1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

علم الحديث

تعريف علم الحديث وتاريخه

أقسام الحديث

الجرح والتعديل

الأصول الأربعمائة

الجوامع الحديثيّة المتقدّمة

الجوامع الحديثيّة المتأخّرة

مقالات متفرقة في علم الحديث

أحاديث وروايات مختارة

الأحاديث القدسيّة

علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)

علم الرجال

تعريف علم الرجال واصوله

الحاجة إلى علم الرجال

التوثيقات الخاصة

التوثيقات العامة

مقالات متفرقة في علم الرجال

أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)

اصحاب الائمة من التابعين

اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني

اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث

علماء القرن الرابع الهجري

علماء القرن الخامس الهجري

علماء القرن السادس الهجري

علماء القرن السابع الهجري

علماء القرن الثامن الهجري

علماء القرن التاسع الهجري

علماء القرن العاشر الهجري

علماء القرن الحادي عشر الهجري

علماء القرن الثاني عشر الهجري

علماء القرن الثالث عشر الهجري

علماء القرن الرابع عشر الهجري

علماء القرن الخامس عشر الهجري

الحديث والرجال والتراجم : علم الحديث : علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة) :

أقسام طرق نقل الحديث وتحمّله / الإجازة

المؤلف:  عثمان بن عبد الرحمن المعروف بـ(ابن الصلاح)

المصدر:  معرفة أنواع علوم الحديث ويُعرَف بـ(مقدّمة ابن الصلاح)

الجزء والصفحة:  ص 265 ـ 278

2025-03-27

79

القِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أقْسَامِ طُرُقِ نَقْلِ الحدِيْثِ وَتَحَمُّلِهِ: الإجَازَةُ (1)

وهِيَ مُتَنوِّعَةٌ أنواعاً:

أوَّلُها: أنْ يُجِيزَ لِمُعَيَّنٍ في مُعَيَّنٍ، مِثْلُ أنْ يَقُولَ: أجَزْتُ لَكَ الكِتَابَ الفُلاَنِيَّ، أو ما اشْتَمَلَتْ عليهِ فِهْرِستِي هذهِ، فهَذا أعلَى أنواعِ الإجَازةِ المجَرَّدَةِ عَنِ المنَاوَلَةِ. وزَعَمَ بَعْضُهُمْ(2) أنَّهُ لاَ خِلاَفَ في جَوَازِهَا وَلاَ خَالَفَ فيها أهلُ الظَّاهِرِ، وإنَّمَا خِلاَفُهُمْ في غيرِ هذا النوعِ. وزادَ القاضِي أبو الوليدِ الباجِيُّ المالِكِيُّ فأطْلَقَ (3) نَفْيَ الخِلاَفِ وقالَ:((لاَ خِلاَفَ في جَوازِ الروايةِ بالإجازَةِ مِنْ سَلَفِ هذهِ الأُمَّةِ وخَلَفِها))، وادَّعَى الإجماعَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيْلٍ، وحَكَى الخِلاَفَ في العَمَلِ بها (4).

قُلْتُ: هذا باطِلٌ، فقَدْ خالَفَ في جَوَازِ الروايَةِ بالإجَازَةِ جَماعاتٌ مِنْ أهْلِ الحديثِ والفُقَهاءِ والأُصُوليّينَ، وذلكَ إحْدَى الروايتَيْنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ(5)، رُويَ عَنْ صاحِبِهِ الرَّبيعِ بنِ سُلَيمانَ، قالَ: ((كانَ الشَّافِعِيُّ لاَ يَرَى الإجَازَةَ في الحديثِ. قالَ الربيعُ: أنَا أُخَالِفُ الشَّافِعِيَّ (6) في هذا)). وقدْ قَالَ بإبْطَالِها جَمَاعةٌ مِنَ الشَّافِعِيِّينَ، منهُم: القَاضِيانِ حُسَيْنُ(7) بنُ محمَّدٍ الْمَرْوَرُّوذِيُّ (8)، وأبو الحسَنِ الماوَرْدِيُّ (9) - وبهِ قَطَعَ الماوَرْدِيُّ في كتابِهِ "الحَاوِي" (10) وعَزَاهُ إلى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - وقَالاَ جَمِيْعاً: ((لَوْ جَازَتِ الإجَازَةُ لَبَطَلَتِ الرِّحْلَةُ)). ورُوِيَ أيضاً هذا الكَلامُ عَنْ شُعْبَةَ (11) وغيرِهِ.

ومِمَّنْ أبْطَلَها مِنْ أهْلِ الحديثِ الإمامُ إبْرَاهيمُ بنُ إسْحَاقَ الحربِيُّ (12)، وأبو محمَّدٍ عبدُ اللهِ بنُ محمَّدٍ الأصْبَهانيُّ الملقَّبُ بـ(أبي الشَّيْخِ) (13)، والحافِظُ أبو نَصْرٍ الوائِلِيُّ السِّجْزِيُّ. وحَكَى أبو نَصْرٍ فَسَادَها عَنْ بَعْضِ مَنْ لَقِيَهُ. قَالَ أبو نَصْرٍ: وسَمِعْتُ جَماعَةً مِنْ أهلِ العِلْمِ يَقُولُونَ: قَولُ المُحَدِّثِ: ((قَدْ أجَزْتُ لَكَ أنْ تَرْوِيَ عَنِّي))، تَقْدِيْرُهُ: قَدْ أجَزْتُ لَكَ مَا لاَ يَجُوزُ في الشَّرْعِ؛ لأنَّ الشَّرْعَ لاَ يُبِيحُ روايةَ مَا لَمْ يَسْمَعْ (14).

قُلْتُ: ويُشْبِهُ هذا ما حَكَاهُ أبو بَكْرٍ محمَّدُ بنُ ثَابِتٍ الخُجَنْدِيُّ (15) - أحَدُ مَنْ أبْطَلَ الإجازَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ - عَنْ أبي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ (16) - أحَدِ أئِمَّةِ الحنَفِيَّةِ - قالَ: مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: ((أجَزْتُ لَكَ أنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا لَمْ تَسْمَعْ؛ فكأنَّهُ يَقُولُ: ((أجَزْتُ لَكَ أنْ تَكْذبَ عَليَّ)) (17).

ثُمَّ إنَّ الذي اسْتَقَرَّ عليهِ العَمَلُ، وقَالَ بهِ جَماهِيْرُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أهْلِ الحديثِ وغَيْرِهِمْ: القَوْلُ بتَجْويزِ الإجَازَةِ وإباحَةِ الروايَةِ بها (18)، وفي الاحْتِجَاجِ لِذَلِكَ غُمُوضٌ. ويَتَّجهُ أنْ نَقُولَ: إذا أجازَ لهُ أنْ يَرْوِيَ عنهُ مَرْوِيَّاتِهِ فَقَدْ (19) أخْبَرَهُ بها جُمْلَةً، فَهوَ كَمَا لوْ أخْبَرَهُ تَفْصِيْلاً، وإخْبَارُهُ بِهَا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى التَّصْرِيْحِ نُطْقاً كَمَا في القِرَاءَةِ علَى الشَّيْخِ - كَما سَبَقَ -، وإنَّما الغَرَضُ حُصُولُ الإفْهَامِ والفَهْمِ وذَلِكَ يَحْصلُ بالإجازَةِ الْمُفْهِمَةِ، واللهُ أعلمُ.

ثُمَّ إنَّهُ كَمَا تَجُوزُ الروايَةُ بالإجَازَةِ، يَجِبُ العَمَلُ بالْمَرْوِيِّ بها، خِلاَفاً لِمَنْ قَالَ مِنْ أهْلِ الظَّاهِرِ ومَنْ تابَعَهُمْ: إنَّهُ لاَ يَجِبُ العَمَلُ بهِ، وإنَّهُ جَارٍ مَجْرَى المرْسَلِ. وهذا باطِلٌ؛ لأنَّهُ لَيْسَ في الإجازَةِ مَا يَقْدَحُ في اتِّصَالِ المنْقُولِ بِهَا وَفِي الثِّقَةِ بهِ، واللهُ أعلمُ.

النَّوْعُ الثَّاني مِنْ أنواعِ الإجازَةِ: أنْ يُجِيْزَ لِمُعَيَّنٍ في غَيرِ مُعَيَّنٍ، مِثلُ أنْ يَقُولَ: ((أجَزْتُ لَكَ أو لَكُمْ جَمِيْعَ مَسْمُوعَاتي أو جَمِيْعَ مَرْوِيَّاتِي))، وما أشْبَهَ ذَلِكَ، فالخِلاَفُ في هذا النوعِ أقْوَى وأكثَرُ. والجمهُورُ مِنَ العُلَماءِ مِنَ المحدَّثِينَ والفُقَهَاءِ وغَيْرِهِمْ عَلَى تَجْوِيْزِ الروايَةِ بها أيضاً، وعَلَى إيجابِ العَمَلِ بما رُوِيَ بها بِشَرْطِهِ(20)، واللهُ أعلمُ.

النَّوعُ الثَّالِثُ مِنْ أنواعِ الإجَازَةِ: أنْ يُجِيْزَ لغَيْرِ مُعَيَّنٍ بِوَصْفِ العُمُومِ، مِثْلُ أنْ يَقُولَ: ((أجَزْتُ لِلْمُسْلِمِينَ، أوْ أجَزْتُ لِكُلِّ أحَدٍ (21)، أوْ أجَزْتُ لِمَنْ أدْرَكَ زَمَانِي))، ومَا أشْبَهَ ذَلِكَ، فَهذا نَوعٌ تَكَلَّمَ فيهِ المتأخِّرُونَ مِمَّنْ جَوَّزَ أصْلَ الإجَازَةِ واخْتَلَفُوا في جَوَازِهِ: فإنْ كَانَ ذَلكَ مُقَيَّداً بوَصْفٍ حاصِرٍ (22) أوْ (23) نحوِهِ فَهوَ إلى الجوَازِ أقرَبُ. ومِمَّنْ جَوَّزَ ذَلِكَ كُلَّهُ أبو بَكْرٍ الخطِيْبُ الحافِظُ (24). ورُوِّيْنا عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَه الحَافِظِ أنَّهُ قالَ: ((أجَزَتُ لِمَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلّا اللهُ)). وجَوَّزَ القَاضِي أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ - أحَدُ الفُقَهَاءِ المحَقِّقِيْنَ - فيما حَكَاهُ عنهُ الخطيبُ - الإجازَةَ لِجَميعِ المسلمينَ مَنْ كَانَ منهُمْ مَوْجُوداً عِندَ الإجَازَةِ (25). وأجَازَ أبو محمَّدِ بنُ سَعِيْدٍ - أحَدُ الجِلَّةِ (26) مِنْ شُيُوخِ الأندلسِ - لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ قُرْطُبَةَ مِنْ طَلَبَةِ العِلْمِ (27). ووافَقَهُ عَلَى جَوَازِ ذلكَ جَماعَةٌ، منهُمْ: أبو عبدِ اللهِ بنِ عَتَّابٍ (28).

وأنْبَأَنِي مَنْ سَأَلَ الحازِمِيَّ (29) أبا بَكْرٍ عَنِ الإجَازَةِ العَامَّةِ هذهِ فَكَانَ مِنْ جَوَابِهِ أنَّ مَنْ أدْرَكَهُ مِنَ الْحُفَّاظِ نحوُ أبي العَلاءِ الحافِظِ وغيرِهِ كَانُوا يَمِيلُونَ إلى الجوازِ، واللهُ أعلمُ.

قُلْتُ: وَلَمْ نَرَ ولَمْ نَسْمَعْ عَنْ أحَدٍ مِمَّنْ يُقْتَدَى بهِ أنَّهُ اسْتَعْملَ (30) هذهِ الإجَازَةَ فَرَوَى بها، ولاَ عَنِ الشِّرْذِمَةِ (31) المسْتَأْخِرَةِ الذينَ سَوَّغُوها، والإجازَةُ في أصْلِهَا ضَعْفٌ، وتَزْدادُ بهذا التَّوسُّعِ والاسْتِرْسَالِ ضَعْفاً كَثِيْراً لاَ يَنْبَغِي احْتِمَالُهُ (32)، واللهُ أعلمُ.

النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ أنواعِ الإجَازَةِ: الإجازَةُ لِلْمَجْهُولِ أو بالمجْهُولِ ويَتَشَبَّثُ (33) بذَيْلِها الإجَازَةُ المعَلَّقَةُ بالشَّرْطِ، وذَلِكَ مثلُ أنْ يَقُولَ: أجَزْتُ لمحمَّدِ بنِ خالِدٍ الدِّمَشْقِيِّ (34)، وفي وَقْتِهِ ذلكَ جماعَةٌ مُشْتَرِكُونَ في هذا الاسمِ والنَّسَبِ، ثُمَّ لاَ يُعَيِّنُ المجازُ لهُ منْهُمْ، أو يَقُولَ: أجَزْتُ لِفُلاَنٍ أنْ يَرْوِيَ عَنِّي كِتَابَ السُّنَنِ، وهوَ يَرْوِي جماعَةً مِنْ كُتُبِ السُّنَنِ المعرُوفَةِ بذَلِكَ ثُمَّ (35) لاَ يُعَيِّنُ. فَهَذِهِ إجَازَةٌ فاسِدَةٌ لاَ فَائِدَةَ لَهَا(36).

وَلَيْسَ مِنْ هَذَا القَبِيْلِ مَا إذا أجَازَ لجماعَةٍ مُسَمَّيْنَ مُعَيَّنِينَ بأنْسَابِهِمْ، والمجيزُ جاهِلٌ بأعْيَانِهِمْ غيرُ عارِفٍ بهِمْ فهذا غيرُ قادِحٍ، كما لاَ يَقْدَحُ عَدَمُ مَعْرِفَتِهِ بهِ إذا حَضَرَ شَخْصُهُ في السَّمَاعِ منهُ، واللهُ أعلمُ.

وإنْ أجازَ لِلْمُسَمَّينَ (37) المنتَسِبينَ في الاسْتِجَازَةِ (38)، ولَمْ يَعْرِفْهُمْ بأعْيَانِهِمْ ولاَ بأنْسَابِهِمْ، ولَمْ يَعْرِفْ عدَدَهُمْ ولَمْ يَتَصَفَّحْ أسْمَاءهُمْ واحِداً فَوَاحِداً، فينبَغِي أنْ يَصِحَّ ذَلِكَ أيْضاً، كما يَصِحُّ سَمَاعُ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ للسَّماعِ منهُ، وإنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ أصْلاً ولَمْ يَعْرِفْ عَدَدَهُمْ ولاَ تَصَفَّحَ أشْخَاصَهُمْ واحِداً واحِداً.

وإذا قَالَ: أجَزْتُ لِمَنْ يَشَاءُ فُلاَنٌ، أو نحوَ ذَلِكَ، فهَذا فيهِ جهالةٌ وتَعْلِيقٌ بشَرْطٍ، فالظَّاهِرُ أنَّهُ لاَ يَصِحُّ، وبذَلِكَ أفْتَى القَاضِي أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ الشَّافِعِيُّ إذْ سَأَلَهُ الخطِيْبُ الحافِظُ عَنْ ذَلِكَ، وعَلَّلَ بأنَّهُ إجَازَةٌ لمجْهُولٍ، فَهوَ كَقَوْلِهِ: أجَزْتُ لِبَعْضِ النَّاسِ، مِنْ غَيْرِ تَعْيينٍ، وقَدْ يُعَلَّلُ ذَلِكَ أيضاً بما فيها مِنَ التَّعليقِ بالشَّرْطِ، فإنَّ مَا يَفْسُدُ (39) بالجهالَةِ يَفْسُدُ (40) بالتَّعليقِ، عَلَى مَا عُرِفَ عِنْدَ قَومٍ.

وحَكَى الخطيبُ عَنْ أبي يَعْلَى بنِ الفرَّاءِ الحنبَلِيِّ، وأبي الفَضْلِ بنِ عُمْرُوسٍ (41) المالِكِيِّ: أنَّهُما أجَازَا ذَلِكَ، وهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ كَانُوا مَشَايِخَ مَذَاهِبِهِمْ ببَغَدَادَ إذْ ذَاكَ (42). وهذهِ الجهالَةُ [الواقِعَةُ] (43) تَرتَفِعُ في ثاني الحالِ عندَ وُجُودِ المشِيْئَةِ، بخلاَفِ الجهالَةِ الواقِعَةِ فيما إذا أجازَ لِبَعْضِ النَّاسِ. وإذا قالَ: أجَزْتُ لِمَنْ شَاءَ فَهوَ كَما لَوْ قَالَ: أجَزْتُ لِمَنْ شَاءَ فُلاَنٌ، بلْ هذهِ أكْثَرُ جَهَالَةً وانتِشَاراً مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بمَشيئةِ مَنْ لاَ يُحْصَرُ عَدَدُهُمْ بخِلاَفِ تِلْكَ. ثُمَّ هذا فيما إذا أجازَ لِمَنْ شَاءَ الإجَازَةَ منهُ لهُ.

فإنْ أجازَ لِمَنْ شَاءَ الروايَةَ عنهُ فهذا أوْلَى بالجوَازِ (44) مِنْ حيثُ إنَّ مُقْتَضَى كُلِّ إجَازَةٍ تَفْوِيْضُ الروايةِ بها إلى مَشيئةِ الْمُجَازِ لهُ، فَكَانَ هذا مَعَ كَوْنِهِ بصِيْغَةِ التَّعْلِيقِ، تَصْرِيْحاً بما يَقْتَضِيْهِ الإطْلاَقُ، وحِكَايَةً للحالِ لاَ تَعْلِيقاً في الحقيقَةِ. ولِهَذَا أجازَ بَعْضُ أئِمَّةِ الشَّافِعيِّيْنَ في البيعِ أنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هذا بكَذا إنْ شِئْتَ، فيقولُ: قَبِلْتُ (45). وَوُجِدَ بخَطِّ الشَّيْخِ أبي الفَتْحِ محمَّدِ بنِ الحسَيْنِ الأَزْدِيِّ الموْصِلِيِّ الحافِظِ: أجزْتُ رِوايةَ ذَلِكَ لِجَميعِ مَنْ أحَبَّ أنْ يَرْوِيَ ذَلِكَ (46) عَنِّي. أمَّا إذا قالَ: أجزْتُ لفُلاَنٍ كَذا وكَذا إنْ شَاءَ روايتَهُ عَنِّي، أو لَكَ إنْ شِئْتَ، أوْ أحْبَبْتَ، أوْ أرَدْتَ، فالأظْهَرُ الأَقْوَى أنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ(47)، إذْ قَدِ انْتَفَتْ فيهِ الجهَالَةُ وحقيقةُ التَّعليقِ، ولمْ يَبْقَ سِوَى صِيغَتِهِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى.

النَّوْعُ الْخَامِسُ مِنْ أنْوَاعِ الإجَازَةِ: الإجازَةُ للمَعْدُومِ، ولنذْكُرْ مَعَهُ (48) الإجازةَ للطفْلِ الصغيرِ. هذا نوعٌ خاضَ فيهِ قومٌ مِنَ المتأخِّرِيْنَ واخْتلَفُوا في جَوازِهِ. ومِثَالُهُ أنْ يَقُولَ(49): أجزْتُ لِمَنْ يُولَدُ لِفُلاَنٍ، فَإنْ عَطَفَ المعْدُومَ في ذلكَ علَى الموجودِ بأنْ قَالَ: أجَزْتُ لِفُلاَنٍ ومَنْ(50) يُولَدُ لهُ أوْ أجَزْتُ لَكَ ولِوَلَدِكَ وعَقِبِكَ (51) مَا تَنَاسَلُوا، كَان ذَلِكَ أقربَ إلى الجوَازِ مِنَ الأوَّلِ.

ولِمِثْلِ ذَلِكَ أجَازَ أصحَابُ الشَّافِعِيِّ في الوقْفِ (52) القسمَ الثانيَ دُونَ الأوَّلِ. وقدْ أجَازَ أصْحابُ مالِكٍ وأبي حنيفةَ أوْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ منْهُمْ - في الوقْفِ القسمينِ كِليهِما (53) -.

وَفَعَلَ هذا الثانيَ في الإجَازَةِ مِنَ المُحَدِّثينَ المتقدِّمينَ: أبو بكرٍ بنُ أبي دَاوُدَ السِّجْستانيُّ، فإنَّا رُوِّيْنا عنهُ أنَّهُ سُئِلَ الإجَازَةَ فقالَ: ((قَدْ أجَزْتُ لَكَ ولأوْلاَدِكَ ولِحَبَلِ الْحَبَلَةِ))، يَعني: الذينَ لَمْ يُوْلَدُوا بَعْدُ (54).

وأمَّا الإجازَةُ للمَعْدُومِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ عَلَى موجُودٍ، فقدْ أجَازَها الخطيبُ أبو بَكْرٍ الحافِظُ (55)، وذَكَرَ أنَّهُ سَمِعَ أبا يَعْلَى بنَ الفرَّاءِ الحنْبَليَّ، وأبا الفَضْلِ بنَ عُمْرُوْسٍ المالِكِيَّ يُجِيزانِ ذَلِكَ (56).

وحَكَى جَوازَ ذَلِكَ أيضاً أبو نَصْرِ بنُ الصَّبَّاغِ الفقيهُ (57)، فقالَ:((ذَهَبَ قومٌ إلى أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يُجِيزَ لِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ))، قالَ: ((وهَذَا إنَّما ذهَبَ إليهِ مَنْ يَعْتَقِدُ أنَّ الإجَازَةَ إذْنٌ في الروايَةِ، لاَ مُحَادَثَةٌ)). ثُمَّ بَيَّنَ بُطْلاَنَ هذهِ الإجازَةِ، وهوَ الذي اسْتَقَرَّ عليهِ رَأْيُ شيخِهِ القاضِي أبي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ الإمَامِ(58)، وذلكَ هُوَ الصحيحُ الذي لاَ يَنْبَغِي غَيْرُهُ؛ لأنَّ الإجازَةَ في حُكْمِ الإخْبَارِ جُمْلَةً بالْمُجَازِ عَلَى مَا قَدَّمناهُ في بيانِ صِحَّةِ أصْلِ الإجَازَةِ، فكما لاَ يَصِحُّ الإخْبَارُ للْمَعْدُومِ لاَ تَصِحُّ الإجازةُ للمعدومِ.

ولَوْ قَدَّرنا أنَّ الإجازةَ إذْنٌ فَلاَ يَصِحُّ أيضاً ذلكَ للمعدومِ، كما لاَ يَصِحُّ الإذْنُ في بابِ الوكَالَةِ للمعْدُومِ؛ لوقُوعِهِ في حالَةٍ لاَ يَصِحُّ فِيْهَا المأذُونُ فيهِ مِنَ المأْذُونِ لهُ.

وهَذَا أيضاً يُوجِبُ بُطْلاَنَ الإجَازَةِ للطِّفْلِ الصَّغِيْرِ الذي لاَ يَصِحُّ سَمَاعُهُ. قالَ الخطيبُ: ((سألْتُ القاضِي أبا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيَّ عَنِ الإجَازَةِ للطِّفْلِ الصَّغِيْرِ هَلْ يُعْتَبَرُ في صِحَّتِها سِنُّهُ أوْ تَمْييزُهُ (59)، كَمَا يُعْتَبَرُ ذلكَ في صِحَّةِ سَمَاعِهِ؟ فقالَ: لاَ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ لهُ: إنَّ بعضَ أصْحَابِنا قالَ: لاَ تَصِحُّ الإجَازَةُ لِمَنْ لاَ يَصِحُّ سَمَاعُهُ. فقَالَ: قَدْ يَصِحُّ أنْ يُجِيْزَ للغائِبِ عنهُ، ولاَ يَصِحُّ السَّماعُ لهُ)) (60). واحْتَجَّ الخطِيبُ لِصَحَّتِها للطِّفْلِ بأنَّ الإجَازَةَ إنَّما هيَ إباحَةُ الْمُجِيْزِ للْمُجَازِ لهُ أنْ يَرْوِيَ عنهُ، والإباحَةُ تَصِحُّ للعاقِلِ وغيرِ العاقِلِ (61).

قَالَ: وعَلَى هذا رأيْنا كَافَّةَ شُيُوخِنا يُجِيزُونَ للأطْفَالِ الغُيَّبِ عَنْهُمْ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَسْألُوا عَنْ مَبْلَغِ أسْنَانِهِمْ وحالِ تَمْييزِهِمْ، ولَمْ نَرَهُمْ أجَازُوا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلوداً في الحالِ(62).

قُلْتُ (63): كأنَّهُمْ رَأَوا الطِّفْلَ أهْلاً لِتَحَمُّلِ هذا النَّوْعِ مِنْ أنواعِ تَحَمُّلِ الحديثِ؛ لِيُؤَدِّيَ بهِ بَعْدَ حُصُولِ أهْلِيَّتِهِ، حِرْصاً عَلَى توسِيْعِ السبيلِ إلى بقاءِ الإسْنادِ الذي اخْتَصَّتْ بهِ هذهِ الأُمَّةُ، وتَقْريبِهِ (64) مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، واللهُ أعْلَمُ (65).

النَّوْعُ السَّادِسُ مِنْ أنواعِ الإجَازَةِ: إجازةُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ الْمُجِيْزُ ولَمْ يَتَحَمَّلْهُ أصْلاً بَعْدُ لِيَرْوِيَهُ المجازُ لهُ إذا تَحَمَّلَهُ المجيزُ بعدَ ذلكَ. أخْبَرَنِي مَنْ أُخْبِرَ عَنِ القَاضِي عِياضِ بنِ مُوْسَى - مِنْ فُضَلاَءِ وَقْتِهِ بالمَغْرِبِ -، قَالَ: ((هذا لَمْ أرَ مَنْ تَكَلَّمَ عليهِ مِنَ المشَايخِ، ورأَيتُ بعضَ المتأخِّرِينَ والعَصْرِيِّينِ يَصْنَعُونَهُ)) (66)، ثُمَّ حَكَى عَنْ أبي الوليدِ يونُسَ بنِ مُغِيثٍ (67) قَاضِي قُرْطُبَةَ أنَّهُ سُئِلَ الإجازَةَ لِجَمِيْعِ (68) مَا رواهُ إلى تاريخِها وما يَرويهِ بعدُ، فامْتَنَعَ مِنْ ذلكَ. فَغَضِبَ السَّائلُ، فَقَالَ لهُ بعضُ أصْحابِهِ: يَا هذا يُعْطِيكَ مَا لَمْ يأْخُذْهُ، هذا مُحَالٌ؟ قَالَ عِيَاضٌ: ((وهذَا هُوَ الصَّحِيحُ))(69).

قُلْتُ: يَنْبَغِي أنْ يُبْنَى هَذَا عَلَى أنَّ الإجازةَ في حُكْمِ (70) الإخْبَارِ بالمجازِ جُمْلَةً أوْ هِيَ إذْنٌ، فَإنْ جُعِلَتْ في حُكْمِ الإخْبَارِ لَمْ تَصِحَّ هذهِ الإجَازَةُ، إذْ كَيفَ يُخْبِرُ بما لاَ خَبَرَ عِندَهُ منهُ. وإنْ جُعِلَتْ إذْناً انْبَنَى هذا على الخِلاَفِ في تَصْحيحِ الإذْنِ في بابِ الوكالَةِ فيما لَمْ يَمْلِكْهُ الآذِنُ الموكِّلُ بَعْدُ، مِثْلُ أنْ يُوكِّلَ في بيعِ العبدِ الذي يريدُ أنْ يَشْتَرِيَهُ.

وقَدْ أجَازَ ذلكَ بعضُ أصحابِ الشَّافعيِّ، والصحيحُ بُطْلانُ هذهِ الإجَازَةِ(71). وعَلى هذا يَتَعَيَّنُ على مَنْ يُرِيْدُ أنْ يَرْوِيَ بالإجَازَةِ عَنْ شَيْخٍ أجَازَ لهُ جَمِيْعَ مَسْمُوعَاتِهِ مثلاً، أنْ يَبْحَثَ حَتَّى يَعْلَمَ أنَّ ذَاكَ (72) الذي يُريدُ روايتَهُ عنهُ مِمَّا سَمِعَهُ قَبْلَ تارِيْخِ (73) الإجازةِ.

وأمَّا إذا قَالَ: أجَزْتُ لَكَ مَا صَحَّ ويَصِحُّ عِندَكَ مِنْ مَسْمُوعاتِي (74)؛ فهذا ليسَ مِنْ هذا القبيلِ، وقَدْ فَعَلَهُ الدَّارقطنيُّ وغيرُهُ، وجائِزٌ أنْ يَرْوِيَ بذلكَ عنهُ مَا صَحَّ عِندَهُ بَعْدَ الإجَازَةِ أنَّهُ سَمِعَهُ قَبْلَ الإجَازَةِ، ويَجُوزُ ذَلِكَ وإنِ اقْتَصَرَ على قولِهِ: مَا صَحَّ عِنْدَكَ، ولَمْ يَقُلْ: ومَا يَصِحُّ؛ لأنَّ المرادَ: أجَزْتُ لكَ أنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا صَحَّ عِنْدَكَ. فالمعتبرُ إذنْ فيهِ صِحَّةُ ذلكَ عِنْدَهُ حَالَةَ الروَايَةِ، واللهُ أعلمُ.

النَّوْعُ السَّابِعُ مِنْ أنواعِ الإجازَةِ: إجَازَةُ الْمُجَازِ، مِثْلُ أنْ يَقولَ الشيخُ: أجزْتُ لَكَ مُجَازَاتِي، أوْ أجزتُ لكَ روايةَ مَا أُجِيزَ لِي روايتُهُ، فَمَنَعَ مِنْ ذلكَ بعضُ مَنْ لاَ يُعْتَدُّ بهِ مِنَ المتَأَخِّرينَ (75). والصحيحُ والذي عليهِ العَمَلُ أنَّ ذلكَ جائِزٌ (76)، ولاَ يُشْبِهُ ذَلكَ ما امْتَنَعَ مِنْ تَوْكِيْلِ الوكيلِ بغيرِ إذْنِ الموَكِّلِ. ووجَدْتُ عَنْ أبي عَمْرٍو السَّفَاقُسِيِّ الحافِظِ المغْرِبيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أبا نُعَيْمٍ الحافِظَ يَعْنِي: الأصْبَهانيَّ (77) يَقُولُ: ((الإجَازَةُ عَلَى الإجَازَةِ قَوِيَّةٌ جَائِزَةٌ)).

وحَكَى الخطيبُ الحافِظُ (78) تَجْويزَ ذلكَ عَنِ الحافِظِ الإمامِ أبي الحسَنِ الدَّارقطنيِّ، والحافِظِ أبي العبَّاسِ المعروفِ بابنِ عُقْدَةَ (79) الكُوفِيِّ وغيرِهِما، وقدْ كَانَ الفقيهُ الزَّاهِدُ نَصْرُ بنُ إبراهيمَ المقْدِسِيُّ يروي بالإجازةِ عَنْ الإجَازَةِ حَتَّى رُبَّمَا وَالَى في روايتِهِ بينَ إجَازَاتٍ ثَلاَثٍ(80). ويَنْبَغِي لِمَنْ يَرْوِي بالإجَازَةِ عَنِ الإجَازَةِ أنْ يَتَأَمَّلَ كَيْفِيَّةَ إجازَةِ شَيْخِ شَيْخِهِ ومُقْتَضَاها؛ حَتَّى لا يَروِيَ بها ما لَمْ يَنْدَرِجْ تَحْتَهَا، فإذا كَانَ - مَثَلاً - صورةُ إجَازَةِ شَيْخِ شَيْخِهِ: أجَزْتُ لهُ ما صَحَّ عِندَهُ مِنْ سَمَاعاتِي، فَرَأَى شيئاً مِنْ مَسْمُوعاتِ شَيْخِ شيخِهِ فليسَ لهُ أنْ يَرْوِيَ ذلكَ عَنْ شَيخِهِ عنهُ، حَتَّى يَسْتَبِينَ أنَّهُ مِمَّا كَانَ قَدْ صَحَّ عِنْدَ شَيخِهِ كَوْنُهُ مِنْ سَمَاعاتِ (81) شَيْخِهِ الذي تِلْكَ إجَازَتُهُ، ولاَ يَكْتَفِي بمجرَّدِ صِحَّةِ ذَلكَ عندَهُ الآنَ، عَمَلاً بلَفْظِهِ وتَقْييدِهِ، ومَنْ لاَ يَتَفَطَّنُ لِهذا وأمثالِهِ يَكثُرُ عِثَارُهُ، واللهُ أعلمُ.

هذهِ أنواعُ الإجازَةِ التي تَمَسُّ الحاجةُ إلى بَيانِها، ويتَركُّبُ مِنْها أنواعٌ أُخَرُ، سيتعَرَّفُ المتأمِّلُ حُكْمَها مِمَّا أمْلَيْنَاهُ إنْ شَاءَ اللهُ تعَالَى.

ثُمَّ إنَّا نُنَبِّهُ عَلَى أُمُورٍ:

أحدُها: رُوِّيْنا عَنْ أبي الحسينِ (82) أحمدَ بنِ فارسٍ الأديبِ المصَنِّفِ قالَ: ((معنى الإجازةِ في كَلاَمِ العربِ مَأْخُوذٌ مِنْ جَوَازِ الماءِ الذي يُسْقَاهُ المالُ مِنَ الماشيةِ والْحَرْثِ، يُقَالُ منهُ: اسْتَجَزْتُ فُلاَناً فَأَجَازَنِي(83) إذا أسْقَاكَ ماءً لأرْضِكَ أوْ مَاشِيَتِكَ، كذلكَ طَالِبُ العِلْمِ يَسأَلُ العالِمَ أنْ يُجِيزَهُ عِلْمَهُ فيُجِيزَهُ إيَّاهُ)) (84).

قُلْتُ: فَلِلْمُجِيزِ - عَلَى هذا - أنْ يَقولَ: أجَزْتُ فُلاَناً مَسْمُوعَاتِي أو مَرْوِيَّاتِي، فَيُعَدِّيهِ بغيرِ حَرْفِ جَرٍّ، مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلى ذِكْرِ لَفْظِ الروايةِ أو نَحْوِ ذلكَ. ويَحْتاجُ إلى ذلكَ مَنْ يَجْعَلُ الإجازَةَ بمعْنَى التَّسْويغِ، والإذْنِ، والإبَاحَةِ، وذلكَ هُوَ المعروفُ، فيقولُ: أجزْتُ لفُلاَنٍ روايَةَ مَسْمُوعَاتِي مَثَلاً، ومَنْ يَقُولُ منهُمْ: أجزْتُ لهُ مَسْمُوعَاتِي، فَعَلَى سَبيلِ الحذْفِ (85) الذي لاَ يَخْفَى نَظِيرُهُ، واللهُ أعلمُ.

الثَّاني: إنَّمَا تُسْتَحْسَنُ الإجَازةُ إذا كَانَ المجيزُ عالِماً بما يُجِيْزُ (86)، والمجازُ لهُ مِنْ أهلِ العِلْمِ؛ لأنَّها تَوَسُّعٌ (87) وتَرْخِيصٌ يَتَأَهَّلُ لَهُ أهْلُ العِلْمِ لِمَسِيْسِ حاجَتِهِمْ إليها، وبَالَغَ بعضُهُمْ في ذَلكَ فجعَلَهُ شَرطاً فِيْهَا. وحَكَاهُ أبو العبَّاسِ الوليدِ بنُ بَكْرٍ المالِكِيُّ عَنْ مالِكٍ (88).

وقالَ الحافِظُ أبو عُمَرَ: ((الصحيحُ أنَّهَا لاَ تَجُوزُ إلّا لِمَاهِرٍ بالصِّناعَةِ، وفي شيءٍ مُعَيَّنٍ لاَ يُشْكِلُ إسْنَادُهُ)) (89)، واللهُ أعلمُ.

الثَّالِثُ: يَنْبَغِي للْمُجِيْزِ إذا كَتَبَ إجَازَتَهُ أنْ يَتَلَفَّظَ بها (90)، فَإنِ اقْتَصَرَ عَلَى الكِتَابةِ كَانَ ذلكَ إجَازَةً جَائِزَةً إذا اقتَرَنَ بقَصْدِ الإجَازَةِ، غيرَ أنَّها أنْقَصُ مَرْتَبَةً مِنَ الإجَازَةِ الملْفُوظِ بها. وغيرُ مُسْتَبْعَدٍ تصحيحُ ذلكَ بمجَرَّدِ هذهِ الكِتَابَةِ في بابِ الروايةِ التي جُعِلَتْ فيهِ القراءةُ على الشيخِ مَعَ أنَّهُ لَمْ يَلْفِظْ بما قُرِئَ عليهِ، إخْبَاراً منهُ بما قُرِئَ عليهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بيانُهُ، واللهُ أعلمُ.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر عن اشتقاق لفظ الإجازة، ومعانيها اللغوية: مقاييس اللغة 1/ 494، ونكت الزركشي 3/ 502، وشرح التبصرة 2/ 158، والنكت الوفية: 260 / ب، وتاج العروس 15/ 75، وحاشية توضيح الأفكار 2/ 309.

(2) هو القاضي عياض حكى ذلك في الإلماع: 88.

(3) راجع: نكت الزركشي 3/ 502 - 506.

(4) الإلماع: 89.

(5) انظر: الكفاية: (455 ت، 317 هـ‍)، والبحر المحيط 4/ 397.

(6) انظر: محاسن الاصطلاح: 262.

(7) في (م): ((حسن)) خطأ.

(8) نسبة إلى مَرْوَرُّوذ - بفتح الميم وسكون الراء المهملة، وفتح الواو وتشديد الراء المهملة المضمومة، وبعد الواو ذال معجمة -، وهي من أشهر مدن خراسان. انظر: وفيات الأعيان 1/ 69، والأنساب 5/ 145.

(9) بفتح الميم وسكون الألف وفتح الواو وسكون الراء، وفي آخرها دال مهملة، وهذه النسبة إلى بيع ماء الورد وعمله. انظر: الأنساب 5/ 61، واللباب 3/ 165.

(10) انظر: الحاوي 20/ 146، وأدب القاضي، له 1/ 387 - 389، وروضة الطالبين 11/ 157.

(11) مذهب شعبة في المنع حكاه الخطيب في الكفاية: (454 ت، 316 هـ‍).

(12) الكفاية: (453 ت، 315 - 316 هـ‍).

(13) الكفاية: (454 - 455 ت، 316 هـ‍).

(14) قال الزركشي 3/ 506: ((وهذه مصادفة على المطلوب؛ لأنّ الذي يبيح الإجازة والرواية بالإجازة يمنع هذه المقدمة، وهذا عين النِّزاع الذي جعله السجزي دليلاً على منع الرواية بالإجازة، وهذا القول خارج من دأب العلماء)).

(15) بضم الخاء المعجمة وفتح الجيم وسكون النون. انظر: الأنساب 2/ 377.

(16) من قوله: ((أحد من)) إلى هنا سقط كلّه من (م).

(17) نقله الزركشي في البحر المحيط 4/ 396 وقال في النكت 3/ 507: ((وهذا القول فيه نظر؛ لأنّ للإجازة والرواية شروطاً من تصحيح الخبر من المجيز بحيث يوجد في أصل صحيح سماعه عليه الموجز سماعاً منه من الشيوخ مع رعاية جميع شروط الرواية، وليس المراد بالإجازة الرواية عنه مطلقاً سوى عرف رواية الخبر عن المجيز به لا بل لا تجوز الرواية عن المجيز إلا بعد محض سماعه أو إمّا يوصي له بهذا الجزء وحفظه، فلا تكون الرواية عنه إذناً في الكذب عليه)).

(18) قال الإمام النووي في الإرشاد 1/ 271: ((والمذهب الصحيح الذي استقرَّ عليه العمل، وقال به جماهير العلماء من المحدّثين وغيرهم، جواز الرواية بها))، وذكر الخطيب أسماء كثير من العلماء الذين حكى عنهم الجواز في كفايته: (449 - 450 ت، 313 - 314 هـ‍).

ونقل الزركشي في نكته 3/ 507 عن ابن منده في جزء الإجازة عن الزهري وابن جريج ومالك بن أنس والأوزاعي وأحمد بن حنبل، ثم نقل عن ابن منده قوله: ((فهؤلاء أهل الآثار الذين اعتمد عليهم في الصحيح رأوا الإجازة صحيحة واعتدّوا بها ودوّنوها في كتبهم)).

(19) في (م): ((وقد)).

(20) البحر المحيط 4/ 399 - 400.

(21) في الشذا: ((واحد))، وقد سقطت عبارة: ((أجزت للمسلمين)) منه.

(22) في (ب): ((حاصل))، وفي (ج‍): ((خاص حاضر)).

(23) في (ع): ((ونحوه)).

(24) في (م): ((الخطيب الحافظ أبو بكر)).

(25) ينظر: الإجازة للمعدوم والمجهول: 80، والإلماع: 98.

(26) يقال: قومٌ جِلَّةٌ، أي: سادة عظماء ذوو أخطار، ومشيخةٌ جِلَّةٌ، أي: مسانُّ، انظر: اللسان 11/ 117، ومتن اللغة 1/ 558.

(27) الإلماع: 99.

(28) الإلماع: 99.

(29) قال الزركشي في نكته 3/ 517: ((يشير إلى أبي عبد الله محمد بن سعيد الدبيثي، فإنّه كتب إلى الحافظ أبي بكر الحازمي فسأله عن الرواية بالإجازة العامّة وكيف يقول من أحبّ الرواية بها؟ فأجاب: ((هذا ممّا وقع في كلام المتأخّرين، ولم أرَ في اصطلاح المتقدّمين من ذلك شيئاً)) ثم ساق كلام الحازمي بطوله.

(30) ناقش العراقي المصنف في هذا نقاشاً مستفيضاً في كتابه التقييد 182 - 183.

(31) الشِّرذمة: تطلق على القليل من الناس. انظر: مقاييس اللغة 3/ 273، والمستأخر نقيض المستقدم. اللسان 4/ 12.

(32) قال العراقي في شرح التبصرة 2/ 133: ((ممّن أجازها أبو الفضل أحمد بن الحسين بن خيرون البغدادي، وأبو الوليد بن رشيد المالكي، وأبو طاهر السلفي، وغيرهم. ورجَّحه أبو عمرو بن الحاجب، وصحَّحه النووي من زياداته في " الروضة "، وقد جمع بعضهم من أجاز هذه الإجازة العامّة في تصنيف له، جمع فيه خلقاً كثيراً رتّبهم على حروف المعجم؛ لكثرتهم)). وانظر: منتهى الوصول: 83، وروضة الطالبين 11/ 158.

(33) في (م) والشذا: ((تتشبث)).

(34) في تاريخ دمشق 52/ 379 - 391 جماعة باسم محمد بن خالد الدمشقي فانظره إن شئت.

(35) ((ثمّ)): ساقطة من (م).

(36) تبعه النووي، كما في زوائده على الروضة 11/ 158.

(37) في (أ) و (ب): ((المسلمين)).

(38) في (م): ((الإجازة)).

(39) في (م): ((يفسر)).

(40) كذلك.

(41) عُمْرُوْس: ضبطه السمعاني في الأنساب 4/ 210 - بفتح العين، ومثله في فتح المغيث 2/ 81 وفتح الباقي 2/ 70، وضبطه الفيروزآبادي بضمّها، ثمَّ قالَ: وفتحه من لحن الْمُحَدِّثين. انظر: القاموس المحيط مع شرحه تاج العروس 16/ 281، وراجع ترجمة ابن عمروس في سير أعلام النبلاء 18/ 73.

(42) الإجازة للمعدوم والمجهول: 81، وانظر: الإلماع: 102.

(43) من نسخة (ب) فقط.

(44) انظر: التقييد: 185.

(45) راجع: نكت الزركشي 3/ 522، والتقييد والإيضاح: 185، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 141، وقارن بـ: فتح العزيز 8/ 105، والمجموع 9/ 170، ومغني المحتاج 2/ 234.

(46) لم ترد في (أ) و (ب).

(47) قال الزركشي في نكته 3/ 522: ((هذا نظير مسألة البيع كما سبق، وبها يعتضد وجه الصحّة هنا، وحكى ابن الأثير في مقدّمة جامع الأصول في هذه الحالة خلافاً، قال: فمنع منها قوم؛ لأنّها تحتمل فيعتبر فيه تعيين المجمل – قال - وهذا هو الأخذ بالاحتياط، والأولى بنجابة المحدّث وحفظه))، وانظر: جامع الأصول1/ 83.

(48) في (م): ((معها)).

(49) في (م): ((تقول)).

(50) في (ع): ((ولمن))، وما أثبتناه من النسخ و (م).

(51) في (ع): ((ولعقبك)).

(52) قال الزركشي في نكته 3/ 523: ((ولا حاجة إلى هذا، فالشافعي نفسه أجازه، ونص عليه في وصيته المكتتبة في الأم، فأوصى فيها أوصياء على أولاده الموجودين، ومن يحدثه الله تعالى له من الأولاد)). وانظر: محاسن الاصطلاح: 271.

(53) انظر: الإجازة للمعدوم والمجهول: 81، والإلماع: 105.

(54) الكفاية: (465 ت، 325 هـ)، والإجازة للمعدوم والمجهول: 76 ومن طريقه أورده الْقَاضِي عِيَاض في الإلماع: 105، قَالَ البلقيني في محاسن الاصطلاح: 271: ((يحتمل أن يَكُوْن ذَلِكَ عَلَى سبيل المبالغة وتأكيد الإجازة، لا أنّ المراد بِهِ حقيقة اللفظ)).

(55) الكفاية: (466 ت، 325 - 326 هـ)، والإجازة للمعدوم والمجهول: 81.

(56) الإجازة للمعدوم والمجهول: 81، والإلماع: 102.

(57) انظر: البحر المحيط 4/ 401.

(58) الكفاية: (466 ت، 325 هـ)، والإجازة للمعدوم والمجهول: 80.

(59) قال الزركشي في نكته 3/ 523: ((وهذه المسألة منصوصة للشافعي فيما سبق عن الحافظ السِّلفي بسنده إلى الربيع أنّ الشافعي أتاه رجل يطلب الإجازة لابنه، فقال: كم لابنك؟ قال: ست سنين، قال: لا يجوز الإجازة له حتّى يبلغ له سبع سنين.

قال ابن زبر: وهو مذهب في الإجازة، قال السلفي: والذي أدركنا عليه الشيوخ في البلاد والحفّاظ أنّ الإجازة تصحّ لمن يجاز له صغيراً كان أو كبيراً)).

(60) الكفاية: (466 ت، 325 هـ).

(61) المصدر السابق.

(62) الكفاية: (466 ت، 326 هـ).

(63) في (م): ((قال المملي أبقاه الله)).

(64) في الشذا: ((وتقربة)).

(65) قوله: ((والله أعلم)) من (جـ) و (م).

(66) الإلماع: 106.

(67) ترجمته في السِّيَر 17/ 569.

(68) في (ع): ((بجميع))، وما أثبتناه من (ب) و (جـ) و (م).

(69) الإلماع: 106.

(70) انظر: نكت الزركشي 3/ 523.

(71) قال النووي في التقريب: 113: ((وهذا هو الصواب))، وقال في الروضة 11/ 158: ((هي باطلة قطعاً)).

(72) في (م) والشذا: ((ذلك)).

(73) في (ع) والتقييد: ((تاريخ هذه الإجازة)).

(74) انظر: نكت الزركشي 3/ 524 - 525.

(75) راجع: المحاسن: 274، ونكت الزركشي 3/ 525، وشرح التبصرة 2/ 152.

(76) قال النووي في الروضة 11/ 108: ((وهو الصواب الذي قطع به الحفّاظ الأعلام من أصحابنا وغيرهم)).

(77) الأكثر والأشهر: فتح الهمزة، وقد تكسر. انظر: مراصد الاطلاع 1/ 87.

(78) الكفاية: (500 ت، 350 هـ).

(79) هُوَ الحافظ أبو العَبَّاس أحمد بن مُحَمَّد بن سعيد الكوفي، تُوُفِّي سنة (629 هـ)، وعُقْدة: لَقَبٌ لأبيه النحوي محمد بن سعيد؛ ولُقِّب بذلك لتعقيده في التصريف، انظر: تاريخ بغداد 5/ 14، والسِّيَر 15/ 340، والتاج 8/ 399.

(80) قال البلقيني في المحاسن: 275: ((القرينة الحالية من إرادة إبقاء السلسلة، قاضية بأنّ كلّ مجيز بمقتضى ذلك، أذن لمّا أجازه أن يجيز، وذلك في الإذن في الوكالة جائز)).

(81) في (م): ((مسموعات)).

(82) في (جـ) و (ع) والتقييد: ((الحسن))، وكذا جاء في ترجمته من تاريخ الإسلام: 309 حوادث (395)، وأثبتنا ما في باقي النسخ، وهو الموافق لما جاء في مصادر ترجمته. انظر مثلاً: وفيات الأعيان 1/ 118، والسِّيَر 17/ 103، وشذرات الذهب 3/ 132، ومعجم المؤلفين 2/ 41.

(83) في التقييد: ((فأجاز لي)).

(84) هو بهذا السياق في كتابه "مآخذ العلم" كما أشار إلى ذلك الزركشي 3/ 527، والسخاوي في فتح المغيث 2/ 95، وهو أيضاً بحروفه إلى قوله: ((أو ماشيتك)) في مقاييس اللغة 1/ 494، وانظر: مجمل اللغة 1/ 202، له أيضاً مادة (جوز)، وقد أسنده عنه الخطيب بتمامه في الكفاية: (446 ت، 311 هـ)، وانظر: النكت الوفية 260 / ب.

(85) قوله: ((على سبيل الحذف))، يريد به أنّه على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وأصل العبارة: أجزت له رواية مسموعاتي، كما في حاشية توضيح الأفكار 2/ 311.

(86) انظر: نكت الزركشي 3/ 529 - 531.

(87) في الشذا: ((توسيع)).

(88) الكفاية: (455 ت، 317 هـ)، والإلماع: 94 - 95.

(89) جامع بيان العلم وفضله 2/ 180، وينظر: الإلماع 95 - 96.

(90) نقل الزركشي في نكته 3/ 531 عن ابن أبي الدم قوله: يعضد هذا أنّه قال: تقوم الأفعال مقام الأقوال في نقل الملك، على تصحيح المعاطاة)).

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي