تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
عوالم متعدّدة
المؤلف: ديفيد والاس
المصدر: فلسفة علم الفيزياء
الجزء والصفحة: ص 119 – ص 125
2024-09-01
360
يمكن أن يُطلق على النُّهج الواردة في القسم السابق اسم نهج «تغيير الفيزياء»؛ تتبنى هذه النهج درجةً أساسية من الواقعية العلمية، باعتبارها الطريق لفهم النظريات الفيزيائية، وهي تحكم على النظرية الكمية طبقًا لهذا المعيار، وتجد أنها بحاجة إلى التحسين؛ ويتمثل الحل الذي تقترحه هذه النّهج في تغيير نظرية الكم نفسها. وعلى النقيض من ذلك، فإن النهج التي تعتمد في فهم ميكانيكا الكم على الاحتمالات، هي في معظمها من نهج «تغيير الفلسفة»؛ أي إنها تترك الصياغة الصورية لنظرية الكم من دون تعديل، ولكنها تعتمد نهجا مختلفًا (قائمًا على الذرائعية إلى حدٍّ ما في المعتاد) لفَهم النظريات الفيزيائية.
إنَّ كلَّا من فكرتي تغيير الفيزياء وتغيير الفلسفة فكرةً وجيهة. فمفارقات نظرية الكم تخبرنا بأنَّ ثمة «خطأ» ما؛ وتبدو الفيزياء وفلسفة العلم مجالين منطقيَّين للبحث عن ذلك الخطأ. وقد يبدو بالطبع أنه يوجد تقسيم طبيعي لهذا الجهد؛ فالمهمة الأنسب للفلاسفة هي أن يُعيدوا تقييم البدائل المتاحة للواقعية العلمية في مواجهة المفارقة الكمية، والمهمة الأنسب لعلماء الفيزياء هي استكشاف نظريات فيزيائية بديلة.
غير أنَّ الأمور لا تسير على هذا النحو في الحقيقة. فقلةُ قليلة من الفلاسفة (توجد استثناءات بالطبع) هم من يرون حقًّا أن حلَّ مشكلة القياس يتطلب منا تغيير فلسفة العلوم، وعلى الجانب الآخر، فكثيرًا ما يستنتج الفلاسفة الذين يتناولون هذه القضايا أنها تعكس قصورًا في الفيزياء. وقلة قليلة من علماء الفيزياء (توجد استثناءات أيضًا) هم مَن يَرَوْن حقًّا أَن حلَّ مشكلة القياس يتطلب منا تعديل ميكانيكا الكم نفسها؛ وعلى الجانب الآخر، فكثيرًا ما يستنتج علماء الفيزياء الذين يُعالجون هذه القضايا أنها تستلزم فلسفة علوم جديدة أكثر ابتكارًا. التفسير الواضح لذلك أن الفلاسفة حساسون تجاه مدى صعوبة استراتيجية تغيير الفلسفة، ولكنهم راضون عن صعوبات استراتيجية تغيير الفيزياء؛ والعكس بالعكس.
على الرغم من ذلك، لما بدا أنَّ الجمع بين الواقعية العلمية وميكانيكا الكم غير المعدلة يقودنا إلى مفارقة قطة شرودنجر، فربما لا يكون لدينا ثمَّة خيار سوى تعديل فلسفة العلوم، أو صياغة ميكانيكا الكم، مع ما قد يكون في ذلك من صعوبة. لكنَّ الأمر ليس كذلك في الحقيقة؛ إذ يوجد خيار ثالث. كان من توصَّل إلى الفكرة الأساسية لهذا الخيار هو عالم الفيزياء هيو إيفريت في عام 1957؛ ومن ثمَّ فقد سُميت بـ «تفسير إيفريت». ولنتعرف على هذا التفسير، سنتخيَّل قطة شرودنجر مرةً أخرى، ونسأل كيف نعرف أنَّه لا يمكن للنظام، رغم كل شيء، أن يجمع بين حالتي حياة القطة وموتها في آن واحد. الإجابة الواضحة أننا لا نرى قططًا في هذه الحالات أبدًا، لكن «الرؤية» عملية فيزيائية؛ ومن ثم فنحن نحتاج إلى نمذجتها فيزيائيا في سياق ميكانيكا الكم، كي تُحدد ما يحدث بالفعل حين يتفاعل الراصدون – من أمثالي – مع قطة شرودنجر.
فيما يلي طريقة بسيطة لذلك. لا بد أن يكون لدي على الأقل ثلاث حالات مميزة لكنها وثيقة الصلة؛ وهي: <IGNORANT (الحالة التي أكون عليها قبل رؤية القطة)؛ <|SEES ALIVE (الحالة التي أدخل فيها عند رؤية قطة حية)؛ <|SEES DEAD (الحالة التي أدخل فيها عند رؤية قطة ميتة). لنفترض أنني أنظر إلى قطة حية بالتأكيد؛ قبل الرصد، ستكون الحالة المشتركة للقطة ولي هي <|ALIVE; GNORANT، وستتطور هذه الحالة إلى ALIVE; SEES ALIVE>|:
|ALIVE; SEES ALIVE> → ALIVE; IGNORANT>
وبالمثل، إذا كانت القطة ميتة بالتأكيد، فلا بد أن تصير عملية الرصد على النحو التالي:
|DEAD; SEES DEAD > → |DEAD; IGNORANT>
والآن، لنفترض أن القطة تبدأ في حالة قطة شرودنجر،
|CAT STATE> = a|ALIVE> + b|DEAD>
قد نتوقع بحدسنا أن تصير عملية الرصد لهذا النظام على النحو التالي:
|CAT STATE; IGNORANT> → |CAT STATE; SEES WEIRD INDDEFINITE CAT>
غير أنَّ الحَدْس في الفيزياء دليل سيئ، وما تخبرنا به الفيزياء في الحقيقة (بصفتها نتيجة تلقائية لكيفية سير عمليات رصد القطتين الحية بالتأكيد والميتة بالتأكيد) أنه يمكن إعادة كتابة الحالة <CAT STATE; IGNORANT| بالصورة التالية:
|CAT STATE; IGNORANT> → a|ALIVE; IGNORANT> + b|DEAD; IGNORANT>
ومن ثم فإنها تتطور على النحو التالي:
|CAT STATE; IGNORANT> → a|ALIVE; SEES ALIVE> + b|DEAD; SEES DEAD >
طبقًا لميكانيكا الكم، فأنا لا أتطور إلى حالة الرؤية الأكيدة لقطة غير محددة، بل أتطور إلى حالة غير محددة خاصة . بي، وهي . حالة تمثل نتيجتي قياس عاديتين ومحددتين في آن واحد.
وهكذا تستمر الأمور في السير على هذا المنوال إذا سألتني إن كانت القطة حيةً أم لا، فستنتهي إلى حالتين في آن واحد حالة تسمعني أقول فيها «نعم»، وحالة تسمعني فيها أقول «لا». وبالفعل، فإن الحالة المجمعة منا جميعًا – أنت وأنا والقطة – عبارة عن حالتين في آن واحد لكن كلتا الحالتين الفرديتين عادية: الحالة التي نتوصل فيها إلى أن القطة حية، والحالة التي نتوصل فيها إلى أن القطة ميتة. وإذا سأل شخص ثالث، أو إذا نشرت حالة القطة على فيسبوك، فستنطبق فكرة الحالتين الآنيتين على المزيد والمزيد من الأنظمة؛ بمعنى أنها ستتداخل معنا.
في واقع الأمر، عند تجاوز مقياس معيَّن – مقياس أصغر بكثير من القطة البائسة، سيكون التفاعل بين نظام وآخر حتميًّا حتى إن لم يكن هناك «رؤية» مقصودة. فالتأثير الجذبوي للقطة على الهواء من حولي أو الجزيئات في جسمي يؤدي إلى تشابكي وتشابكك وتشابك البيئة المحيطة تشابكا فعالًا مع القطة، سواء أحاولنا معرفة حالتها أم لا. حاول أن تجعل شيئًا. بحجم القطة يتَّخذ حالة شيئين في آن واحد، وسرعان ما ستجد أن الكوكب بأكمله، بل المجموعة الشمسية بأكملها تتَّخذ حالة شيئين في آن واحد.
لكن ما هما هذان الشيئان؟ كلٌّ منهما عادي للغاية فكلتاهما حالتان طبيعيتان للأرض، والفَرْق الوحيد بينهما هو ما إذا كانت القطة البائسة حيةً أم ميتة. وتتطور كل حالة منهما زمنيًّا طبقًا للقواعد العادية التي تحكم الحالات المعتادة للأرض. معنى هذا أنَّ حالة الأرض تتكون من فرعين متوازيين وهما: فرع «القطة حية» وفرع «القطة ميتة»، وكلُّ حالة منهما تتطور بمرور الوقت دونما رجوع إلى الحالة الأخرى.
توجد كلمة جيدة تصف جزءًا من الواقع يشبه الأرضَ العادية، ويتطور دونما رجوع إلى أجزاء أخرى من الواقع؛ ألا وهي كلمة «عالم». ولا تعني الكلمة في هذا السياق كونًا كاملا قائما بذاته، بل بمعنى أن الأرض أو المريخ عبارة عن عالم؛ فهما جزءان من الواقع يتفاعلان بقوة مع ذاتهما لكن نادرًا ما يتأثَّران بعضهما ببعض.
ليست التجارب على القطط هي المكان الوحيد بالطبع الذي تتضخم فيه تأثيرات نظرية الكم، لتصل إلى كائنات بحجم البشر. فنحن نعيش في عالمٍ حيث التغييرات الصغيرة على المستوى المجهري يمكن – بمرور الوقت – أن تصل إلى نطاق الحياة اليومية. فإلكترونات الضوء الفلوري توجد «هنا» و«هناك»، والشعاع الكوني يصطدم بسلسلة الحمض النووي في الخلية ولا يصطدم بها وسرعان ما يومض الضوء ولا يومض، والخلية تتحور ولا تتحوّر. يبدو إذن أن هذا الانقسام إلى عوالم متوازية أمر شائع، ويحدث مراتٍ لا تُحصى في الثانية، في جميع أنحاء الأرض.
كل هذا يقودنا إلى استنتاج مفاده أننا إذا تعاملنا مع ميكانيكا الكم بحرفية وواقعية، فسيكون العالم الذي نعيش فيه واحدًا من عوالم متعدّدةٍ لا حصر لها – أحد العوالم المتعدّدة المنبثقة – وكلُّها موجودة بالتوازي مع بعضها وكلٌّ منها ينبثق من العوالم الأخرى على نحو مطرد. ومن هنا يأتي الاسم الأشهر لتفسير إيفريت لميكانيكا الكم وهو «تفسير العوالم المتعدّدة».
من بين كل التفسيرات التي تناولناها، يُعد تفسير إيفريت هو الأغرب من عدة أوجه. على الرغم من ذلك، فهو الأكثر تحفظًا إلى حدٍّ بعيد من جوانب أخرى؛ فهو لا يتطلب تعديل الجانب الصوري الذي حقق نجاحًا كبيرًا في ميكانيكا الكم، ولا يتطلب إعادة نظر جذرية في المشروع العلمي. إن تنبؤه المذهل بتفرُّع الواقع هو نتيجة لهذا الجانب الصوري الكمي نفسه، وليس افتراضًا زائدا عليه.
إنَّ أقل ما يمكن أن يُقال عن مدى صلاحية تفسير إيفريت إنه مسألة مثيرة للجدل. الاعتراض الأوضح والأشهر هو عدم التصديق المحض، لكن هذا ليس «اعتراضًا»، بقدر ما هو تعبير عن الدهشة. فعادةً ما يركّز النقاد الجادُّون لتفسير إيفريت على مشكلتين محددتين. المشكلة الأولى : هل الجانب الصوري في نظرية الكم يشير إلى وجود عوالم متوازية حقًّا، أم هو مجرد ألفاظ براقة وليس لها أهمية فيزيائية؟ والمشكلة الثانية: كيف نتوصل إلى الاحتمالات في النظرية؟
يكمن مفتاح حلٌّ المشكلة الأولى (وتسمى أحيانًا – لأسباب لا يتّسع المقام لسردها – «مسألة الانحياز المفضَّل») في ملاحظة أن ديناميكا الكم للأنظمة الكبيرة المعقدة سرعان ما تخفي تأثيرات التداخل التي تحدد السمات الكمية المميزة لميكانيكا الكم. فحينما يحتوي النظام الكمي على العديد من الأجزاء المتحركة – أي درجات كبيرة للغاية من الحرية كما يقول علماء الفيزياء – تتشابك درجات الحرية تلك بعضها مع بعض بوجه عام؛ ومن ثم يصبح تأثير التداخل غير ملحوظ.
لنفترض على سبيل المثال أننا نحاول توضيح التداخل بكرة بولينج بدلًا من الفوتون. للقيام بذلك، علينا أن نجهز الكرة بحيث تصبح في حالةٍ غير محددة: حالة من التراكب لموضعين مختلفين؛ أي ربما يمكن صياغتها تخطيطيا على النحو التالي:
| BALL>= a|HERE> + b|THERE>
لكن جزيئات الهواء والفوتونات المارة وغيرها ترتد عن كرة البولينج في الحالة HERE بطريقة مختلفة عن ارتدادها عن الكرة في الحالة THERE. ومن ثم فإن الحالة BALL غير مستقرة؛ فهي سرعان ما تتشابك مع ملايين الجسيمات الأخرى، فينتهي الأمر بكرة البولينج وبيئتها إلى حالة على غرار:
|ENTANGLED BALL> = a|HERE; many particles record HERE> + b|THERE; many particles record THERE>
لكي يمكن لتجربة – أو عملية ديناميكية طبيعية – أن تكشف عن التداخل بين الحدين في هذا التراكب، لا يكفي أن تؤثّر ديناميكا هذه التجربة في كرة البولينج وحدها، بل ينبغي أن تؤثر في كلٌّ من الكرة ، وبيئتها، وأن تغيّر منهما بالطريقة الصحيحة تمامًا بحيث تُظهر تأثير التداخل. وهذا مستحيل عمليا.
يُطلق على عملية التشابك المستمر مع البيئة اسم «انعدام الاتساق». تُعد هذه العملية صورة من صور الديناميكا الكلية غير الانعكاسية، وهي تنطوي على ألغاز فلسفية خاصة بها، لكنها تطرح تفسيرًا ديناميكيا لإمكانية تجاهل تأثيرات التداخل حينما يكون النظام معقدًا للغاية، والسبب في أنه يمكن في هذه الحالة وصف النظام وصفًا محكمًا على أنه عبارة عن نظامين (أو أكثر) منفصلين يتطوَّران بشكل متواز بدلا من نظامٍ واحد يشتمل على أجزاء متداخلة. وحينما قلت – فيما سبق – إن كل حالة من الحالتين: «القطة حية والقطة ميتة» تطورت بمرور الوقت «دونما رجوع إلى الحالة الأخرى»، كانت عملية انعدام الاتساق في الخلفية؛ فهي العملية الفيزيائية التي تطور بها الأنظمة الكمية بنيتها المتفرعة المنبثقة، لكنها موضوعية رغم ذلك.
(يمكن أيضًا فَهم انعدام الاتساق بصفته توضيحًا للسبب في أن الأمر ينجح «فعليًّا» عند معاملة الحالات الكمية للأنظمة المعقدة، باعتبارها توزيعات للاحتمالات على حقائق أساسية ومحددة، على الرغم من أن التداخل يعني عدم إمكانية بقاء هذا التفسير؛ ففور بدء انعدام الاتساق تصبح تأثيرات التداخل غير قابلة للكشف عنها؛ ومن ثم يمكن تجاهلها. لهذا السبب من الشائع – بين علماء الفيزياء على الأقل – القول إن انعدام الاتساق «في حدّ ذاته» يحلُّ مسألة القياس من دون الحاجة إلى أكوان موازية. على الرغم من ذلك، فلكي يكون هذا الحل قابلا للتطبيق، لا نزال بحاجةٍ إلى تغيير تفسيرنا لماهية الحالة الكمية من فيزيائية إلى احتمالية وانعدام الاتساق وحدَه لا يسمح بذلك. وعلى الجانب العملي، عادةً ما تُؤدِّي محاولات استخدام انعدام الاتساق لحلّ مسألة القياس إلى تنويعات من تفسير إيفريت وإن كان ذلك لا يزال موضع جدال شديد.)
بالنسبة إلى المشكلة الثانية – «مشكلة الاحتمالية» – فهي أصعب في حلها. بعد تجربة قطة شرودنجر، وبعد انعدام الاتساق يمكن التعبير عن حالة العالم على النحو التالي:
a|LIVE CAT BRANCH> + b|DEAD CAT BRANCH >
ولكن لربط النظرية بالتجربة، لا بد من تفسير السَّعَتَين التربيعيتين 2||a وb|2| على أنهما احتمالان، غير أنَّ المسوغ لهذا لا يتضح على الفور. فعلى الرغم من كل شيء، عادةً ما تدخل الاحتمالية إلى الفيزياء إما من خلال حالات مجهرية غير معروفة أو من خلال قوانين احتمالية في جوهرها؛ لكننا لا نجهل الحالات المجهرية الوثيقة الصلة في تفسير إيفريت، ولا تتضمَّن ديناميكياتها احتمالات جوهرية. (ولا يمكننا أن نعد السَّعاتِ التربيعية وصفًا لعدد النسخ الموجودة من كل فرع، إلا إن كان ذلك على سبيل المجاز.)
إنَّ حل مسألة الانحياز المفضَّل يستلزم التفاعل مع الرياضيات التفصيلية والفيزياء الخاصة بنظرية انعدام الترابط، أما مسألة الاحتمالية فهي فلسفية بدرجة أكبر. وتنطوي السعات التربيعية على الخصائص الصورية الصحيحة التي تجعلها احتمالية (فهي تتَّبع مسلمات التفاضل والتكامل الخاصة بالاحتمالية؛ ويضمن انعدام الاتساق أنها ستتصرف كما لو كانت احتمالات «جوهرية»)، لكن السؤال الذي يبقى أمامنا الآن هو: هل هي احتمالات حقيقية؟ اقترح العديد من الاستراتيجيات للإجابة عن هذا السؤال، وتحاول الاستراتيجيات الأكثر تطورًا من بينها (على غرار ما وضعه عالم الفيزياء ديفيد دويتش، وفلاسفة أمثال هيلاري جريفز، وواين ميرفولد وأنا)، أن تستكشف ماهية الطريقة العلمية التي يمكن أن يتَّبعها العلماء ممن يأخذون تفسير إيفريت على محمل الجد، وأن تستعيد النتيجة التي تفيد بأن هؤلاء العلماء سوف يعاملون السعات التربيعية كما لو كانت احتمالات. ولا يزال الجدال مستمرًا بشأن إن كانت هذه الاستراتيجيات ستنجح أم لا.
ثمَّة نقطة أخرى أكثرُ جوهرية ينبغي توضيحها هنا؛ و أنَّ الاحتمالية غامضة في الفيزياء حتى وهي خارج سياق تفسير إيفريت. لقد رأينا بالفعل مدى صعوبة فهم احتمالات الميكانيكا الإحصائية. وليست احتمالات الديناميكا الاحتمالية التي يُفترض أنها «جوهرية» أقل غموضًا. إننا نعرف كيف نستخدم مفهوم الاحتمالية (تقريبا: اختبار النظريات الاحتمالية عن طريق قياس التواتر النسبي، واختيار الإجراءات التي تزيد من أرجحية النتائج المطلوبة)، لكن فيما دون ذلك، لا يوجد تفسير متَّفق عليه للاحتمالية. نعرف أنَّ هذا لا بد أن يكون منطقيًّا إلى حدٍّ ما؛ نظرًا للدور الذي تؤديه الاحتمالية في العلوم، ولكن إذا كان تفسير إيفريت صحيحًا، فإن ذلك الدور لا تؤديه الاحتمالات الجوهرية، بل سعات تربيعية لفروع منعدمة الاتساق هي التي تؤدي هذا الدور منذ الأزل. إننا بحاجة إلى تحاشي تبنّي معيار مزدوج هنا: إذا كانت الاحتمالية الفيزيائية غامضةً بوجه عام، فإن غموضها في نظريةٍ معينةٍ ليس حجَّةً ضد هذه النظرية على وجه الخصوص. وفي هذه الحالة (وفي حالات أخرى كثيرة)، فإن الشرح الغريب لتفسير إيفريت يزيد من وضوح الألغاز الفلسفية القائمة.