يا يحيى خذ الكتاب بقوة
المؤلف:
معروف عبد المجيد
المصدر:
تلك الرسل
الجزء والصفحة:
ص411 - 418
2025-08-14
332
أتى يحيى الى الوجود بدعوة من أبيه زكريا.
ولم يستغرق حمله سوى ستة أشهر فقط وعندما ولد جاء خلقه مطابقا للبشارة الإلهية
فقد كان سيدا في قومه وكان حصورا مبالغا في حصر نفسه عن الملاهي والملذات والشهوات.
وكان نبيا من الصالحين رضيا وقد عدد القرآن صفاته الطيبة وخلقه الحيمد قائلا:
{يَٰيَحۡيَىٰ خُذِ ٱلۡكِتَٰبَ بِقُوَّةٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحُكۡمَ صَبِيّٗا} [مريم: 12]
{وَحَنَانٗا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةٗۖ وَكَانَ تَقِيّٗا} [مريم: 13]
{وَسَلَٰمٌ عَلَيۡهِ يَوۡمَ وُلِدَ} [مريم: 15]
{وَيَوۡمَ يَمُوتُ} [مريم: 15]
{وَيَوۡمَ يُبۡعَثُ حَيّٗا} [مريم: 15]
وشب يحيى (عليه السلام) في بيت النبوة على الزهد والصلاح والورع وقد خصته السماء بعنايتها الفائقة.
فكان يتردد دائما على بيت المقدس وكان لا يرى إلا قائما في محاريب العبادة.
وكان لا يشارك الأطفال والصبيان لعبهم ولهوهم.
حتى إذا مر بصبيان يلعبون فانه كان لا يتوقف عندهم، فاذا دعوه إلى اللعب
قال لهم: ما للعب خلقت..
وذات يوم... ذهب يحيى (عليه السلام) إلى بيت المقدس فنظر إلى الأحبار والرهبان وعليهم مدارع الشعر وبرانس الصوف.
وقد خرقوا تراقيهم وسلكوا فيها السلاسل وشدوها إلى سوارى المسجد فعاد إلى أمه وقال لها:
يا أماه انسجي لي مدرعة من شعر وبرنسا من صوف حتى أذهب إلى بيت المقدس وأعبد الله تعالى مع الأحبار والرهبان فتعجبت الأم من كلام ولدها الصغير ولكنها أجابته قائلة: لا بأس يا بني ولكني أنتظر أن يأذن لي نبي الله ويأمرني بذلك.
وانتهى الحديث إلى نبي الله زكريا (عليه السلام) فسأل ابنه يحيى (عليه السلام) قائلا:
يا بني، ما الذي دعاك إلى هذا وأنت صبي صغير؟
فقال له يحيى (عليه السلام) والحكمة تتجلى في قوله:
يا أبت أما رأيت من هو أصغر مني سنا وقد مات وذاق مرارة الموت؟
فأجابه زكريا (عليه السلام): بلى يا بني، هو ما تقول.
ثم أمر أمه بتلبية رغبته..
وتدرع يحيى (عليه السلام) المدرعة على بدنه ووضع البرنس على رأسه ثم أتي بيت المقدس.
وأقبل على العبادة مع الأحبار والرهبان حتى أكلت مدرعة الشعر لحم بدنه.
فنظر ذات يوم إلى نحول جسمه فبكى.
فأوحى الله تعالى إليه:
يا يحيى أتبكي من نحول جسمك؟ وعزتي وجلالي لو اطلعت على النار اطلاعة لتدرعت الحديد فضلا عن الشعر ...
فبكى يحيى (عليه السلام) حتى أكلت الدموع لحم خديه وبدت أضراسه للناظرين..
ووصلت الأنباء إلى أم يحيى (عليه السلام) فجاءت إليه في بيت المقدس ثم أقبل زكريا (عليه السلام) واجتمعت عليه الأحبار والرهبان فها لهم ما آل إليه حال يحيى (عليه السلام) وسأله أبوه متعجبا:
يا بني ما الذي دعاك إلى كل هذا؟
فأجابه يحيى (عليه السلام): أنت أمرتني يا أبتاه
فقال زكريا (عليه السلام) متسائلا: ومتى كان ذلك يا بني؟
فقال يحيى (عليه السلام): ألست أنت القائل بأن بين الجنة والنار عقبة لا يجوزها إلا البكاءون من خشية الله؟
وشب نبي الله يحيى (عليه السلام) دارجا على تلك الحالة.
فعظمت منزلته بين قومه.
حتى إذا قتل بنو إسرائيل أباه زكريا (عليه السلام) عظم عليه الأمر.
واشتدت عليه المحنة بما وجهوه إلى أبيه نبي الله زكريا (عليه السلام) من فرية هو منزه عنها.
ولكنه قام بالأمر من بعده فتحققت دعوة أبيه زكريا (عليه السلام).
وكان يحيى (عليه السلام) يخطب في الناس ويخبرهم قائلا:
إن محن الصالحين إنما كانت لذنوب بني إسرائيل وفي تلك الأيام كان يحكم بني إسرائيل ملك فاسق فاجر.
وكانت إحدى بغايا بني اسرائيل تراجعه فيأتي معها بالمنكر وكانت تلك البغي هي زوجة أخ الملك....
فنهاه يحيى (عليه السلام) عن ذلك ولكن الملك لم يرتدع.. حتى إذا فشى الخبر بين بني اسرئيل وافتضح أمر البغي على الملأ... فانها دبرت له مكيدة عظيمة..
فذات مساء...
زينت البغي ابنتها وهيأتها للذهاب بدلا عنها إلى الملك.
وكانت الابنة فتاة شابة وغانية حسناء وكانت تدعى (سالومي).
وأوصت البغي ابنتها قبل الذهاب إلى الملك بما يطفئ لهيب حقدها على نبي الله يحيى (عليه السلام).
فلما شاهد الملك الفتاة الحسناء على هذه الحالة من التهتك والاغراء...
لم يطق صبرا وقد استولت الغانية على مشاعره وأخذت بمجامع قلبه.
وبعدما انطفأت شعلة النزوة الأئمة التفت الملك إلى الفتاة قائلاً:
اطلبي حاجتك يا عزيزتي حتى لو كانت نصف مملكتي فقالت له الغانية بدلال أريد رأس يحيى ابن زكريا ...
وأسقط في يد ملك بني اسرائيل وطلب من (سالومي) أن تسأل شيئاً آخر.
فأصرت (سالومي) على طلبها تنفيذا لوصية أمها.
وتغلبت فتنة (سالومي) على كبرياء الملك.
فأمر أن يأتوه في الحال بيحيى بن زكريا (عليه السلام) حتى إذا جاء أمر بطشت وأوعز إلى الزبانية بذبحه..
فتناول الملك رأس يحيى (عليه السلام) ثم وضعه في إناء من ذهب وأهداه إلى (سالومي)..
وعندئذ...
بكت الشمس وأدمعت السماء وكانت دموعهما دما قانيا...
الاكثر قراءة في قصة النبي زكريا وابنه يحيى
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة