x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
ترجمة المصحفي من المطمح
المؤلف: أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر: نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة: مج1، ص:592-596
19-5-2022
1868
ترجمة المصحفي من المطمح
قال الفتح في المطمح (1) : الحاجب جعفر المصحفي - تجرد للعليا، وتمرد في طلب الدنيا، حتى بلغ المنى، وتسوغ ذلك الجنى، فسما دون سابقة، وارتمى إلى رتبة لم تكن لبنيته (2) بمطابقة، فالتاح في أفياء الخلافة، وارتاح إليها بعطفه كنشوان السلافة، واستوزره المستنصر، وعنه كان يسمع وبه كان (3) يبصر، فأدرك بذلك ما أدرك، ونصب لأمانيه الحبائل والشرك، واقتنى وادخر، وأزرى (4) بمن سواه وسخر، واستعطفه المنصور بن أبي عامر ونجمه بعد غائر لم يلح، وسره مكتوم لم يبح، فما عطف، ولا جنى من روضة دنياه ولا قطف، فأقام في تدبير الأندلس ما أقام والأندلس متغيرة، والأذهان في تكيف سعده متحيرة، فناهيك من ذكر خلد، ومن فخر تقلد، ومن صعب راض، وجناح فتنة هاض، ولم يزل بنجاد تلك الخلافة معتقلا، وفي مطالعها منتقلا، إلى أن توفي الحكم، فانتقض عقده المحكم، وانبرت إليه النوائب، وتسددت إليه من الخطوب (5) سهام صوائب، واتصل إلى المنصور ذلك الأمر، واختص به كما مال بيزيد أخوه الغمر، وأناف في تلك الخلافة كما شب قبل اليوم عن طوقه عمرو، وانتدب للمصحفي بصدر كان أوغره، وساءه وصغره، فاقتص من تلك الإساءة، وأغص حلقه بأي مساءة (6) ،
(592)
فأخمله ونكبه، وأرجله عما كان الدهر أركبه، وألهب جوارحه (7) حزنا، ونهب له مدخرا ومختزنا، ودمر عليه ما كان حاط،وأحاط به من مكروهه ما أحاط، غبر سنين في مهوى تلك النكبة، وجوى (8) تلك الكربة، ينقله المنصور معه في غزواته،ويعتقله بين ضيق المطبق ولهواته، إلى ان تكورت شمسهن وفاظت بين أثناء المحن نفسه، ومن بديع ما حفظ له في نكبته، قوله يستريح من كربته:
صبرت على الأيام لما تولت ... وألزمت نفسي صبرها فاستمرت
فوا عجبا للقلب كيف اعترافه ... وللنفس بعد العز كيف استذلت
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ... فإن طمعت تاقت وإلا تسلت
وكانت على الأيام نفسي عزيزة ... فلما رأت صبري على الذل ذلت
فقلت لها: يا نفس موتي كريمة ... فقد كانت الدنيا لنا ثم ولت وكان له أدب بارع، وخاطر إلى نظم القريض يسارع (9) ، فمن محاسن إنشاده (10) ، التي بعثها إيناس دهره بإسعاده، قوله:
لعينيك في قلبي علي عيون ... وبين ضلوعي للشجون فنون
لئن كان جسمي مخلقا في يد الهوى ... فحبك عندي في الفؤاد مصون وله وقد أصبح عاكفا على حمياه، هاتفا بإجابة دنياه، مرتشفا ثغر الأنس متنسما رياه، والملك يغازله بطرف كليل، والسعد قد عقد عليه منه إكليل، يصف لون مدامه، وما تعرف له منها دون ندامه:
(593)
صفراء تطرق في الزجاج فإن سرت ... في الجسم دبت مثل صل لادغ
خفيت على شرابها فكأنما ... يجدون ريا من إناء فارغ ومن شعره الذي قاله في السفرجل مشبها، وغدا به لنائم البديع منبها، قوله يصف سفرجلة، ويقال إنه ارتجله:
ومصفرة تختال في ثوب نرجس ... وتعبق عن مسك ذكي التنفس
لها ريح محبوب وقسوة قلبه ... ولون محب حلة السقم مكتسي
