x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
قرطاجنة وخواصها
المؤلف: أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر: نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة: مج1، ص:168-174
30-3-2022
1840
قرطاجنة وخواصها
وقال بعضهم، لما أجرى ذكر قرطاجنة من بلاد الأندلس: إن الزرع في بعض أقطارها يكتفي بمطرة واحدة، وبها أقواس من الحجارة المقربصة (1) ، وفيها من التصاوير والتماثيل وأشكال الناس وصور الحيوانات ما يحير البصر والبصيرة، ومن أجب بنائها الدواميس (2) ، وهي أربعة وعشرون على صف واحد من حجارة مقربصة، طول كل داموس مائة وثلاثون خطوة في عرض ستين خطوة، وارتفاع كل واحد أكثر (3) من مائتي ذراع، بين كل داموسين أنقاب محكمة تتصل فيها المياه من بعضها إلى بعض في العلو الشاهق بهندسة عجيبة وإحكام بديع، انتهى.
قلت: أظن هذا غلطا؛ فإن قرطاجنة التي بهذه الصفة قرطاجنة إفريقية (4) ، لا قرطاجنة الأندلس، والله أعلم.
وقال صاحب مناهج الفكر، عندما ذكر قرطاجنة: وهي على البحر الرومي مدينة قديمة بقي منها آثار، لها فحص طوله ستة أيام وعرضه يومان
(168)
معمور بالقرى، انتهى.
وذكر قبل ذلك في لورقة أن بناحيتها يوجد حجر اللازورد.
وفي البحر الشامي الخارج من المحيط جزيرتا ميورقة ومنورقة، وبينهما خمسون ميلا، وجزيرة ميورقة مسافة يوم، بها مدينة حسنة، وتدخلها ساقية جارية على الدوام، وفيها يقول ابن اللبانة (5) :
بلد أعارته الحمامة طوقها ... وكساه حلة ريشه الطاووس (6)
فكأنما الأنهار فيه مدامة ... وكأن ساحات الديار كؤوس وقال يخاطب ملكها (7) ذلك الوقت:
وغمرت (8) بالإحسان أرض ميورقة ... وبنيت ما لم يبنه الاسكندر وجزيرة يابسة.
واستقصاء ما يتعلق بهذا الفصل يطول، ولو تتبع لكان تأليفا مستقلا، وما أحسن قول ابن خفاجة (9) :
(169)
إن للجنة بالأندلس ... مجتلى حسن وريا نفس
فسنا صبحتها من شنب ... ودجى ليلتها من لعس
وإذا ما هبت الريح صبا ... صحت واشوقي إلى الأندلس وقال بعضهم في طليطلة:
زادت طليطلة على ما حدثوا ... بلد عليه نضرة ونعيم
الله زينه فوشح خصره ... نهر المجرة والغصون نجوم [رسالة أبي البحر في تغاير مدن الأندلس]
ولا حرج إن أوردنا هنا ما خاطب به أديب الأندلس أبو بحر صفوان بن إدريس الأمير عبد الرحمن ابن السلطان يوسف بن عبد المؤمن بن علي، فإنه مناسب، ونصه (10) : مولاي، أمتع الله ببقائك الزمان وأبناءه، كما ضم على حبك أحناءهم وأحناءه، ووصل لك ما شئت من اليمن والأمان، كما نظم قلائد فخرك على لبة الدهر نظم الجمان، فإنك الملك الهمام، والقمر التمام، أيامك غرر وحجول، وفرند بهائها في صفحات الدهر يجول، ألبست الرعية برود التأمين، فتنافست فيك من نفيس ثمين، وتلقت دعوات خلدك لها باليمين، فكم للناس، من أمن بك وإيناس، وللأيام، من لوعة فيك وهيام، وللأقطار، من لبانات لديك وأوطار، وللبلاد، من قراع لها على تملكك لها وجلاد، يتمنون شخصك الكريم على الله ويقترحون، ويغتبقون في رياض ذكرك العاطر بمدام حبك ويصطبحون، " كل حزب بما لديهم فرحون " محبة من الله ألقاها لك حتى على الجماد، ونصرا
(170)
مؤزرا تنطق (11) به ألسنة السيوف على أفواه الأغماد، ومن أسر سريرة ألبسه الله رداءها، ومن طوى حسن نية ختم الله له بالجميل إعادتها وإبداءها، ومن قدم صالحا فلا بد أن يوازيه، ومن يفعل الخير لا يعدم جوازيه (12) . ولما تخاصمت فيك من الأندلس الأمصار، وطال بها الوقوف على حبك والاقتصار، كلها يفصح قولا، ويقول: أنا أحق وأولى، ويصيخ إلى إجابة دعوته ويصغي، ويتلو إذا بشر بك " ذلك ما كنا نبغ " ، تنمرت حمص غيظا، وكادت تفيظ فيظا، وقالت: ما لهم يزيدون وينقصون، ويطمعون ويحرصون " إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون " . لي (13) السهم الأسد، والساعد الأشد، والنهر الذي يتعاقب عليه الجزر والمد، أنا مصر الأندلس والنيل نهري، وسماء (14) التأنس والنجوم زهري، إن تجاريتم في ذلك (15) الشرف، فحسبي أن أفيض في ذكر الشرف (16) ، وإن تبجحتم (17) بأشرف اللبوس، فأي إزار اشتملتموه كشنتبوس (18) ، لي ما شئت من أبينة رحاب، وروض يستغني بنضرته عن السحاب، قد ملأت زهراتي وهادا ونجادا، وتوشح سيف نهري بحدائقي نجادا، فأنا أولاكم بسيدنا الهمام وأحق، " الآن حصحص الحق " .
فنظرتها قرطبة شزرا، وقالت: لقد كثرت نزرا، وبذرت في الصخر
(171)
الأصم بزرا، كلام العدى ضرب من الهذيان (19) ، وأنى للإيضاح والبيان، متى استحال المستقبح مستحسنا، ومن أودع أجفان المهجور وسنا " أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا " . يا عجبا للمراكز تقدم على الأسنة، وللأثفار تفضل على الأعنة، إن ادعيتم سبقا، فما عند الله خير وأبقى: لي البيت المطهر الشريف، والاسم الذي ضرب عليه رواقه التعريف، في بقيعي محل الرجال الأفاضل، فليرغم أنف المناضل، وفي جامعي مشاهد ليلة القدر، فحسبي من نباهة القدر، فما لأحد أن يستأثر علي بهذا السيد الأعلى، ولا أرتضي (20) له أن يوطئ غير ترابي نعلا، فأقروا لي بالأبوة، وانقادوا على حكم البنوة، " ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة " وكفوا عن تباريكم " ذلكم خير لكم عند باريكم " .
فقالت غرناطة: لي المعقل الذي يمتنع ساكنه (21) من النجوم، ولا تجري إلا تحته جياد الغيم (22) السجوم، فلا يلحقني من معاند ضرر ولا حيف، ولا يهتدي إلي خيال طارق ولا طيف، فاستسلموا قولا وفعلا، فقد أفلح اليوم من استعلى، لي بطاح تقلدت من جداولها أسلاكا، وأطلعت كواكب زهرها فعادت أفلاكا، ومياه تسيل على أعطافي كأدمع العشاق، وبرد نسيم يرد ذماء (23) المستجير بالانتشاق، فحسني لا يطمع فيه ولا يحتال، فدعوني فكل ذات ذيل تختال، فأنا أولى بهذا السيد الأعدل، وما لي به من عوض ولا بدل، ولم لا يعطف علي عنان مجده ويثني، وإن أنشد يوما فإياي يعني (24) :
(172)
بلاد بها عق الشباب تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها فما لكم تعتزون لفخري وتنتمون، وتتأخرون في ميداني وتتقدمون، تبرأوا إلي مما تزعمون " ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون " .
فقالت مالقة: أتتركوني بينكم هملا، ولم تعطوني في سيدنا أملا، ولم ولي البحر العجاج، والسبل الفجاج (25) ، والجنات الأثيرة، والفاكهة الكثيرة؛ لدي من البهجة ما تستغني به الحمام عن الهديل، ولا تجنح الأنفس الرقاق الحواشي إلى تعويض عنه ولا تبديل، فما لي لا أعطى في ناديكم كلاما، ولا أنشر في جيش فخاركم أعلاما؟
فكأن الأمصار نظرتها ازدراء، فلم تر لحديثها في ميدان الذكر إجراء، لأنها موطن لا يحلى منه بطائل، ونظن البلاد تأولت فيها قول القائل:
إذا نطق السفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السكوت فقالت مرسية: أمامي تتعاطون الفخر، وبحضرة الدر تنفقون الصخر؟ إن عدت المفاخر، فلي منها الأول والآخر، أين أوشالكم من بحري، وخرزكم من لؤلؤ نحري، وجعجعتكم من نفثات سحري؟ فلي الروض النضير، والمرأى الذي ما له من نظير، وزنقاتي (26) التي سار مثلها في الآفاق، وتبرقع وجه جمالها بغرة الإصفاق، فمن دوحات، كم لها من بكور وروحات، ومن أرجاء، إليها تمد أيدي الرجاء، فأبنائي فيها (27) في الجنة الدنيوية مودعون، يتنعمون فيما يأخذون ويدعون، ولهم فيها ما تشتهي أنفسهم ولهم فيها ما يدعون. فانقادوا لأمري، وحاذروا اصطلاء جمري، وخلوا
(173)
بيني وبين سيدنا أبي زيد، وإلا ضربتكم ضرب زيد (28) ، فأنا أولاكم بهذا الملك المستأثر بالتعظيم " وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " .
فقالت بلنسية: فيم الجدال والقراع؟ وعلام الاستهام والاقتراع؟ وإلام التعريض والتصريح؟ وتحت الرغوة اللبن الصريح (29) ، أنا أحوزه من دونكم، فأخمدوا ناري تحرككم وهدونكم، فلي المحاسن الشامخة الأعلام، والجنات التي تلقي إليها الآفاق يد الاستسلام، وبرصافتي وجسري أعارض مدينة السلام (30) ، فأجمعوا على الانقياد لي والسلام، وإلا فعضوا بنانا، واقرعوا أسنانا، فأنا حيث لا تدركون وأنى، ومولانا لا يهلكنا بما فعل السفهاء منا.
فعند ذلك ارتمت جمرة تدمير بالشرار، واستدت (31) أسهمها لنحور الشرار، وقالت: عش رجبا، تر عجبا، أبعد العصيان والعقوق، تتهيئين لرتب ذوي الحقوق؟ هذه سماء الفخر فمن ضمك أن تعرجي، ليس بعشك فادرجي (32) ، لك الوصب والخبل " آلآن وقد عصيت قبل " ، أيتها الصانعة الفاعلة، من أداك أن تطري وما أنت ناعلة (33) ؟ ما الذي يجديك الروض والزهر؟ أم ما يفيدك الجدول والنهر؟ وهل يصلح العطار وما أفسد الدهر (34) ؟ هل أنت إلا محط رحل النفاق، ومنزل ما
(174)
لسوق الخصب فيه من نفاق؟ ذراك لا يكتحل الطرف فيه بهجوع، وقراك لا يسمن ولا يغني من جوع، فإلام تبرز الإماء في منصة العقائل؟ ولكن اذكري قول القائل (35) :
بلنسية بيني عن القلب سلوة ... فإنك روض لا أحن لزهرك
وكيف يحب المرء دارا تقسمت ... على صارمي جوع وفتنة مشرك بيد أني أسأل الله تعالى أن يوقد من توفيقك ما خمد، يسيل من تسديدك ما خمد، ولا يطيل عليك في الجهالة الأمد، وإياه سبحانه نسأل أي يرد سيدنا ومولانا إلى أفضل عوائده، ويجعل مصائب أعدائه من فوائده، ويمكن حسامه من رقاب المشغبين، ويبقيه وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، ويصل له تأييدا وتأبيدا، ويمهد له الأيام حتى تكون الحرار لعبيد عبيده (36) عبيدا، ويمد على الدنيا بساط سعده، ويهبه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده:
آمين آمين لا أرضى بواحدة ... حتى أضيف إليها ألف آمينا ثم السلام الذي يتأنق عبقا ونشرا، ويتألق رونقا وبشرا، على حضرتهم العلية، ومطالع أنوارهم الجلية (37) ، ورحمة الله تعالى وبركاته، انتهى.
__________
(1) مقربصة أو مقربة بمعنى محكمة الأساس؛ يقال قربص البيت: قاس طوله وعرضه ليساوي بين كل حائط وما يقابله.
(2) الدواميس هنا: بمعنى الأحواض أو ما يشبه " الهواويس " ، جمع داموس، وقد تستعمل بمعنى " السجن " ومنه الديماس.
(3) ج ط ق: أطول.
(4) انظر جغرافية البكري - المغرب في ذكر بلاد أفريقية: 44 ففيه وصف لقرطاجنة افريقية يؤكد أن المقري على صواب.
(5) ابن اللبانة: أبو بكر محمد بن عيسى شاعر دولة المعتمد وصاحب المراثي فيه ومؤلف كتاب سقيط الدرر ولقيط الزهر في شعر ابن عباد، توفي سنة 507 بميورقة وسيرد ذكره في النفح كثيرا. (راجع ترجمته في المغرب 2: 409 والمعجب: 208 والقلائد: 245 والوافي: 4: 297 والذخيرة (القسم الثالث 209) والمطرب: 178 وفوات الوفيات 2: 514 والتكملة: 410 وله موشحات في دار الطراز.
(6) البيتان في " المقتطفات " : 40 وينسب البيتان لابن قلاقس الإسكندري، قالهما في مدينة مسينة بصقلية حين زارها، وهما في ديوانه: 56 وكذلك ينسبان لابن حمديس (ديوانه: 553) حسبما ورد في مسالك الأبصار، ونسبهما صاحب المغرب (2: 466) لابن اللبانة.
(7) كان صاحب ميورقة في زمن ابن اللبانة هو مبشر بن سليمان املقب ناصر الدولة.
(8) ق ج: وعمرت.
(9) أبو إسحاق إبراهيم بن خفاجة شاعر الطبيعة الأكبر، توفي سنة 523؛ نشر ديوانه بتحقيق الدكتور السيد مصطفى غازي (الإسكندرية 1960) وفي ص: 437 ثبت جامع للمصادر التي ترجمت لابن خفاجة أو أوردت ذكره وشعره؛ وهذه الأبيات في الديوان: 136.
(10) وردت هذه الرسالة في أوراق مخطوطة رقم 421 بالإسكوريال، وهي مقتطفات لعلها من نفح الطيب ويحال عليها بلفظة " المقتطفات " .
(11) ج: أنطق.
(12) من قول الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
(13) ك: ألهم.
(14) ك: وسمائي.
(15) ق ج: ذكر.
(16) يعني ما يسمى " شرف إشبيلية " ؛ راجع ص: 158 - 159.
(17) ك: تبجحتم.
(18) ط: كشنبوس. ج: كشوش.
(20) من قول المتنبي يمدح كافورا:
ولله سر في علاك وإنما ... كلام العدا ضرب من الهذيان (2) ك: أرضي.
(21) المقتطفات: يمنع صاحبه.
(22) ك: الغيث.
(23) ط: دماء.
(24) من شعر بعض الأعراب، وقبله:
أحب بلاد الله ما بين منعج ... إلي وسلمى أن يصوب سحابها
(25) في نسخة بهامش ك: والسيل الثجاج.
(26) الزنقات من متفرجات مرسية. (انظر المغرب 2: 246).
(27) ط ك: فيه.
(28) إشارة إلى قول النحويين: " ضرب زيد عمرا " .
(29) هذا من أمثالهم؛ أي أن الظاهر لا يحجب الحقيقة.
(30) تشتهر بلنسية برصافتها وجسرها، وكذلك بغداد في قول علي بن الجهم: " عيون المها بين الرصافة والجسر " .
(31) ط ق ج: واشتدت.
(32) من أمثالهم؛ أي ليس هذا من الأمر الذي لك فيه حق فدعيه. (انظر فصل المقال: 319).
(33) ك: أدراك أن تضربي وما انت فاعلة؛ ق ك ط ج دوزي: أن تضربي؛ ج: فاعلة. وكله خطأ في الجميع، وصوابه من المثل " أطري فإنك ناعلة " أي خذي طرر الوادي وهي نواحيه. (فصل المقال: 147 وفهرسته).
(34) من قول الشاعر في عجوز:
تروح إلى العطار تبغي صلاحها ... وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
(35) سينسبهما المقزي ص: 180 لابن عياش (وهما له في زاد المسافر: 94) وفي ياقوت (بلنسية): أنهما لابن حريق.
(36) ط ق والمقتطفات: اعبيده عبيدا.
(37) ك: السنية الجلية.