إن من يعمل بجد ونشاط وهدفه أن يكون عضوا نافعا في المجتمع، ويحصل على المال عن طريق مشروع ما، ويؤمن حياته وحياة عائلته بشرف ولا يحتاج للناس، ويكون عزيز النفس فإن الإسلام ينظر إليه نظرة احترام وتكريم.
عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: (من طلب الدنيا حلالا، إستعفافا عن المسألة وسعيا على عياله وتعطفا على جاره لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر).
الإسلام دين الشرف والفضيلة وعزة النفس والحرية، ومن أراد أن يكون مسلما حقيقيا، ويتبع بشكل تام تعاليم الإسلام، عليه أن يبتعد عن الذلة والحقارة، وأن لا يتنازل عن حريته مقابل أي شيء.
روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) مر بقصاب وعنده لحم سمين، فقال: يا أمير المؤمنين هذا اللحم سمين اشتر منه. فقال (عليه السلام): (ليس الثمن حاضرا. فقال: انا أصبر يا أمير المؤمنين. فقال له: انا أصبر عن اللحم).
رغم أن التعامل التجاري بـ (الدين) مسموح به في الإسلام، ولكن الإنسان العزيز النفس لا يقوم بهذا العمل إلا عند الضرورة، لأن (المدين) طالما لم يدفع دينه فإنه يشعر دائما بأنه مقيد، والأحرار الأباة يشعرون بثقل الدين حتى ولو كان قليلا؛ لأنه ينال من عزتهم واستقلالهم.
ولسوء الحظ فإن أشخاصا في عصرنا هذا - بسبب طمعهم في التجارة أو لحبهم للتجمل والمفاخرة في العائلة، يقومون بشراء أشياء بالدفع المؤجل، أي الأقساط ، فيحملون على عاتقهم التزاما ثقيلا، ويشغلون أفكارهم، ويتنازلون عن حريتهم، وقد يعجزون أحيانا عن دفع الأقساط ، فيذهب حياؤهم ويتوسلون للدائن ويطلبون منه مهلة للدفع ، ويعرضون بذلك أنفسهم للذلة والمهانة.
ومن الواضح أن الإمام عليا (عليه السلام) عندما يأبى -لتأمين غذاء يومه- شراء اللحم بالدين، مهما كان قليلا، فإنه يستاء عندما يرى إنسانا يتخلى عن العمل رغم استطاعته ويلتجئ الى طريق الذل للحصول على قوته اليومي. إن أولياء الإسلام الكرام، ولكي يصونوا اتباعهم من ذل السؤال ويحتفظوا بالشرف وعزة النفس، يوصونهم بالعمل في أصعب الظروف والشروط لتأمين لقمة العيش والاستغناء عن الآخرين.