فصفرتها من صفرتي مستعارة ... وأنفاسها في الطيب أنفاس مؤنسي
وكان لها ثوب من الزغب أغبر ... على جسم مصفر من التبر أملس
فلما استتمت في القضيب شبابها ... وحاكت لها الأوراق أثواب سندس
مددت يدي باللطف أبغي اجتناءها ... لأجعلها ريحانتي وسط مجلسي
فبزت يدي غصبا لها ثوب جسمها ... وأعريتها باللطف من كل ملبس
ولما تعرت في يدي من برودها ... ولم تبق إلا في غلالة نرجس
ذكرت لها من لا أبوح بذكره ... فأذبلها في الكف حر التنفس وله وقد أعاده المنصور إلى المطبق، والشجون تسرع إليه وتسبق، معزيا لنفسه (11) ، ومجتزيا بإسعاد (12) أمسه:
أجازي الزمان على حاله ... مجازاة نفسي لأنفاسها
إذا نفس صاعد شفها ... توارت به دون جلاسها
وإن عكفت نكبة للزمان ... عطفت بنفسي (13) على راسها ومما حفظ له في استعطافه، واستنزاله للمنصور واستلطافه، قوله:
(594)
عفا الله عنك، ألا رحمة ... تجود بعفوك أن ابعدا
لئن جل ذنب ولم أعتمده ... فأنت أجل وأعلى يدا
ألم تر عبدا عدا طوره ... ومولى عفا ورشيدا هدى
ومفسد أمر تلافيته ... فعاد فأصلح ما أفسدا
أقلني أقالك من لم يزل ... يقيك ويصرف عنك الردى
عود وانعطاف إلى أخبار المنصور بن أبي عامر رحمه الله تعالى، وجازاه عن جهاده أفضل الجزاء بمنه وكرمه وفضله وطوله، فنقول:
وكان له في كل غزوة من غزواته المنيفة على الخمسين مفخر من المفاخر الإسلامية، فمنها أن بعض الأجناد نسي رايته مركوزة على جبل بقرب إحدى مدائن الروم، فأقامت عدة أيام لا يعرف الروم ما وراءها بعد رحيل العساكر، وهذا بلا خفاء مما يفتخر به أهل التوحيد على التثليث (14) ، لأنهم لما أشرب قلوبهم خوف شرذمة المنصور وحزبه،وعلم كل من ملوكهم أنه لا طاقة له بحربه، لجأوا إلى الفرار والتحصن بالمعاقل والقلاع، ولم يحصل منهم غير الإشراف من بعد والاطلاع.
ومن مفاخر المنصور في بعض غزواته أنه مر بين جبلين عظيمين في طريق عرض بريد (15) بوسط بلاد الإفرنج، فلما جاوز ذلك المحل - وهو آخذ في التحريق والتخريب والغارات والسبي يمينا وشمالا - لم يجسر أحد من الإفرنج على لقائه، حتى أقفرت البلاد مسافة أيام، ثم عاد فوجد الإفرنج قد استجاشوا من وراءهم، وضبطوا ذلك المدخل الضيق الذي بين جبلين، وكان الوقت شتاء، فلما رأى ما فعلوه رجع واختار منزلا من بلادهم أناخ به فيمن معه من العساكر، وتقدم ببناء الدور والمنازل، وبجمع آلات الحرث ونحوها، وبث سراياه فسبت
(595)
وغنمت، فاسترق الصغار، وضرب أعناق الكبار، وألقى جثثهم حتى سد بها المدخل الذي من جهته، وصارت سراياه تخرج فلا تجد إلا بلدا خرابا، فلما طال البلاء على العدو أرسلوا غليه في طلب الصلح، وأن يخرج بغير أسرى ولا غنائم، فامتنع من ذلك، فلم تزل رسلهم تتردد إليه حتى سألوه أن يخرج بغنائمه وأسراه، فأجابهم: إن أصحابي أبوا أن يخرجوا، وقالوا: إنا لا نكاد نصل إلى بلادنا إلا وقد جاء وقت الغزوة الأخرى، فنقعد ههنا إلى وقت الغزاة، فإذا غزونا عدنا،فمازال الإفرنج يسألونه إلى أن قرر عليهم أن يحملوا على دوابهم ما معه من الغنائم والسبي، وأن يمدوه بالميرة حتى يصل إلى بلادهن وأن ينحو جيف القتلى عن طريقه بأنفسهم، ففعلوا ذلك كله، وانصرف.
ولعمري إن هذا لعز ما وراءه مطمح، ونصر لا يكاد الزمان يجود بمثله ويسمح، خصوصا إزالتهم جيف قتلاهم من الطريق، وغصصهم في شرب ذلك بالريق.
ومن مآثره التي هي في جبين عصره غرة، ولعين دهره قرة، أنه لما ختن أولاده ختن معهم من أولاد أهل دولته خمسمائة صبي، ومن أولاد الضعفاء عدد لا ينحصر (16) ، فبلغت النفقة عليهم في هذا الإعذار، خمسمائة ألف دينار، وهذه مكرمة مخلدة، ومنة مقلدة، فالله سبحانه يجازيه عن ذلك أفضل الجزاء، ويجعل للمسلمين في فقد مثله أحسن العزاء.
ومن مناقبه التي لم تتفق لغيره من الملوك في غالب الظن (17) ، أن أكثر جنده من سبيه على ما حققه بعض المؤرخين، وذلك غاية المنح من الله والمن.
ومن أخباره الدالة على إقبال أمره وخيبة عدوه وإدباره، أنه ما عاد قط من غزوة إلا استعد لأخرى، ولم تهزم له قط راية مع كثرة غزواته شاتية صائفة وكفاه ذلك فخرا.
(596)
ومنها أنه لقيته - وقد عاد من بعض غزواته - امرأة نقمت عليه بلوغ مناه وشهواته، وقالت له: يا منصور، استمع ندائي، فأنت في طيب عيشك وأنا في بكائي، فسألها عن مصيبتها التي عمتها وغمتها (18) ، فذكرت له أن لها ابنا أسيرا في بلاد سمتها، وأنها لا يهنأ عيشها لفقده، ولا يخبو ضرام قلقها من وقده، وأنشد لسان حالها ذلك الملك العلي:
أيا ويح الشجي من الخلي (19) ... فرحب المنصور بها وأظهر الرقة بسببها، وخرج من القابلة إلى تلك المدينة التي فيها ابنها وجاس أقطارها وتخللها، حتى دوخها إذ أناخ عليها بكلكله وذللها، وأعراها من حماتها وببنود الإسلام المنصورة ظللها، وخلص جميع من فيها من الأسرى، وجلبت عوامله إلى قلوب الكفرة كسرا، وانقلبت عيون الأعداء حسرى، وتلا لسان حال المرأة " فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا " .
فهكذا تكون الهمة السلطانية، والنخوة الإيمانية، فالله سبحانه يروح تلك الأرواح في الجنان، ويرقي درجاتها ويعاملها بمحض الفضل والامتنان.
__________
(1) انظر المطمح 4 - 8.
(2) ك: لبيته؛ ق: إلى بيته.
(3) كان: سقطت من ك.
(4) ج ط: وزرى.
(5) من الخطوب: زيادة من المطمح.
(6) ق ك: بأي أشاءة.
(7) دوزي: جوانحه.
(8) ق ك ط: وجراء؛ ج: وجزاء.
(9) دوزي: مسارع.
(10) ك: نظامه وإنشاده.
(11) ق: لنفسه بنفسه.
(12) المطمح: بأخبار.
(13) المطمح و ق ط: عطفت بصلدي؛ دوزي و ج: بصدري.
(14) ك: أهل التثليث.
(15) عرض بريد: سقطت من ط.
(16) ك: لا يحصر.
(17) كذا في ق ك ط ج، وفي مطبوعة ليدن: في غابر الزمن.
(18) وغمتها: سقطت من ق ط ج.
(19) شطر بيت لأبي تمام وتمامه:
وبالي الربع من إحدى بلي ...