المازني
المؤلف:
د. محمد المختار ولد اباه
المصدر:
تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب
الجزء والصفحة:
ص125- 127
27-03-2015
3191
أما المازني فهو أول الثلاثة الذين قال عنهم الجاحظ إنه ليس في الأرض مثلهم في النحو و ثانيهما العباس بن الفرج الرياشي(1) و الثالث أبو إسحق إبراهيم بن عبد الرحمن الزيادي (2). أجمع الناس على صدق المازني و أمانته و علمه و يقول المبرد إنه لم يكن بعد سيبويه أعلم منه بالنحو (3) و لعله من أول من جمع بين علم النحو و علم الكلام: لكنه لم يخلط بين منهجيهما، فيقول المبرد عنه «إنه إذا ناظر أهل الكلام لم يستعن بشيء من النحو، و إذا ناظر أهل النحو لم يستعن بشيء من الكلام» (1 /283) .
لقد اشتهر أمر المازني عند المؤرخين من خلال قصة الجارية التي غنت أمام الواثق بقول الحارث بن خالد بن المخزومي:
أظليم إنّ مصابكم رجلا أهدى السّلام تحيّة ظلم (4)
و اختلفت مع التّوّزي (أو ابن السكيت) في إعراب هذا البيت. و أصرت على ما روت عن شيخها أبي عثمان المازني، و لما رجحت روايتها استدعي المازني عند الخليفة الواثق و جرت بينهما محاورة أدبية مشهورة.
و لقد اشتهرت مناظرته للعلماء و بيانه بأن «بغيا» أصلها فعول و لو كانت على وزن فعيل للزم تأنيثها بالهاء و سؤاله التعجيزي لابن السكيت عن وزن نَكْتَلْ في سورة يوسف-الآية 63 (5).
ص125
و أتيح للمازني، بفضل صلته بالخلفاء، أن يمارس نشاطه العلمي في سعة و طمأنينة و كان كتاب سيبويه عمدته في هذا النشاط. لقد أكمل دراسته، بعد الأخفش، على صديقه أبي عمرو الجرمي، و صاحبه حتى تخرق من طول ما حمله و كتب عنه كتاب الديباج في جوامعه، و فصل عنه المسائل الصرفية في كتاب مستقل عرف بتصريف المازني. و هو الذي شرحه ابن جني في المنصف و له كتاب الألف و اللام و ما تلحن فيه العامة. ثم إنه مارس التدريس، فكان من أشهر تلامذته إمام النحاة بعده أبو العباس محمد بن يزيد المبرد. و يذكر له المؤرخون تلميذا آخر لم يستطع أن يسايره إلى نهاية الطريق، و هو الشاعر الظريف أبو غسان رفيع بن سلمة العبدي الملقب بداماذ و هو الذي خاطب المازني بقوله:
تفكرت في النحو حتى ضجرت و أتعبت نفسي له و البدن
وأتعبت بكرا و أشياعه بقول المسائل من كل فن
فمن علمه ظاهر بيّن و من علمه غامض قد بطن
فكنت بظاهره عالما و كنت بباطنه ذا فطن
خلا أن بابا عليه العفا ء للفاء يا ليته لم يكن
و للواو باب إلى جنبه من المقت أحسبه قد لعن
إذا قلت هاتوا لماذا يقال لست بآتيك أو تأتين
أجابوا لما قيل هذا كذا على النصب قالوا بإضمار (أن)
و ما إن رأيت لها موضعا فأعرف ما قيل إلا يظن
و قد خفت يا بكر من طول ما أفكر في أمر «أن» أن أجنّ (6)
و لقد كان المازني أكثر استقلالا في آرائه من الجرمي، و أكثر تأثرا بتعاليم الأخفش و استنتاجاته و لا سيما تلك التي فيها نوع من القياس المنطقي، فتراه مثلا لا يفرق بين نون الإناث في مثل «النسوة قمن» ، أو «قمن النسوة» . فيقول إن النون حرف الإناث في كلا الاستعمالين(7). و من هنا وافق الأخفش في أن الياء من قومي و تقومين حرف، و أن الفاعل مستتر (8)، كما وافقه على أن أحرف اللين في الأسماء الخمسة أمداد إشباع لا للإعراب، و أنها في الجمع و المثنى دلائل إعراب لا حروف و أن الألف و الواو في قاما و قاموا علامتان تدلان على الفاعل المستتر (9).
ص126
و من آرائه الاجتهادية أن المضارع المجزوم ليس معربا لأن إعرابه بسبب وقوعه موقع الاسم و الاسم لا يمكن جزمه 4و منها أيضا الإخبار عن «ألا» التي للتمني مستدلا بقول الشاعر:
ألا عمر ولّى مستطاع رجوعه فيرأب ما أثأت يد الغفلات
و المعروف أن سيبويه يقول: إنها لا يخبر عنها و قد تابعه تلميذه المبرد في هذا الرأي(10)، كما تابعه أيضا في الوقف على «إذن» بالنون.
و من القضايا التي خالف المازني سيبويه فيها (11)، و تابعه المبرد عليها، أن فعلا و فعيلا لا يعملان، و قد ردّ المازني على استشهاد سيبويه في إعمال فعل يقول الشاعر:
حذر أمورا لا تضير و آمن ما ليس منجيه من الأقدار
فقال إنه لقى أبان بن عبد الحميد اللاحقي، و أخبره أن سيبويه سأله هل عنده سماع في إعمال «فعل» فصنع له هذا البيت، و كما يقول ابن أبي الربيع، فإن اللاحقي حين يقر على نفسه بالكذب فلا معنى لتصديقه في صناعة البيت مع أن الأعلم الشنتمري استدل على هذا الإعمال بقول الخليل:
أتاني أنّهم مزقون عرضي جحاش الكرملين لهم فديد
و لقد أول المازني الشاهد الذي أورده سيبويه في إعمال «فعيل» و هو:
حتّى شآها كليل موهنا عمل باتت طرابا و بات الليل لم ينم
فقال إن «موهنا» ظرف لا مفعول به. و من المسائل التي لم يتابع سيبويه فيها كونه لا يجيز قياس اسم التفضيل من أكرم، و لا يرى مانعا من تقديم التمييز على عامله و من نصب المنادى في مثل «يا أيها الرجل» . غير أن هذا لا يعني أن المازني كان حائدا عن نهج سيبويه العام، بل إنه يرى على نفسه الاقتداء به و نصرته و روى عنه قوله: (إذا قال العالم قولا متقدما فللمتعلم الاقتداء به، و الانتصار له و الاحتجاج لخلافه إن وجد لذلك سبيلا) (12)
ص127
_____________________
(1) العباس بن الفرج الرياشي البصري المتوفى سنة 257، شيخ ابن دريد و المبرد، ترجمته في الزبيدي طبقات النحويين ص 97 و إنباه الرواة، ج 3 ص 367.
(2) الزيادي أبو إسحاق ابراهيم بن سفيان تلميذ الأصمعي و شيخ المبرد، ترجمة ابن الأنباري نزهة الألباء، ص 219.
(3) الكامل، ج 1 ص 283.
(4) إنباه الرواة، ج 1 ص 248.
(5) طبقات النحويين للزبيدي، ص 89.
(6) الإنباه، ج 2 ص 5.
(7) المغني، ص 449.
(8) المغني، ص 475.
(9) الإنصاف، ج 1 ص 17.
(10) المدارس النحوية، ص 120.
(11) المغني، ص 499.
(12) ابن أبي الربيع: البسيط، ص 1058.
الاكثر قراءة في أهم نحاة المدرسة البصرية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة