الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
لماذا نتعلم؟
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 107 ــ 110
2025-08-15
50
لا يستطيع المرء أن يعرف أثر العلم في حياة البشر على اختلاف المستويات، وتنوع المجالات، إلا إذا قارن بين عالم متبحر، وبين أمي نشأ في أحد الأدغال بعيداً عن أي منفذ معرفي؛ لا شك أنه سيجد أن ما يفرق بينهما أكثر مما يجمع، كما أنه سيجد أن عيش هذين الرجلين في منزل واحد يكاد يكون مستحيلاً!
إن القرآن الكريم قد ألقى الضوء على كثير مما يتعلق بالعلم: فضله ومشكلات تزييفه وزغله وحدود الثقة به وغير ذلك؛ لينبهنا إلى الملابسات التي تصاحب هذا العامل الخطير في توجيه حياة الإنسانية وتطويرها.
يقرر القرآن الكريم أن أصحاب العقول السليمة هم القادرون على استيعاب الخبرة والاتعاظ، وأخذ العبرة: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9]. والعلم بحر لا ساحل له، ولا يستطيع أحد الاستحواذ عليه، فهناك دائماً من هو أكثر إحاطة به: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]. ويشجع القرآن الكريم (المعرفة الخاصة)، ويحث الناس على أن يعودوا في كل علم إلى أهله، فحين أنكر مشركو قريش نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً، فهلا بعث ملكاً - أنزل الله - سبحانه - قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [النحل: 43، 44].
أي: اسألوا يا معشر قريش العلماء بالتوراة والإنجيل يخبروكم أن جميع الأنبياء كانوا بشراً إن كنتم لا تعلمون ذلك.
ويحذر الله - جلا وعلا - رسوله من الركون إلى أهواء الناس، والإعراض عما أكرمه الله به من العلم: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} [البقرة: 145]، ويقرر القرآن حقيقة كبرى، هي أن أكثر الكفار إنما أعرضوا عن اتباع الحق بسبب عدم توفر العلم لديهم: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 24]، وهذا يلقي مسؤولية عظمى على أمة الإسلام، حيث إن عليها إيصال الحق إلى الناس ودعوتهم إليه.
وأشار القرآن الكريم إلى أن من زغل العلم اغترار الناس بما أوتوه منه؛ مما يدفعهم إلى إنكار نعم الله عليهم، كما يدفعهم إلى إنكار ما جاء من الوحي: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 49].
وهذا قارون لما وعظه قومه بالإحسان واستخدام ثروته في مرضاة الله يقول: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78].
ويلمح القرآن الكريم إلى محدودية علم البشر وعجزهم عن رسم الأهداف الكبرى للحياة، لكن الجاهلين يظنون غير ذلك: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النجم: 29، 30].
ويلفت القرآن الكريم نظرنا إلى أن من زغل العلم الاشتغال بنقله دون الاهتمام بتدبره والاستنباط منه: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: 78].
قال بعض المفسرين: الأماني هنا: التلاوة والقراءة، فهم كالأميين في عدم الانتفاع من العلم، حيث لا يعرفون من الكتاب إلا سرده دون تفكر.
إن مزيداً من التأمل في الكتاب العزيز، سوف يجعلنا ننتهي إلى رؤية شاملة لكل ما يتعلق بالمعارف والعلوم من مزالق وملابسات خطيرة.
إذا كانت الوظيفة الأساسية للإنسان في هذه الحياة هي تحقيق العبودية لله - تبارك وتعالى - وما يتبع ذلك من شروط ومكملات - فإن كل علم يتعلمه الإنسان، وكل تقدم تقني يحرزه، ينبغي أن يساعده على القيام بواجبه وتأدية رسالته على الوجه المطلوب. هذه الرؤية الإسلامية، تكون إطاراً نظرياً لحركة العلم واهتماماته وأهدافه، وإن كل الإطلاقات يجب أن تفسر في ضوء هذا المفهوم.
إن العلم نمط فرعي من فروع كثيرة، ولذا فإن بإمكان الناس أن يستخدموه أداة للخير وأداة للشر؛ ويمكن أن يوظف في إعمار الحياة الإنسانية كلها، كما يمكن أن يكون أداة لهدمها بحسب الوضعية العامة لمن يستخدمه. إن الإنسان هو الذي قام بتطوير العلوم وإنضاجها، لكنه لا يستطيع السيطرة عليها، ولا توجيهها على نحو دائم، وحين تخرج إلى العلن، يصبح سحبها، أو التراجع عنها أمراً مستحيلا، ولذا فإن بإمكان بعض الأشرار - وهم كثر - أن يوجدوا للمعارف من التطبيقات ما يضاد مرادات أصحابها الأول وأهدافهم، ورؤيتهم العامة للحياة. إننا نملك الجرأة على القول: إن فقد الإنسان لأهدافه الكبرى وغاياته النهائية، قد جعله يفقد السيطرة على أشياء كثيرة، ومنها (العلم).
وليس بخلاف ما تفعله الشركات التجارية والدول الاستعمارية من استخدام للمعرفة في السيطرة على مصائر الشعوب الضعيفة. بل نقول إن الدول الصناعية الكبرى تستخدم المنجزات العلمية - استهدافاً لمزيد من الربح - في تدمير البيئة العالمية، مما يعني تدمير نفسها في النهاية لا نريد أن نستطرد في هذا الأمر، لكن من الضروري لأمة الإسلام وهي تبحث في كل اتجاه عن سبل للتمدن والتقدم، أن تعي حاجتها إلى تعميق رؤيتها للحياة، والإحساس بالأهداف الأساسية لوجودها، كلما امتلكت المزيد من الوسائل، والمزيد من (المعرفة) وإلا فإنه يمكن للعلم أن يكون وبالاً عليها.
إن أهم سمة للعلم الصحيح أن يجعل صاحبه أكثر خشية لله - تعالى ـ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28]، كما أنه يساعده على معرفة (الحق) والاهتداء إلى الطريق الأقوم: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6].
إن الحضارة الغربية تركز في حركتها العلمية على (كيف) أي: على المعارف والأساليب والأدوات التي يمكن أن تحقق الغلبة والقوة والرفاهية. ولا يكاد الغربيون يهتمون بالجواب على (لماذا) أي: الأهداف والمحصلات النهائية لكل هذا العناء الإنساني.
أمة الإسلام فقيرة في كل ما يتعلق بـ (كيف) وهي تسعى لامتلاك أطراف منه، لكن الخوف هو أن تنسى، وتضيع ما يتعلق بـ (لماذا) على مقدار ما تحصله مما يتعلق بـ (كيف) وآنذاك فإنها تفقد خصوصيتها الحضارية وإمكانات ريادتها، وتجر على نفسها من الوبال ما لا يمكن الآن معرفة أبعاده!!
الاكثر قراءة في معلومات عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
