أوضح الشيخ علي الغزي في بحث الافتتاح الذي ألقاه في مؤتمر الإمام الصادق (عليه السلام) العلمي الثاني ضمن فعاليات أسبوع الإمامة الدولي أنّ المنهج التربوي العام لأهل البيت (عليهم السلام) كان على مستويين، الأول نظري، والثاني عملي.
وأدناه نص البحث: إنّ من القيم المعرفية المهمة، البحث والتفتيش عن المناهج العامة لقادة الأمم وأعيانها، خصوصًا إذا كان هؤلاء القادة ممن حظوا برعاية إلهية كالرسل والأنبياء والأئمة والأوصياء. إنّ الخصوصية تنشأ من أنّ مواقفهم لم تكن مواقف ارتجالية عفوية مؤطرة بالجهد البشري الخاضع لمبدأ الإصابة والخطأ، وإنما يكون ملؤه الصواب ولا يحدوا عنه، فتشخيص منهجهم العام وطريقتهم في بناء الأمم وحضارتها لا شك أن يكون نبراسًا مهمًا لمن يهتم بذلك ويريد أن يسهم في بناء الفرد أو الامة التي يكون جزءًا منها ويزداد الأمر أهمية في خصوص الموضوع، لأنّه ليس أمرًا مجانبًا لتفاصيل الحياة، وإنما هو من صميمها. عندما نتحدث عن التربية، وأي فرد من أفراد البشر لا يكون له مساس بها؟ وأي مساس! هي تمثل وجوده منذ أول أناته إلى حين رمسه، فالموضوع مرتبط في الإنسان بكل تفاصيله، في ولادته، في طفولته، في صباه، في شبابه، في بلوغه وفي شيخوخته، في كل أطواره في كونه طفلًا في كونه صبيًّا في كونه شابًّا في كونه أبًا، في كونه أخًا، في كونه عمًّا، في كونه أستاذًا في كونه صديقًا، في تفاصيل الحياة تخضع لمنطق التربية. ومن هنا كانت محاولة تلمس المنهج العام لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم في منهجهم العام بمجال التربية كانت هذه المحاولة تمتاز وتحظى بأهمية كبرى، لكن في نفس الوقت مع وافر هذه الدواعي وأهميتها وعظيمها، لكن إنصاف الموضوع كبير، ولا يمكن أن يُحاط بمحاضرة واحدة أو ببحث واحد، التربية لغة من ربى يربو بمعنى نمى وزاد، لكن ليست مطلق النمو والزيادة، وإنما تلك الزيادة التي يقوم المربي على إيجادها في المربى من أجل إيصاله إلى ما أمكن من كماله المنشود، وقد اهتم أهل البيت (عليهم السلام) في تربية الأفراد الذين يحيطون به والمجتمع بشكل عام، ونجد معالم التربية في ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام) في سبيلين، السبيل الأول ظاهر وبارز وكل من لاحظ المواضيع والقيم الأخلاقية التي تناولوها (عليهم السلام) في كلماتهم، والأمر الثاني خفي مستتر مستبطن في هذا الأمر الظاهر هو ما نقصده، أي الطريقة والأسلوب العام في هذا الهدف التربوي، وعند ملاحظة روايات أهل البيت بشكل عام وروايات الصادقين بشكل خاص، وتخصيص الصادقين ينشأ مما روي بالأخبار الصحيحة. ينقل الشيخ الكليني رواية معتبرة السند مضمونها أنّ الفقه الشيعي بكل تفاصيله امتاز عن بقية المدارس الفقهية الأُخر في زمن الإمام الباقر (عليه السلام) ثم استمر إلى زمن الإمام الصادق (عليه السلام) إضافة إلى كثرة المأثور الروائي عن الإمامين الصادقين قياسًا بباقي الأئمة (عليهم السلام)، فمن هنا امتازت خصوصية مروياتهم على غيرهم، ويلاحظ أن المنهج التربوي العام لأهل البيت (عليهم السلام) كان على مستويين، المستوى الأول نظري والمستوى الثاني عملي، وتقصد بالأمر النظري البيان أي إنّهم يبينون حينما يأتون إلى مفردة أو قيمة تربوية، المستوى الأول في الوعي التروي الذي يخطوه أهل البيت هو بيان هذه المفردة والقيمة التربوية من جهات عدة وبيان أصل ماهيتها وطبيعتها وآثارها وحدودها وآثار عدم التمسك بها وأيضًا شروطها وخصائصها. المنهج الأول هي أدبيات أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم التربوية هو منهج البيان، فحينما نأتي إلى قيمة المشورة وهي وسيلة من وسائل التربية أي ان يتربى الإنسان العاقل، فضلًا عن المؤمن على أدب المشورة وإنّه كلما عارضه أمر لا طاقة له به يستشير المؤمنين العقلاء فيه، كي يعرف الموقف الصحيح الذي ينبغي له أن يتخذه، حينما تناولته رواية أهل البيت تناولته بالشكل التالي: أولا- بيّنت قيمة المشورة وأهميتها. ثانيًّا- بيّنت آثار تلك القيمة. ثالثًا- بيّنت آثار عدم الالتزام بها. رابعًا- بيّنت شروط الشخص الذي ينبغي استشارته، والشخص الذي لا ينبغي ذلك. فكان بيانهم رسمًا تفصيليًّا لكل هذه القيمة التربوية، بحيث لا يكون الانسان حينما يريد أن يستشير لا يكون عمله عملًا ليس منظمًا ومرتبًا، وإنما يجد نقاط تربوية واضحة فيه ينبغي أن يسير على هديها، وهذا المنهج يأتي من منطلق في غاية الأهمية، وهو أن البيان يمثل التكليف الأول، الذي كُلف به الأنبياء والرسل. ما هو تكليف الرسول (صلى الله عليه واله) ؟ وسائر الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام، ما هو تكليفهم الأول اتجاه الأمة؟ "فاعلموا إنما على رسولنا البلاغ المبين"، وأيضًا في قوله تعالى "فهل على الرسل إلا البلاغ المبين"، وقوله تعالى "ما على الرسول إلا البلاغ"، وقوله تعالى "فان اعرضوا فما ارسلناك عليهم حفيظًا ان عليك الا البلاغ"، والتأمل في هذه الآيات وغيرها، خصوصًا في ملاحظة أسلوب الحصر المتكرر، (ما الا) يعطي أن التكليف الأول والأساسي للأنبياء والرسل، هو البلاغ والبيان أما التطبيق والتنفيذ فليست مسؤولية الرسل وإنما هو مسؤولية المكلفين انفسهم، ويشهد بذلك قوله تعالى "قل اطيعوا الله واطيعوا الرسول فان تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وان تطيعوه تهتدوا وما على الرسول الا البلاغ البين"، فالمسؤولية الأساس للأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام) هي البلاغ والملاحظ بمنهج أهل البيت في هذا المستوى انهم لا يكفون بالبيان فقط، وإنما يردفوه بأمرين ضروريين جدًّا ومهمين لغاية الأهمية، الأمر الأول عندما يبينوا القيم الاجتماعية لا يبينوها على أنّها قيم صرفة، وإنما يرفدوها بتعاليل عقلائية توجب قبولها من قبل النفوس فلما نبين مثلًا قيمة المشورة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) "يا علي لا تشاور جبانًا، فإنّه يضيق عليك المخرج، ولا تشاور بخيلًا، فإنّه يقصر بك عن غايتك، ولا تشاور حريصًا فإنّه يزين لك شرها"، والأمر الثاني هو ربطه بالله واليوم الآخر، وإنّ هذه القيم لها ارتباط سينعكس على الإنسان في يوم غده من ذلك مثلًا عن المعلى بن خنيس قال أبو عبدالله (عليه السلام): "ما يمنع أحدكم إذا ورد عليه ما لا قبل به أن يستشير رجلًا عاقلًا ديّنًا ورعًا؟"، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): "أما إنه إذا فعل ذلك لن يخذله الله بل يرفعه الله ورماه بخير الأمور وأقربها إليه"، وروي عنه (عليه السلام) قال من "استشار أخاه فلم ينصحه محض الرأي سلبه الله الرأي"، والمستوى الثاني العملي وهو السلوك أو آلية السلوك الذي يقدمه أهل البيت (عليهم السلام) لاتباعهم في مجال الامتثال بالقيم الفردية والاجتماعية التربوية عبر تقديم قدوة حية تكون ملتزمة بتعاليم الأخلاق التربوية وقيمها، ويأتي في هذا الشأن قوله عز وجل "ولكم في رسول الله أسوة حسنة"، وأيضا مما رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله "كونوا لنا دعاة صامتين، تعملون بما أمرناكم به من طاعة الله وتنتهون عما نهيناكم عنه ومعاصيه، فاذا رأى الناس ما أنتم عليه علموا فضل ما عندنا فسارعوا إلينا".