إني لست أرى بها أثر حمل ! فتبسم صلى الله عليه وقال لي : إنا معاشر الأوصياء لا نُحمل في البطون ولكنا نحمل في الجنوب . وفي هذه الليلة مع الفجر يولد المولود المكرم على الله إن شاء الله . قالت : فنمت بالقرب من الجارية ، وبات أبو محمد ( عليه السلام ) في صُفَّةٍ في تلك الدار فلما كان وقت صلاة الليل قمت والجارية نائمة ما بها أثر الولادة ، وأخذت في صلاتي ثم أوترت ، فبينا أنا في الوتر حتى وقع في نفسي أن الفجر قد طلع ودخل في قلبي شئ ، فصاح أبو محمد ( عليه السلام ) من الصُّفَّة : لم يطلع الفجر يا عمة بعد ، فأسرعتُ إلى الصلاة وتحركت الجارية ، فدنوت منها وضممتها إليَّ وسميت عليها ، ثم قلت لها : هل تحسين شيئاً ؟ قالت : نعم . فوقع عليَّ سباتٌ لم أتمالك معه أن نمت ، ووقع على الجارية مثل ذلك ، فنامت وهي قاعدة ! فلم تنتبه إلا وهي تحس مولاي وسيدي تحتها ، وبصوت أبي محمد ( عليه السلام ) وهو يقول : يا عمتي هات ابني إليَّ ، فكشفتُ عن سيدي صلى الله عليه فإذا أنا به ساجداً منقلباً إلى الأرض بمساجده ، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب : جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا . فضممته إليَّ فوجدته مفروغاً منه ، يعني مطهراً لختانة ، ولففته في ثوب وحملته إلى أبي محمد ( عليه السلام ) فأخذه وأقعده على راحته اليسرى ، وجعل يده اليمنى على ظهره ، ثم أدخل لسانه في فيه وأمرَّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله ، ثم قال : تكلم يا بنيَّ ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن علياً أمير المؤمنين ، ثم لم يزل يعد السادة الأوصياء صلى الله عليهم ، إلى أن بلغ إلى نفسه ، فدعا لأوليائه على يديه بالفرج ، ثم صمت عن الكلام .
قال أبو محمد ( عليه السلام ) : إذهبي به إلى أمه ليسلم عليها ورديه إلي ، فمضيت به فسلم عليها فرددته ، فوقع بيني وبينه كالحجاب ، فلم أر سيدي فقلت له : يا سيدي أين مولاي ؟ فقال : أخذه من هو أحق منك ومنا .
فإذا كان في اليوم السابع جئت فسلمت وجلست فقال ( عليه السلام ) : هلمَّ ائتني به ، فجئت بسيدي وهو في ثياب صفر ، ففعل كفعاله الأول ، وجعل لسانه في فيه ثم قال له تكلم يا بني ، فقال له : أشهد أن لا إله إلا الله ، وثنى بالصلاة على محمد وأمير المؤمنين والأئمة ( عليهم السلام ) حتى وقف على أبيه ثم قرأ هذه الآية : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَاكَانُوا يَحْذَرُونَ .
وبعد أربعين يوماً دخلت دار أبي محمد ( عليه السلام ) فإذا بمولاي يمشي في الدار فلم أر وجهاً أحسن من وجهه صلى الله عليه ، ولا لغة أفصح من لغته ، فقال أبو محمد ( عليه السلام ) : هذا المولود الكريم على الله جل وعلا . قلت : يا سيدي ، ترى من أمره ما أرى وله أربعون يوماً ! فتبسم وقال : يا عمتي أوَما علمت أنا معاشر الأوصياء ننشأ في اليوم مثل ما ينشأ غيرنا في الجمعة ، وننشأ في الجمعة مثل ما ينشأ غيرها في الشهر ، وننشأ في الشهر مثل ما ينشأ غيرنا في السنة . فقمت فقبلت رأسه وانصرفت .
ثم عدت وتفقدته فلم أرهُ ، فقلت لسيدي أبي محمد ( عليه السلام ) : ما فعل مولانا ؟ فقال : يا عمة ، استودعناه الذي استودعتْ أم موسى ) .
6 . وروى الطبري في دلائل الإمامة / 497 : ( حدثني محمد بن إسماعيل الحسني ، عن حكمية ابنة محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) أنها قالت : قال لي الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) ذات ليلة ، أو ذات يوم : أحب أن تجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنه يحدث في هذه الليلة أمر . فقلت : وما هو ؟ قال : إن القائم من آل محمد يولد في هذه الليلة . فقلت : ممن ؟ قال : من نرجس . فصرت إليه ودخلت إلى الجواري فكان أول من تلقتني نرجس فقالت : يا عمة كيف أنت أنا أفديك . فقلت لها : بل أنا أفديك يا سيدة نساء هذا العالم . فخلعت خفي وجاءت لتصب على رجلي الماء ، فحلفتها ألا تفعل وقلت لها : إن الله قد أكرمك بمولود تلدينه في هذه الليلة . فرأيتها لما قلت لها ذلك قد لبسها ثوب من الوقار والهيبة ، ولم أر بها حملاً ولا أثر حمل ، فقالت : أي وقت يكون ذلك . فكرهت أن أذكر وقتاً بعينه فأكون قد كذبت . فقال لي أبو محمد ( عليه السلام ) : في الفجر الأول .
فلما أفطرت وصليت وضعت رأسي ونمت ، ونامت نرجس معي في المجلس ، ثم انتبهت وقت صلاتنا فتأهبت ، وانتبهت نرجس وتأهبت .
ثم إني صليت وجلست أنتظر الوقت ، ونام الجواري ونامت نرجس ، فلما ظننت أن الوقت قد قرب خرجت فنظرت إلى السماء وإذا الكواكب قد انحدرت ، وإذا هو قريب من الفجر الأول ، ثم عدت فكأن الشيطان أخبث قلبي ، قال أبو محمد : لاتعجلي فكأنه قد كان ، وقد سجد فسمعته يقول في دعائه شيئاً لم أدر ما هو ، ووقع علي السبات في ذلك الوقت ، فانتبهت بحركة الجارية ، فقلت لها : بسم الله عليك ، فسكنت إلى صدري فرمت به علي وخرت ساجدة ، فسجد الصبي وقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وعليٌّ حجة الله ! وذكر إماماً إماماً حتى انتهى إلى أبيه . فقال أبو محمد : إليَّ ابني . فذهبت لأصلح منه شيئاً فإذا هو مُسوى مفروغ منه فذهبت به إليه ، فقبل وجهه ويديه ورجليه ، ووضع لسانه في فمه ، وزقه كما يزق الفرخ ، ثم قال : إقرأ ، فبدأ بالقرآن من : بسم الله الرحمن الرحيم . . إلى آخره .
ثم إنه دعا بعض الجواري ممن علم أنها تكتم خبره فنظرت ثم قال : سلموا عليه وقبلوه وقولوا : استودعناك الله وانصرفوا . ثم قال : يا عمة ، ادعي لي نرجس فدعوتها وقلت لها : إنما يدعوك لتودعيه ، فودعته ، وتركناه مع أبي محمد ( عليه السلام ) ثم انصرفنا . ثم إني صرت إليه من الغد فلم أره عنده ، فهنأته فقال : يا عمة هو في ودائع الله ، إلى أن يأذن الله في خروجه ) .
7 . وفي كمال الدين ( 2 / 426 ) : ( حدثنا محمد بن عبد الله الطهوي قال : قصدت حكيمة بنت محمد ( عليه السلام ) بعد مضي أبو محمد ( عليه السلام ) أسألها عن الحجة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها ، فقالت لي : أجلس فجلست ، ثم قالت : يا محمد إن الله تبارك وتعالى لا يُخلي الأرض من حجة ناطقة أو صامتة ، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) تفضيلاً للحسن والحسين ، وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلٌ لهما ، إلا أن الله تبارك وتعالى خص وُلد الحسين بالفضل على ولد الحسن ( عليهما السلام ) كما خص ولد هارون على ولد موسى ( عليه السلام ) وإن كان موسى حجة على هارون ، والفضل لولده إلى يوم القيامة .
ولابد للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقون ، كيلا يكون للخلق على الله حجة ، وإن الحيرة لا بدَّ واقعةٌ بعد مضي أبي محمد الحسن ( عليه السلام ) . فقلت : يا مولاتي هل كان للحسن ( عليه السلام ) ولد ؟
فتبسمت ثم قالت : إذا لم يكن للحسن ( عليه السلام ) عقب فمن الحجة من بعده ، وقد أخبرتك أنه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) .
فقلت : يا سيدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته ( عليه السلام ) . قالت : نعم ، كانت لي جارية يقال لها : نرجس فزارني ابن أخي فأقبل يحدق النظر إليها ، فقلت له : يا سيدي لعلك هويتها فأرسلها إليك ؟ فقال لها : لا يا عمة ولكني أتعجب منها فقلت : وما أعجبك منها ؟ فقال ( عليه السلام ) : سيخرج منها ولد كريم على الله عز وجل ، الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ، فقلت : فأرسلها إليك يا سيدي ؟ فقال : إستأذني في ذلك أبي ( عليه السلام ) قالت : فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن ( عليه السلام ) فسلمت وجلست فبدأني ( عليه السلام ) وقال : يا حكيمة إبعثي نرجس إلى ابني أبي محمد قالت فقلت : يا سيدي على هذا قصدتك على أن أستأذنك في ذلك ، فقال لي : يا مباركة إن الله تبارك وتعالى أحب أن يشركك في الأجر ، ويجعل لك في الخير نصيباً . قالت حكيمة : فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزينتها ووهبتها لأبي محمد ( عليه السلام ) ، وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أياماً ، ثم مضى إلى والده ( عليهما السلام ) ووجهت بها معه .
قالت حكيمة : فمضى أبو الحسن ( عليه السلام ) وجلس أبو محمد ( عليه السلام ) مكان والده وكنت أزوره كما كنت أزور والده ، فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفي ، فقالت : يا مولاتي ناوليني خفك ، فقلت : بل أنت سيدتي ومولاتي والله لا أدفع إليك خفي لتخلعيه ولا لتخدميني ، بل أنا أخدمك على بصري ، فسمع أبو محمد ( عليه السلام ) ذلك فقال : جزاك الله يا عمة خيراً ، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت : ناوليني ثيابي لأنصرف ، فقال ( عليه السلام ) : لا يا عمتا بيتي الليلة عندنا ، فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عز وجل ، الذي يحيي الله عز وجل به الأرض بعد موتها ، فقلت : ممن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحَبَل ؟
فقال : من نرجس لا من غيرها ، قالت : فوثبت إليها فقلبتها ظهراً لبطن فلم أر بها أثر حَبل ، فعدت إليه ( عليه السلام ) فأخبرته بما فعلت فتبسم ثم قال لي : إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل ، لأن مثلها مثل أم موسى ( عليه السلام ) لم يظهر بها الحبل ، ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها ، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى ( عليه السلام ) وهذا نظير موسى ( عليه السلام ) .
قالت حكيمة : فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها فقالت : يا مولاتي ما أرى بي شيئاً من هذا ، قالت حكيمة : فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنباً إلى جنب ، حتى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبتْ فزعةً فضممتها إلى صدري وسميت عليها ، فصاح أبو محمد ( عليه السلام ) وقال : إقرئي عليها : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها : ما حالك ؟ قالت : ظهر بي الأمر الذي أخبرك به مولاي ، فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني ، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثلما أقرأ وسَلَّمَ عليَّ . قالت حكيمة : ففزعت لِمَا سمعت ، فصاح بي أبو محمد ( عليه السلام ) لا تعجبي من أمر الله عز وجل إن الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً ، ويجعلنا حجة في أرضه كباراً ، فلم يستتم الكلام حتى غيبت عني نرجس فلم أرها ، كأنه ضرب بيني وبينها حجاب ، فعدوت نحو أبي محمد ( عليه السلام ) وأنا صارخة ! فقال لي : إرجعي يا عمة فإنك ستجديها في مكانها . قالت : فرجعت فلم ألبث أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غَشَّى بصري ، وإذا أنا بالصبي ( عليه السلام ) ساجداً لوجهه ، جاثياً على ركبتيه ، رافعاً سبابتيه وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن جدي محمداً رسول الله ، وأن أبي أمير المؤمنين ، ثم عَدَّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه . ثم قال : اللهم أنجز لي ما وعدتني وأتمم لي أمري ، وثبت وطأتي ، وأملا الأرض بي عدلاً وقسطاً .
فصاح بي أبو محمد ( عليه السلام ) فقال : يا عمة تناوليه وهاتيه ، فتناولته وأتيت به نحوه ، فلما مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي ، سَلَّمَ على أبيه فتناوله الحسن ( عليه السلام ) مني ، والطير ترفرف على رأسه ، وناوله لسانه فشرب منه ، ثم قال : إمضي به إلى أمه لترضعه ورديه إليَّ ، قالت : فتناولته أمه فأرضعته فرددته إلى أبي محمد ( عليه السلام ) والطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها فقال له : أحمله واحفظه ورده إلينا في كل أربعين يوماً ، فتناوله الطير وطار به في جو السماء ، وأتبعه سائر الطير ، فسمعت أبا محمد ( عليه السلام ) يقول : أستودعك الله الذي أودعته أم موسى موسى ، فبكت نرجس فقال لها : أسكتي فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك ، وسيعاد إليك كما رد موسى إلى أمه ، وذلك قول الله عز وجل : فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ . قالت حكيمة فقلت : وما هذا الطير ؟ قال : هذا روح القدس الموكل بالأئمة ( عليهم السلام ) يوفقهم ويسددهم ويربيهم بالعلم .
قالت حكيمة : فلما كان بعد أربعين يوماً رد الغلام ووجه إليَّ ابن أخي فدعاني فدخلت عليه ، فإذا أنا بالصبي متحركٌ يمشي بين يديه ، فقلت :
يا سيدي هذا ابن سنتين ؟ فتبسم ( عليه السلام ) ثم قال : إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشؤون بخلاف ما ينشأ غيرهم ، وإن الصبي منا إذا كان أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة ، وإن الصبي منا ليتكلم في بطن أمه ويقرأ القرآن ، ويعبد ربه عز وجل ، وعند الرضاع تطيعه الملائكة ، وتنزل عليه صباحاً ومساءً .
قالت حكيمة : فلم أزل أرى ذلك الصبي في كل أربعين يوماً ، إلى أن رأيته رجلاً قبل مضي أبي محمد ( عليه السلام ) بأيام قلائل ، فلم أعرفه فقلت لابن أخي ( عليه السلام ) : من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه ؟ فقال لي : هذا ابن نرجس ، وهذا خليفتي من بعدي ، وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي . قالت حكيمة : فمضى أبو محمد ( عليه السلام ) بعد ذلك بأيام قلائل ، وافترق الناس كما ترى . ووالله إني لأراه صباحاً ومساءً ، وإنه لينبؤني عما تسألون عنه فأخبركم ، ووالله إني لأريد أن أسأله عن الشئ فيبدأني به ، وإنه ليرد عليَّ الأمر فيخرج إلي منه جوابه من ساعته من غير مسألتي . وقد أخبرني البارحة بمجيئك إلي ، وأمرني أن أخبرك بالحق .
قال محمد بن عبد الله : فوالله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطلع عليها أحد إلا الله عز وجل ، فعلمت أن ذلك صدقٌ وعدلٌ من الله عز وجل ، لأن الله عز وجل قد أطلعه على ما لم يطلع عليه أحداً من خلقه ) !
8 . وروى القطب الراوندي في الخرائج ( 1 / 455 ) : ( عن حكيمة : قال لي أبو محمد : بيتي عندنا الليلة فإن الله سيظهر الخلف فيها . قلت : وممن ؟ قال :
من مليكة . قلت : لا أرى بها حملاً . قال : يا عمه مَثَلُها كمثل أم موسى . فلما انتصف الليل صليت صلاة الليل ، فقلت في نفسي : قَرُبَ الفجر ، ولم يظهر ما قال أبو محمد . فنادى أبو محمد : لا تعجلي فارتعدت مليكة ، فضممتها إلى صدري وقرأت قل هو الله أحد وإنا أنزلناه وآية الكرسي ، فأجابني الخلف من بطنها يقرأ كقرائتي ! قالت : وأشرق نور البيت ، فنظرت فإذا الخلف تحتها ساجداً إلى القبلة فأخذته ، فناداني أبو محمد : هلمى بابنى يا عمة . فأتيته به فوضع لسانه في فمه ، ثم أجلسه على فخذه ، وقال : أنطق بإذن الله يا بنيَّ ! فقال : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ . وصلى الله على محمد المصطفى ، وعلي المرتضى ، وفاطمة الزهراء ، والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي أبي !
قالت : وغمرتنا طيور خضر ، فنظر أبو محمد إلى طاير منها فقال له : خذه فاحفظه حتى يأذن الله فيه فإن الله بالغ أمره . قالت حكيمة : قلت لأبي محمد : ما هذا الطاير وما هذه الطيور ؟ قال : هذا جبرئيل وهذه ملائكة الرحمة ، ثم قال : يا عمه رديه إِلَى أُمِّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاتَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّه حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ . فرددته إلى أمه ، قالت : وكان مطهراً مفروغاً منه ، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب : جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا . قالت حكيمة : دخلت على أبي محمد بعد أربعين يوماً من ولادة صاحب الأمر ، فإذا مولانا الصاحب ( عليه السلام ) يمشى في الدار ، فلم أر لغة أفصح من لغته ، فتبسم أبو محمد : إنا معاشر الأئمة ننشأ في يوم كما ينشأ غيرنا في السنة . قالت : ثم كنت أسأل أبا محمد عنه بعد ذلك فقال : استودعناه الذي استودعت أم ولدها ) .
طلبت والدة الإمام المهدي أن تموت قبل زوجها !
روى في كمال الدين : 2 / 431 : ( عن أبي علي الخيزراني عن جارية له كان أهداها لأبي محمد ( عليه السلام ) ، فلما أغار جعفر الكذاب على الدار جاءته فارَّةً من جعفر فتزوج بها ، قال أبو علي : فحدثتني أنها حضرت ولادة السيد ( عليه السلام ) وأن اسم أم السيد صقيل ، وأن أبا محمد ( عليه السلام ) حدثها بما يجري على عياله فسألته أن يدعوالله عز وجل لها أن يجعل منيتها قبله ! فماتت في حياة أبي محمد ( عليه السلام ) ، وعلى قبرها لوح مكتوب عليه : هذا قبر أم محمد . قال أبو علي : وسمعت هذه الجارية تذكر أنه لما ولد السيد ( عليه السلام ) رأت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء ، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثم تطير ، فأخبرنا أبا محمد ( عليه السلام ) بذلك فضحك ثم قال : تلك الملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود ، وهي أنصاره إذا خرج ) .
أقول : يتضح بهذا الطلب شفافية روح والدة الإمام المهدي ( عليه السلام ) وعمق مشاعرها ، فاختارت أن يميتها الله تعالى في حياة زوجها الإمام العسكري ( عليه السلام ) لأنها لا تتحمل وحشية السلطة التي أخبرها بها الإمام ( عليه السلام ) ، وأرادت أن تتشرف بصلاته عليها ودفنها بيده ، لتكون أمامه في الآخرة .
الاكثر قراءة في الولادة والنشأة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
