1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : الشعر : العصر الاندلسي :

أخبار المعتمد

المؤلف:  أحمد بن محمد المقري التلمساني

المصدر:  نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب

الجزء والصفحة:  مج4، ص:213-228

2024-01-31

1042

أخبار المعتمد

قال الفتح في حق المعتمد بعد كلام: وما زالت عقارب تلك الداخلة تدب وريحها العاصفة تهب ونارها تقد وضلوعها تحنق وتحقد وتضمر الغدر

وتعتقد حتى دخل البلد من واديه وبدت من المكروه بواديه وكر عليه

الدهر بعوائده وعواديه وهو متمسك بعرى لذاته منغمس فيها بذاته

ملقى الدهر بين جواريه مغر بودائع ملكه وعواريه التي استرجعت منه في يومه

ونبه فواها من نومه ولما انتشر الداخلون في البلد وأوهنوا القوى والجلد

خرج والموت يتعسر في ألحاظه و يتصور من ألفاظه وحسامه يعد بمضائه

ويتوقد عند انتضائه فلقيهم برحبة القصر وقد ضاق بهم فضاؤها وتضعضعت

من رحبتهم أعضاؤها فحمل فيهم حملة صير هم فرقا وملاهم و ما زال

يوالي عليهم الكر المعاد حتى أوردهم النهر وما بهم جواد وأودعهم

حشاه كأنهم له فؤاد ثم انصرف وقد أيقن بانتهاء حاله وذهاب ملكه وارتحاله وعاد إلى قصره واستمسك  فيه يومه وليلته ما نعا لحوزته دافعا للذل

عن عزته وقد عزم على أفظع أمر وقال: بيدي لا بيد عمرو ثم صرفه تقاه

عما كان نواه فنزل من القصر بالقسر إلى قبضة الاسر فقيد للحين

وحان له يوم شر ما ظن أنه يحين ولما قيدت قدماه وذهبت عنه رقة الكبل

ورحماه قال يخاطبه:

إليك فلو كانت قيودك أسعرت        تضرم منها كل كف ومعصم  مخافة من كان الرجال بسيبه  ومن سيفه في جنة أو جهنم

ولما آله عضه ولا زمه كسره وروضه وأوهاه ثقله وأعياه نقله قال :

تبدلت من عز ظل البنود    بذل الحديد وثقل القيود

وكان حديدي سنانا ذليقا      وعضبا رقيقا صقيل الحديد

فقد صار ذاك وذا أدهما      يعض بساقي عض الأسود

ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت وضمتهم جوانحها كأنهم

أموات بعدما ضاق عنهم القصر وراق منهم العصر والناس قد حشروا

بضفي الوادي وبكوا بدموع كالغوادي فساروا والنوح يحدوهم

والبوح باللوعة لا يعدوهم وفي ذلك يقول ابن اللبانة

تبكي السماء بمزن رائح غاد        على البهاليل من أبناء عباد على الجبال التي هدت قواعدها وكانت الارض منها ذات أوتاد 

عريسة دخلتها النائبات على                               أساود لهم فيها وآساد

وكعبة كانت الآمال تخدمها                               فاليوم لا عاكف  فيها ولا باد

يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ                        في ضم رحلك واجمع فضلة الزاد

ويا مؤمل واديهم ليسكنه                                 خف  القطين  وجف الزرع بالوادي

وأنت  يا فارس الخيل التي جعلت                     تختال في عدد منهم وأعداد

ألق السلاح وخل المشرفي فقد                          أصبحت في لهوات الضيغم العادي

لما دنا الوقت لم تخلف له عدة                         وكل شيء لميقات وميعاد

إن يخلعوا فبنو العباس قد خلعوا                      وقد خلت قبل حمص أرض بغداد

وأنزلوا عن متون الشهب واحتملوا                   فويق دهم لتلك الخيل أنداد

وعيث في كل طوق من دروعهم                    فصيغ منهن أغلال لأجياد

نسيت إلا غداة النهر كونهم                           في المنشآت كأموات بألحاد

والناس قد ملأ والعبرين  واعتبروا                   من لؤلؤ طافيات فوق أزياد

حط القناع فلم تسر مخدرة                             ومزقت أوجه تمزيق أبراد

حان الوداع فضجت كل صارخة                   وصارخ من مفداة ومن فاد

سارت سفائتهم والنوح يصحبها                     كأنها إبل يحدو بها الحادي

كم سال في الماء من دمع وكم حملت             تلك القطائع من قطعات أكباد

انتهى ما قصد جلبه من كلام الفتح رحمه الله تعالى وسامحه 

وقال ابن اللبانة في كتاب نظم السلوك في مواعظ الملوك في أخبار

الدولة العبادية إن طائفة من أصحاب المعتمد خامرت عليه فأعلم باعتقادها

وكشف له عن مردها وحض على هتك حرمها وأغري بسفلك دمها فأبى

ذلك مجده الأثيل ومذهبه الجميل وما خصه الله تعالى به من حسن اليقين وصحة الدين إلى أن أمكنتهم الغرة فانتصروا ببغات مستنسر وقاموا بجمع

غير مستبصر فبرز من قصره متلافيا لأمره عليه غلالته ترف على جسده وسيفه يتلظى في يده:

وذاك السيف راق وراع حتى                كأن عليه شيمة منتضيه

كأن الموت أودع فيه سرا                   لبرفعه إلى يوم كريه

فلقي على باب من أبواب المدينة فارسا مشهورا بنجدة فرماه الفارس برمح

التوى على غلالته وعصمه الله تعالى منه وصب هو سيفه على عاتق الفارس

فشقه إلى أضلاعه فخر صريعا سريعا فرأيت القائمين عندما تسنموا الأسوار

تساقطوا منها وبعدما أمسكوا الأبواب تخلوا عنها وأخذوا على غير

طريق وهومت بهم ريح الهيبة في مكان سحيق فظننا أن البلد من أقذائه قد

صفا وثوب العصمة علينا قد ضفا إلى أن كان يوم الأحد الحادي والعشرون

من رجب فعظم الأمر في الخطب الواقع واتسع الخرق فيه على الراقع ودخل

البلد من جهة واديه وأصيب حاضره بعادية باديه بعد أن ظهر من دفاع المعتمد

وبأسه ترميه على الموت بنفسه ما لا مزيد عليه ولا انتهى خلق إليه فشنت الغارة في البلد ولم يبق فيه على سبد لأحد ولا لبد وخرج الناس من منازلهم يسترون عوراتهم بأناملهم وكشف وجوه المخدرات العذارى

ورأيت الناس سكارى وما هم بسكارى ورحل بالمعتمد وآله بعد استنصال

جميع ماله لم يصحب معه بلغة زاد ولا بغية مراد فأمضيت عزيمتي في

اتباعه فوصلت إليه بأغمات عقب ثقاب استنقذه الله منه فذكرت به شعرا

كان لي في صديق اتفق له مثل ذلك الشهر بعينه من العام الماضي وهو الأمير أبو عبد الله ابن الصفار وهو:

لم نقل في الثقاف كان ثقافا                  كنت قلبا به وكان شغافا

يمكث الزهر في الكمام ولكن                 بعد مكث الكمام يدنو قطافا وإذا ما الهلال غاب بغيم                                              لم يكن ذلك المغيب انكسافا

إنما أنت درة للمعالي                                    ركب الدهر فوقها أصدافا

حجب البيت منك شخصا كريما                       مثلما تحجب الدنان السلافا

أنت للفضل كعبة ولو أني                              كنت أسطيع لاستطعت الطوافا

قال أبو بكر: وجرت بيني وبينه مخاطبات ألذ من غفلات الرقيب

وأشهى من رشفات الحبيب وأدل على السماح من فجر على صباح انتهى

ثم قال: ولما خلع المعتمد وذهب إلى أغمات طلب من حواء بنت تاشفين

خباء عارية فاعتذرت بأنه ليس عندها خباء فقال:

هم أوقدوا بين جنيك نارا           أطالوا بها في حشاك استعارا

أما يخجل المجد أن يرحلوك         ولم يصحبوك خباء معارا

فقد قنعوا المجد إن كان ذاك         وحاشاهم منك خزيا وعارا

يقل لعينيك أن يجعلوا             سواد العيون عليكم شعارا

ثم إنه بقي مأسورا بأغمات إلى سنة 486 فأخذ بمالقة رجل كبير يعرف

بابن خلف فسجن مع أصحاب له فنقبوا السجن وذهبوا إلى حصن منت ميور

ليلا فأخرجوا قائدها ولم يضروه وبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رجل

فسألوه فإذا هو عبد الجبار بن المعتمد فولوه على أنفسهم وظن الناس أنه

الراضي فبقي في الحصن ثم أقبل مركب من الغرب يعرف بمركب ابن الزرقاء

فانكسر بمرسى الشجرة قريبا من الحصن فأخذوا بنوده وطبوله وما فيه من طعام وعدة فاتسعت بذلك حالتهم ثم وصلت أم عبد الجبار إليه ثم خطابه أهل

الجزيرة وأهل أركش فدخلها سنة 488 ولما بلغ خبر عبد الجبار إلى ابن تاشفين

أمر بثقاف المعتمد في الحديد وفي ذلك يقول :

قيدي أما تعلمني مسلما          أبيت أن تشفق أو ترحما

يبصرني فيك أبو هاشم             فينثني القلب وقد هشما

وبقي إلى أن توفي رحمه الله سنة 488

وقد ساق الفتح قضية ثورة عبد الجبار بن المعتمد بعبارته البارعة فقال :

وأقام بالعدوة برهة لا يروع له سرب وإن لم يكن آمنا ولا يثور له كرب

لإشبيلية مجاورة الأنامل للراح ظاهر على بسائط وبطاح لا يمكن معه عيش

ولا يتمكن من منازلته جيش فغدا على أهلها بالمكاره وراح وضيق عليهم

المتسع من جهاتها والبراح فسار نحوه الأمير سير بن أبي بكر رحمة الله عليه

قبل أن يرتد طرف استقامه إليه فوجده وشره قد تشمر وضره قد

تنمر وجمره متسعر وأمره متوعر فنزل عدوته وحل للحزم

 حبوته وتدارك داءه قبل إعضاله ونازله وما أعد آلات نضاله وانحشدت

إليه الجيوش من كل قطر وأفرغ من مسالكه كل قطر فبقي محصورا

لا يشد إليه إلا سهم ولا ينفذ عنه إلا نفس أو وهم وامتسك شهورا

حتى عرضه أحد الرماة بسهم فرماه فأصماه فهوى في مطلعه وخر

قتيلا في موضعه فد فن إلى جانب سريره وأمن عاقبة تغريره وبقي أهله

ممتنعين مع طائفة من وزرائه حتى اشتد عليهم الحصر  وارتد عنهم

النصر وعمهم الجوع وأغب أجفانهم  الهجوع فنزلت منهم طائفه متهافته

وولت بأنفاس خافتة فتبعهم من بقي ورغب في التنعم من شقي فوصلوا

إلى قبضة الملمات وحصلوا في غصة الممات فوسمهم الحيف وتقسمهم

السيف ولما زأر الشبل خفيت سورة الأسد ولم يرج صلاح الكل والبعض

قد فسد فاعقل المعتمد خلال تلك الحال  وأثناءها وأحل ساحة الخطوب

                                      

وفناءها وحين أركبوه أساودا وأوثوه حزنا بات له معادا قال:

غنتك أغماتية الألحان                      ثقلت على الأرواح والأبدان

قد كان كالثعبان رمحك في الورى        فغدا عليك القيد كالثعبان

متمردا يحميك كل تمرد                   متعطفا لا رحمة لعاني

قلبي إلى الرحمن يشكو بثه               ما خاب من يشكو إلى الرحمن

يا سائلا عن شأنه ومكانه                 ما كان أغى شأنه عن شان

هاتيك قيته وذلك قصره                     من بعد أي مقاصر وقيان

ولما فقد من يجالسه وبعد عنه من كان يؤانسه وتمادى كربه ولم تساله

حربه قال:

تؤمل للنفس الشجية فرجة                وتأبى الخطوب السود إلا تماديا

لياليك في زاهيك أصغى صحبتها        كذا صحبت قبلي الملوك اليا ليا

نعيم وبؤس ذا لذلك ناسخ                  وبدهما نسخ المنايا الأمانيا

ولما امتدت في الثقاف مدته واشتدت عليه قسوة الكبل وشدته وأقلقته

همومه وأطبقته غمومه وتوالت عليه الشجون وطالت لياليه الجون قال :

أنباء أسرك قد طبقن آفاقا                         بل قد عممن جهات الأرض إقلاقا

سرت من الغرب لا تطوى لها قدم                 حتى أتت شرقها تنعاك إشراقا

فأحرق الفجع أكبادا وأفئدة                       وأغرق الدمع آمساقا وأحداقا

قد ضاق صدر المعالي إذ نعيت لها                وقيل : إن عليك القيد قد ضاقا

أنى غلبت وكنت الدهر ذا غلب                    للغالين وللسباق سباقا

قلت الخطوب أذلتي طوارقها                     وكان غربي إلى الأعداء طراقا

متى رأيت صروف الدهر تاركة                     إذا انبرت لذوي الأخطار أرماقا

وقال لي من أثقه : لما ثار ابنه حيث ثار وأثار من حقد أمير المسلمين عليه

ما أثار  جزع جزعا مفرطا وعلم أنه قد صار في أنشوطة الشر متورطا وجعل

يتشكى من فعله ويتظلم ويتوجع منه ويتألم ويقول : عرض بي للمحن

ورضي لي أن أمتحن ووالله ما أبكى إلا انكشاف من أتخلفه بعدي ويتحيفه

بعدي ثم أطرق ورفع رأسه وقد تهللت أسرته وظللته مسرته ورأيته قد استجمع وتشوف إلى السماء وتطلع فعلمت أنه قد رجا عودة إلى سلطانه وأوبة إلى أوطانه فما كان إلا بمقدارما تنداح  دائرة مقلة حائرة حتى قال :

كذا يهلك السيف في جفنه                       إلى هز كفي طويل الحنين

كذا يعطش الرمح لم أعتقله                    ولم تروه من نجيع يميني

كذا يمنع الطرف عللك الشكيم               مرتقبا غرة في كمين

كأن الفوارس فيه ليوث                    تراعي فرائسها في عرين

ألا شرف يرحم المشرفي                  مما به من شمات الوتين

ألا كرم ينعش السمهري                   ويشفيه من كل داء دفين

ألا حنة لابن محنية                        شديد الحنين ضعيف الأنين

يؤمل من صدرها ضمة                  تبوئه صدر كفؤ معين

وكانت طائفة من أهل فاس قد عاثوا فيها وفسقوا  وانتظموا في سلك

الطغيان واتسقوا ومنعوا جفون أهلها السنات وأخذوا البنين من حجور

آبائهم والبنات   وتلقبوا بالإمارة وأركبوا السوء نفوسهم الأمارة حتى

كادت أن تقفر على أيديهم وتدثر رسومها بإفراط تعديهم إلى َأن تدارك أمير المسلمين رحمه الله تعالى أمرهم وأطفأ جمرهم وأوجعهم ضربا وأقطعهم ما شاء حزنا وكربا وسجنهم بأغمات وضمنهم جوانح الملمات لألنلبنلانلاطلانمتخلله

والمعتمد إذ ذاك معتقل هناك وكانت فيهم طائفة شعرية مذنبة أو برية

فرغبوا إلى سجانهم  أن يستريحوا مع المعتمد من أشجانهم فخلى ما بينهم

وبينه وغمض لهم في ذلك عينه فكان المعتمد رحمه الله تعالى يتسلى بمجالستهم ويجد أثر مؤانستهم ويستريح إليهم بجواه ويبوح لهم بسره ونجواه إلى أن شفع فيهم وانطلقوا من وثاقهم وانفرج لهم مبهم أغلاقهم  وبقي المعتمد في محبسه يشتكي من ضيق الكبل ويبكي بدمع كالوبل فدخلوا عليه مودعين ومن به  متوجعين فقال:

أما لانسكاب الدمع في الخد راحة                                 لقد آن أن يفى ويفنى به الخد

هبوا دعوة يا آل فاس لمبتلى                                     بما منه قد عافاكم الصمد الفرد

تخلصم من سجن أغمات والتوت                               على قيود لم يحن فكها بعد

من الدهم أما خلقها فأساود                                    تلوى وما الأيد والبطش فالأسد

فهنيم النعما ودامت لكلكم                                     سعادته إن كان قد خاني سعد

خرجتم جماعات وخلفات واحدا                           والله في أمري وأمركم الحمد

ومر عليه في موضع اعتقاله سرب قطا لم يعلق لها جناح ولا تعلق بها من الأيام جناح ولا عاقها عن أفراخها الأشراك ولا أعوزها البشام ولا الأراك

وهي تمرح في الجو وتسرح في مواقع النو      فتنكد  بما هو فيه من الوثاق

وما دون احبته من الرقباء والأغلاق وما يقاسيه من  كبله ويعانيه من وجده وخبله وفكر في بناته وافتقارهن إلى نعيم عهد نه وحبور حضرنه

وشهدنه فقال :

بكيت إلى سرب القطا إذ مررن بي                  سوارح  لا سجن يعوق ولا كبل

ولم تك والله المعيذ حسادة                          ولكن حنينا أن شكلي لها شكل

فأسرح لا شملي صديع ولا الحشا                  وجيع ولا عيناي يبكيهما ثكل

هنيئا لها أن لم يفرق جميعها                       ولا ذاق منها البعد منها البعد عن أهلها أهل

وإذ لم تبت مثلي تطير قولبها                   إذا اهتز باب السجن أو صلصل القفل

وما ذاك مما يعريه وإنما                           وصفت الي في جبلة الخلق من قبل

لنفسي إلى لقيا الحمام تشوف                    سواي يحب العيش في كل ساقه كبل

ألا عصم الله القطا في فراخها                     فإن فراخي خانها الماء والظل

وفي هذه الحالة زاره الأديب أبو بكر ابن اللبانة وهو أحد شعراء دولته

المرتضعين دررها المنتجعين دررها  وكان المعتمد رحمه الله تعالى يميزه

بالشفوف والإحسان ويجوزه في فرسان هذا الشأن فلما رآه وحلقات الكبل

قد عضت  بساقيه عض الأسود والتوت  عليه التواء الأساود والسود وهو لا

يطيق إعمال قدم ولا يريق  دمعا إلا ممزوجا بدم بعدما عهده فوق منبر وسرير ووسط جنة وحرير تخفق عليه الوية وتشرق منه الاندية وتكف  الأمطار من راحته وتشرف الاقدار بحلول ساحته ويرتاع الدهر من اوامره ونواهيه ويقصر النسر أن يقارنه او يضاهيه ندبه بكل مقال يلهب الأكباد ويثير فيها لوعة الحارث بن عباد أبدع  من أناشيد معبد وأصدع للكبد  من مراثي أربد أو بكاء ذي الرمة بالمربد سلك فيها للاحتفاء طريقا لاحبا وغدا فيها لذيول الوفاء ساحبا فمن ذلك قوله :

انفض يديك من الدنيا وساكنها      فالأرض قد أقفرت والناس قد ماتوا

وقل لعالمها السفلي قد كتمت       سريرة العالم العلوي أغمات

طوت مظلتها لا بل مذلتها          من لم تزل فوقه للعز رايات

من كان بين الندى والبأس أنصله   هندية وعطاياه هنديات

رماه من حيث تستره سابغة                      دهر مصيباته       نبل  مصيبات

أنكرت إلا التواءات القيود به                  وكيف تنكر في الروضات حيات

غلطت بين همامين عقدن له                وبينها  فإذا  الأنواع أشتات

وقلت هن ذؤبات فلم عكست              من رأسه نحو رجليه الذؤبات

حسبتها من قناه أو أعنته                  إذا بها لثقاف المجد آلات

دروه ليثا فخافوا منه عادية              عذرهم فلعدو الليث عادات

لوكان يفرج عنه بعض آونة           قامت بدعوته حتى الجامدات

بحر محيط عهدناه تجيء له           كنقطة الدارة السبع المحيطات

لهفي على آل عباد فإنهم             أهلة ما لها في الأفق هالات

راح الحيا وغدا منهم بمنزلة      كانت  لنا بكر فيها وروحات

أرض كأن  على أقطارها سرجا  قد أو قدهن بالأدهان أنبات

وفوق شاطئ واديها رياض ربى قد ظلتها  من الأنشام  دوحات

كأن واديها سلك بلبتها         وغاية الحسن أسلاك ولبات

نهر شربت بعبريه على صور كانت لها في قبل الراح سورات

وربما كنت أسمو للخليج به   وفي الخليج لأهل الراح راحات

وبالعروسات لا جفت منابتها       من النعيم غروسات جنيات

ولم تزل كبده تتوقد بالزفرات وخلده بتردد بين النكبات والعثرات

ونفسه تتقسم بين الأشجان والحسرات إلى أن شفته منيته وجاءته بها أمنيته

فد فن بأغمات وأريح من تلك الأزمات

وعطلت المآثر من حلالها          وأفردت المفاخر من علاها

ورفعت مكارم الأخلاق وكسدت نفائس الأعلاق وصار أمره عبرة في عصره وصاب أندى عبرة  في مصره وبعد أيام وافى أبو بحر ابن عبد الصمد شاعره المتصل به المتوصل إلى المنى بسيه فلما كان يوم العيد وانتشر

 

 

                                  

 

الناس  ضحى وظهر كل متوار وضحا قام  على قبره عند انفصالهم من مصلاهم واختيالهم بزيتهم وحلاهم وقال بعد أن طاف بقبره والتزمه وخر على تربه ولثمه :

ملك الملوك أسامع فأنادي           أم قد عدتك عن السماع عوادي

لما خلت منك القصور فلم تكن      فيها كما  قد كنت في الأعياد

قبلت في الثرى لك خاضعا        واتخذت قبرك موضع الإنشاد

وهي قصيدة أطال إنشادها وبنى بها اللواعج وشادها فانحشر الناس إليه

وانخلفوا وبكوا ببكائه وأعولوا وأقاموا أكثر نهارهم مطيفين به طواف

الحجيج مديمين للبكاء والعجيج ثم انصرفوا  وقد نزفوا ماء عيونهم وأقرحوا

مآقيهم بفيض شؤونهم وهذه نهاية كل عيش وغاية كل ملك وجيش

والأيام لاتدع حيا ولاتألو كل نشر طيا تطرق رزاياها كل سمع

وتفرق مناياها كل جمع وتصمي كل ذي أمر ونهي وترمي كل مشيد

بوهي ومن قبله  طوت النعمان ابن الشقيقة ولوت مجازه في تللك الحقيقة

انتهى ما قصدنا جلبه من كلام الفتح مما يدخل في  أخبار المعتمد بن عباد المناسبة

لما مر . وكلام الفتح كله الغاية وليس الخبر كالعيان ولذا قال بعض من عرف

به : إنه أراد أن يفصح الشعراء الذين ذكرهم في كتبه بنثره سامحه الله تعالى وأخبار المعتمد رحمه الله تعالى تحتمل مجلدات وآثاره إلى الآن بالغرب

مخلدات وكان من النادر الغريب قولهم في الدعاء للصلاة على جنازته الصلاة

على الغريب بعد  اتساع ملكه وانتظام سلكه وحكمه على إشبيلية وأنحائها

وقرطبة وزهرائها وهكذا شأن الدنيا في تدريسها نحو ندبتها وإغرائها

وقد توجه لسان الدين الوزير ابن الخطيب إلى أغمات لزيارة قبر المعتمد رحمه

الله تعالى ورأى ذلك من المهمات وأنشد على قبره أبياته الشهيرة التي ذكرها في جملة نظمه الذي هو أرق من النسيم وأبهج من المحيا الوسيم.

قلت: وقد زرت أنا قبر المعتمد والرميكية أم أولاده حين كنت بمراكش المحروسة عام عشرة وألف وعمي علي أمر القبر المذكور وسألت عنه من تظن معرفته له  حتى هداني إليه شيخ طعن في السن وقال لي : هذا قبر ملك الأندلس وقبر حظيته التي كان قلبه بحبها خفاقا غير مطمئن فرأيته في ربوة حسبما وصفه ابن الخطيب رحمه الله تعالى في الأبيات وحصلت لي في ذلك المحل خشية وادكار وذهبت بي الأفكار في ضروب الآيات فسبحان من يؤتي ملكه من يشاء لا إله غيره وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين وما أحسن قول الوزير ابن عبدون في مطلع رائيته الشهيرة :

الدهر يفجع بعد العين  بالأثر    فما البكاء على الأشباح  والصور  وهو القائل :

يا نائم الليل في فكر الشباب  أفق           فصبح شبيك في أفق النهى بادي

غضت عنانك أيدي الدهر ناسخة         علما يجهل وإصلاحا بإفساد

وأسلمت للمنايا آل مسلمة                 وعبدت للرزايا آل عياد

لقد هوت منك خانتها قوادمها         بكوكب في السماء المجد وقاد ومنها :

ومالك كان يحمي شول قرطبة         أستغفر الله لا بل شول بغداد

شق العلوم نطافا والعلا زهرا              ئبين  ما بين رواد ووراد

وأين هذه القصيدة في مدحهم من قصيدة الغض منهم  وهي قول أبي

الحسن جعفر بن إبراهيم ابن الحاج اللورقي :

تعز عن الدنيا ومعروف أهلها                 إذا عدم المعروف في آل عباد

حللت بهم ضيفا ثلاثة أشهر                  بغير قرى ثم ارتحلت بلا زاد

وهذا يدلك على أن الشعراء وما أمدح قول أبي محمد غانم فيهم :

ومن الغريب غروب شمس في الثرى            وضياؤها باق على الآفاق

وقال في المطمح في حق بني عباد وأوليتهم ما صورته : الوزير أبو القاسم

محمد بن عباد هذه بقية منتماها في لخم  ومرتماها إلى مفخر ضخم وجدهم

المنذر بن ماء السماء ومطلعهم من جو تلك السماء وبنو عباد ملوك أنس

بهم الدهر وتنفس ومعتضدهم أحد من أقام وأقعد وتبوأ كاهل الإرهاب واقتعد

وافرش من عريسته وافرس من مكايد فريسته وزاحم بعود وهد كل طود وأخمل كل ذي زي وشارة وختل بوحي وإشارة ومعتمدهم كان أجود الأملاك وأحد نيرات تلك الأفلاك وهو القائل وقد شغل عن منادمة خواص دولته بمنادمة العقائل

لقد حننت إلى ما اعتقدت من كرم                     حنين أرض إلى مستأخر المطر

فهاها  خلعا أرضي السماح بها                         محفوفة في أكف الشرب بالبدر

وهو القائل وقد حن في طريقه إلى فريقه :

أدار النوى كم طال فيك تلذذي                   وكم عقتني  عن دار أهيف أغيد

حلفت به لو قد تعرض دونه                      كماة الأعادي في النسيج المسرد

لجردت للضرب المهند فانقضى                  مرادي وعزما مثل حد المهند

والقاضي أبو القاسم هذا جدهم وبه سفر مجدهم وهو الذي اقتنص

لهم الملك النافر واختصهم منه بالحظ الوافر فإنه أخذ الرياسة من أيدي جبار

وأضحى من ظلالها أعيان أكابر عندما أناخت بها أطماعهم وأصاخت إليها

أسماعهم وامتدت إليها  من مستحقيها اليد وأتلعوا أجيادا زانها الجيد

وفغر عليها فمه حتى  هجا بيت العبدى وتصدى  إليها  من تحضر وتبدى

فاقتد سنامها وغاربها وأبعد عنها عجمها وأعار بها  وفاز من الملك بأوفر

الرجام وخلت منه تلك الآجام وانتقل الملك إلى ابنه المعتضد وحل منه في

روض نمق له ونضد ولم يعمر فيه ولم يدم ولاه وتسمى بالمعتضد بالله

وارتمى إلى أبعد غايات الجود بما أناله وأولاه لو لا بطش في اقتضاء النفوس

كدر ذلك المنهل وعكر أثناء ذلك صفو العل والنهل وما زال للأرواح

قابضا وللوثوب عليها رابضا يخطف أعداه اختطاف الطائر من الوكر

وينتصف منهم بالدهاء والمكر إلى أن أفضى الملك إلى ابنه المعتمد فاكتحل

منه طرفه الرمد وأحمد مجده وتقلد منه أي بأس ونجدة ونال به الحق

مناه وجر رسنه وأقام في الملك ثلاثا وعشرين سنة لم تعدم له فيها حسنة ولا

سيرة مستحسنة إلى أن غلب على سلطانه وذهب به من أوطانه فنقل

إلى حيث اعتقل وأقام كذلك إلى أن مات ووارته برية أغمات وكان القاضي

جده أدب غض ومذهب مبيض ونظم يرتجله كل حين ويبعثه أعطر من الرياحين فمن ذلك قوله يصف النيلوفر :

يا ناظرين لذا النيلوفر البهج                   وطيب مخبره في الفوح والأرج

كأنه جام در في تألقه                       قد أحكموا وسطه فصا من السبج

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي