تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
نماذج الفضاء الرياضية (مقدمة في النماذج الرياضية للمكان والزمان: من النقطة إلى الزمكان)
المؤلف:
ب . ك. و. ديفيس
المصدر:
المكان و الزمان في العالم الكوني الحديث
الجزء والصفحة:
ص16
2025-06-26
28
إن أية نظرية بخصوص الفضاء ، ككل النظريات العلمية ، تحتاج الى نموذج وهذه النظرية ، على شاكلة أكثر النماذج الفيزيائية الجيدة ، تتطلب توصيفاً رياضياً . ولكي نصنع نموذجاً ذا شبه جيد بالفضاء في عالم الواقع ، لا بد من استخدام عدد كبير من المفاهيم الرياضية . ولكن ليطمئن القارىء ، فنحن لن نحتاج ، في سبيل إفهامه ما سيرد في هذا الكتاب ، إلا للأوصاف البدائية لهذه المفاهيم. وإن إدراكها سيكشف له نوعية طبيعة فضائنا الحقيقية .
يستخدم الرياضيون كلمة فضاء للدلالة بها على مجموعة من النقاط . والنقطة هي الغرض الأولي الذي يتناوله التوصيف الرياضي لنماذج الفضاء ، ويمكن أن تصورها بأنها النهاية التي تنتهي إليها الدائرة عندما يتقلص نصف قطرها الى الصفر . فليس للنقطة إذن حجم ولا امتداد ولا منطقة داخلية . والبنية المفروضة على الفضاء تتناول مجموعة النقاط ، لا النقاط نفسها كأفراد مستقلة.
يجب الإلحاح على أن أي نموذج رياضي للفضاء يمكن أن يفيد في أمور متنوعة . فيمكن استخدامه في توصيف أو حل أنواع عديدة من مسائل لا تنتمي الى مجالات رياضية ، أو لأهميته الذاتية وحدها. ويوجد نماذج فضاء رياضية تجريدية تفيد في الحياة اليومية ، كرسم المخططات البيانية . فصفيحة الورق التي رُسم عليها المخطط هي مجموعة
نقاط ، والمخطط نفسه هو مجموعة نقاط محتواة في الأولى وتشير إلى نوع من العلاقة ، كتغير ميزان المدفوعات الوطني بمرور الزمن . والفضاء الرياضي يمكن أيضاً أن يفيد كنموذج للفضاء الفيزيائي الحقيقي . ومن الواضح أن الفضاء الحقيقي هو أكثر من مجموعة نقاط فيه . ولابد من التعمق تدريجياً في فرض سويات متزايدة التعقيد من التوصيف البنوي لهذه المجموعة قبل أن تبرز لنا الخواص المألوفة للفضاء الحقيقي ، وربما نحتاج الى فرض بنية أعمق من ذلك كي نعطي وصفاً صادقاً لبعض الخواص الغريبة التي كشفت عنها الفيزياء الحديثة.
سنعمد في هذا الفصل إلى جدولة ومناقشة موجزة لشتى سويات الأوصاف الدقيقة التي يجب أن نفرضها على مجموعة النقاط كي نتوصل الى نموذج مقبول للفضاء الحقيقي . هذا وإن سمات الفضاء الحقيقي التي يجب أن يحاكيها النموذج تتوقف ، دون شك ، على نظرية الفضاء الموضوعة قيد المناقشة . ومع ذلك يوجد سمات أساسية يجب أن تشترك فيها كل النظريات ، وهي السمات التي سنشرحها الآن.
الاستمرارية continuity يفترض عموماً أن أي مجال من الفضاء يمكن أن يتقسم الى أجزاء أصغر فاصغر بقدر ما نريد ودون أن يجد شيء من استمرار هذه العملية . إن هذا الافتراض هو مجرد عقيدة وايمان ، لأنه لم تثبت حتى اليوم إمكانية أن نعرف بالضبط ما يحدث ضمن مسافة أصغر من13-10 سم (سنتيمتر) . ومع ذلك فإن فرضية الانقسامية اللامتناهية ما تزال مقبولة لدى الجميع تقريباً ، مما يبيح لنا أن نعتبر الفضاء مجموعة لا متناهية العدد من النقاط المرتصة جنباً إلى جنب لتتوالى مستمرة دون انقطاع . ليس لهذا الوصف ، بالضرورة ، سوى قيمة نفعية في البحث، لأن الاستمرارية مفهوم جد معقد لم يتمكن الرياضيون من فهمه إلا في خلال القرن الماضي وما بعده. ومع ذلك يبدو من الطبيعي أن يحوي الخط المستمر ، بمعنى ما ، عدداً من النقاط أكبر مما يحويه صف من النقاط المنفصلة (كما نرى في الشكل 1 -1) رغم أن كلا العددين لا متناه في الكبر . وهذا الفرق يتمثل غالباً بأن صف المجموعة A يتميز بإمكانية مقابلة الأعداد الصحيحة : 1 ، 2 ، 3 ، . . . ، بعناصر المجموعة ؛ لكن نقاط الخط المستقيم تستعصي على هذه العملية ؛ فهي تتطلب كل الأعداد الواقعة فيما بين الأعداد الصحيحة (كالعدد .... 1.6321648 ) كي نقوم بعملية مقابلة كاملة شاملة . وبين وقت وآخر يساق مثل هذا الفضاء الشبكي A المرسوم في الشكل 1 - 1 كاقتراح لنموذج يمثل الفضاء الحقيقي . لكننا لن نسهب في الكلام عن خواص مثل هذه النماذج اللا معتمدة .
فلكل نقطة في الفضاء المستمر (أو في المتصل ، كما نسميه أحياناً) جوار يضم ، مهما كان صغيراً ، عدداً لا متناهياً من نقاط أخرى. وبالاضافة لذلك يجب علينا أن نفترض ، حول نقطتين مختلفتين ، إمكانية صنع جوارين منفصلين (أي غير متداخلين)
شكل 1-1 - فكرة الاستمرار . المجموعة A ، عندما تمتد دون حدود نحو اليمين أو اليسار) تحوي عدداً لا متناهياً من النقاط يمكن أن نلصق بها سلسلة الاعداد الصحيحية 3.2.1 المجموعة B ، القطعة المستقيمة ، تضم أيضاً عدداً لا متناهياً من النقاط ، حتى عندما يكون طول القطعة محدوداً ، لكن هذه النقاط مرتصة بشدة لا تدع مجالاً لاية فجوة في صفها ، فالخط مستمر . وليس الفرق بين المجموعتين مجرد فرق في السلم . إذ لا يوجد ما يكفي من الاعداد الصحيحة لاجراء تقابل كامل بينها وبين كل نقاط الخط . فالمجموعة تضم فعلا نقاطاً أكثر عدداً مما تحويه المجموعة A
(ب) - الأبعاد dimensionality . هناك سمة نوعية للفضاء الحقيقي لابد أن تفرض على هذا المتصل ، ألا وهي واقع أنه ذو ثلاثة أبعاد . وأسهل وسيلة لفهم معنى هذه الصفة هي أن ننطلق من حالة نقطة واحدة ، وأن نمنحها بالتعريف البعد صفر . ويمكن بعدئد استعمال نقاط لتشكيل خط الحدود لفضاء وحيد البعد . لتتأمل مثلا في خط مستقيم محدود . إن حدود هذا الخط هما نقطتا طرفيه . والخط الوحيد البعد) يمكن أن يُستخدم بدوره لتشكيل حدود فضاء ذي بعدين. فمحيط الدائرة ، وهو وحيد البعد ، يجد قرصاً ذا بعدين . وكذلك يمكن لفضاء ذي بعدين (سطح) أن يستخدم لتشكيل حدود فضاء ذي ثلاثة أبعاد ، وهكذا دواليك . ولا يوجد ، رياضياً ، حد أعلى للأبعاد التي يمكن أن يمتلكها فضاء ما . والواقع أن فرعاً هاماً من الرياضيات ذات التطبيقات الفيزيائية يتعامل مع فضاء ذي عدد لا متناه من الأبعاد ! وليس من المعروف سبب كون الفضاء الحقيقي ذا ثلاثة أبعاد. ومن المفيد أن نبحث في خواص العوالم التي يسمى فضاؤها ثنائي البعد أو سداسيه. إذ نصادف أحياناً أشياء ، كانتشار الموجة والظواهر الكهربائية ، تبدو بشكل مختلف جداً في هذه العوالم الخيالية .
(ج) - التواصل connectivity . لا نرى سبباً يحتم على الفضاء الحقيقي أن لا يكون مؤلفاً من عدد من القطع المتفاصلة . لكننا على كل حال لم نستطع أن نتعرف على
شکل 1 - 2. الحدود والأبعاد. الخط المستقيم فضاء وحيد البعد محدود بنقطتين A و B. إن أي جوار لهاتين النقطتين [ مثل بـ ( )] ، مهما كان صغيراً، يحوي دوماً عدداً لا متناهياً من النقاط تنتمي للفضاء أو لا تنتمي له. لكن محيط الدائرة فضاء وحيد البعد ليس ذا حدود، ذلك أن أياً من نقاطه لا تتمتع بالخاصة المذكورة أعلاه
فكما تشكل النقطتان A وB حدوداً للخط المستقيم تشكل الدائرة حدوداً للفرص ذي البعدين (لقد أشرنا على الرسم إلى نقطة حدودية C وجوارها). وبالمقابل نرى أن سطح الكرة فضاء ليس ذا حدود. انه فضاء ذو بعدين غير محدود.
يمكن تعميم الاعتبارات على أي عدد من الأبعاد
منطقة من الفضاء منفصلة عن فضائنا ، وعلى ذلك فإننا لن نهتم بهذا الأمر . ومع ذلك فإن أي فضاء مفرد يمكن أن يتواصل بعدة أساليب مختلفة . فسطح السوار (شكل الكعكة) وسطح الكرة ، مثلاً ، (شكل) (3-1) هما فضاء ان متواصلان بمعنى أن كل نقطة من الفضاء الواحد يمكن أن توصل بأية نقطة أخرى من الفضاء نفسه بوساطة خط مستمر تقع كل نقاطه في الفضاء نفسه. لكن هذين الفضائين (سطحا) الكرة والسوار متواصلان بأسلوبين مختلفين . نعبر عن أحدهما بأن المنحني المغلق (كمحيط الدائرة) المحتوى في السطح يمكن أن يتقلص باستمرار حتى يصير إلى نقطة من سطح الكرة ، لكن هذا ليس بالضرورة ممكناً على سطح السوار . إننا لا نعلم فيما إذا كان عالمنا الكوني من نوع سطح الكرة أم من نوع سطح السوار ، أم من نوع آخر أشد تعقيداً . لكنه ، على كل حال وفي المنطقة التي نلاحظها فعلا ، فضاء بسيط التواصل ، أي كسطح الكرة .
وعند هذه المرحلة قد يحار القارىء إزاء هذا التخريف، ويتساءل عن مغزى أن تناقش اذا كان فضاؤنا المألوف يشبه السوار ، أو إذا كان مؤلفاً من قطع متفاصلة . إذ لو كان الأمر كذلك ، فماذا يمكن أن يوجد خارج الفضاء ، وماذا يملأ الثقب في وسط السوار ، الخ ؟ إن من المعقول أن نناقش الفضاءات الرياضية التي يمكن فيها للسطوح ذات البعدين أن تتكور وتلتف على نفسها لتصير كرة أو سواراً ، لكن من المؤكد أن هذا لا يمكن أن يحدث إلا باحتواء أي) بتغليف السوار ضمن فضاء حقيقي ذي ثلاثة أبعاد ! فما هو «الفضاء الأعظم، الذي يغلف فضائنا المألوف ؟ إن المسائل التي من هذا النوع تضع الفكر البشري، غير الرياضي، أمام عدد من المشاق الفكرية.
إن الفضاء يتعين ويُعرف بخواصه. وإن العديد من هذه الخواص يمكن أن تصاغ بدقة تامة تغنينا عن الاستناد الى أي فضاء مغلف للفضاء الذي نهتم به . فالكائن المسطح ذو البعدين يستطيع أن يستنتج أنه يقطن سطحاً سوارياً ، وذلك فقط بواسطة أرصاد تتم من هذا السطح وضمنه النقل بأن يتحرى فيها إذا كانت كل الدوائر يمكن أن تتقلص الى نقطة) . فبواسطة الرياضيات لا توجد صعوبة في تعميم مناقشة السطح السواري ذي البعدين على حجم سواري ذي ثلاثة أبعاد وذلك بإدخال «فضاء أعظم» يغلفه . ومع ذلك فمن المفيد أحياناً أن نستعين بتصور فضاء مغلّف ذي أبعاد أكثر عدداً ، وذلك فقط كوسيلة ارتياح حدسي ؛ لكن على المرء أن لا ينتظر أي نقاش حول طبيعة هذا الفضاء المغلف لأنه ليس سوى فضاء مصطنع
شکل 1-3 . فضاءات ، متفاصلة ومتواصلة ، ذات بعدين . إن النقطتين P و O في الفضاء المرسوم في أعلى الشكل لا يمكن أن تتواصلا بواسطة خط مستمر يبقى بتمامه ضمن الفضاء . فهذا الفضاء متفاصل . وبالمقابل نرى أن كل مناطق سطح السوار ، وكذلك مناطق سطح الكرة ، متواصلة ، ولكن بأسلوبين مختلفين. فعلى سطح الكرة يمكن للدائرة التي مثل C أن تنكمش حتى تغدو نقطة . أما على سطح السوار فإن هذا لا يمكن أن يحدث إلا للدائرة C لا للدائرة D. فيقال عن سطح الكرة إنه بسيط التواصل ، وعن سطح السوار انه عديد التواصل .
إن الكائن المسطح القاطن في فضاء متواصل يستطيع أن يستنتج الفرق بين أسلوبي التواصل بواسطة أرصاد يقوم بها ضمن الفضاء ذي البعدين وحده. أي أن هذا الكائن لا يحتاج الى مغادرة السطح ولا الى رؤية (كما ندرك (نحن أن الكرة ، أو السوار ، محتويان في فضاء ذي ثلاثة أبعاد كي يعرف إذا كان الفضاء وحيد التواصل أو عديده، وذا حدود أو عديم الحدود . إن مثل هذه الملاحظات يمكن أن تنطبق على عالمنا الخاص ذي الأبعاد الثلاثة
(د) الوجهة orientability. وبعد أخذ هذه الحيطة بعين الاعتبار سنلجأ مراراً إلى شرح خواص الفضاء الحقيقي ذي الأبعاد الثلاثة بالتشبيه مع النماذج ذات البعدين المحتواة في الفضاء ذي الأبعاد الثلاثة، وذلك ابتغاء وضوح العرض. فمثل هذا التشبيه يساعد،
مثلاً ، في مناقشة خاصة هامة أخرى يُفترض عادة أن الفضاء الحقيقي يتمتع بها ، وهي الوجهة . فمن المعروف بالخبرة أن قفاز اليد اليسرى لا يمكن أن يصبح قفازا لليد اليمنى مهما فعلنا به ) ا به شرط أن لا نقلب داخله (خارجه . وفوق ذلك ، من السهل أن نقبل أنه ، حتى لو ابعدناه الى منطقة بعيدة من العالم ثم أعدناه ، لن يغير وجهته ، أي أنه لن ينقلب من قفاز يساري إلى قفاز يميني. لكن الرياضيين كثيراً ما يصادفون فضاءات يمكن أن يحدث فيها هذا التغير الوجهوي. وكمثال على ذلك نسوق عصابة موبيوس Mobius (أوغست ، فلكي ورياضي الماني ، (1790 - (1868 التي هي فضاء ذو بعدين نتمثله مصنوعاً ضمن فضاء ذي ثلاثة أبعاد كما في الشكل 1 - 4 . انها عصابة ، من الورق مثلاً .
شکل 1-4. فضاء غير موجة. إن لعصابة موبيوس خاصة غريبة تتمثل في أن القفاز اليساري يمكن أن يصبح قفازاً يمينياً عندما نجعله يقوم بدورة واحدة حول العصابة الانستطيع أن نميز ، على هذه العصابة ، بين وجه وقفا)
فتلت مرة واحدة ثم لصق طرفاها معاً فأصبحت ، كما يرى على الشكل 1 - 4 بعد فحصه بتفكير بسيط ، قابلة لأن ينقلب فيها القفاز اليساري الى قفاز يميني بعد أن يقوم بدورة كاملة واحدة على العصابة (إنها فردة قفاز مسطح ، ذي بعدين ، لانميز فيه وجهاً عن . وبيت القصيد في هذا المثال هو أننا نستطيع أن نجد فضاء ذا ثلاثة أبعاد يتصف قفا) رياضياً بأنه لا يتقيد بهذا القيد. فضاء موبيوسياً ذا ثلاثة أبعاد) . إن عصابة موبيوس فضاء غير موجه . هذا ولا يوجد دليل واضح على أن عالمنا ليس فضاءً موجهاً .
إن هذه الخواص الأربع (من أ الى د) التي ناقشناها حتى الآن معروفة باسم السمات التوبولوجية . ودراستها هي غرض علم التوبولوجيا. وهي لا تتعلق إلا باستمرارية الفضاء ولا علاقة لها بشيء آخر كالحجم والشكل الهندسي . وعلى هذا نرى أن الفضاء العادي لا يُنظر إليه على أنه مجموعة من النقاط فحسب، بل وبالأحرى على أنه يتمتع بخواص بنوية عديدة، كالاستمرارية والأبعاد والتواصل والوجهة وخواص رياضية أخرى تخرج عن نطاق هذا الكتاب .
ولكن ، وحتى مع هذه القيود ، يمكن أن نصنع فضاءات رياضية ذات خواص تختلف جذرياً عن خواص الفضاء الحقيقي . وهناك قيود أخرى هامة يجب احترامها قبل أن نحصل على نماذج للفضاء الحقيقي مفيدة. ومن الواضح أن طريقة تعيين مواقع نقاط الفضاء بإحداثيات مستمرة هي واحدة من أهم الخواص العملية للفضاء . وكمثال شائع نعلم أن كل مدينة يمكن أن يتعين موقعها بخطي الطول والعرض ، وهما عددان يحددان ، كإحداثيين مستمرين ، مواقع النقاط على سطح الأرض ذي البعدين . ونستطيع أن نصنع جملة ثلاثة أعداد نعين بها موقع أي غرض في الفضاء، كخط الطول وخط العرض والارتفاع عن سطح الأرض. وواضح أن القيم المعطاة لهذه الأعداد تتوقف على نوع جملة الإحداثيات المستخدمة . فنقل خط الصفر الطولي من غرينويتش الى باريس مثلا يغير واحداً فقط من العددين اللذين يعينان موقع مدينة ما . ولكن لنفترض أننا اخترنا ، لتعيين موقع كل نقطة من سطح الأرض ، بعدها واتجاهها بالنسبة لمكة بدلاً من خطي الطول والعرض. هذا وقد نحتاج أيضاً الى استخدام أكثر من جملة إحداثيات واحدة لتعيين كل نقاط الفضاء بدقة . فخطا الطول والعرض ، مثلاً ، عاجزان عن هذه المهمة عند القطبين ( إن كل نقاط سطح الأرض تقع جنوب القطب الشمالي) . يجب إذن أن نوجد علاقة واضحة تسمح بالمرور من جملة إحداثيات الى أخرى في المناطق المشتركة في الجملتين ونطلق اسم المناط manifoid على الفضاء الذي يناط به احداثيات مستمرة متماسكة.
إن الفضاء الحقيقي ، بالاضافة إلى كونه مناطاً ، يتمتع ببنية هندسية . فهو مثلاً يتضمن ، بين نقطتين منه ، مسافة صغرى . كما يمكن أن نعرف فيه مسافات وزوايا ويقال عن الفضاءات التي تمتلك مثل هذه السمات إنها فضاءات مترية . ويوجد أنواع عديدة من الفضاءات المترية. وقبل عام 1915 كان يُفترض أن العالم الحقيقي فضاء متري مقصور على الإذعان للهندسة الأقليدية، نسبة إلى مؤسسها اليوناني إقليدس . ففي هذه المنظومة الهندسية يكون مجموع زوايا المثلث مسلوباً 180 درجة ، ويمكن دوماً رسم مستقيمات متوازية. فهي بالضبط الهندسة الشائعة التي تعلمها القارىء في المدرسة دون صعوبة كبيرة . ولسوف نرى أن نظريات الفضاء الحديثة تكشف عن خاصة هامة هي أن البنية المترية يمكن أن تتغير من مكان الى مكان ومن زمان الى زمان ، وأن قواعد إقليدس لم تعد تنطبق عليها
هذا وقبل أن نختم الكلام عن الخواص الرياضية للفضاء العادي ، لابد أن نقول كلمة عن الزمن وعن المكان - الزمان . من الواضح أن باستطاعتنا أن نفترض أن الزمن يمكن أن يشترك مع الفضاء بعدة خواص. فالخصائص التوبولوجية مثلاً ، كالاستمرار والتواصل والوجهة ، هي أيضاً من خواص الزمن رغم أنه ذو بعد واحد بدلاً من ثلاثة . وله أيضاً بنية مترية لأننا نستطيع أن نعرف المسافة الزمنية بين نقطتين زمنيتين على أنها الفترة التي تفصل بين حادثين من الساعة الواحدة الى الساعة الثانية مثلا) . ولهذه الأسباب يمكن أن ننظر الى الزمن على أنه فضاء متري رياضي وحيد البعد ، ولكن يجب أن لا يفهم القارىء من هذا التعميم الرياضي أن الزمن هو بالفعل فضاء مقنع أو شيء من هذا القبيل . ولقد ثبت ، فوق ذلك ، أن من الأصح أن نعتبر الفضاء ذا الأبعاد الثلاثة والزمن ذا البعد الواحد فضاءً واحداً مكانياً - زمانياً ذا أربعة أبعاد ومترياً أيضاً . وعلى هذا الأساس فإن كلمة «فضاء ستستعمل غالباً في هذه الظروف الرياضية كي تجمع معاً كلا المظهرين : الفضاء الفيزيائي والزمن ، أو المكان - الزمان .
الاكثر قراءة في الفيزياء العامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
