النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
ولادة الإمام المهدي "عج"
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص667-690
2025-06-23
15
1 - الإبتكار النبوي لتعيين المهدي عليه السلام
من معجزات النبي صلى الله عليه وآله أنه أوتي جوامع الكلم ، ومن جوامع كلمه صلى الله عليه وآله تحديده للإمام المهدي عليه السلام بأنه التاسع من ذرية الحسين عليه السلام وابن خيرة الإماء .
فهو تحديد يبطل ادعاء المدعين ، وكذا قوله صلى الله عليه وآله : المهدي من عترتي . من أولاد فاطمة . بنا فتح الله وبنا يختم . لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله الله . يملأ الأرض قسطاً وعدلاً . يحثو المال حثواً ولا يعده عداً . نحن سبعة ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة . . أنا وعلي أخي وحمزة عمي وجعفر ابن عمي والحسن والحسين والمهدي . الخ .
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله : « المهدي هو الخامس بعد السابع من ولدي » . وقوله صلى الله عليه وآله في وصف المهدي عليه السلام : « التاسع من صلب الحسين . بأبي ابن خيرة الإماء » وهو إخبارٌ بطول عمره حتى يظهر عليه السلام . وهذه الأوصاف لا تنطبق إلا على المهدي بن الحسن العسكري عليه السلام ، فهو التاسع من صلب الحسين عليه السلام ، وأمه نرجس وهي أمةٌ رومية رضي الله عنها .
وقد تورط المخالفون في تأويل هذا الحديث فزعموا أن المهدي عليه السلام سيولد وتكون أمه أمَةً ، لكن عصر الإماء قد انتهى . ثم كيف يوصف بأنه سيولد وهو التاسع من صلب الحسين عليه السلام واليوم يفصلنا عن الحسين عليه السلام أكثر من أربعين جداً ، لأن معدل الجد ثلاثون سنة ، والإمام الحسين عليه السلام استشهد في سنة إحدى وستين هجرية ؟ !
ويظهر أن قول النبي صلى الله عليه وآله : « بأبي ابن خيرة الإماء » كان معروفاً فادعى بعضهم انطباقه على زيد الشهيد رحمه الله . ففي النعماني / 229 : « عن أبي الصباح قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي : ما وراءك ؟ فقلت : سرور من عمك زيد ، خرج يزعم أنه ابن سبية ، وهو قائم هذه الأمة ، وأنه ابن خيرة الإماء ، فقال : كذب ليس هو كما قال ، إن خرج قتل » !
أقول : لابد أن يكون التكذيب لادعاء من ادعى أن زيداً هو المهدي عليه السلام ، فقد وردت أحاديث صحيحة عن الإمام الصادق وغيره من الأئمة عليهم السلام في مدح زيد الشهيد رحمه الله وعلو مقامه ، وأنه دعا إلى مقاومة الظلم وإمامة الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله .
وقد استعمل أمير المؤمنين عليه السلام تعبير النبي صلى الله عليه وآله بأن المهدي ابن خيرة الإماء ، مرات عديدة ، فقد قال عليه السلام كما في شرح النهج : 7 / 58 : « فانظروا أهل بيت نبيكم ، فإن لبدوا فالبدوا ، وإن استنصروكم فانصروهم ، فليفرجن الله الفتنة برجل منا أهل البيت ، بأبي ابن خيرة الإماء ، لا يعطيهم إلا السيف ، هرجاً هرجاً موضوعاً على عاتقه ثمانية أشهر ، حتى تقول قريش : لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا . يغريه الله ببني أمية حتى يجعلهم حطاماً ورفاتاً ، مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً . سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً » .
قال الشارح : « فإن قيل : ومن هذا الرجل الموعود به الذي قال عنه : بأبي ابن خيرة الإماء ؟ قيل : أما الإمامية فيزعمون أنه إمامهم الثاني عشر ، وأنه ابن أمة اسمها نرجس ، وأما أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي يولد في مستقبل الزمان لأم ولد ، وليس بموجود الآن » . انتهى .
أقول : أين الإماء كما تخيل ابن أبي الحديد لتكون والدة الإمام المهدي عليه السلام منهن ؟ !
وفي النعماني / 229 ، بسنده عن الحارث الهمداني ، قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : « بأبي ابن خيرة الإماء ، يعني القائم من ولده عليهم السلام ، يسومهم خسفاً ويسقيهم بكأس مصبَّرة ، ولا يعطيهم إلا السيف هرجاً ، فعند ذلك تتمنى فَجَرَةُ قريش لو أن لها مفاداةً من الدنيا وما فيها ليَغفر لها ، لا يكفُّ عنهم حتى يرضى الله » .
وفي مقتضب الأثر / 31 ، بسنده عن جماعة أنهم كانوا عند علي عليه السلام : « فكان إذا أقبل ابنه الحسن عليه السلام يقول : مرحباً يا ابن رسول الله ، وإذا أقبل الحسين عليه السلام يقول : بأبي أنت وأمي يا أبا ابن خيرة الإماء ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ما بالك تقول هذا للحسن وتقول هذا للحسين ؟ ومن ابن خيرة الإماء ؟ فقال : ذاك الفقيد الطريد الشريد ، محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين هذا ، ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام » .
وفي غيبة النعماني / 228 : « عن عبد الرحيم القصير قال قلت لأبي جعفر عليه السلام : قول أمير المؤمنين عليه السلام : بأبي ابن خيرة الإماء ، أهي فاطمة عليها السلام ؟ فقال : إن فاطمة عليها السلام خيرة الحرائر . ذاك المبدح بطنه المشرب حمرة ، رحم الله فلاناً » .
أي ذاك المهدي ، عظيم البدن ، وجهه أبيض مشرب بحمرة .
وفي الإرشاد : 2 / 382 : « عن جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام قال : سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين عليه السلام فقال : أخبرني عن المهدي ما اسمه ؟ فقال : أما اسمه فإن حبيبي عليه السلام عهد إليَّ ألا أحدث به حتى يبعثه الله . قال : فأخبرني عن صفته ؟ قال : هو شاب مربوع حسن الوجه ، حسن الشعر ، يسيل شعره على منكبيه ، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه ، بأبي ابن خيرة الإماء » .
2 - الإمام المهدي ابن خيرة الإماء وكذا جده الإمام الجواد عليه السلام
ورد تعبير : « ابن خيرة الإماء » عن النبي صلى الله عليه وآله في حق الإمام المهدي عليه السلام ، وفي حق الإمام الجواد عليه السلام : « وأمه أمةٌ نوبية سوداء » . كان الإمام الجواد عليه السلام أسمر ، فاستغلت ذلك السلطة للنيل من الإمام الرضا وأشاعت أن محمداً الجواد ليس ابنه لأنه ليس أبيض مثله ! وجاؤوا بالقافة ، فحكموا بأنه ابنه ، فنصره الله على الكذابين ! « قال عمه علي بن جعفر في قصة حكم القافة وتكذيبهم ادعاء المفترين : فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليه السلام ثم قلت له : أشهد أنك إمامي عند الله ! فبكى الرضا ثم قال : يا عم ! ألم تسمع أبي وهو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : بأبي ابن خيرة الإماء ، ابن النوبية الطيبة الفم ، المنتجبة الرحم ، ويْلَهم ، لعن الله الأعَيْبِس وذريته صاحب الفتنة ، ويقتلهم « ابنه ابن خيرة الإماء » سنين وشهوراً وأياماً ، يسومهم خسفاً ويسقيهم كأساً مصبرة ، وهو الطريد الشريد ، الموتور بأبيه وجده صاحب الغيبة ، يقال : مات أو هلك أي واد سلك ؟ ! أفيكون هذا يا عم إلا مني ؟ ! فقلت : صدقت جعلت فداك » . « الكافي : 1 / 322 »
فالإمام الجواد عليه السلام ابن خيرة الإماء النوبية ، والإمام المهدي عليه السلام ابن خيرة الإماء الرومية ، وهو الطريد الشريد صاحب الغيبة ، وهو المنتقم من خط الضلال ، الذي يمثله بنو أمية ، وبنو الأعيبس ، أي العباس .
3 - من ابتكارات الأئمة عليهم السلام في تحديد شخصية المهدي عليهم السلام
ومن ذلك تحديدهم للمهدي عليه السلام بالاسم ، والأم ، والعدد ، والصفات ، والشخص . ففي النعماني / 179 : « عن أبي الهيثم الميثمي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : إذا توالت ثلاثة أسماء : محمد وعلي والحسن ، كان رابعهم قائمهم » .
وفي غيبة الطوسي / 36 : « عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : على رأس السابع منا الفرج » .
وقال في إثبات الهداة : 3 / 499 : المراد السابع منه عليه السلام ، لا من علي عليه السلام .
وفي غيبة الطوسي / 28 : « في خبر آخر عن الإمام الصادق عليه السلام : يظهر صاحبنا ، وهو من صلب هذا ، وأومأ بيده إلى موسى بن جعفر عليه السلام ، فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، وتصفو له الدنيا » .
وفي كمال الدين : 2 / 334 : « عن المفضل بن عمر قال : دخلت على سيدي جعفر بن محمد عليه السلام فقلت : يا سيدي لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك ؟ فقال لي : يا مفضل : الإمام من بعدي ابني موسى ، والخلف المأمول المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى » .
وفي كمال الدين / 383 : « عن الصقر بن أبي دلف قال : سمعت علي بن محمد بن علي الرضا يقول : إن الإمام بعدي الحسن ابني ، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
وفي الكافي : 1 / 341 : « عن أبي حمزة قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له : أنت صاحب هذا الأمر ؟ فقال : لا ، فقلت : فولدك ؟ فقال : لا ، فقلت فولد ولدك هو ؟ قال : لا ، فقلت : فولد ولد ولدك ؟ فقال : لا ، قلت : من هو ؟ قال : الذي يملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، على فترة من الأئمة ، كما أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث على فترة من الرسل » .
تجري في ولادته وغيبته سنن عدد من الأنبياء عليهم السلام
في كمال الدين : 1 / 321 : « عن سعيد بن جبير قال : سمعت سيد العابدين علي بن الحسين يقول : في القائم منا سنن من الأنبياء : سنة من أبينا آدم ، وسنة من نوح ، وسنة من إبراهيم ، وسنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من أيوب ، وسنة من محمد صلوات الله عليهم . فأما من آدم ونوح فطول العمر ، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس ، وأما من موسى فالخوف والغيبة ، وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه ، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى ، وأما من محمد صلى الله عليه وآله فالخروج بالسيف » .
وفي كمال الدين : 1 / 152 و 340 : « عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : في القائم سنة من موسى بن عمران . فقلت : وما سنته من موسى بن عمران ؟ قال : خفاء مولده وغيبته عن قومه ، فقلت : وكم غاب موسى عن أهله وقومه ؟ فقال : ثمانٍ وعشرين سنة » .
وفي كمال الدين : 2 / 350 : « عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن في صاحب هذا الأمر سنناً من الأنبياء : سنة من موسى بن عمران ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد صلوات الله عليهم . فأما سنة من موسى بن عمران فخائف يترقب ، وأما سنة من عيسى فيقال فيه ما قيل في عيسى ، وأما سنة من يوسف فالستر ، يجعل الله بينه وبين الخلق حجاباً يرونه ولا يعرفونه ، وأما سنة من محمد صلى الله عليه وآله فيهتدي بهداه ويسير بسيرته » .
وفي النعماني / 164 : « عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول : في صاحب هذا الأمر سنن من أربعة أنبياء : سنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين ، فقلت : ما سنة موسى ؟ قال : خائف يترقب . قلت : وما سنة عيسى ؟ فقال : يقال فيه ما قيل في عيسى ، قلت : فما سنة يوسف ؟ قال : السجن والغيبة . قلت : وما سنة محمد صلى الله عليه وآله ؟ قال : إذا قام سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أنه يبين آثار محمد ، ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً هرجاً حتى يرضى الله . قلت : فكيف يعلم رضا الله ؟ قال : يُلقي الله في قلبه الرحمة » .
ورواه دلائل الإمامة / 291 ، وفيه : وأما شبهه من يوسف فإن إخوته يبايعونه ويخاطبونه وهم لا يعرفونه .
وفي كمال الدين : 2 / 28 « وأما سنة يوسف فإن إخوته كانوا يبايعونه ويخاطبونه ولايعرفونه ، وأما سنة عيسى فالسياحة ، وأما سنة محمد صلى الله عليه وآله فالسيف » .
وفي كمال الدين : 1 / 327 : « فأما شبهه من يونس بن متى : فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن . . . وأما شبهه من موسى عليه السلام فدوام خوفه وطول غيبته وخفاء ولادته ، وتعب شيعته من بعده مما لقوا من الأذى والهوان ، إلى أن أذن الله عز وجل في ظهوره ونصره وأيده على عدوه . . . وأما شبهه من جده المصطفى صلى الله عليه وآله فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله وأعداء رسوله والجبارين والطواغيت ، وأنه ينصر بالسيف والرعب وأنه لا ترد له راية . وإن من علامات خروجه : خروج السفياني من الشام ، وخروج اليماني « من اليمن » وصيحة من السماء في شهر رمضان ، ومنادياً ينادي من السماء باسمه واسم أبيه » .
وفي كمال الدين / 480 : « لأن الله عز وجل أبى إلا أن تجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام في غيباتهم ، وإنه لابد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم ، قال الله تعالى : لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ، أي سنن من كان قبلكم » .
وفي كمال الدين 2 / 479 : « عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : صاحب هذا الأمر تعمى ولادته على هذا الخلق ، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج » . وفي / 480 : « ويصلح الله عز وجل أمره في ليلة واحدة » .
العباسيون على سنة نمرود وفرعون !
ذكرت مصادر الأديان والتاريخ أن المنجمين أخبروا نمروداً بأن ولداً يولد في تلك السنة في عاصمته ، يخشى منه على ملكه ، فمنع نمرود الإنجاب ، وكان يقتل كل مولود ذكر ! وكذلك أخبروا فرعون ، فكان يقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل . ففي تفسير القمي : 1 / 207 : « وكل نمرود بكل امرأة حامل فكان يذبح كل ولد ذكر ، فهربت أم إبراهيم بإبراهيم من الذبح ، وكان يشب إبراهيم في الغار يوماً كما يشب غيره في الشهر ، حتى أتى له في الغار ثلاثة عشر سنة ، فلما كان بعد ذلك زارته أمه فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها فقال يا أمي أخرجيني ، فقالت له يا بني إن المَلِك إنْ علم أنك ولدت في هذا الزمان ، قتلك » .
وفي تفسير القمي 2 / 135 : عن أبي جعفر الإمام الباقر عليه السلام قال : « إن موسى لما حملت به أمه لم يظهر حملها إلا عند وضعه ، وكان فرعون قد وكل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط يحفظنهن ، وذلك أنه كان لما بلغه عن بني إسرائيل انهم يقولون إنه يولد فينا رجل يقال له موسى بن عمران ، يكون هلاك فرعون وأصحابه على يده ، فقال فرعون عند ذلك : لأقتلن ذكور أولادهم حتى لا يكون ما يريدون ، وفرق بين الرجال والنساء ، وحبس الرجال في المحابس ، فلما وضعت أم موسى بموسى نظرت إليه وحزنت عليه واغتمت وبكت وقالت يذبح الساعة ، فعطف الله بقلب الموكلة بها عليه فقالت لام موسى : ما لك قد اصفر لونك ؟ فقالت : أخاف ان يذبح ولدي ! فقالت : لا تخافي وكان موسى لا يراه أحد إلا أحبه ، وهو قول الله : وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ، فأحبته القبطية الموكلة به وأنزل الله على موسى التابوت ونوديت أمه : أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ، وهو البحر . وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ . فوضعته في التابوت وأطبقت عليه وألقته في النيل . وكان لفرعون قصرعلى شط النيل منتزها فنظر من قصره ومعه آسية امرأته فنظر إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج والرياح تضربه ، حتى جاءت به إلى باب قصر فرعون ، فأمر فرعون بأخذه ، فأخذ التابوت ورفع إليه ، فلما فتحه وجد فيه صبياً ، فقال : هذا إسرائيلي ، وألقى الله في قلب فرعون لموسى محبة شديدة ، وكذلك في قلب آسية . وأراد فرعون ان يقتله فقالت آسية لا تقتله : عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون . أنه موسى ، ولم يكن لفرعون ولد فقال : إئتوا ظئرا تربيه ، فجاؤوا بعدة نساء قد قتل أولادهن ، فلم يشرب لبن أحد من النساء وهو قول الله : وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ ، وبلغ أمه أن فرعون قد أخذه فحزنت وبكت كما قال الله : وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ . يعني كادت أن تخبر بخبره أو تموت ، ثم ضبطت نفسها ، فكان كما قال الله عز وجل : لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَتْ لأُخْتِهِ أي لأخت موسى قُصِّيهِ أي اتبعيه فجاءت أخته إليه فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ . أي عن بعد وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ، فلما لم يقبل موسى ثدي أحد من النساء اغتم فرعون غماً شديداً ، فقالت أخته : هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ . فقال : نعم فجاءت بأمه فلما اخذته في حجرها وألقمته ثديها التقمه وشرب ، ففرح فرعون وأهله وأكرموا أمه ، فقالوا لها : ربيه لنا فإنا نفعل بك ما نفعل ، وذلك قول الله تعالى : فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ . وكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كلما يلدون ، ويربي موسى ويكرمه ولا يعلم أن هلاكه على يده ! فلما درج موسى كان يوماً عند فرعون فعطس موسى فقال الحمد لله رب العالمين ، فأنكر فرعون عليه ولطمه وقال : ما هذا الذي تقول ؟ فوثب موسى على لحيته وكان طويل اللحية فهلبها ، أي قلعها فألمه ألماً شديداً بلطمته إياه ، فهم فرعون بقتله فقالت امرأته : هذا غلام حدث لا يدري ما يقول ، فقال فرعون : بل يدري ، فقالت امرأته ضع بين يديه تمراً وجمراً ، فإن ميز بينهما فهوالذي تقول ، فوضع بين يديه تمراً وجمراً وقال له : كل ، فمد يده إلى التمر فجاء جبرئيل فصرفها إلى الجمر ، فأخذ الجمر في فيه فاحترق لسانه وصاح وبكى .
فقالت آسية لفرعون : ألم أقل لك إنه لا يعقل ، فعفا عنه .
فقلت لأبي جعفر عليه السلام : فكم مكث موسى غائباً عن أمه حتى رده الله عليها ؟ قال : ثلاثة أيام فقلت كان هارون أخا موسى لأبيه وأمه ؟ قال : نعم أما تسمع الله تعالى يقول : يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلا بِرَأْسِى . فقلت : فأيهما كان أكبر سناً ؟ قال : هارون . قلت : فكان الوحي ينزل عليهما جميعاً ؟ قال : الوحي ينزل على موسى وموسى يوحيه إلى هارون . فقلت له : أخبرني عن الأحكام والقضاء والأمر والنهي أكان ذلك اليهما ؟ قال : كان موسى الذي يناجي ربه ويكتب هارون العلم ويقضي بين بني إسرائيل ، وهارون يخلفه إذا غاب من قومه للمناجاة ، قلت : فأيهما مات قبل صاحبه ؟ قال هارون قبل موسى عليه السلام وماتا جميعاً في التيه ، قلت فكان لموسى ولد ، قال لا كان الولد لهارون والذرية له . قال : فلم يزل موسى عند فرعون في أكرم كرامة حتى بلغ مبلغ الرجال وكان ينكر عليه ما يتكلم به موسى من التوحيد حتى هم به ، فخرج موسى من عنده ودخل المدينة فإذا رجلان يقتتلان أحدهما يقول بقول موسى والآخر يقول بقول فرعون : فاستغاثه الذي من شيعته ، فجاء موسى فوكز صاحب فرعون فقضي عليه وتوارى في المدينة فلما كان من الغد جاء آخر فتشبث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى ، فاستغاث بموسى ، فلما نظر صاحبه إلى موسى قال له : أتريد ان تقتلني كما قلت نفسا بالأمس . فخلى عن صاحبه وهرب ، وكان خازن فرعون مؤمناً بموسى قد كتم إيمانه ستمائة سنة وهو الذي قال الله : وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا ان يقول ربي الله . وبلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل ، فطلبه ليقتله فبعث المؤمن إلى موسى : قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلا يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ . فَخَرَجَ مِنْهَاكما حكى الله ، خَائِفًا يَتَرَقَّبُ . قال يلتفت عن يمنة ويسرة ويقول : قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . ومر نحو مدين وكان بينه وبين مدين مسيره ثلاثة أيام فلما بلغ باب مدين رأى بئراً يستقي الناس منها لأغنامهم ودوابهم فقعد ناحية ولم يكن أكل منذ ثلاث أيام شيئاً ، فنظر إلى جاريتين في ناحية ومعهما غنيمات لا تدنوان من البئر ، فقال لهما مالكما لا تستقيان ؟ قالتا كما حكى الله : لا نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ . فرحمهما موسى ودنا من البئر فقال لمن على البئر أستقي لي دلواً ولكم دلواً ، وكان الدلو يمده عشرة رجال ، فاستقى وحده دلواً لمن على البئر ودلواً لبنتي شعيب ، وسقى أغنامهما . ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ . وكان شديد الجوع .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن موسى كليم الله حيث سقى لهما : ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ . والله ما سأل الله إلا خبزاً يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض ، ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه من هزاله فلما رجعتا ابنتا شعيب إلى شعيب قال لهما أسرعتما الرجوع ، فأخبرتاه بقصة موسى عليه السلام ولم تعرفاه فقال شعيب لواحدة منهن : إذهبي إليه فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا فجاءت إليه كما حكى الله تعالى : تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فقام موسى معها ومشيت أمامه فسفقتها الرياح فبان عجزها ، فقال لها موسى : تأخري ودليني على الطريق بحصاة تلقيها أمامي أتبعها ، فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء ، فلما دخل على شعيب قص عليه قصته ، فقال له شعيب : لا تخف نجوت من القوم الظالمين . قالت إحدى بنات شعيب : يا أبت استأجره ان خير من استأجرت القوي الأمين ، فقال لها شعيب : أما قوته فقد عرفتيه أنه يستقي الدلو وحده ، فبم عرفت أمانته ؟ فقالت إنه لما قال لي تأخري عني ودليني على الطريق ، فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء فهذه أمانته ، فقال له شعيب : قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَىَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِى ثَمَانِىَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ . قَالَ ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَىَّ ، أي لا سبيل علي إن عملت عشر سنين أو ثمان سنين ، فقال موسى : وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ . قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أي الأجلين قضى ؟ قال أتمها عشر حجج . . الخ . .
وفي مستدرك الحاكم : 2 / 574 : « عن وهب بن منبه قال : ولما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها جميع الناس ، فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله ، وذلك شئ أسرها الله به لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل . فلما كانت السنة التي يولد فيها موسى بن عمران ، بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن ، وفتش النساء تفتيشاً لم يفتشهن قبل ذلك ، وحملت أم موسى بموسى فلم ينتأ بطنها ولم يتغير لونها ولم يفسد لبنها ، فكانت القوابل لايتعرضن لها ، فلما كانت الليلة التي ولد فيها موسى ولدته أمه ولا رقيب عليها ولا قابل ، ولم يطلع عليها أحد إلا أختها مريم ، وأوحى الله إليها أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِين ، قال : فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك ، فلما خافت عليه وعليها عملت له تابوتاً مطبقاً ، ومهدت له فيه ثم ألقته في البحر ليلاً كما أمرها الله ! وعملت التابوت على عمل سفن البحر خمسة أشبار في خمسة أشبار ، ولم يقيَّر ، فأقبل التابوت يطفو على الماء فألقى البحر التابوت بالساحل في جوف الليل ، فلما أصبح فرعون جلس في مجلسه على شاطئ النيل فبصر بالتابوت فقال لمن حوله من خدمه : إئتوني بهذا التابوت فأتوه به ، فلما وضع بين يديه فتحوه فوجد فيه موسى ، قال فلما نظر إليه فرعون قال : كيف أخطأ هذا الغلام الذبح ، وقد أمرت القوابل أن لا يكتمن مولوداً يولد ! قال : وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم ، وكانت من خيار النساء المعدودات ، ومن بنات الأنبياء عليهم السلام وكانت أماً للمسلمين ترحمهم وتتصدق عليهم وتعطيهم ويدخلون عليها ، فقالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة ، وإنما أمرت أن تذبح الولدان لهذه السنة ، فدعه يكون قرة عين لي ولك ، لاتَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ . أن هلاكهم على يديه وكان فرعون لا يولد له إلا البنات . . » .
السلطة القرشية من قديم تبحث عن الإمام المهدي عليهم السلام
في إثبات الهداة : 3 / 570 : عن الفضل بن شاذان بسند صحيح عن الإمام العسكري عليه السلام قال : « وضع بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين : إحداهما أنهم كانوا يعلمون أنه ليس لهم في الخلافة حق ، فيخافون من ادعائنا إياها وتستقر في مركزها . وثانيهما أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منا ، وكانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة والظلمة ، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وإبادة نسله ، طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولد القائم أو قتله ، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم ، إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون » .
وقد بدأ البحث عن المهدي عليه السلام من يوم بشر به جده رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتقدم أن عمر سأل علياً عليه السلام عن اسمه فاعتذر ، لأن النبي صلى الله عليه وآله أسرَّه اليه ، فسأله عن صفته .
وتقدم في فصل تحريفاتهم للبشارة النبوية من تاريخ أهل البيت للطبري المؤرخ ، قول معاوية لابن عباس : « وقد زعمتم أن لكم مُلكاً هاشمياً ومهدياً قائماً ، والمهدي عيسى بن مريم ، وهذا الأمر في أيدينا حتى نسلمه إليه » !
لكن معاوية مع ذلك ادعى أنه هو المهدي ، كما وثقناه من مسند أحمد .
قال الصدوق رحمه الله في كمال الدين / 47 : « كفعل فرعون في قتل أولاد بني إسرائيل ، للذي قد كان ذاع منهم وانتشر بينهم من كون موسى بينهم ، وهلاك فرعون ومملكته على يديه ، وكذلك كان فعل نمرود قبله في قتل أولاد رعيته وأهل مملكته في طلب إبراهيم عليه السلام ، زمان انتشار الخبر بوقت ولادته ، وكون هلاك نمرود وأهل مملكته ودينه على يديه . كذلك فعل طاغية زمان الحسن بن علي والد صاحب الزمان عليه السلام وطلب ولده والتوكيل بداره وحبس جواريه ، والإنتظار بهن وضع الحمل الذي كان بهن » .
وقد كان الأمويون بعد معاوية يبحثون عن المهدي عليه السلام ! ففي النعماني / 288 : « عن أبي خالد الكابلي قال : لما مضى علي بن الحسين عليه السلام دخلت على محمد بن علي الباقر عليه السلام فقلت له : جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك وأنسي به ووحشتي من الناس ، قال : صدقت يا أبا خالد فتريد ماذا ؟ قلت : جعلت فداك ، قد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطريق لأخذت بيده ، قال : فتريد ماذا يا أبا خالد ؟ قلت أريد أن تسميه لي حتى أعرفه باسمه فقال : سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد ، ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدثاً به أحداً ، ولو كنت محدثاً به أحداً لحدثتك ، ولقد سألتني عن أمر لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة » .
كان الملوك العباسيون يعرفون إمامة العترة عليهم السلام
كان العباسيون يعرفون جيداً أن الأئمة من عترة النبي صلى الله عليه وآله اختارهم الله تعالى وأوصى النبي صلى الله عليه وآله بطاعتهم ! لكن الملك عقيم كما قال هارون الرشيد لابنه المأمون . فقد روى الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 85 ، عن المأمون أن أباه هارون لما زار المدينة زاره الإمام الكاظم عليه السلام : « فقام الرشيد لقيامه وقبل عينيه ووجهه ، ثم أقبل عليَّ وعلى الأمين والمؤتمن فقال : يا عبد الله ويا محمد ويا إبراهيم ، إمشوا بين يدي عمكم وسيدكم ، خذوا بركابه وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله ، فأقبل عليَّ أبو الحسن موسى بن جعفر سراً بيني وبينه فبشرني بالخلافة فقال لي : إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى وُلدي ، ثم انصرفنا وكنت أجرأ وُلد أبي عليه ، فلما خلا المجلس قلت : يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته وأجللته وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له ! قال : هذا إمام الناس وحجة الله على خلقه وخليفته على عباده ! فقلت : يا أمير المؤمنين أوَ ليست هذه الصفات كلها لك وفيك ؟ فقال : أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر ، وموسى بن جعفر إمام حق ، والله يا بني إنه لأحقُّ بمقام رسول الله مني ومن الخلق جميعاً ! ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك ، فإن الملك عقيم !
فلما أراد الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصرة سوداء فيها مائتا دينار ، ثم أقبل على الفضل بن الربيع ، فقال له : إذهب بهذه إلى موسى بن جعفر وقل له : يقول لك أمير المؤمنين : نحن في ضيقة وسيأتيك برنا بعد الوقت .
فقمت في صدره فقلت : يا أمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وساير قريش وبني هاشم ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسه آلاف دينار إلى ما دونها ، وتعطى موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مئتي دينار ، أخس عطية أعطيتها أحداً من الناس ؟ ! فقال : أسكت لا أم لك ، فإني لو أعطيت هذا ما ضمنته له ، ما كنت أمنته أن يضرب وجهي غداً بمائه ألف سيف من شيعته ومواليه ! وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم !
فلما نظر إلى ذلك مخارق المغنى ، دخله في ذلك غيظ ، فقام إلى الرشيد فقال : يا أمير المؤمنين قد دخلت المدينة وأكثر أهلها يطلبون مني شيئاً ، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئاً ، لم يتبين لهم تفضل أمير المؤمنين عليَّ ومنزلتي عنده ! فأمر له بعشرة آلاف دينار ، فقال : يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة وعليَّ دين أحتاج أن أقضيه ، فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى ، فقال له : يا أمير المؤمنين بناتي أريد أزوجهن وأنا محتاج إلى جهازهن ، فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى فقال له : يا أمير المؤمنين لا بد من غلة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي وأزواجهن القوت ، فأمر له بإقطاع ما تبلغ غلته في السنة عشرة آلاف دينار وأمر أن يعجل ذلك عليه من ساعته !
ثم قام مخارق من فوره وقصد موسى بن جعفر وقال له : قد وقفت على ما عاملك به هذا الملعون ، وما أمر لك به ! وقد احتلت عليه لك وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وإقطاعاً يغل في السنة عشرة آلاف دينار ، ولا والله يا سيدي ما أحتاج إلى شئ من ذلك ما أخذته إلا لك ! وأنا أشهد لك بهذه الإقطاع وقد حملت المال إليك !
فقال عليه السلام : بارك الله لك في مالك وأحسن جزاك ، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً ولا من هذه الإقطاع شيئاً ، وقد قبلت صلتك وبرك ، فانصرف راشداً ، ولا تراجعني في ذلك فقبل يده وانصرف » !
أقول : هنيئاً لهذا المغني ، وبؤساً لهارون ! وقبل زمن هارون كان العباسيون يعرفون أن علياً والعترة عليهم السلام أئمة ربانيون ، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله العباس وأولاده بأنهم سيحكمون ويَطْغَوْن . وعندما ولد جدهم علي بن عبد الله بن العباس في الكوفة ، سماه أمير المؤمنين عليه السلام علياً وقال له : خذ إليك أبا الأملاك ! ( شرح النهج : 7 / 148 ) وكانت أسماء ملوكهم في صحيفة عند محمد بن الحنفية ، ويقال إنها وصلت إلى بني العباس من أبي هاشم بن محمد بن الحنفية .
ثم كان أبناؤهم يعرفون جيداً إمامة الإمام زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق عليهم السلام ، ويسألونهم عن مستقبلهم ولو بكلمة ، ولهم في ذلك أخبار دونتها مصادر التاريخ والحديث .
زادت السلطة رقابتها وتحداها الإمام العسكري عليهم السلام
عندما اقترب عدد أئمة العترة عليهم السلام من اثني عشر ، زاد خوف السلطة العباسية منهم فأجبرت العاشر منهم الإمام علي الهادي وولده الإمام الحسن عليه السلام على الإقامة في العاصمة سامراء ، التي كانت تسمى العسكر ، فعرفا بلقب العسكريين .
ثم بدا للخليفة العباسي أن يقتل الإمام الهادي عليه السلام فقتله ، وشدد الرقابة على ولده الإمام الحسن العسكري عليه السلام لأنه الحادي عشر ، ثم قرر أن يقتله ليمنع ولادة الإمام الثاني عشر الموعود الذي يهدد ملكهم ! ولا يبعد أن يكون الخليفة هدد الإمام العسكري عليه السلام بالقتل إن هو تزوج ، وكان يتصور أنه سيتزوج امرأة قرشية كما تفعل شخصيات قريش ، لكنه عليه السلام أعتق جاريته نرجس الرومية وتزوجها ، وشاء الله أن يكون ولده المهدي عليه السلام منها .
ففي كمال الدين : 2 / 408 : « عن علان الرازي قال : أخبرني بعض أصحابنا أنه لما حملت جارية أبي محمد عليه السلام قال : ستحملين ذكراً ، واسمه محمد ، وهو القائم من بعدي » .
وفي كمال الدين : 2 / 407 : « عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي أنه خرج من أبي محمد عليه السلام توقيع : زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل ! وقد كذب الله عز وجل قولهم ، والحمد لله » .
وفي غيبة الطوسي / 134 و 138 : « قال أبو محمد حين ولد الحجة عليه السلام : زعمت الظلمة أنهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ! كيف رأوا قدرة القادر ! وسماه المؤمل » .
وفي الكافي : 1 / 329 ، و 514 : « عن أحمد بن محمد بن عبد الله قال : خرج عن أبي محمد حين قتل الزبيري لعنه الله : هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه ، يزعم أنه يقتلني وليس لي عقب ، فكيف رأى قدرة الله فيه ؟ وولد له ولد سماه م ح م د في سنة ست وخمسين ومائتين » . ورواه في كمال الدين : 2 / 430 ، بسند صحيح ، عن معلى بن محمد البصري قال : خرج عن أبي محمد حين قتل الزبيري . . الخ .
أقول : يقصد بالزبيري الخليفة العباسي ابن المعتز الذي هو الزبير بن المتوكل ، وقد حكم المعتز ثلاث سنوات وتسعة أشهر ، وهو الذي قتل الإمام الهادي عليه السلام ، ثم أجبره القادة الأتراك على خلع نفسه ، ونصبوا بعده المهتدي فحكم أحد عشر شهراً وقتله الأتراك ، وهو الذي حبس الإمام العسكري عليه السلام وأراد قطع نسله فأهلكه الله تعالى . وكان يعرف أن الثاني عشر هو الخطر على ملكهم ، فأراد قتل الحادي عشر !
ثم نصب الأتراك بعده المعتمد بن المتوكل وحكم ثلاثاً وعشرين سنة ، وفي عصره ولد الإمام المهدي عليه السلام ، وفي السنة الخامسة من ملكه قام بجريمة قتل الإمام العسكري عليه السلام .
وفي غيبة الطوسي / 205 : « عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت محبوساً مع أبي محمد عليه السلام
في حبس المهتدي بن الواثق فقال لي : يا أبا هاشم إن هذا الطاغي أراد أن يعبث بالله في هذه الليلة وقد بتر الله عمره وجعله للقائم من بعده ، ولم يكن لي ولد وسأرزق ولداً . قال أبو هاشم : فلما أصبحنا شغب الأتراك على المهتدي فقتلوه ، وولي المعتمد مكانه وسلمنا الله تعالى » .
وقال في البحار : 50 / 313 : شغب الأتراك على المهتدي وأعانهم العامة لما عرفوا من قوله بالاعتزال والقدر ، وقتلوه ونصبوا مكانه المعتمد وبايعوا له ، وكان المهتدي قد صحح العزم على قتل أبي محمد عليه السلام فشغله الله بنفسه حتى قتل » .
وفي دلائل الإمامة / 423 : « وعاش بعد أبيه أيام إمامته بقية ملك المعتز ، ثم ملك المهتدي ، ثم ملك أحمد بن جعفر المتوكل المعروف بالمعتمد اثنين وعشرين سنة وأحد عشر شهراً ، وبعد خمس سنين من ملكه استشهد ولي الله ، وقد كمل عمره تسعاً وعشرين سنة . ومات مسموماً يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين من الهجرة ، بسر من رأى ، ودفن في داره إلى جانب قبر أبيه عليه السلام » .
وقال ابن حبيب في المحبر / 42 : « وليَ المهتدي . . لست خلون من رجب سنة ست وخمسين ومائتين ، فكانت ولايته أحد عشر شهراً . وفى خلافته خرج الخارجي بالبصرة في شهر رمضان سنة ست وخمسين ومائتين . وتولى المعتمد ، وأمه فتيان ، مولده يوم الأحد لست خلون من رجب سنة ست وخمسين ومائتين وكنيته أبو العباس ، فأقام ثلاثاً وعشرين سنة » .
وفي الخرائج : 1 / 478 : « عن عيسى بن صبيح قال : دخل الحسن العسكري عليه السلام علينا الحبس وكنت به عارفاً فقال لي : لك خمس وستون سنة وشهر ويومان ، وكان معي كتاب دعاء عليه تاريخ مولدي ، وإني نظرت فيه فكان كما قال ، ثم قال : هل رزقت ولداً ؟ قلت : لا ، فقال : اللهم ارزقه ولداً يكون له عضداً ، فنعم العضد الولد ، ثم تمثل عليه السلام :
من كان ذا عضد يدركْ ظلامتَه إن الذليل الذي ليست له عضد
قلت له : ألك ولد ؟ قال : إي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فأما الآن فلا ، ثم تمثل وقال :
لعلك يوماً أن تراني كأنما بنيَّ حَوَالَيَّ الأسودُ اللوابد
فإن تميماً قبل أن يلد الحص أقام زماناً وهو في الناس واحد » .
الإمام العسكري عليه السلام يبشر بولادة المهدي عليه السلام !
كمال الدين : 2 / 431 : « حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال : حدثنا محمد بن أحمد العلوي ، عن أبي غانم الخادم قال : ولد لأبي محمد عليه السلام ولد فسماه محمداً ، فعرضه على أصحابه يوم الثالث وقال : هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم ، وهو القائم الذي تمتد إليه الأعناق بالإنتظار ، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً » .
وفي كمال الدين : 2 / 408 : « عن أحمد بن علي بن كلثوم ، عن علي بن أحمد الرازي ، عن أحمد بن إسحاق بن سعد قال : سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام يقول : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي ، أشبه الناس برسولالله صلى الله عليه وآله خلقاً وخلقاً ، يحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته ، ثم يظهره الله فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
كمال الدين : 2 / 435 ، بسنده عن جماعة منهم معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح قالوا : « عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام ونحن في منزله وكنا أربعين رجلاً فقال : هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم ، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا ، أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا ! قالوا فخرجنا من عنده فما مضت إلا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد عليه السلام » .
كمال الدين : 2 / 384 : « عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري قال : دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده ، فقال لي مبتدئاً : يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يُخل الأرض منذ خلق آدم عليه السلام ، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة ، من حجة لله على خلقه ، به يدفع البلاء عن أهل الأرض ، وبه ينزل الغيث ، وبه يخرج بركات الأرض . قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك ؟ فنهض مسرعاً فدخل البيت ، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر ، من أبناء الثلاث سنين ، فقال : يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله عز وجل وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا ، إنه سَمِيُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وكَنِيُّه ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً .
يا أحمد بن إسحاق مَثَلُهُ في هذه الأمة مثل الخضر ، ومثله مثل ذي القرنين ، والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلا من ثبته الله عز وجل على القول بإمامته ، ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه .
فقال أحمد بن إسحاق : فقلت له : يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها قلبي ؟ فنطق الغلام عليه السلام بلسان عربي فصيح ، فقال : أنا بقية الله في أرضه ، والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق . فقال أحمد بن إسحاق : فخرجت مسروراً فرحاً ، فلما كان من الغد عدت إليه فقلت له : يا ابن رسول الله ، لقد عظم سروري بما مننت عليَّ ، فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين ؟ فقال : طول الغيبة يا أحمد ، قلت : يا ابن رسول الله وإن غيبته لتطول ؟ قال : إي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به ، ولا يبقى إلا من أخذ الله عز وجل عهده لولايتنا ، وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه . يا أحمد بن إسحاق : هذا أمر من أمر الله ، وسر من سر الله ، وغيب من غيب الله ، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غداً في عليين .
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : لم أسمع بهذا الحديث إلا من علي بن عبد الله الوراق وجدت بخطه مثبتاً فسألته عنه فرواه لي عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن إسحاق رضي الله عنه كما ذكرته » .
وروى الطوسي في الغيبة / 151 : « أن أحمد بن إسحاق سأل أبا محمد عليه السلام عن صاحب هذا الأمر فأشار بيده ، أي أنه حي غليظ الرقبة » .
وفي كمال الدين / 433 : « حدثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق القمي قال : لما ولد الخلف الصالح ورد عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام إلى جدي أحمد بن إسحاق كتاب فإذا فيه مكتوب بخط يده عليه السلام الذي كان ترد به التوقيعات عليه ، وفيه : ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً ، وعن جميع الناس مكتوماً ، فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته ، أحببنا إعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به والسلام » .
وفي الكافي : 1 / 328 : « عن عمرو الأهوازي قال : أراني أبو محمد ابنه وقال : هذا صاحبكم من بعدي » .
وفي الكافي : 1 / 328 : « عن محمد بن علي بن بلال قال : خرج إلي من أبي محمد قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ، ثم خرج إلي من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده » .
وفي الكافي : 1 / 328 : « عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي محمد عليه السلام جلالتك تمنعني من مسألتك ، فتأذن لي أن أسألك فقال : سل ، قلت : يا سيدي هل لك ولد ؟ فقال : نعم . فقلت : فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه ؟ قال : بالمدينة » .
وفي كمال الدين : 2 / 407 ، و 436 : « عن يعقوب بن منقوش قال : دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام وهو جالس على دكان في الدار ، وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل فقلت له : سيدي من صاحب هذا الأمر ؟ فقال : إرفع الستر ، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك ، واضح الجبين ، أبيض الوجه ، دري المقلتين شثن الكفين ، معطوف الركبتين ، في خده الأيمن خال ، وفي رأسه ذؤابة ، فجلس على فخذ أبي محمد عليه السلام ثم قال لي : هذا صاحبكم ، ثم وثب فقال له : يا بني أدخل إلى الوقت المعلوم ، فدخل البيت وأنا أنظر إليه ، ثم قال لي : يا يعقوب أنظر من في البيت فدخلت فما رأيت أحداً » .
وفي الكافي : 1 / 329 : « عن ضوء بن علي العجلي ، عن رجل من أهل فارس سماه قال : أتيت سامرا ولزمت باب أبي محمد عليه السلام فدعاني ، فدخلت عليه وسلمت فقال : ما الذي أقدمك ؟ قلت : رغبة في خدمتك ، قال فقال لي : فالزم الباب ، قال فكنت في الدار مع الخدم ، ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في الدار رجال ، قال فدخلت عليه يوماً ، وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت فناداني : مكانك لا تبرح ، فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج ، فخرجت عليَّ جارية معها شئ مغطى ، ثم ناداني أدخل فدخلت ونادى الجارية فرجعت إليه ، فقال لها : إكشفي عما معك ، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه ، وكشف عن بطنه فإذا شعر نابت من لبته إلى سرته ، أخضر ليس بأسود ، فقال : هذا صاحبكم ، ثم أمرها فحملته ، فما رأيته بعد ذلك » .
ورواه في الكافي : 1 / 514 ، وفيه : « فقال ضوء بن علي : فقلت للفارسي : كم كنت تقدر له من السنين ؟ قال : سنتين . قال العبدي : فقلت لضوء : كم تقدر له « اليوم » أنت ؟ قال : أربع عشرة سنة . قال أبو علي وأبو عبد الله ونحن نقدر له إحدى وعشرين سنة » .
والخرائج : 2 / 957 ، وفيه : « وقال لي : يا أبا فلان كيف حالك ؟ فدعاني بكنيتي ثم قال لي : يا فلان فسماني باسمي ، ثم سألني عن رجل رجل من رجال ونساء من أهلي ، فتعجبت من ذلك ثم قال لي . . » .
وفي غيبة الطوسي / 215 : « عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيين قالا : دخلنا على أبي محمد الحسن عليه السلام بسر من رأى ، وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته ، حتى دخل عليه بدر خادمه فقال : يا مولاي بالباب قوم شُعْثٌ غُبْر ، فقال لهم : هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن ، في حديث طويل يسوقانه ، إلى أن قال الحسن عليه السلام لبدر : فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري ، فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل عثمان ، فقال له سيدنا أبو محمد عليه السلام : إمض يا عثمان فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال . ثم ساق الحديث إلى أن قالا : ثم قلنا بأجمعنا : يا سيدنا والله إن عثمان لمن خيار شيعتك ، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك ، وأنه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى ، قال : نعم واشهدوا علي أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم » .
نور المهدي عليه السلام وملائكته عند ولادته
في كمال الدين : 2 / 433 : « عن محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول : لما ولد الخلف المهدي عليه السلام سطع نور من فوق رأسه إلى أعناق السماء ، ثم سقط لوجهه ساجداً لربه تعالى ذكره ، ثم رفع رأسه وهو يقول : شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسلام . قال : وكان مولده يوم الجمعة » .
وفي كمال الدين : 2 / 499 : « قال أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الكندي قال : قال لي أبو طاهر البلالي : التوقيع الذي خرج إليَّ من أبي محمد عليه السلام فعلقوه في الخلف بعده ، وديعة في بيتك ، فقلت له : أحب أن تنسخ لي من لفظ التوقيع ما فيه ، فأخبر أبا طاهر بمقالتي فقال له : جئني به حتى يسقط الإسناد بيني وبينه ، فخرج إليَّ من أبي محمد عليه السلام قبل مضيه بسنتين ، يخبرني بالخلف من بعده ، ثم خرج إلي بعد مضيه بثلاثة أيام يخبرني بذلك ، فلعن الله من جحد أولياء الله حقوقهم ، وحمل الناس على أكتافهم ، والحمد الله كثيراً » .
تَعَمَّدَ الإمام العسكري أن يوسع العقيقة عن ابنه عليه السلام
أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن يصلي لربه وينحر ، شكراً لله على كوثر العترة عليهم السلام فنحرعقيقة عن الحسن والحسين واقتدى به الأئمة عليهم السلام . وعندما ولد الإمام المهدي عليه السلام وسع والده الإمام الحسن العسكري عليه السلام العقيقة عن ولده وأكثرَ منها ، وهي الذبيحة التي تذبح شكراً على المولود . ففي كمال الدين : 2 / 432 : عن « محمد بن إبراهيم الكوفي ، أن أبا محمد عليه السلام بعث إليَّ بعض من سماه لي بشاة مذبوحة وقال : هذه عقيقة ابني محمد » .
وفي كمال الدين : 2 / 430 : « عن أبي جعفر العمري قال : لما ولد السيد عليه السلام قال أبو محمد عليه السلام : إبعثوا إلى أبي عمرو ، فبعث إليه فصار إليه فقال له : إشتر عشرة آلاف رطل خبز وعشرة آلاف رطل لحم وفرقه ، أحسبه قال على بني هاشم ، وعق عنه بكذا وكذا شاة » .
وفي الهداية الكبرى / 358 : « عن البشار بن إبراهيم بن إدريس صاحب نفقة أبي محمد عليه السلام قال : وجه إليَّ مولاي أبو محمد كبشين وقال : أعقرهما عن أبي الحسن ، وكل وأطعم إخوانك ففعلت ، ثم لقيته بعد ذلك فقال : المولود الذي ولد لي مات ، ثم وجه لي بأربع أكبشة ، وكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم . أعقر هذه الأربعة أكبشة عن مولاك وكل هنأك الله ، ففعلت ولقيته بعد ذلك فقال لي : إنما ستر الله ابني الحسن بابني الحسين وموسى ، لولادة محمد مهدي هذه الأمة والفرج الأعظم » .
ومعناه : أن الله تعالى ستر ولادة المهدي عليه السلام بمولود قبله سماه الحسين ، فمات . وبلغ خبر موته السلطان ، فاطمأن بأنه لم يبق للإمام عليه السلام ولد حي !
وفي كمال الدين : 2 / 475 : « عن أبي الأديان قال : كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه ، فكتب معي كتباً وقال : إمض بها إلى المدائن ، فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر ، وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل .
قال أبو الأديان : فقلت : يا سيدي فإذا كان ذلك فمن ؟ قال : من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي . فقلت : زدني ، فقال : من يصلي عليَّ فهو القائم بعدي ، فقلت : زدني ، فقال : من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي ، ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان .
وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ، ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر ، كما ذكر لي عليه السلام ، فإذا أنا بالواعية في داره ، وإذا به على المغتسل ، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزونه ويهنونه ، فقلت في نفسي : إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة ، لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور ، فتقدمت فعزيت وهنيت فلم يسألني عن شئ .
ثم خرج عقيد فقال : يا سيدي قد كفن أخوك فقم وصل عليه ، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله ، يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة ، فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفناً ، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه ، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة ، بشعره قطط ، بأسنانه تفليج ، فجبذ برداء جعفر بن علي وقال : تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي ، فتأخر جعفر ، وقد اربَدَّ وجهه واصْفَرَّ ! فتقدم الصبي وصلى عليه ، ودفن إلى جانب قبر أبيه عليه السلام .
ثم قال : يا بصري هات جوابات الكتب التي معك ، فدفعتها إليه ، فقلت في نفسي : هذه بينتان بقي الهميان ، ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر ، فقال له حاجز الوشاء : يا سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه ؟ فقال : والله ما رأيته قط ولا أعرفه ! فنحن جلوس ، إذ قدم نفر من قم ، فسألوا عن الحسن بن علي عليه السلام فعرفوا موته فقالوا : فمن نعزي ؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي ، فسلموا عليه وعزوه وهنوه وقالوا : إن معنا كتباً ومالاً ، فتقول ممن الكتب وكم المال ؟ فقام ينفض أثوابه ويقول : تريدون منا أن نعلم الغيب ! قال : فخرج الخادم فقال : معكم كتب فلان وفلان وفلان وهميان فيه ألف دينار ، وعشرة دنانير منها مطلية ، فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا : الذي وجه بك لأخذ ذلك هو الإمام ، فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك ، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية ، فطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حَبَلاً بها لتغطي حال الصبي فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي !
وبَغَتَهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة ، وخروج صاحب الزنج بالبصرة ، فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم ، والحمد لله رب العالمين » .
المهدي كعيسى ويحيى عليهم السلام آتاه الله الحكم صبياً
في الكافي : 1 / 384 : « عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألته يعني أبا جعفر عليه السلام عن شئ من أمر الإمام فقلت : يكون الإمام ابن أقل من سبع سنين ؟ فقال : نعم وأقل من خمس سنين . فقال سهل : فحدثني علي بن مهزيار بهذا في سنة إحدى وعشرين ومائتين » .
وروى في إثبات الوصية / 223 : « عن علي بن مهزيار قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام وقد نص على أبي محمد : يا سيدي أيجوز أن يكون الإمام ابن سبع سنين ؟ قال : نعم ، وابن خمس سنين » .
أقول : النبوة والإمامة الربانية ليست بالسن ، فقد تكلم عيسى عليه السلام في المهد وقال إنه نبي ، وقال الله تعالى عن يحيى : وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله : « ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، ويعلمه محاسن أخلاق العالم ليله ونهاره . » « نهج البلاغة : 2 / 157 » .
فلا عجب أن يحيط وليه المهدي الموعود لإصلاح الأرض بملائكته ، لحفظه ، وإعداده .