حال الجاهل المقصّر في معرفة الأحكام
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1 ، ص 145 - 147
2025-05-14
631
...الجاهل المقصر في معرفة الأحكام والتكاليف هو مسؤول عند الله تعالى ومعاقب على تقصيره، إذ يجب على كل إنسان أن يتعلم ما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية (أ).
____________________
(أ) قال الشيخ الأعظم الأنصاري - قدس سره -: " أما وجوب أصل الفحص وحاصله عدم معذورية الجاهل المقصر في التعلم فيدل عليه وجوه:
الأول: الإجماع القطعي على عدم جواز العمل بأصل البراءة قبل استفراغ الوسع في الأدلة.
الثاني: الأدلة الدالة على وجوب تحصيل العلم مثل آيتي النفر للتفقه وسؤال أهل الذكر، والأخبار الدالة على وجوب تحصيل العلم وتحصيل الفقه، والذم على ترك السؤال.
الثالث: ما دل على مؤاخذة الجهال والذم بفعل المعاصي المجهولة المستلزم لوجوب تحصيل العلم، لحكم القل بوجوب التحرز عن مضرة العقاب. مثل قوله - صلى الله عليه وآله - في من غسل مجدورا (1) أصابته جنابة فكر (2) فمات -:
" قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا؟ ألا يمموه؟ " وقوله - لمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء -: " ما كان أسوء حالك لومت على هذه الحالة " ثم أمره بالتوبة، وغسلها، وما ورد في تفسير قوله تعالى: " فلله الحجة البالغة " من أنه يقال للعبد يوم القيامة: هل علمت؟ فإن قال: نعم، قيل: فهلا عملت؟ وإن قال: لا، قيل له: هلا تعلمت حتى تعمل؟ - إلى أن قال الشيخ الأعظم -.
الرابع: أن العقل لا يعذر الجاهل القادر على الاستعلام - إلى أن قال: - كما لا يعذر الجاهل بالمكلف به العالم به إجمالا، ومناط عدم المعذورية في المقامين هو عدم قبح مؤاخذة الجاهل فيهما، فاحتمال الضرر بارتكاب الشبهة غير مندفع بما يؤمن معه من ترتب الضرر. ألا ترى أنهم حكموا باستقلال العقل بوجوب النظر في معجزة مدعي النبوة وعدم معذوريته في تركه، مستندين في ذلك إلى وجوب دفع الضرر المحتمل، لا إلى أنه شك في المكلف به، هذا كله مع أن في الوجه الأول وهو الاجماع القطعي كفاية " (3).
وحاصله أن الجاهل المقصر سواء علم بأصل التكليف، وشك في المكلف به، وجهل به، كما هو كذلك نوعا إذ المكلف إذا التفت إلى أنه لم يخلق مهملا ولم يترك سدى، فضلا عن أن آمن بالإسلام وتدين به، علم اجمالا بتكاليف كثيرة فعلية، أو لم يعلم بشئ، لم يكن معذورا، فإن عليه أن يفحص، ولا مجال للأخذ بالبراءة العقلية من قبح العقاب بلا بيان، فإن البيان موجود، وإنما هو لم يرجع إليه، ولذا لم تقبح مؤاخذة الجاهل المذكور في الصورتين بالأدلة الأربعة المذكورة، التي أشار إليها الشيخ - قدس سره - وهذا كلام حسن، وإن كان في التمسك بالاجماع مع وجود الدليل العقلي والشرعي مناقشة، لأنه من المحتمل أن يكون مستندهم هو الدليل العقلي، أو الشرعي، فلا يكشف عن شئ آخر.
ثم إن الظاهر من بعض الأدلة المذكورة، سيما الأدلة الدالة على مؤاخذة الجهال، أن السؤال والعقاب على ترك الواقع لا على ترك التعلم، ولذا قال في الحديث: " هلا تعلمت حتى تعمل؟ " وإليه أشار الشيخ - قدس سره - حيث قال: " لكن الانصاف ظهور أدلة وجوب العلم في كونه واجبا غيريا، مضافا إلى ما عرفت من الأخبار في الوجه الثالث، الظاهرة في المؤاخذة على نفس المخالفة، انتهى " (4).
وعليه فما ذهب إليه صاحب المدارك ومن تبعه، من أن العلم واجب نفسي، والعقاب على تركه من حيث هو لا من حيث افضائه إلى المعصية، أعني ترك الواجبات، وفعل المحرمات المجهولة تفصيلا مشكل، بل غير صحيح، فلا يعاقب من خالف الواقع إلا عقوبة واحدة على مخالفة الواقع، ومما ذكر يظهر ما في ظاهر عبارة المصنف حيث جعل أن العقاب على تقصير الجاهل المقصر في ترك التعلم، لا على ترك الواقع، فتدبر جيدا.
______________
(1) المجدور: من به الجدري وهو مرض يسبب بثورا حمرا بيض الرؤوس تنتشر في البدن وتتقيح سريعا وهو شديد العدوي أي الفساد والسراية.
(2) أي أصابه الكزاز وهو داء أو رعدة من شدة البرد.
(3) فرائد الأصول: ص 300 - 301.
(4) فرائد الأصول: ص 303.
الاكثر قراءة في التكليف
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة