1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : الشعر : العصر الاندلسي :

هل المقري الجد قرشي

المؤلف:  أحمد بن محمد المقري التلمساني

المصدر:  نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب

الجزء والصفحة:  مج5، ص:204-215

2024-01-13

959

هل المقري الجد قرشي

وكتب بعض المغاربة على هامش هذا المحل من الإحاطة ما صورته: القرشي وهم؛ انتهى. فكتب تحته الشيخ الإمام أبو الفضل ابن الإمام التلمساني رحمه الله تعالى على ما نصه: بل صحيح، نطقت به الألسن والمكاتبات والإجازات وأعربت عنه الخلال الكريمة، إلا أن البلدية يا سيدي أبا عبد الله والمنافسة تجعل القرشية في إمام المغرب أبي عبد الله المقري وهماً، والحمد لله؛ انتهى.

قلت: وممن صرح بالقرشية في حق الجد المذكور ابن خلدون في تاريخه وابن الأحمر في " نثير الجمان " وفي شرح البردة عند قوله:

لعل رحمة ربي حين ينشرها

والشيخ ابن غازي، والولي الصالح سيدي أحمد رزوق، والشيخ علامة زمانه سيدي أحمد الونشريسي، وغير واحد، وكفى بلسان الدين شاهداً مزكى.

وقد ألف عالم الدنيا ابن مرزوق تأليفاً استوفى فيه التعريف بمولاي الجد سماه " النور البدري في التعريف بالفقيه المقري " وهذا بناء منه على مذهبه أنه

 

204

- بفتح الميم وسكون القاف - كما صرح بذلك في شرح الألفية عند قوله:

ووضعوا لبعض الاجناس علم

وضبطه غيرهم وهم الأكثرون بفتح الميم وتشديد القاف، وعلى ذلك عول أكثر المتأخرين، وهما لغتان في البلدة التي نسب إليها، وهي مقرة من قرى زاب إفريقية، وانتقل منها جده إلى تلمسان صحبة شيخه ولي الله سيدي أبي مدين رضي الله عنه.

رجع إلى تكملة كلام مولاي الجد في حق أوليته:

قال رحمه الله تعالى بعد الكلام السابق في حق جده عبد الرحمن، ما صورته: ثم اشتهرت ذريته على ما ذكر من طبقاتهم بالتجارة، فمهدوا طريق الصحراء بحفر الآبار وتأمين التجار، واتخذوا طبلاً للرحيل، وراية تقدم عند المسير، وكان لد يحيى الذين أحدهم أبو بكر خمسة رجال، فعقدوا الشركة بينهم في جميع ما ملكوه أو يملكونه على السواء بينهم والاعتدال، فكان أبو بكر ومحمد وهما أرومتا نسبي من جميع جهات أمي وأبي بتلمسان، وعبد الرحمن وهو شقيقهما الأكبر بسجلماسة، وعبد الواحد وعلي وهما شقيقاهم الصغيران بإيوالاتن فاتخذوه بهذه الأقطار الحوائط (1) والديار، وتزوجوا النساء، واستولدوا الإماء، وكان التلمساني يبعث إلى الصحراوي بما يرسم له من السلع، ويبعث إليه الصحراوي بالجلد والعاج والجوز والتبر، والسجلماسي كلسان الميزان يعرفهما بقدر الخسران والرجحان، ويكاتبهما بأحوال التجار وأخبار البلدان، حتى اتسعت أموالهم، وارتفعت في الضخامة أحوالهم، ولما افتتح التكرور كورة إيوالاتن وأعمالها أصيبت أموالهم فيما أصيب من أموالها، بعد أن جمع من كان بها منهم إلى نفسه الرجال، ونصب دونها ودون مالهم القتال، ثم اتصل بملكهم فأكرم مثواه،

205

ومكنه من التجارة بجميع بلاده، وخاطبه بالصديق الأحب، والخلاصة الأقرب، ثم صرار يكاتب من بتلمسان يستقضي منهم مآربه، فيخاطبه بمثل تلك المخاطبة، وعندي من كتبه وكتب ملوك المغرب ما ينبئ عن ذلك، فلما استوثقوا من الملوك، تذللت لهم الأرض للسلوك، فخرجت أموالهم عن الحد، وكادت تفوت الحصر والعد، لأن بلاد الصحراء قبل أن يدخلها أهل مصر (2) كان يجلب إليها من المغرب ما لا بال له من السلع، فتعاوض عنه بما له بال من الثمن - أي مدبر دنيا ضم جنبا أبي حمو وشمل ثوباه، كان يقول: لولا الشناعة لم أزل في بلادي تاجراً من غير تجار الصحراء الذين يذهبون بخبيث السلع، ويأتون بالتبر الذي كل أمر الدنيا له تبع، ومن سواهم يحمل منها الذهب، ويأتي إليها بما يضمحل عن قريب ويذهب، ومنه ما يغير من العوائد، ويجر السفهاء إلى المفاسد - (3) ، ولما درج هؤلاء الأشياخ جعل أبناؤهم ينفقون مما تركوا لهم، ولم يقوموا بأمر التثمير قيامهم، وصادفوا توالي الفتن، ولم يسلموا من جور السلاطين، فلم يزل حالهم في نقصان إلى هذا الزمن، فها أنا ذا لم أدرك من ذلك إلا أثر نعمة اتخذنا فضوله عيشاً، وأصوله حرمة، ومن جملة ذلك خزانة كبيرة من الكتب، وأسباب كثيرة تعين على الطلب، فتفرغت بحول الله عز وجل للقراءة، فاستوعبت أهل البلد لقاء، وأخذت عن بعضهم عرضاً وإلقاء، سواء المقيم القاطن (4) ، والوارد والظاعن؛ انتهى كلامه في أوليته، وقد نقله لسان الدين في الإحاطة.

وقال مولاي الجد رحمه الله تعالى: كان مولدي بتلمسان أيام أبي حمو موسى بن عثمان بن يغمراسن بن زيان، وقد وقفت على تاريخ ذلك، ولكني

206

رأيت الصفح عنه لأن أبا الحسن ابن مؤمن سأل أبا طاهر السلفي عن سنه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا الفتح ابن زيان عن سنه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت علي بن محمد اللبان عن سنه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا القاسم حمزة بن يوسف السهمي عن سنه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا بكر محمد بن عدي المنقري عن سنه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا إسماعيل الترمذي عن سنه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت بعض أصحاب الشافعي عن سنه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت الشافعي عن سنه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت مالك بن أنس عن سنه فقال: أقبل على شأنك، ليس من المروءة للرجل أن يخبر بسنه؛ انتهى.

قلت: ولما تذاكرت مع مولاي العم الإمام - صب الله تعالى على مضجعه من الرحمة الغمام - هذا المعنى الذي ساقه مولاي الجد رحمه الله تعالى أنشدني لبعضهم (5):

احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ... سن ومال ما استطعت ومذهب

فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة ... بمكفر وبحاسد (6) ومكذب

قال الونشريسي بحق الجد ما نصه: القاضي الشهير الإمام العالم أبو عبد الله محمد بن محمد المقري، التلمساني المولد والمنشأ، الفاسي المسكن، كان رحمه الله تعالى عالماً عاملاً ظريفاً نبيهاً (7) ذكياً نبيلاً فهماً متيقظاً جزلاً محصلاً؛ انتهى.

وقد وقفت له بالمغرب على مؤلف عرف فيه بمولاي الجد، وذكر جملة من أحواله، وذلك أن طلبه بعض أهل عصره في تأليف أخبار الجد، فألف فيه ما ذكر.

207

وقال في الإحاطة في ترجمة مولاي الجد بعد ذكره أوليته ما صورته:

حاله - هذا الرجل مشار إليه بالعدوة الغربية اجتهاداً ودؤوباً (8) وحفظاً وعناية واطلاعاً ونقلاً ونزاهة، سليم الصدر، قريب الغور، صادق القول، مسلوب التصنع، كثير الهشة، مفرط الخفة، ظاهر السذاجة، ذاهب أقصى مذاهب التخلق، محافظ على العمل، مثابر على الانقطاع، حريص على العبادة، مضايق في العقد والتوجه، يكابد من تحصيل النية بالوجه واليدين مشقة، ثم يغافص الوقت فيها ويوقعها دفعة متبعاً إياها زعقة التكبير برجفة ينبو عنها سمع من لم تؤنسه بها العادة بما هو دليل على حسن المعاملة وإرسال السجية، قديم النعمة متصل الخيرية، مكب على النظر والدرس والقراءة، معلوم الصيانة والعدالة، منصف في المذاكرة، حاسر للذراع عند المباحثة، راحب عن الصدر في وطيس المناقشة، غير مختار للقرن ولا ضان بالفائدة، كثير الالتفات متقلب الحدقة، جهير بالحجة بعيد عن المراء والمباهتة (9) ، قائل بفضل أولي الفضل من الطلبة، يقوم أتم القيام على العربية والفقه والتفسير ويحفظ الحديث ويتهجر بحفظ التاريخ والأخبار والآداب، ويشارك مشاركة فاضلة في الأصلين والجدل والمنطق، ويكتب ويشعر (10) مصيباً غرض الإجادة، ويتكلم في طريقة الصوفية كلام أرباب المقال ويعتني بالتدوين فيها، شرق وحج ولقي جلة واضطبن (11) رحلة مفيدة، ثم عاد إلى بلده فأقرأ به واقطع إلى خدمة العلم، فلما ولي ملك المغرب السلطان محالف الصنع ونشيدة الملك وأثير الله من بين القرابة والاخوة أمير المؤمنين أبو عنان اجتذبه، وخلطه بنفسه واشتمل عليه وولاه قضاء الجماعة بمدينة فاس، فاستقل بذلك أعظم الاستقلال، وأنفذ الحق وألان الكلمة وآثر التسديد وحمل الكل وخفض الجناح،

208

فحسنت عنه القالة، وأحبته الخاصة والعامة. حضرت بعض مجالسه للحكم فرأيت من صبره على اللدد وتأنيه للحجج ورفقه بالخصوم (12) ما قضيت منه العجب.

دخوله غرناطة - ثم لما أخر عن القضاء استعمل بعد لأي في الرسالة، فوصل الأندلس أوائل جمادى الثانية من عام سبعة وخمسين وسبعمائة، فلما قضى غرض رسالته وأبرم عقد وجهته واحتل مالقه في منصرفه بدا له في نبذ الكلفة واطراح وظيفة الخدمة وحل التقيد إلى ملازمة الإمرة (13) ، فتقاعد وشهر غرضه وبت في الانتقال طمع من كان صحبته (14) ، وأقبل على شأنه، فخلي بينه وبين همه، وترك وما انتحله من الانقطاع إلى ربه، وطار الخبر إلى مرسله، فأنف من تخصيص إيالته بالهجرة والعدول عنها بقصد التخلي والعبادة، وأنكر ما حقه الإنكار من إبطال عمل الرسالة، والانقباض قبل الخروج عن العهدة (15) ، فوغر صدره على صاحب الأمر، ولم يبعد الظنة والمواطأة على النفرة، وتجهزت جملة من الخدام المجلين في مأزق الشبهة المضطلعين بإقامة الحجة، مولين خطة الملام، مخيرين بين سحائب عاد من إسلامه، مظنة إعلاق النقمة، وإيقاع العقوبة، أو الإشادة بسبب إجارته بالقطيعة والمنابذة. وقد كان المترجم به لحق بغرناطة فتذمم بمسجدها، وجأر بالانقطاع إلى الله، وتوعد من يجبره بنكير من يجير ولا يجار عليه سبحانه، فأهم أمره، وشغلت القلوب آبدته، وأمسك الرسل بخلال ما صدرت شفاعة اقتضى له فيها رفع التبعة وتركه إلى تلك الوجهة، ولما تحصل ما تيسر من ذلك انصرف محفوفاً بعالمي (16) القطر قاضي الجماعة أبي القاسم الحسني المذكور قبله والشيخ الخطيب أبي البركات ابن الحاج مسلمين لوروده،

209

مشلفهين بالشفاعة في غرضه، فانقشعت الغمة وتنفست الكربة، واستصحبا من المخاطبة السلطانية في أمره من إملائي ما يذكر حسبما ثبت في الكتاب المسمى ب " كناسة الدكان بعد انتقال السكان " المجموع بسلا ما صورته:

" المقام الذي يحب (17) الشفاعة ويرعى الوسيلة، وينجز العدة ويتمم الفضيلة، ويضفي مجده المنن الجزيلة، ويعيي حمده الممادح العريضة الطويلة، مقام محل والدنا الذي كرم مجده، ووضح سعده، وصح في الله تعالى عقده، وخلص في الأعمال الصالحة قصده، وأعجز الألسنة حمده، السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا، أبقاه الله سبحانه لوسيلة يرعاها، وشفاعة يكرم مسعاها، وأخلاق جميلة تجيب دعوة الطبع الكريم إذا دعاها، معظم سلطانه الكبير وممجد مقامه الشهير، المتشيع لأبوته الرفيعة قولاً باللسان واعتقاداً بالضمير، المعتمد منه بعد الله على الملجإ الأحمى والولي النصير، فلان. سلام كريم، طيب بر عميم، يخص مقامكم الأعلى، وأبوتكم الفضلى، ورحمة الله وبركاته.

" أما بعد حمد الله الذي جعل الخلق الحميد دليلاً (18) على عنايته بمن حلاه حلاها، وميز بها النفوس النفيسة التي اختصها بكرامته وتولاها، حمداً يكون كفؤاً للنعم التي أولاها، وأعادها ووالاها، والصلاة على سيدنا محمد عبده ورسوله المترقي من درجات الاختصاص أرفعها وأعلاها، الممتاز من أنوار الهداية بأوضحها وأجلاها، مطلع آيات السعادة يروق مجتلاها، والرضى عن اله وصحبه الذين خبر صدق ضمائرهم لما ابتلاها، وعسل ذكرهم في الأفواه فما أوصافهم على الألسن وأحلاها، والدعاء لمقام أبوتكم حرس الله تعالى علاها، بالسعادة التي يقول الفتح أنا طلاع الثنايا وابن جلاها، والصنائع

210

التي تخترق المفاوز بركائبها المبشرات فتفلي فلاها، فإنا كتبنا كتب الله تعالى لكم عزة مشيدة البناء، وحشد على أعلام صنائعكم الكرام جيوش الثناء، وقلدكم من قلائد مكارم الأخلاق ما يشهد لذاتكم منه بسابقة الاعتناء من حمراء غرناطة حرسها الله والود باهر السنا ظاهر السناء، مجدد على الآناء، والتشيع رحب الدسيعة والفناء.

" وإلى هذا - وصل الله تعالى سعدكم، وحرس مجدكم، فإننا خاطبنا مقامكم الكريم في شأن الشيخ الفقيه الحافظ الصالح أبي عبد الله المقري خار الله تعالى لنا وله، وبلغ الجميع من فضله العميم أمله، جواباً عما صدر عن مثابتكم فيه من الإشارة الممتثلة، والمآرب المعملة، والقضايا غير المهملة، نصادركم بالشفاعة، التي مثلها بأبوابكم لا يرد، وظمآها عن منهل قبولكم لا تحلأ ولا تصد، حسبما سنة الأب الكريم والجد، والقبيل الذي وضح منه في المكارم الرسم والحد، ولم نصدر الخطاب حتى ظهر لنا من أحواله صدق المخيلة، وتبلج صبح الزهادة والفضيلة، وجود النفس الشحيحة، بالعرض الأدنى البخيلة، وظهر تخليه عن هذه الدار، واختلاطه باللفيف والغمار، وإقباله على ما يعني مثله من صلة الأوراد ومداومة الاستغفار. وكنا لما تعرفنا إقامته بمالقة لهذا الغرض الذي شهره، والفضل الذي أبرزه للعيان وأظهره، أمرنا أن يعتنى بأحواله، ويعان على فراغ باله، ويجرى عليه سيب من ديون الأعشار الشرعية وصريح ماله، وقلنا ما أتاك من غير مسألة مستند صحيح لاستدلاله، ففر من مالقة على ما تعرفنا لهذا السبب، وقعد بحضرتنا مستور المنتمى والمنتسب، وسكن بالمدرسة بعض الأماكن المعدة لسكنى المتسمين بالخير والمحترفين ببضاعة الطلب، بحيث لم يتعرف وروده ووصوله إلا ممن لا يؤبه بتعريفه، ولم تتحقق زوائده وأصوله لقلة تصريفه.

" ثم تلاحق إرسالكم الجلة فوجبت حينئذ الشفاعة، وعرضت على سوق الحلم والفضل من الاستلطاف والاستعطاف البضاعة، وقررنا ما تحققناه من أمره

 

211

وانقباضه عن زيد الخلق وعمره، واستقباله الوجهة التي من ولى وجهه شطرها فقد آثر أثيراً، ومن ابتاعها بمتاع الدنيا فقد نال فضلاً كبيراً وخيراً كثيراً، وسألنا منكم أن تبيحوا له ذلك الغرض الذي رماه بعزمه، وقصر عليه أقصى همه، فما أخلق مقامكم أن يفوز به طالب الدنيا بسهمه، ويحصل منه طالب الآخرة على حظه الباقي وقسه، ويتوسل الزاهد بزهده والعالم بعلمه، ويعول البريء على فضله ويثق المذنب بحمله، فوصل الجواب الكريم بمجرد الأمان وهو أرب من آراب، وفائدة من جراب، ووجه من وجوه إعراب، فرأينا أن المطل بعد جفاء، والإعادة ليس يثقلها خفاء، ولمجدكم بما ضمنا عنه وفاء، وبادرنا الآن إلى العزم عليه في ارتحاله، وأن يكون الانتقال عن رضى منه من صفة حاله، وأن يقتضي له ثمرة المقصد، ويبلغ طية الإسعاف في الطريق الأقصد، إذ كان الأمان لمثله ممن تعلق بجناب الله من مثلكم حاصلاً، والدين المتين بين نفسه وبين المخافة فاصلاً، وطالب كيمياء السعادة بإعانتكم واصلاً، ولما مدت اليد في تسويغ حالة هديكم عليها أبداً يحرض، وعلمكم يصرخ بمزيتها فلا يعرض، فكملوا أبقاكم الله ما لم تسعنا فيه مشاحة الكتاب، وألحقوا بالأصل حديث هذه الإباحة فهو أصح حديث في الباب، ووفوا غرضنا من مجدكم، وخلوا بينه وبين مراده من ترك الأسباب، وقصد غافر الذنب وقابل التوب بإخلاص المتاب، والتشمير ليوم العرض وموقف الحساب، وأظهروا عليه عناية الجناب، الذي تعلق به أعلق الله به يدكم من جناب، ومعاذ الله أن تعود شفاعتنا من لدنكم غير مكملة الآراب.

" وقد بعثنا من يتوب عنا في مشافهتكم بها أحمد المناب، ويقتضي خلاصها بالرغبة لا بالغلاب، وهما فلان وفلان، ولولا الأعذار لكان في هذا الغرض أعمال الركاب، يسبق أعلام الكتاب، وأنتم تولون هذا القصد من مكارمكم ما يوفر الثناء الجميل، ويربي على التأميل ويكتب على الود الصريح العقد وثيقة التسجيل، وهو سبحانه يبقيكم لتأييد المجد الأثيل، وإنالة الرفد الجزيل، والسلام

 

212

الكريم يخص مقامكم الأعلى، ومثابتكم الفضلى، ورحمة الله تعالى وبركاته، في الحادي والعشرين لجمادى الآخرة من عام سبعة وخمسين وسبعمائة؛ انتهى كلام ابن الخطيب في "الإحاطة".

وذكر في الريحانة أنه كتب في هذا الغرض ما نصه:

" وإلى هذا فإننا وقفنا على كتابكم الكريم في شأن الشيخ الصالح الفقيه الفاضل أبي عبد الله المقري وفقنا الله وإياه لما يزلف لديه، وهدانا إلى ما يقرب إليه، وما بلغكم بتقاعده بمالقة، وما أشرتم به في أمره، فاستوفينا جميع ما قررتم، واستوعبنا ما أجملتم في ذلك وفسرتم، وعلموا يا محل والدنا أمتعنا الله ببقائكم الذي في ضمنه اتصال السعادة، وتعرف النعم المعادة أننا لما انصرف عن بابنا هو ومن رافقه عن انشراح صدور، وتكييف جذل بما تفضلتم به وسرور، تعرفنا أنه تقاعد بمالقة عن صحبه، وأظهر الاشتغال بما عند ربه، وصرف الوجه إلى التخلي مشفقاً من ذنبه، واحتج بأن قصده ليس له سبب، ولا تعين له في الدنيا أرب، وأنه عرض عليكم أن تسمحوا له فيما ذهب إليه، وتقروه عليه، فيعجل البدار، ويمهد تحت إيالتكم القرار، فلما بلغنا هذا الخبر، لم يخلق الله عندنا به مبالاة تعتبر، ولا أعددناه فيما يذكر، فكيف فيما ينكر، وقطعنا أن الأمر فيه هين، وأن مثل هذا الغرض لا تلفت إليه عين، فإن بابكم غني من طبقات أولي الكمال، ملي بتسويغ الآمال، موفور الرجال، معمور بالفقهاء العارفين بأحكام الحرام والحلال، والصلحاء أولي المقامات والأحوال، والأدباء فرسان الروية والارتجال، ولم ينقص بفقدان الحصى أعداد الرمال، ولا يستكثر بالقطرة جيش العارض المنثال، مع ما علم من إعانتكم على مثل هذه الأعمال، واستمساككم بإسعاف غرض من صرف وجهه إلى ذي الجلال، ولو علمنا أن شيئاً يهجس في الخاطر من أمر مقامه، لقابلناه بعلاج سقامه.

" ثم لم ينشب أن تلاحق بحضرتنا بارزاً في طور التقلل والتخفيف، خالطاً

 

213

نفسه باللفيف، قد صار نكرة بعد العلمية (19) والتعريف، وسكن بعض مواضع المدرسة منقبضاً عن الناس لا يظهر إلا لصلاة يشهد جماعتها، ودعوة للعباد يخاف إضاعتها، ثم تلاحق إرسالكم الجلة، الذين تحق لمثلهم التجلة، فحضروا لدينا وأدوا المخاطبة الكريمة كما ذكر إلينا، وتكلمنا معهم في القضية، وتنخلنا في الوجوه المرضية، فلم نجد وجهاً أخلص من هذا الغرض، ولا علاجاً يتكفل ببرء المرض، من أن كلفناهم الإقامة التي يتبرك بيمن جوارها، ويعمل على إيثارها، بخلاف ما نخاطب مقامكم بهذا الكتاب الذي مضمنه شفاعة يضمن حباؤكم احتسابها، ويرعى انتماءها إلى الخلوص وانتسابها، ويعيدها قد أعلمت الحظوة أثوابها، ونقصدكم ومثلكم من يقصد في المهمة، فأنتم المثل الذائع في عموم الحلم وعلو الهمة، في أن تصدروا له مكتوباً مكمل الفصول، مقرر الأصول، يذهب الوجل، ويرفع الخجل، ويسوغ من مآربه لديكم الأمل، ويخلص النية ويرتب العمل، حتى يظهر ما لنا عند أبوتكم من تكميل المقاصد، جرياً على ما بذلتم من جميل العوائد، وإذا تحصل ذلك كان بفضل الله إيابه، وأناخت بعقوة (20) وعدكم الوفي ركابه، ويصل لمقامكم عزه ومجده وثوابه، وأنتم ممن يرعى أمور المجد حق الرعاية، وسيجرى في معاملة الله تعالى على ما أسس من فضل البداية، وتحقق الظنون فيما لديه من المدافعة عن حوزة الإسلام والحماية، هذا ما عندنا أعجلنا به الإعلام، وأعملنا فيه الأقلام، بعد أن أجهدنا الاختيار وتنخلنا الكلام، وجوابكم بالخير كفيل، ونظركم لنا وللمسلمين جميل، والله تعالى يصل سعدكم، والسلام ". انتهى.

قلت: هذه آفة مخالطة الملوك، فإن مولاي الجد المذكور كان نزل عن (21) القضاء وغيره، فلما أراد التخلي إلي لم يتركه السلطان أبو عنان كما رأيت.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحوائط: جمع حائط وهو مزرعة النخيل.

(2) ق: أهل مقرة.

(3) هكذا وردت هذه العبارة معترضة في الأصول والإحاطة؛ وأبو حمو المذكور فيها هو موسى بن عثمان بن يغمراسن، والمقري قد ولد في زمانه؛ ويمدحه بأنه كان عارفا بالتدبير، قد ضم جنباه وشمل ثوبه امراءا عارفا بشؤون التجارة، حتى كان يتمنى لو أنه بقي في بلاده تاجرا ... إلخ.

(4) ق: والقاطن.

(5) أوردهما ابن الجوزي في صيد الخاطر: 346 قال: وقد أنشدنا محمد بن عبد الباقي البزار.

(6) صيد الخاطر: بمموه ومحرف.

(7) نبيها: سقطت من ق.

(8) ق: ودينا.

(9) ق: والمباهاة.

(10) ويشعر: سقطت من ق.

(11) اضطبن: احتقب.

(12) ق ص: للخصوم.

(13) ق: الآخرة، ولعلها أصوب.

(14) ق: صحبه.

(15) من إبطال ... العهدة: سقطت من ص.

(16) ص ق: يعلمي.

(17) ص ق: يحسب.

(18) ق: دلالة.

(19) العلمية: سقطت من ق.

(20) ص ق: عقرة؛ والعقوة: الساحة.

(21) ق: هاربا من؛ وسقطت من ص.

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي