الحقّ سبحانه وتعالى هو عين الوجود وحقيقته.
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص161-166
2025-08-13
429
قال آية الله الحكيم العارف الباحث والفقيه الملّا محمّد محسن الفيض الكاشانيّ قدّس الله تربته: «كَلِمَةٌ بِهَا يَتَبَيَّنُ معنى الوُجُودِ وأنَّهُ عَيْنُ الحَقِّ سُبْحَانَهُ.
لا شكّ أن كلّ ما هو غير موجود محتاج إلى الوجود في إيجاده وتواجده، والوجود موجود بنفسه لا بوجود غيره، وكلّ ما سوى الحقّ محتاج.
إذاً فالحقّ هو عين الوجود وهو موجود بنفسه، وكلّ الأشياء به موجودة. كالنور الذي يُنير بنفسه لا بنور غيره؛ ونور كلّ شيء يكون به. وعلى هذا فكلّ الأشياء محتاجة إلى الحقّ والحقّ غنيّ عن كلّ الأشياء؛ واللَّهُ الْغَنِيُّ وأَنْتُمُ الْفُقَراءُ.[1]
گويم سخن نغز كه مغز سخن است هستى است *** هستى است كه هم هستى وهم هست كُن است[2]
وهنا يتجلى سرّ معيّة الحقّ مع الأشياء؛ فليس من شيءٍ بدون الوجود. ويتجلى كذلك أن الوجود واجب الوجود وقائم بذاته ومتعيّن بها؛ فلو كان ممكناً أو قائماً بالغير أو متعيّن به لكان محتاجاً إلى الغير. وكلّ شيء كائناً ما كان غير الوجود محتاج إلى الوجود. ولذا فأسبقيّة الشيء على النفس أصبحت لازمة، وعلى هذا فكلّ شيء عدا الوجود قائم بالوجود، وهو (أي الوجود) غير قائم بشيء.
إذاً فالوجود الذي هو عين الحقّ، هو دليل على الحقّ كما قال أمير المؤمنين: (يَا مَنْ) دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ بِذَاتِهِ.[3]
چون دهان دلبران در هست ونيست *** خود به بود خود گواهى ميدهد[4]
وأصبح معلوماً ممّا ذكرنا أن الوجود بسيط من جميع الوجوه، إذ لو كان مركّباً لكان محتاجاً إلى الأجزاء، ولكان كلّ جزء محتاجاً إليه. ف- «أسبقيّة الشيء على النفس أصبحت لازمة». وصار معلوماً كذلك أن الوجود ليس هذا المعنى المصدريّ الذهنيّ الذي يُعبّر عنه ب- الكون والحُصُول والتَّحَقُّق، لأنّ هذا هو أمر اعتباريّ لا وجود له إلّا في الذهن وهو مُعتَبَرٌ بالاعتبار، في حين أن الوجود كما قلنا مُحقّق الحقائق والذوات وكلّ الأشياء محتاجة إليه. وهذا المعنى الذهنيّ هو وجه من وجوهه وعنوان من عناوينه.
ولأنّ الوجود متعيّن بذاته هو، فلا يمكن له أن يمثّل أفراداً متعدّدين بالمفهوم العامّ؛ لامتناع التعدّد والانقسام على حقيقة الشيء إلّا بأمرٍ خارجيّ من تلك الحقيقة والتي تستوجب تعيّن أفراده؛ وتمييز بعضها عن البعض الآخر. ولذلك قيل:
صِرْفُ الوُجُودِ الذي لَا أتَمَّ مِنْهُ، كُلَّمَا فَرَضْتَهُ ثَانِيَاً فَإذَا نَظَرْتَ فَهُوَ هُوَ؛ «شَهِدَ اللهُ أنَّهُ لآ إلَهَ إلَّا هُوَ».[5]
هم توئى اي قديم فرد اله *** وحدت خويش را دليل وگواه[6]
شَهِدَ اللهُ بشنو وتو بگو *** وَحْدَهُ لا إلَهَ إلّا هُو[7]
وكذلك قيل: كَلِمَةٌ بِهَا يُجْمَعُ بَيْنَ ظُهُورِهِ سُبْحَانَهُ وخَفَائِهِ.
إن وجوده أظهر من وجود سائر الأشياء؛ لأنّ وجوده ظاهر به ووجود سائر الأشياء به ظاهرة. كما قال: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والْأَرْضِ.[8]
لأنّ كلمة نور تُطلق على الشيء الظاهر بنفسه والمُظهِر لسائر الأشياء.
همه عالم به نور اوست پيدا *** كجا او گردد از عالم هويدا
زهى نادان كه او خورشيد تابان *** به نور شمع جويد در بيابان[9]
إن الأشياء بغياب الوجود عدم محض، والوجود هو مبدأ إدراك الكلّ، من جانب المُدرِك والمُدرَك على حدّ سواء. فوجود المدرَك هو أوّل ما تدرك من كلّ ما تُريد إدراكه، وإن كنتَ غافلًا عن إدراك هذا الإدراك، فقد خفي من فرط الظهور. فلا يمكن إدراك المُبصَر دون واسطة نور آخر كالشعاع، ولأنّ الشعاع يبدو غير مرئيّ من فرط ظهوره في تلك الحالة، بحيث تقوم طائفة بإنكاره. ويجب قياس هذا على النور الذي كان واسطة لإدراك الشعاع.
نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ.[10]
قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: لَا تَتَعَجَّبْ مِنِ اخْتِفَاءِ شَيءٍ بِسَبَبِ ظُهُورِهِ، فَإنَّ الأشْيَاءَ إنَّمَا تُسْتَبَانُ بِأضْدَادِهَا؛ ومَا عَمَّ وُجُودُهُ حتى لَا ضِدَّ لَهُ، عَسُرَ إدْرَاكُهُ. فَلَوِ اخْتَلَفَ الأشْيَاءُ فَدَلَّ بَعْضُهَا عَلَى اللهِ دُونَ بَعْضٍ، ادْرِكَتِ التَّفْرِقَةُ عَلَى قُرْبٍ؛ ولَمَّا اشْتَرَكَتْ في الدَّلالَةِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ اشْكِلَ الأمْرُ! وَمِثَالُهُ نُورُ الشَّمْسِ المُشْرِقُ عَلَى الأرْضِ. فَإنَّا نَعْلَمُ أنَّهُ عَرَضٌ مِنَ الأعْرَاضِ يَحْدُثُ في الأرْضِ ويَزُولُ عِنْدَ غَيْبَةِ الشَّمْسِ. فَلَوْ كَانَتِ الشَّمْسُ دَائِمَةَ الإشْراقِ لَا غُرُوبَ لَهَا لَكُنَّا نَظُنُّ أن لَا هَيْئَةَ في الأجْسَامِ إلَّا ألْوَانُهَا؛ وهي السَّوَادُ والبَيَاضُ.
فَأمَّا الضَّوْءُ فَلَا نُدْرِكُهُ وَحْدَهُ، لَكِنْ لَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ واظْلِمَتِ المَوَاضِعُ ادْرِكَتْ تَفْرِقَةٌ بَيْنَ الحَالَتَيْنِ. فَعَلِمْنَا أن الأجْسَامَ قَدِ اسْتَضَاءَتْ بِضَوْءٍ، واتَّصَفَتْ بِصِفَةٍ فَارَقَتْهَا عِنْدَ الغُرُوبِ؛ فَعَرَفْنَا وُجُودَ النُّورِ بِعَدَمِهِ.
وَمَا كُنَّا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ لَوْ لا عَدَمُهُ إلَّا بِعُسْرٍ شَدِيدٍ، وذَلِكَ لِمُشاهَدَتِنَا الأجْسَامَ مُتَشَابِهَةً غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ في الظَّلَامِ والنُّورِ.
هَذَا مَعَ أن النُّورَ أظْهَرُ المَحْسُوسَاتِ، إذْ بِهِ يُدْرَكُ سَائِرُ المَحْسُوسَاتِ. فَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِنَفْسِهِ وهُوَ مُظْهِرٌ لِغَيْرِهِ، انْظُرْ كَيْفَ تُصُوِّرَ اسْتِبْهَامُ أمْرِهِ بِسَبَبِ ظُهُورِهِ لَوْ لا طَرَيَانُ ضِدِّهِ. فَإذَنِ الحَقُّ سُبْحَانَهَ هُوَ أظْهَرُ الامُورِ وبِهِ ظَهَرَتِ الأشْيَاءُ كُلُّهَا. ولَوْ كَانَ لَهُ عَدَمٌ أوْ غَيْبَةٌ أوْ تَغَيُّرٌ لَانْهَدَمَتِ السَّمَاوَاتُ والأرْضُ وبَطَلَ المُلْكُ والمَلَكُوتُ ولُأدْرِكَتِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الحَالَتَيْنِ! وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الأشْيَاءِ مَوْجُوداً بِهِ وبَعْضُهَا مَوْجُوداً بِغَيْرِهِ لُادْرِكَتِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ في الدَّلالَةِ، ولَكِنْ دَلَالَتُهُ عَامَّةٌ في الأشْياءِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ ووُجُودُهُ دَائِمٌ في الأحْوَالِ يَسْتَحِيلُ خِلَافُهُ؛ فَلَا جَرَمَ أوْرَثَ شِدَّةُ الظُّهُورِ خَفَاءً.
روحى است بى نشان وما غرقه در نشانش *** جانى است بى مكان وسر تا قدم مكانش
خواهى كه بيابى يك لحظهاى مجويش *** خواهى كه تا بدانى يك لحظهاى مدانش[11]
خَفِيّ لإفْرَاطِ الظُّهُورِ تَعَرَّضَتْ *** لإدْرَاكِهِ أبْصَارُ قَوْمٍ أخَافِشِ
وَ حَظُّ العُيُونِ الزُّرْقِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ *** لِشِدَّتِهِ حَظُّ العُيُونِ العَوامِشِ
اى تو مخفى در ظهور خويشتن *** وى رُخت پنهان به نور خويشتن[12]
لَقَدْ ظَهَرْتَ فَلَا تَخْفَى عَلَى أحَدٍ *** إلَّا عَلَى أكْمَهٍ لَا يَعْرِفُ القَمَرا
لَكِنْ بَطَنْتَ بِمَا أظْهَرْتَ مُحْتَجِباً *** وكَيْفَ يُعْرَفُ مَنْ بِالعُرْفِ اسْتَتَرا
***
حجاب روى تو هم روى تست در همه حال *** نهانى از همه عالم ز بس كه پيدائي[13]
[1] في« أقرب الموارد»:« الوكيل، فعيلٌ بمعنى مفعولٍ لأنّه مَوكولٌ إليه، وقد يكونُ للجمعِ والاثني، وقد يكونُ بمعنى فاعل إذا كانَ بمعنى الحافظ. ووُصفَ به اللهُ تعالى؛ ومنه حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الْوَكِيلُ، وقيلَ هو هُنا بمعنى الكافي الرازق. و: الجَريءُ، ج: وُكلاء».
[2] قسم من الآية الأخيرة، من السورة 47: محمّد.
[3] يقول:« سأقول كلاماً جميلًا وهو لبّ الكلام وجوهره؛ وهو أن معني الوجود هو أن يكون مَوجوداً ومُوجِداً».
[5] يقول:« أن ثغر الحبيب اللائح في الوجود والعدم دليل وشاهد على وجوده».
[6] صدر الآية 18، من السورة 3: آل عمران.
[7] يقول:« إنّك أنت أيّها الإله القديم الفرد دليل وشاهد على وحدتك».
[8] يقول:« اسمع عبارة شَهِد الله، ثمّ ردّد وحده لا إله إلّا هو».
« كلماتٌ مكنونة من علوم أهل الحكمة والمعرفة» في منشورات الفراهانيّ: ص 12 و13؛ وفي طبعة المظفّريّ: ص 16 و17.
[9] صدر الآية 35، من السورة 24: النور.
[10] يقول:« أن العالم كلّه إنّما هو ظاهر بنوره؛ فلا شيء غيره يدلّ عليه ويجلّيه. فمرحي بالجاهل الذي يبحث عن الشمس الساطعة في الصحراء مستعيناً بضوء شمعة».
[11] جزء من الآية 35، من السورة 24: النور.
[12] يقول:« إنّه روح ليست لها علائم تدلّ عليها في حين أنّنا غارقون في علائمه، وهو نفسٌ ليس لها مكان معيّن في حين أن كلّ شيء مكانها.
فلو رمتَ البحث عنه فكفّ بحثك للحظة؛ ولو شئتَ معرفته فكفّ عن التفكير فيه للحظة».
[13] يقول:« يا من هو مخفيّ في ظهوره ويا من طلعته محجوبةٌ بنوره».
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة