1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : المجتمع و قضاياه : آداب عامة :

بناء المجتمع الإسلامي الأول

المؤلف:  الشيخ خليل رزق

المصدر:  نظام العلاقات الاجتماعية في نهج البلاغة

الجزء والصفحة:  ص16ــ23

2024-11-18

359

سعى النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) فور وصوله إلى المدينة المنورة إلى وضع الحجر الأساس لبناء أول مجتمع إسلامي نموذجي يقوم على أساس مفاهيم القرآن والسنة النبوية اللذان ينظران إلى أفراد المجتمع كأفرادٍ تلتقي مع بعضها البعض ليس بالأجسام فقط، بل تجتمع على أساس المودة والمحبة والعمل لوجه الله، ولخير الإنسانية، وقال النبي (صلى الله عليه وآله):

((ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفه كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى))(1).

وقال (صلى الله عليه وآله):

((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))(2).

وقام النبي (صلى الله عليه وآله) ببعض الأعمال التأسيسية التي ترتبط إرتباطاً وثيقاً ببناء المجتمع، وبناء الروح الإسلامية السامية، وببناء الدولة العادلة، وهذه الأعمال لا تنحصر بعدد معين لأنها تمتد على طول المرحلة الزمنية التي عاشها النبي بعد الهجرة، ولكن نحن نشير إلى بعض من هذه الإنجازات التي وفقنا لإستكشافهـا مـن سـيـرة النبي (صلى الله عليه وآله) وأبرزها كان ما يلي:

أ ـ المؤاخاة:

فقد ذكرت كتب التاريخ بأن النبي (صلى الله عليه وآله) آخى بين المسلمين وذلك كتمهيدٍ للهجرة حيث يفترض أن يواجه المسلمون الكثير من المصاعب التي تحتاج إلى التعاون والتعاضد بأعلى مراتبه، فكانت عملية المؤاخاة التي أريد بها السمو بعلاقات هذا الإنسان عن المستوى المصلحي وجعلها علاقة إلهية تصل إلى درجة الأخوة. وليكون أثرها في التعامل بين المسلمين أكثر طبيعية وإنسجاماً وبعيداً عن النوازع النفسية التي ربما توحي للأخوين المتعاونين بأمور من شأنها أن تعقد العلاقات بينهما نفسياً على أقل تقدير.

فآخى النبي بين المهاجرين على الحق والمساواة. فآخي بين أبي بكر وعمر، وبين حمزة وزيد بن حارثة، وبين الزبير وابن مسعود و ... وبين علي (عليه السلام) ونفسه (صلى الله عليه وآله). وقال له: أما ترضى أن أكون أخاك؟ قال: بلى يا رسول الله رضيت، فقال؛ فأنت أخي في الدنيا والآخرة(3).

وهكذا أيضاً بعد عدة أشهر من مقدمه (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار وآخى بينهم على الحق والمساواة (وقيل على التوارث أيضاً).

ومما لا شك فيه بأن لهذا التآخي بين المهاجرين والأنصار مغزاه الدقيق الذي يدل على بُعدِ نَظرِ النبي (صلى الله عليه وآله) وعمق تفكيره، فالمهاجرون قد نزلوا ضيوفاً على قوم لا يرتبطون بهم بأي رابطة من الروابط التي كانت تشدُّ العرب بعضهم إلى بعض هذا بالإضافة إلى أن الوافدين إلى المدينة قد تركوا كل شيء ورائهم في مكة وأكثرهم كانوا لا يملكون قوت يومهم فتركت تلك المؤاخاة إحساساً في نفوس الأنصار بالمسؤولية تجاه إخوانهم الوافدين، فآثروهم على نفوسهم ووفروا لهم وسائل العمل المنتج، وأصبح الكثير منهم في بضع سنوات معدودات في مصاف غيرهم من سكان المدينة الأثرياء هذه الروح العالية التي امتلكها الأنصار في ذاك الوقت حيث لم تكن الأخوة مجرد إبراز للعواطف والأحاسيس بل كانت أخوَّة مسؤولة ومنتجة وترتبت عليها آثار عملية بالفعل، كالمقاسمة في الأموال وغيرها، ولإبراز هذا الجانب عند الأنصار الذين بذلوا تضحية كبيرة في هذه الأخوة باعتبار أن البذل كان من طرفهم يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) مادحاً الأنصار:

((هم والله ربوا الإسلام كما يُربِّى الغلو(4) مع غنائهم (أي مع استغنائهم) بأيديهم السَّبَاطِ والسِنَتِهُم السَّلاط))(5).

ب - إلغاء الفوارق الاجتماعية والطبقية:

عندما بزغ فجر الإسلام وجد جذور الرق ما تزال ثابتة وعميقة، فالدولة الرومانية كان يسودها آنذاك خليط من نظام الرق ونظام الإقطاع. فكانت الرومان تعتقد - فلسفياً ـ بأن العنصر الأبيض غير العنصر الأسود لحماً ودماً وخلقةً. فالدم الذي يجري في عروق الإنسان الأبيض يختلف عن الذي يجري في عروق الأسود. فهما من أصلين متباينين، وقد خُلق الأسود لكي يخدم الأبيض. فالإنسان الكريم هو الأبيض وأما الأسود فهو مخلوق لخدمة الأبيض.

وهذه هي مجمل نظرة الأمم السابقة ـ أمثال الرومان والفرس واليونان وغيرهم - إلى الجنس الأسود إطلاقاً، ولذلك كان النخاسون يُغيرون على المناطق الإفريقية لصيد الإنسان الأسود زرافات، يحملونهم في السفن ويأتون بهم إلى الأسواق فيبيعونهم كما تباع الأغنام والمواشي، بل وبصورة أفجع.

وأما المساوئ المترتبة على هذا النوع من الفوارق بين الناس هو إلغاء المبادئ والمثل والقيم حيث يجعل الإنسان الأسود إنساناً منعزلاً عن مجتمع الإنسان الأبيض وبهذا تنعدم كل الروابط والعلاقات الاجتماعية بينهما وما شابه ذلك.

إلى أن جاء الإسلام ليجعل حداً لتلك المظالم، ونهاية للعبث والفساد، وليوقظ العقل البشري الذي أخذه السبات العميق، ولينير درب الحياة أمام الإنسان من جديد فينفتح الإنسان الأبيض بعقله وقلبه على الإنسان الأسود وهكذا العكس. ومن خلال هذا يمكن أن يصبح المجتمع مجتمعاً متماسكاً ومترابطاً.

ومن مواقف النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) التي جسَّدت هذه النظريات عملاً وواقعاً قصة تزويج ابنة عمته زينب بنت جحش من مولاه زيد، وتسليمه أسامة بن زيد قيادة جيش المسلمين الذاهب لمحاربة الروم وفيه كبار الصحابة بالإضافة إلى أن بلال الحبشي كان داعي الدعاة إلى الإسلام.

وهكذا عندما جعل سلمان بمنزلة المستشار الحربي له، وقال فيه: سلمان منا أهل البيت.

وعند المؤاخاة آخى النبي (صلى الله عليه وآله) بين سلمان وأبي ذر. واشترط

على أبي ذر بأن لا يعصي سلمان(6) على الرغم من الفرق بينهما من الإنتساب إلى العربية والعجمية.

وهذه السياسة بعينها انتهجها أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما تولّى الخلافة. حيث وجد المجتمع غارقاً في وحول التفرقة وعدم الإلفة بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة فكان يدعو ولاته في جميع الأمصار إلى أن يُحسنوا معاملة الناس من دون تمييز أحدٍ على آخر.

ففي كلام له في عهده إلى مالك الأشتر يقول (عليه السلام):

((وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكُونَنَّ عليهم سبعاً ضارياً، تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخَلْقِ))(7).

بهذه الكلمات البليغة والمعبرة أوضح الإمام علي (عليه السلام) أبعاد الرسالة الإسلامية التي جاء بها النبي محمد (صلى الله عليه وآله). لتكون ثورة تحرّر الفكر البشري من خرافات الجاهلية ومآسيها وقوانينها، وتوجّه الناس نحو طريق الخير والسعادة وبناء الذات والمجتمع المثالي ليكونوا خير أمَّةٍ أُخرجت للناس، وليكون المؤمنون أخوة، وكالجسد الواحد الذي كلما اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى لا كما علمتهم الجاهلية بأن يقتل الإنسان أخاه الإنسان، أو يعتدي عليه وينهب أمواله.

ولتكون ثورة تحرّر روح الإنسان من المعتقدات الوثنية التي أنزلت البشرية إلى أدنى مستوى خُلقي، فماتت معها كل القيم والمبادئ، ولم يبق قيمةً لإنسانية الإنسان فاستطاع الإسلام بتعاليمه أن ينقذ هذه الروح من الهبوط، ويرفعها إلى الآفاق العليا ليتوجه الإنسان إلى الخالق المعبود الذي كرَّم الإنسان واجتباه من بين خلقِه.

ومـن هنـا انطلـق الـرسـول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) ليغرسا في نفوس المسلمين حب التآخي والتعايش ونبذ القوانين الجاهلية التي كانت تتحكم في علاقات الناس مع علاقات الناس مع بعضهم البعض بأبشع صورها، حيث كانت عبادة الأصنام، وقطيعة الأرحام، وتعدّي القوي على الضعيف.

_________________________

(1) صحيح مسلم بشرح النووي ج 16 ص 140.

(2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ج1 ص54 وصحيح مسلم بشرح النووي ج 12 ص 16 وغوالي اللئالي ج 2 ص 242.

(3) راجع الصحيح من السيرة - السيد مرتضى ج 2 ص 228 نقلاً عن السيرة الحلبية ج 2 ص 20 والسيرة النبوية: لدحلان ج 1 ص 105 - وراجع أعيان الشيعة ج 1.

(4) الغلو: هو المهر إذا فطم أو بلغ السنة.

(5) نهج البلاغة: ح 465.

(6) راجع روضة الكافي للكليني ص162.

(7) نهج البلاغة: الكتاب رقم 53. 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي