
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وآله الطاهرين.
وبعد..
لقد أجبنا عن هذا السؤال في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، المجلد الثاني: وخلاصة ما قلناه هناك أنّ اللغة العربيّة قد وُضِعَت في الأصل لمعانٍ محسوسة أو قريبة من الحسّ؛ فالسماء وضعت لهذا الغلاف الأزرق الذي نراه فوقنا، والأرض وضعت لهذا التراب والحجر الذي نعيش عليه، وكلمة شجر ونبات، وسيف وفرس إلخ، كلّها موضوعة لهذه الأمور المحسوسة لنا.
ووضعت كلمة كرم، وخوف، وعدالة وشجاعة، لمعانٍ لمسنا وجودها من خلال آثارها، وقد أدركنا أيضاً الفوق والتحت والكل والجزء، والكبير والصغير وغير ذلك. وقد نكتسب بعض المعاني التي هي أعلى من ذلك، ولكن يبقى ذلك محدوداً بحدود ومقيّداً بقيود.
والله تعالى الذي خلقنا لنتعاطى مع كلّ هذا الوجود، ولتكون الدنيا مرحلة من مراحل حياتنا، يريد أن يفهمنا معانيَ دقيقة للغاية، وعظيمة جدّاً وواسعة بحجم الكون والحياة، وبحجم رؤية الأنبياء والأولياء للحقائق. ويريد أن يجعلها في هذه القوالب اللفظيّة الموضوعة لمعانٍ محدودة فضاقت عنها ... [فاستعمل] الكنايات والمجازات، والاستعارات، ومختلف الدلالات والإشارات التي تتحمّلها اللغة العربيّة.
فكان لا بُدَّ أن يحصل بعض التشابه، وأن يكون للآيات ظهر وبطن، وكان طبيعيّاً أن يتفاوت الناس في اكتشاف تلك الخصوصيّات والمعاني وتختلف درجاتهم، وربّما تشتبه على الإنسان المعاني ولا يسهل عليه التمييز بينها، فيحتاج إلى مراجعة من هو أعلم منه وأبعد نظراً وأدق ملاحظة، حتّى إذا عمّت حالة الاشتباه هذه فلا بُدَّ من الرجوع إلى العلماء الراسخين في العلم الذين يرجعون المتشابه إلى المحكم، ويعرفون حدود الحق والباطل، ويميّزون بين الصواب والخطأ.
ويعرفون مرامي الكلام وإشاراته ودلالات وحقائقه ومجازاته واستعاراته وكناياته وما إلى ذلك وهم أهل البيت (عليهم السّلام).
أمّا من عداهم، فإن كانوا يستمدّون من نورهم وينهلون من صافي معينهم فهو، وإلا فلا بُدَّ من رَدِّ بضاعتهم إليهم غير آسفين عليها وعليهم.
والحمد لله، والصلاة والسّلام على محمّد وآله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، للسيّد جعفر مرتضى العامليّ، «المجموعة الثانية»، المركز الإسلاميّ للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 2002، السؤال (126).