التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
تفسير آخر لعهد النهضة في عهد رعمسيس الحادي عشر
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج8 ص 433 ــ 446
2025-06-11
91
وقد طلع علينا الأستاذ «مونتيه» بتفسير غريب في بابه عن عصر النهضة حاول فيه أن ينسبه إلى قصة ذكرها «جوسفس» اختصرها من كتاب المؤرخ «مانيتون»، غير أن المؤرخ «إدورد مير» حاول أن ينسب نفس هذه القصة إلى عهد بداية الأسرة العشرين عندما طرد «ستنخت» «أرسو» وأتباعه من مصر (مصر القديمة ج7).
وسنورد هنا رأي «مونتيه» ببعض الاختصار ليحكم القارئ بنفسه على كلا التفسيرين، وليرى كيف يتلمس المؤرخ الحقيقة من قصص مشوهة بنيت على بعض وقائع تاريخية يصعب انتزاعها من الأساطير العتيقة. قال: إن تخريب مقر ملك ومحو عبادة واختفاء كل ما يذكر باسم إله ممقوت، كل هذه الأشياء تكون عادة من أعمال حرب أهلية. ويلاحظ أن المؤرخين لمصر القديمة الآن، عندما يصلون إلى عهد الأسرة العشرين والأسرة الواحدة والعشرين لا يتحدثون إلا عن تتابع الملوك ومدة حكم كل واحد منهم، حتى كأنه لم يكن قد حدث أي شيء في المدة التي بين «رعمسيس الثالث» و«شيشنق الأول». ولكن على الأقل قد حدثت حرب ضروس روعت المعاصرين لها كما روعت الخلف. ونحن مدينون «لجوسفس» مؤلف كتاب «كنترا أبيون» بقصة ذكرت فيها حوادثها المسببة. وكل عناصر هذه القصة مأخوذة من تاريخ مصر الذي وضعه «مانيتون». وقد بدأ «جوسفس» (يوسف) بمقدمة طويلة (من ص277–236) وفيها لخص ما ذكره «مانيتون» مع توجيه انتقادات له. ولكنه مع صفحة 237–252 نجده يقتبس «مانيتون» حرفيًّا إلا في الفقرة 250 فإنه استقاها من مصدر آخر، ثم بدأ ينتقده ثانية حتى صفحة 260، ثم من صفحة 261 إلى 267 نجده لخص الحقائق التي عرفنا بها من قبل في الاقتباس الحرفي.
وفي الصحائف العشر الأخيرة نجده يجتهد في إظهار سخافات تدل على بعد المؤرخ المصري عن الصواب. ولكن من يقرأ هذه القطعة يتفق معنا على ما أظن، على أن هذه القطعة المقتبسة حرفيًّا من «مانيتون» واضحة ومتماسكة، ويمكن عدها أنها تحتوي على آراء مصرية تدعو إلى الثقة، إذ إن انتقادات «جوسفس» على العكس غامضة، وبسببها قد ظهر أن مجموعها يدعو إلى الشك عند علماء الآثار وهم الذين — اقتفاء لمسبرو — يرون فيها مجرد أسطورة، حيث نلحظ فيها القليل من الحقائق التاريخية وكثيرًا من الخرافة. ويمكن أن نتخلص من صعوبة كبيرة في هذا الموضوع إذا لاحظنا أن هناك ثلاث شخصيات بدلًا من اثنتين، كما هو المعتقد عادة، يدعى كل منهم باسم «أمنوفيس» قد اختلطت أسماؤهم في هذا التاريخ. فالفرعون «أمنوفيس» (أي أمنحتب الثالث) يعلم من معاصره «أمنوفيس» بن «حبو» أنه في المستقبل ستوضع مصر على يد النجسين وحلفائهم في النار وفي الدم. وهذا الخبر ليس فيه ما يدهش للأثري المصري الحديث المدقق تدقيقًا عظيمًا؛ وذلك لأنه في عهد «أمنوفيس الثالث» (أمنحتب الثالث) كان يعيش رجل عظيم يدعى «أمنوفيس» (أمنحتب) بن «حابو» وكان ذا شهرة عظيمة لما أوتيه من الحكمة والعلم، وقد بلغ من العمر أرذله. وقد بنى له الفرعون الذي كان يحبه حبًّا جمًّا معبدًا خلف المعبد المخصص لعبادته. وقد كشف عنه اثنان من الأثريين الفرنسيين حديثًا (راجع مصر القديمة ج5).
وقد كان الفراعنة مغرمين بمعرفة المستقبل، وكان الملك «سنفرو» أول ملوك الأسرة الرابعة قد أعلن على لسان حكيم هليوبوليتي وقوع غزوة آسيوية لن تقع فعلًا إلا بعد تاريخه بمدة خمسة قرون، (أي بعد الأسرة السادسة). وعلى الرغم من صمت الوثائق المصرية يمكننا القول: بأن «أمنوفيس الثالث» قد علم من سميه الحكيم بمصيبة من نفس هذا النوع، لدرجة أن فكرة هذه المصائب المقبلة اضطرت هذا الرجل المقدس أن يتخلى عن الأيام القليلة، التي بقيت له في الحياة. ولكن يبتدئ ارتباك هذه القصة عندما نعلم من الفقرة التي اقتبست حرفيًّا من «مانيتون» أن الفرعون «أمنوفيس» يجب أن يقوم بحرب على الأنجاس، وأن ابن «أمنوفيس» هذا كان يدعى «سيتي» وكذلك يدعى «رعمسيس». وقد فسر «جوسفس» على ما يظهر أن الملك الذي سمع النبوءة وسميه الذي رآها تتحقق هما شخص واحد، ولكن لا شيء لدينا يبرهن على أن «مانيتون» لم يعتقد توحيدهما.
والواقع أن الحقائق التاريخية التي اقتبسها «جوسفس» من «مانيتون» تجبرنا على أن نميزهما بعضهما عن البعض الآخر؛ فالفترة التي تفصل بداية الأسرة الثامنة عشرة عن نهاية عهد «أمنحتب الثالث» (أمنوفيس) قد قدرت بثلاث وستين ومائة سنة وخمسة أشهر، على حين أن المدة التي كانت بين طرد الهكسوس وحرب «أمنوفيس» مع الأنجاس تقدر بثماني عشرة وخمسمائة سنة. وهذا الرقم — على أية حال — عالٍ جدًّا، وقد وصل إليه «جوسفس» بإضافة المدة التي تبتدئ من أول الأسرة الثامنة عشرة حتى عهد الأخوين «سيتي» و«همايوس». أي: 393 سنة إلى التسع والخمسين سنة التي حكمها «سيتوس» وإلى الست والستين سنة التي حكمها «رميسيس» (رعمسيس الثاني) وقد نسي أن «رميسيس» هذا قد حسبت مدة حكمه فعلًا في الثلاث والتسعين والثلاثمائة سنة السالفة الذكر. وعلى ذلك يجب أن نطرح الست والستين سنة التي حكمها من المجموع الكلي. فيكون الباقي هو 452 سنة.
ونحن نعلم أن الأسرة الثامنة عشرة قد ابتدأت حوالي 1555ق.م، فحرب الأنجاس يمكن وضعها إذن في نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد، (حوالي 1100ق.م) وهذا يتفق مع آخر عهد الأسرة العشرين.
وملوك هذه الأسرة — إذا استثنينا أولهم — سموا كلهم باسم «رعمسيس» وآخر الرعامسة قد اتخذ اسم تتويجه، أو بعبارة أخرى لقبه الرسمي «من ماعت رع»، وهو لقب «سيتي الأول» أيضًا. وهذا ينطبق تمامًا على ابن «أموفيس سيتوس» (سيتي) الذي كان يسمى كذلك «رعمسيس» أي: باسم جده «رميسيس» (رعمسيس) الذي لم يمكث إلا خمس سنين في بداية الحرب.
ولكن مَنْ «أمنوفيس» هذا الذي لا تذكره قوائم أسماء الملوك، والذي يعده «جوسفس» نفسه شخصًا خرافيًّا؟ والواقع أنه في عهد «رعمسيس التاسع» ظهر شخص ذو قوة عظيمة جدًّا يحمل نفس الاسم الذي يحمله ابن «حبو» ومليكه. وأعني بذلك الكاهن الأكبر «لآمون» المسمى «أمنحتب» (أمنوفيس) وهو الذي ورث هذه الوظيفة من أخيه «نسآمون»، الذي أخذها بدوره عن والدهما «رعمسيس نخت». وهذا الكاهن الدساس الماهر قد انتزع من مليكه الضعيف ألقاب شرف وسلطان تفوق حد المألوف وضعته فوق الفرعون. ويتساءل الإنسان عما إذا كان هذا الكاهن قد حاول الاستيلاء على العرش نفسه وهو ما فعله بعد فترة قصيرة خلفه في رياسة كهانة «آمون» «حريحور».
والواقع أنه ليس لدينا برهان يؤكد هذه الحقيقة، ولكن لدينا متون سنذكرها فيما بعد تظهر أن مجال حياة الكاهن الأكبر «أمنوفيس» كان مضطربًا عند نهايته. وقد جاء ذكر حرب خاصة بالكاهن الأعظم «لآمون»، وإذا كان كل من «جوسفس» و«مانيتون» — أو «جوسفس» فقط — قد أخطأ في أنه عد «أمنوفيس» بمثابة الملك الحقيقي، ووالد آخر الرعامسة، فإن هذا الخطأ يجب الاعتراف به، غير أنه خطأ يمكن التسامح فيه؛ إذ إنه لا يكاد يقلل من احتمال صحة القصة. «فرعمسيس العاشر» لم يكن له في الحكومة أهمية تذكر بالنسبة لوزيره الطموح.
وقد قدم لنا مؤلفنا «جوسف» تفاصيل دقيقة عن مشعلي هذه الحرب، فقال عنهم: إنهم مصريون قد أصيبوا بالبرص وبعاهات منوعة لم تمنعهم قط عن العمل في المناجم، ومن وجود حلفاء عند قيامهم بالثورة، ومن نشر الرعب في البلاد. وقد كانت «أواريس» (بلدة «تيفون» أي: الإله ست) مقرهم. وقد سنوا قوانين تتعارض تمامًا مع العادات المصرية، ولم يعبدوا الآلهة، وذبحوا الحيوانات المقدسة وأكلوها. وهذه المعلومات ليست واقعية بدون شك، ولكنها مع ذلك تقابل بالضبط الفكرة التي تكونها عن هذه الحروب عند أتباع «آمون» ولفظة «الأنجاس» التي فهمها كتَّاب العصر المتأخر على حسب معناها الحرفي وحسب، وهي في الواقع ترجمة كلمة «إدت»، ومعناها الحرفي «الطاعون» ويقصد بها «الهكسوس». ولكن لماذا كان القوم يكرهون «الهكسوس»؟ وسبب هذا الكره — على الأقل — أنهم أجانب يحتقرون آلهة المصريين العظام عدا الإله «ست» (اتخذوه إلها لهم عندما دخلوا البلاد غازين ووحدوه مع أحد «آلهتهم» «بعل»).
والواقع أن تأسيس الأسرة التاسعة عشرة وإقامة مقر ملك في «أواريس» كان — على الأقل — علامة على انتقام الإله «ست» وسيادة سكانها الذين كانوا — من حيث الجنس — نصف ساميين. ولا نزاع في أن «سيتي» و«رعمسيس» ومن تَسَمَّى باسميهما من الملوك ليسوا — في الجملة — إلا هكسوسًا أكثر تمصرًا من الملك «خيان» و«أبوفيس»، ومن تسمى باسميهما.
ولما كانت مصر ليس لديها ما تشكوه منهم فقد عمل القوم على أن ينسوا أنهم قد استقروا — عن طيب خاطر — في حقول «تانيس» أكثر من «منف» أو «طيبة»، وأنهم قد ضربوا المثل في عبادة «ست» وزوجه «عنتا» وغيرهما من الآلهة الآخرين الذين هم من أصل آسيوي. وقد كان كره المخلصين «لآمون» موجهًا إلى هذا الإله، وإلى السكان أيضًا.
وعلى أية حال فإن لدينا بعض اللوم الذي نوجهه إليهم، فقد كان سكان هذه المدينة لا يزالون يمارسون العادة الوحشية، وهي تضحية الآدمي ووضعه في ودائع الأساس، وهذا عادة لم تكن متبعة في سائر البلاد المصرية. وعلى العكس من ذلك فقد كانوا لا يهتمون بالحيوانات المقدسة، ومن ثم نرى أن الآلهة التي كانت ترسم على المسلات والعمد واللوحات والنقوش البارزة كانت تمثل كلها تقريبًا في صورة آدمية. يضاف إلى ذلك أن اللغة التي تسود الجهات من البحر الأبيض حتى الشلال الأول كانت واحدة، ولكن اللهجة والاصطلاحات والألفاظ كانت مختلفة لدرجة أن رجل «الدلتا» إذا أتى إلى «أسوان» كان لا يفهم شيئًا تقريبًا مما يسمعه، ولا يمكنه أن يجعل نفسه مفهومًا في آنٍ واحد كما هي الحال الآن.
ويقول «مانيتون»: إن أهالي «أواريس» هم وحدهم المسئولون عن هذه الحرب، فقد كان رئيسهم كاهنًا من «هليوبوليس» يدعى «أوسارسف» (وسر-سا-ف) (معنى الاسم «أوزير» حاميه). وقد قام بوساطة جمهور من العمال بإصلاح جدران المدينة، وأمر بالاستعداد لمحاربة الملك «أمنوفيس»، وقد أرسل مبعوثًا للرعاة (الهكسوس) يطلب التحالف معهم، وقد وعدهم بأن يقودهم أولًا إلى «أواريس» وهي موطن أجدادهم، وأن يمدهم بدون حساب بكل ما يحتاجون إليه، ثم يحارب في جانبهم عندما تحين الفرصة وتخضع لهم البلاد بسهولة. وقد أسرع الرعاة والفرح يفيض منهم في السير إلى الحرب عن بكرة أبيهم، وقد بلغوا حوالي مائتي ألف رجل تقريبًا، ووصلوا إلى «أواريس». ويلاحظ أن سكان الشمال الشرقي للدلتا كان لهم علاقات في الواقع تربطهم بالكنعانيين والفينيقيين أكثر من التي كانت بينهم وبين «طيبة»، وقد أخذوا يتنافرون مع هؤلاء، وعلى ذلك كان من الطبعي أن يتفاهموا مع أعداء مصر. وهذه المحالفة كانت قد عقدت وحدها من جديد عندما أصبحت «أواريس» عرضة لحرب الطيبيين.
وبعد أن تدبر الملك «أمنوفيس» الأمر مع رؤساء مصر وضع الحيوانات المقدسة والتماثيل العظيمة الاحترام في مأمن، وأمر بترحيل الأمير الشاب «سيتوس» وهو الذي كان يسمى كذلك «رعمسيس» (أي رعمسيس الحادي عشر) إلى بلاد «كوش». وبعد أن جمع جيشًا قوامه 300000 نسمة مدربين أحسن تدريب قام لمقابلة العدو، غير أنه لم يجسر أن يبدأ القتال، فعاد بجيشه إلى «منف» حيث أخذ العجل «أبيس» والحيوانات الأخرى المقدسة التي أمر بإحضارها، وبعد ذلك قام في الحال مع كل جيشه والسكان المصريين متجهًا نحو بلاد «كوش» متقهقرًا، فيا له من تقهقر! والتفسير الذي قدمه «مانيتون» لهذا، هو أن «أمنوفيس» قد رأى بأنه غير مجدٍّ في معارضة ما قرره الآلهة، ويظهر أنه قد عمل ذلك ليحفظ عزة الطيبيين وكرامتهم. وإذا كان لدينا تقرير أو قصة عن هذه الحوادث بقلم أحد الأنجاس كما يسمون، فإننا كنا نعلم أنه من المحتمل إصابة الجيش الطيبي بهزيمة نكراء كانت ذكراها مؤلمة له، حتى إنهم لم يريدوا أن يتحدثوا عنها قط. ومهما يكن من أمر فإن ملك «كوش» قد استقبل هذه الجموع من اللاجئين، وأحسن ضيافتهم بمحصولات البلاد مدة الثلاث عشرة سنة التي حُكم فيها على «أمنوفيس» بالنفي. وقد قام جيش نوبي لحراسة الحدود المصرية لحماية «أمنوفيس» وأتباعه. وقد انتشر الأنجاس المتحالفون مع «السولوميت» (الآسيويين) في كل مصر دون أن يجدوا أية مقاومة. وقد عاملوا السكان بطريقة دنسة قاسية. حتى إن عهد الرعامسة كان يظهر بجانب ذلك العهد عصرًا ذهبيًّا في نظر أولئك الذين قاسوا من ظلمهم الأمرَّيْن، إذ إنهم لم يحرقوا القرى والمدن وحسب، ولم يكتفوا بسلب المعابد وتحطيم تماثيل الآلهة، بل ما فتئوا يستعملون المحاريب مطابخ لشتى الحيوانات المقدسة التي كانت تعبد، وأجبروا الكهنة، وخدَّام الآلهة على تضحيتها وذبحها، ثم سلخها وإلقائها على قارعة الطريق. وكذلك نعلم أن الهكسوس قد أحرقوا المدن ومحوا المعابد وذبحوا، أو ساقوا الأهلين عبيدًا، وقد جدد الأنجاس هذا العسف، ولكنهم — فوق ذلك — اعتدوا على الحيوانات المقدسة كما فعل «قمبيز» فيما بعد، عالمين أن ذلك يعد أعظم شيء يجرح كرامة المصريين.
وعندما انتهى أجل الثلاث عشرة سنة عاد «أمنوفيس» من بلاد «كوش» على رأس جيش جرار. وكان الأمير «رميسيس» الذي بلغ وقتئذٍ الثامنة عشرة من عمره يقود كذلك جيشًا. وقد هاجم الجيشان معًا الرعاة والأنجاس وهزموهم. وبعد أن قتلوا عددًا عظيمًا طاردوهم حتى حدود سوريا.
وبقي علينا بعد ذلك ذكر الوثائق الأثرية والقصة التي رواها «مانيتون»، والتفسيرات التي أدلى بها «جوسفس» أن نمتحن الوثائق المختلفة التي وصلت إلينا من هذا العصر الذي وقع فيه حرب الأنجاس. والشخص المسئول عن هذه الحرب فيما يخص بلدة «طيبة» هو الكاهن الأكبر «لآمون» (أمنحتب). وقد تركناه في السنة العاشرة من عهد «رعمسيس التاسع». وقد بلغ من الغنى والجاه منتهاهما، فكان يد الفرعون؛ لأنه كان رئيس الخزانة. وسنرى من الآن الهجمات المروعة التي كانت ستقع في «طيبة»، ففي السنة الرابعة عشرة من حكم «رعمسيس التاسع» بدأ الإعلان عن السلب الذي كان يحدث في مقابر جبانة «طيبة»، وبخاصة مقبرة الملكة «إزيس» زوجة الفرعون «رعمسيس الثالث». وقد خابت هذه المحاولة، ولكن في السنة السادسة عشرة قامت عصابة اللصوص بمحاولتها من جديد، وقد لوحظ على حين غفلة أن قبرًا ملكيًّا كان يثوي فيه الملك «سبكمساف» أحد ملوك الأسرة الرابعة عشرة، وكذلك قبر الملكة «نبخعس» قد نُهب، وقد حاول نقب قبرين آخرين ولكن خاب المسعى. ومن جهة أخرى نجد أن قبري مغنيتين لبيت العبادة، وعدد عظيم من مقابر الأفراد قد نُهب بوحشية.
فألقيت الموميات خارج التوابيت، وانتزع ما عليها وما فيها من ذهب وفضة وحلي، وقد قبض على اللصوص واعترفوا اعترافات تامة بالجريمة، وقد كان ذلك عملًا خطيرًا، غير أن الشائعات انتشرت عن سرقات أخرى أعظم أهمية قد حدثت. وقد اتهم أمير «طيبة» الشرقية صراحة أمير الجبانة بأنه يحمي اللصوص، وقد أحدث ذلك صخبًا كبيرًا. وقد ألفت لجنة للتحقيق كان فيها الوزير «خعمواست» ورئيس كهنة «آمون»، وسمعت أقوال المتهمين والشهود. وقد أجاب أحد هؤلاء بقوله: «إن كل الملوك والزوجات والأطفال الملكيين الذين يثوون في أماكنهم الكاملة لم يمسوا بعد، وأنهم محروسون، وأنهم محميون للأبدية، وأن قرارات الفرعون الحاسمة — وهو ابنهم — هي التي تحميهم، والتفتيش عليهم بدقة.» وكان هذا رأي اللجنة الذي جاء بمثابة إعلان رسمي. وعلى الرغم من حسن الظن الرسمي فقد تطورت الحال إلى فوضى علنية، إذ في السنة التالية لذلك بدأت السرقات من جديد. وقد اتهم فيها أكثر من مائة شخص كثير منهم من أتباع الكاهن الأكبر «لآمون». ولا نعلم إلا قليلًا جدًّا من السنتين الأخيرتين من حكم «رعمسيس التاسع» وعن السنين الثلاث التي حكمها «رعمسيس العاشر»، وعن بداية حكم الفرعون «رعمسيس الحادي عشر». والفرعون الأخير الذي اتخذ اسم تتويجه لقب «سيتي الأول» كان وزيراه الرئيسيان الكاهن الأكبر «لأمنوفيس»، ونائب «كوش» «بينحسي» حتى السنة السابعة عشرة على الأقل، وكان يقوم بوظائف هامة في الإدارة المصرية، فقد كان رئيس الخزانة الأعظم، والكاتب الملكي للجيش، والمشرف على مخزن الغلال المزدوج، وقائد الرماة. ويوجد في «متحف تورين» خطاب أرسله إليه الفرعون في السنة السابعة عشرة، ونغمة هذه الخطاب ودية، ولكنه في ذاته لا يقدم لنا معلومات ذات بال، فقد جاء فيه أنه كان ينبغي لبينحسي أن يلاحظ موظفًا قد تسلم تعليمات لتنفيذها من الفرعون في «طيبة»، وقد أظهر نفسه قبل ذلك بزمن يسير بأنه جاء لإعادة النظام في المقاطعة السابعة عشرة، التي سقطت عاصمتها «سنيبوليت» (القيس) في يد أعداء قد تجمعوا في الجبلين، وقد كانت فيما مضى مدينة للهكسوس. وبقيت بسبب إلهها «سبك» ذات علاقة ودية بالإله «ست».
وفي السنة التاسعة عشرة من حكم هذا الفرعون وقعت حادثة لم يعرفها متن معاصر، ولكنها على وجه التأكيد حادثة ذات شأن عظيم؛ وذلك لأن هذه السنة تعد بداية عهد جديد يسمى «تجديد ولادات» وعلى أية حال فإن السنة التاسعة عشرة من حكم «رعمسيس الحادي عشر» يمكن تسميتها في وثائق رسمية بالسنة الأولى من عهد تجديد الولادات. ولدينا وثائق أخرى مؤرخة بالسنين: الثانية، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة من عهد تجديد الولادات أيضًا.
وقد ظهر في هيئة العمال الإداريين العظام أسماء جديدة، فقد حل محل الوزير «خعمواست» آخر يدعى «نبماعت رع نخت». وحل «حريحور» محل كل من «بينحسي» و«أمنحتب». وبذلك جمع بين وظائف نائب «كوش» والكاهن الأكبر «لآمون» في آنٍ واحد. وقد ظهر اسم «تانيس» للمرة الأولى في المتون المصرية حيث نعلم فضلًا عن ذلك أن وزير الشمال والملحق السياسي لآسيا كان يسكن في هذه المدينة، ويدعى «نسبانيبدد» وهو «سمندس» الذي ذكره المؤرخون الإغريق.
ونحن نعلم أن كلًّا من «حريحور» و«سمندس» قد صار ملكًا في وقت واحد، وعلى التوالي؛ بعد ذلك بقي «رعمسيس الحادي عشر» يحكم اسمًا بضع سنوات، إذ لدينا لوحة عُثر عليها في «العرابة» ذُكر فيها السنة السابعة والعشرون من عهد «رعمسيس الحادي عشر» (راجع: Gauthier L. R. III 233). ونعلم أن بداية الأسرة التاسعة عشرة وهو عصر نهضة جاء عقب حكم أسرة ثانية أنهكها الفقر. وقد افتتح بتولية أسرة قد وعدت بخلف ثري، وفي الوقت نفسه تعد بداية عصر تاريخي لإصلاح فرعوني داخلي وخارجي، وفي هذه المرة نجد أن أسرة الرعامسة كان لها ممثلون عديدون دائمًا (راجع عن أولاد الرعامسة A. S. XVIII, p. 245) وعن نواب «كوش» وهيئة العمال الإداريين في «كوش» (راجع Rec. Trav. XXXIX p. 179–237) ولكن كانت قد اقتربت اللحظة التي سيُقْصَون فيها عن السلطة إلى الأبد، والآن نتساءل هل هذا التغيير في هيئة العمال قد جلب معه في مصر إعادة قوة الفرعون؟
والواقع أن تلك القوة لم تظهر خارج البلاد؛ وذلك لأن «ونآمون» مبعوث «حريحور» و«سمندس» قد عوملا عند الملك «زاكاربعل» ملك إمارة «جبيل»، وهي صديقة مصر القديمة بدون احترام كبير، وقد عومل «ونآمون» معاملة أسوأ من أهالي «صيدا» و«السخاليين» وأهالي «قبرص». وعلى أية حال فإن الإصلاح في الداخل على الأقل كان قد أعيد فعلًا. ويلاحظ أن ورقة «ماير A»، وما جاء على ظهر ورقة «إبوت» رقم 5، وورقتي «المتحف البريطاني» رقمي 10052، 10403، وورقة «أمبراس» الموجودة بمتحف «فينا» وهي التي يرجع تاريخها كلها إلى عهد النهضة لها علاقة بشئون السرقات والنهب مثل ورقة «إبوت»، وورقة «أمهرست ليو بولد الثاني» التي تعد أقدم من الأوراق السابقة بنحو ربع قرن، ويمكن أن نذهب إلى أنه في عهد «رعمسيس التاسع» قد حميت بعض اللصوص، ولكن لم يكن هناك مجال للمجاملة، فقد كان المجرمون يحلفون اليمين على أن يقولوا الصدق، وإذا كذبوا أو أخفوا شيئًا ضربوا بالمقرعة عدة مرات إذا اقتضى الأمر إلى أن يعترفوا، وكان يحدث أن تثبت براءة أحدهم بعد الضرب بالعصا الذي ناله، والأمور التي كان يلام عليها هؤلاء التعساء لم تكن معينة بتواريخ في العادة، ولكنا أحيانًا نجد أنها اتهامات قديمة يرجع تاريخها إلى عدة سنين، وعلى ذلك كان هذا العهد عهد فوضى وشقاء، لم يحترم فيه الناس المقابر ولا المعابد ولا حتى أملاك الأفراد، ولم يكن في مقدور رجال الشرطة أن يمنعوا ارتكاب الجرائم، وعندما عاد النظام إلى نصابه قبض على الأشقياء بالجملة، سواء أكانوا مجرمين حقيقة أو مشتبهًا في أمرهم بأنهم اشتركوا في جرائم، ونجد في التحقيقات التي أجريت أن بعض الأسئلة والإجابة عليها تلقي ضوءًا كافيًا على حالة العصر الذي كانت تجتازه البلاد.
فقد أُحضرت المواطنة «إري نفر» زوج الأجنبي «بينحسي» بن «ساتي»، ووجه إليها اليمين بالملك أن تقول الحق وإلا عوقبت بالنفي إلى «كوش» وقيل لها: ما لديك لتقوليه في الفضة التي يملكها «بينحسي» زوجك؟ فقالت: إني لم أرها. فقال لها الوزير: بأية طريقة حصلت على الخدم الذين كانوا معه؟ فقالت: إني لم أرَ الفضة التي دفعها لهم، لقد كان في سفره عندما كان معهم، فقال لها القضاة: من أين أتت الفضة التي صاغها «بينحسي» «لسبك أم ساف»؟ فقالت: لقد دفعت ثمنًا للشعير في «سنة الضباع»، عندما كان الناس جياعًا (راجع ورقة المتحف البريطاني رقم 10052 ص11 س4–8) وسنة الضباع يمكن أن تكون سنة مات فيها كثير من الناس ولم يتمكن الناس فيها من دفن موتاهم، وقد أتت الضباع في خلالها حتى المدن والقرى. ولو فرضنا أن هذه استعارة تشبيهية فإن السنة التي استحقت هذا الاسم المستعار ينبغي أن تكون سنة قاسية.
والفقرة التي اقتبسناها قد استعملت في وصف «بينحسي» جاء فيها لفظ يظهر أنه لم يفسر تفسيرًا مرضيًّا بعد. وقد ترجم بلفظة أجنبي، وتدل شواهد الأحوال على أن هؤلاء الأفراد قد ذكروا كثيرًا في الوثائق المؤرخة بعصر النهضة هذا، وفي معظم الأحيان، نجد أنهم قد سئلوا على انفراد، وأحيانًا كانوا يعملون جماعة جماعة كما نشاهد ذلك في فقرة من ورقة «ماير A»، فقد حقق مع المسمى «عحا نفر» وبعد أن حلف اليمين بأن يقول الصدق شهد بالألفاظ التالية: لقد ذهب أجانب واستولوا على المعبد على حين كنت مشتغلًا ببعض حمير يملكها والدي، ولكن «باحاتي» وهو أجنبي قبض عليَّ وساقني قهرًا إلى «أبيب» (راجع ورقة «ماير A» ص6 س6، 7). ويتساءل الإنسان عن هؤلاء الناس الذين يتكلمون لغة أجنبية ومع ذلك يحملون كلهم أسماء مصرية، وقد اشتركوا في نهب القبور والمعابد، أليس من الجائز أن يكونوا من أهالي «أواريس» وحلفائهم الذين انتشروا في كل الإقليم «الطيبي» بعد التقهقر المخزي الذي قام به جنود «أمنوفيس»؟ وهذا الحادث الأخير قد ترك أثرًا عميقًا، ونظن أننا نجده في إشارتين في متون التحقيق، فقد سئلت امرأة من «طيبة» تدعى «موت مويا» بأن تحلف أن تقول الصدق، وقالت: وعندما وقعت حرب الكاهن الأكبر استولى هؤلاء الرجال على أشياء لوالدي، وقد قال والدي: إني لم أترك هؤلاء الرجال يدخلون البيت … (ونهاية الشهادة فقدت) (راجع الورقة رقم 10052).
والعامل الذي عرف جيدًا كيف يضع حميره في مأمن عندما رأى اللصوص يهاجمون المعبد قد ذكر في شهادته اسم الكاهن الأكبر ليؤرخ المنظر، فقد قال: إن هذا قد حدث في مدة ستة أشهر بعد التعدي الذي عمله «أمنوفيس»، الذي كان كاهنًا أكبر «لآمون»، وقد اتفق أنني عدت بعد تسعة أشهر من تعدي «أمنوفيس» الذي كان كاهنًا أكبر، وعندئذٍ كان قد كسر خزانة النفائس وأشعلت فيها النار. (راجع ورقة «ماير A» ص6 س9، 8) وعلى ذلك تكون قد وقعت حادثة معروفة لكل العالم في مجال حياة الكاهن الأكبر «لآمون»، وقد استعملت مدة طويلة نقطة ارتكاز لتاريخ الحقائق الخاصة، وقد سماها أحد الشهود حرب «خروي» وسماها الآخر «قها»، والكلمة هنا تعني (يتعدى بالمعنى الأدبي والقانوني) في كتاب الموتى الفصل 125 الذي فيه يعلن المتوفى براءته من الخطايا. وتعني هذه الكلمة «ينهب» (قبرًا). وفي ورقة «إبوت» تعني «يخرق الحدود» أي: (يتعدَّى عليها) وقد فهم ناشر ورقة «ماير A» وهو الأستاذ «بيت» ومن بعده تعبير الجملة الخاصة «بأمنحتب» في معناها بالبناء للمجهول وترجموها كما يأتي: التعدي أو القمع الذي لحق «بأمنحتب»، وعلى ذلك يظن البعض أن «أمنحتب» الكاهن الأكبر قد أوقف عن أعماله تسعة أشهر على أقل تقدير، غير أن هذه الترجمة وما تبعها من تعليق عليها معرضة لنقد كبير. وقد ترجمت «عمل المتعدي الذي ارتكبه «أمنوفيس»»، ولكن هل تعدَّى الكاهن الأكبر واجبات عمله مثلًا بمحاولته فرض نفسه ملكًا، أو المقصود مجرد القول أنه تعدى إلى الجهة الأخرى من الحدود؟ وهاتان الترجمتان يمكن قبولهما والمدافعة عن صحتهما بالنسبة لما لدينا من وثائق تجيز الواحدة كما تجيز الأخرى. فقد حاول فعلًا أن يكون ملكًا، كما حاول وأفلح في تعدي الحدود بعد نفيه هو والملك.
خلاصة: لقد حاولنا فيما سبق تحليل قصة حرب الأنجاس أو الفكرة التي نقلها «يوسفس» على حسب ما جاء في «مانيتون»، وقد بحثنا عن إشارات إلى هذه الحوادث في المتون المعاصرة وأثرها في مدينة «أواريس» القديمة التي اتخذها «رعمسيس» عاصمة له، وسنحاول هنا الآن باستعمال هذه المصادر الثلاثة تأليف قصة متصلة لهذه الحرب التي لم يشر إليها أي تاريخ مصري قديم، على الرغم من أن أهميتها يمكن أن تقرن مثلًا بالحروب الدينية التي خضبت أرض فرنسا بالدماء في القرن السادس عشر.
لقد أتى «رعمسيس الثاني» بمعجزة عندما نقل مقر حكمه من «طيبة» إلى «بررعمسيس»، وجمع في مقر حكمه آلهة الشمال وآلهة الجنوب والآلهة الآسيويين وآلهة مصر، وبخاصة العدوَّيْن القديمين «ست» و«آمون»، دون أن يكون هناك أي احتجاج. وقد كان كهنة «آمون» وكهنة «ست» يتبادلون الود والتحيات، والطيبيون الذي جذبهم مقر الملك لم ينفكوا عن التحدث عن جمال مبانيها وبهاء مياهها ونضارة حدائقها وفرح أهلها، وقد كان «لرعمسيس» الفضل في خلق هذا التناسق وتلك الميزات التي اختصت بها هذه المدينة، وبعد موته بدأت المتاعب وظهرت المصاعب، إذ لم تنقضِ بضع سنين حتى أصبح كل شيء في مصر على أسوأ حال، وذلك عندما هب «ستنخت» ليؤسس أسرة جديدة لم تكن في الحقيقة إلا امتدادًا للسابقة، وقد ظن الناس أن عهد «رعمسيس الثالث» سيعيد للبلاد أيام عهد «رعمسيس الأكبر». والواقع أن سلطان الفراعنة قد أخذ في الضعف، في حين أن كهنة «آمون» قد أخذوا يستعيدون نفوذهم، ويستردون ثروتهم التي كانوا يملكونها قبل عهد الفوضى. ولم يكن يكفي كهنة «آمون» العظام أن يصبحوا مستقلين عن الملك، وأن يجعلوا وظيفتهم وراثية، بل أرادوا أن يحكموا الدولة، ويخلطوا ماليتهم بمالية الحكومة، ويسيطروا على الكهنة الآخرين. وقد كان الكاهن الأكبر منذ زمن بعيد الرئيس الأعلى لكل الآلهة، ولكن الإله «ست» سيد «أواريس» الذي أصبح «ست رعمسيس» أو «مرنبتاح» مقلقًا «لآمون» بمجرد وجوده هناك. وما دام «ست» هناك، فإن القوم لا يمكن أن يصبحوا في أمان بالنسبة للمستقبل، وقد يكون من باب المبالغة أن نعتقد أن مطمح «آمون» الوحيد قد سبب الحرب الأهلية. حقًّا إن أتباع «ست» لم يكونوا فئة سهلة المعاملة، فحينما كانوا يسكنون إقليمًا على الحدود، كان لديهم تقريبًا. بالنسبة للذين يسكنون في الجهة الأخرى من حدودهم كثير من علاقات التقارب بينهم وبين المصريين.
فقد كانت حقول «تانيس» مغمورة بالساميين قبل خروج بني إسرائيل، حتى بعد خروجهم. ويمكن القول بأن مصر كانت قبل نهاية الأسرة العشرين تقريبًا مقسمة حزبين: أحدهما يمثل الحزب الوطني، والآخر الحزب الأجنبي.
ولم يفت أهالي «طيبة» أن ينابزوا أتباع «ست» بالألقاب التي كانوا يصفون بها الهكسوس، فقد كانوا يلقبونهم «بالطاعون» و«الأنجاس»، وقد كانوا يلومونهم على أنهم كانوا يؤدون نفس الشعائر التي يؤديها المصريون الآخرون، وأنهم يؤدون شعائر أخرى، وأنهم يحتقرون الحيوانات المقدسة، ويتكلمون لهجات لا يمكن فهمها. ولدينا كل الأسباب التي تحملنا على الاعتقاد بأن هذه التوبيخات كانت صائبة في حدود معينة، وعلى ذلك فإن الحزبين كانا يتهيآن للقتال. وكان «أمنحتب» الكاهن الأكبر «لآمون» رئيس أتباع «آمون» الطيبيين، وكان رئيس أتباع «ست» كاهن من «هليوبوليس» ويدعى «أوسارسف»؛ وذلك لأنه كانت توجد بين «هليوبوليس» و«أواريس» صداقة قديمة تشبه التي كانت تربط السيد العالمي وسيد الأرضين صاحب هليوبوليس «رع» بالإله «ست» حامي سفينة الشمس ورب الرعد.
ولم تقم حرب قط دون مال. وقد اتفقت الصدف بشكل بارز على أن مقابر الملوك القدامى والأفراد، وهي التي كانت دائمًا موضع احترام، قد بدأت تنهب من بداية السنة الثالثة عشرة من عهد «رعمسيس التاسع». ولم تتحرك العدالة لهذا الموضوع إلا بعد مضي أربع سنوات، وقد كانت الخسائر أصابتها بشكل مريع، ولكن ماذا نعلم؟ نرى أن أمير مقابر «طيبة» قد أخذ في التقليل من شأن هذا النهب، وقد كان العدد الأكبر من المجرمين من موظفي الجبانة أو من أتباع الكاهن الأكبر «لآمون». وتدل شواهد الأحوال على أن المال المقبوض عليه كان يعطى لأولئك الكهنة العظام.
ومن ثم يظهر أن «أمنحتب» كان يريد زيادة مالية خزانته بسلب متاع الموتى. ولما كانت الوثائق المؤرخة بالسنتين السادسة عشرة والسابعة عشرة لم تشر بأية إشارة لحرب أهلية. فإن المظنون أن المناوشات لم تبتدئ إلا بعد ذلك بزمن يسير. وقد أمدنا المؤرخ اليهودي «يوسفس» بتحقيق تاريخي عندما قال: إن الملك «سيتي» الذي كان يسمى كذلك «رعمسيس» كان عمره خمس سنوات. وقد وحَّدنا هذا الأمير بالملك «رعمسيس الحادي عشر». ويمكننا أن نعترف بأنه على أثر موت «رعمسيس العاشر»، الذي لم يمكث على عرش الملك أكثر من ثلاث سنوات على ما نعلم كان الأمير الوارث للعرش لا يزال في طفولته، وفي هذه الحالة وجد الكاهن الأكبر «أمنحتب» سيد البلاد أن اللحظة المناسبة قد حلت لتحقيق خطط «آمون» وأتباعه.
وقد قام جيش من الجنوبيين لمقابلة الأنجاس الذين كان يقودهم «أوسارسف»، وقد حصنوا مدينتهم وبحثوا لهم عن حلفاء، ولم يكن يخالجهم الخوف في أن يفتحوا حدود بلادهم لأعداء مصر الألداء وهم الكنعانيون والعاموريون والفينيقيون، ويمكن أن نضيف إلى هؤلاء الإسرائيليين، وقد تخطوا الحدود بعدد يبلغ مائتي ألف رجل كما يقول المؤرخون الإغريق، وهذا بطبيعة الحال رقم ضخم، ولكن ليس هناك محل للمعارضة في أن أهالي «أواريس» قد وصلهم مدد أجنبي. وقد كانت الواقعة الأولى في غير صالح الجنوبيين الذين لم يقاوموا ولم يعتقدوا في أنفسهم أنهم من القوة، بحيث يمكنهم مقاومة الشماليين. وقد هجر «أمنحتب» مصر السفلى والعليا وذهب ليجد ثانية الفرعون الشاب عند نائب «كوش» الذي كان وقتئذ «بانحسي» وقد وضع العجل «أبيس» في مأمن، وكذلك الحيوانات المقدسة والتماثيل ذات الاحترام الكبير. وانتظر هناك إلى أن تواتيه الفرصة في حماية بلاد النوبة بالقرب من صخور أسوان، وقد انتشر الأنجاس على أثر ذلك في البلاد، وقد ازداد عددهم بأولئك الذين لم يكن لديهم ما يخسرونه بنشر الفوضى، فلم يحترم أحد المعابد ولا المقابر ولا أملاك الأفراد. وقد سميت سنة خاصة في تلك الفترة «سنة الضباع»، وهذه السنة من غير شك هي التي ظهر فيها الأنجاس في مقاطعة «طيبة»، وهذا الوقت الفظيع كان لا يمكن أن يستمر إلى الآن. والواقع أن الجيش الذي يتحول إلى النهب لا بد أن يكون عرضة لأن يهزمه أولئك الذين هزمهم في أول الأمر. وقد أعاد الكاهن الأكبر والملك تنظيم قواتهما، وقد وجدا في «بانحسي» و«حريحور» رئيسين قادرين، وعلى ذلك فقد الأنجاس «جبلين» ومصر الوسطى، وطُردوا من كل مكان وتحصنوا بجدران «أواريس» كما فعل ذلك من قبل الهكسوس، وكما أخذت «أواريس» من قبل على يد الطيبيين. وقد ذُبح أتباع «ست» في هذا النضال أو طردوا إلى سوريا، وقد هدمت تمامًا المعابد والقصور كلها.
وهذا النصر قد عد بداية عهد جديد يسمى «عهد النهضة» تذكارًا لانتصار كل من «أمنمحات الأول» و«سيتي الأول» من قبل، وقد كان عصر كل منهما يسمى بهذا الاسم، ولكن مع ذلك نجد أن عصر النهضة الثالث هذا يختلف عن العصرين الأولين في أن حدوثه لم يتفق تمامًا مع تغيير أسري. وقد عاش «رعمسيس الحادي عشر» الذي حارب في الجانب المحق، وساعد على تخريب ما أسسه أجداده بضع سنين، وحافظ على لقبه الملكي، ولكن في الوقت نفسه كان قد قضى على أسرته.
وقد ظل الرعامسة محافظين على عرش البلاد أكثر من قرنين قبل ذلك، وقد كان سلطان الإله «ست» في مصر عظيمًا طوال مدة حكمهم. وقد بدأ هذا العصر بتجديد ولادة، غير أنها نهاية تجديد ولادة أخرى هي التي تعوزنا في النهاية؛ فقد سقطت الأسرة العشرون، وذهب ملوكها إلى غير رجعة، وبدأت البلاد عصرًا جديدًا عاد بها إلى حالتها الأولى في أقدم عصورها عندما كانت مقسمة إلى مملكتين: مصر السفلى، ومصر العليا؛ وهذا ما سنشاهده في حياة مصر خلال الأسرة الواحدة والعشرين.