أكّد مُمثّلُ المنظمةِ العربيّةِ للمتاحف الدكتور عبّاس عبد منديل، أنّ مُتحفِ الكفيلِ للنّفائسِ والمَخطوطاتِ بَوابَةٌ مهمّة لنشر العمل المُتحفيّ وَتعزِيزِه بالدراسات والبحوث العلميّة الرصينة. جاءَ ذلك في كلمَتِه التي ألقاها في ضِمنِ فعاليّات مُؤتمرِ مُتحفِ الكفيل الدوليّ الرابع الذي يُعقدُ تحت شعار (المَتَاحِفُ هُويَّةٌ ثَقَافِيَّةٌ)، برعاية العتبةِ العبّاسيّةِ المقدّسةِ، للمدّة (23 – 24/ 11/ 2023م). وقال منديل في كلمته إنّ "متحفَ الكفيلِ يَهدِفُ إلى النهوض بهذا القِطاع المهمّ من خلال خبراتِ الباحثين على المستوى الوطنيّ والدوليّ". وأدناه نصّ الكلمة: بدءًا يطيب لنا أن نبعثَ بِتحيّات رئيس وأَعضاءِ المكتبِ التنفيذيّ للمنظمةِ العربيّة للمتاحف (ICOM) العربيّ، ونُباركُ لكم الجهودَ القيّمةَ التي بُذلَت من لدن العتبةِ العبّاسيّة المقدّسة ولدن القائمين على مُتحف الكفيل للنفائسِ والمخطوطاتِ؛ لإقامتهم مُؤتمرَ الكفيل الدوليّ الرابع، تحت شعار (المَتَاحِفُ هُويَّةٌ ثَقَافِيَّةٌ) والذي هو امتداد لمُؤتمراتٍ علميّةٍ سابقةٍ تكلّلت نتائجُها بِتَعميمِ الفائدةِ المرجوّة لجميع المَتاحف العراقيّة والعربيّة على حدٍّ سواء. إنّ هذا المُنجزِ العلميّ المتواصِل لمُتحفِ الكفيل للنفائس والمخطوطات يبعثُ إلى الفخر والاعتزازِ كونَه أحدَ مَتَاحِفِنَا العربيّة المهمّة والذي أصبحَ أيقونةً وصرحًا علميًّا وثقافيًّا وأنموذجًا يُحتذى به بالعطاء والمُنجَزَات على صعيدِ العملِ المُتحفيّ والذي يَهدِفُ إلى النهوض بهذا القِطَاع المهمّ من خلال خبراتِ الباحثين على المستوى الوطنيّ والدوليّ، وهو بوابةٌ مهمّةٌ لنشر العمل المُتحفيّ وتعزيزه بالدراسات والبحوث العلمية الرصينة، كما أنّ إقامة مؤتمرٍ دوليّ في أحد أهمّ المتاحف المتخصّصة في العراق، يدلّ دلالة قاطعة على نُضجٍ ووعيٍ كبيرٍ في دور المَتاحف الحيويّ في توعيةِ المجتمعات، وتعزيز الثقافة المُتحفيّة، وامتدادٍ واضحِ لديمومةِ وأَصَالةِ المَتَاحِفِ في العراق، مهدِ الحضاراتِ، بصفته أوّل بّلدٍ أقام مُتحفًا بمفهومه العام وذلك بمدينة بابل زمن الملك نبوخذ نصر الثاني في القرن السادس قبل الميلاد على الرغم من أنّ الدلائل الأثرية والدراسات المستنبطة قد أكّدت على أنّ إقامة مُتحفٍ في العراق ربما تُشيرُ إلى أزمان أبعدَ من ذلك بكثير. ولابدّ أنّ ننوّه عند حديثنا عن العمل المشترك البناء في مجال المتاحف إلى الجهات التي تعمل في هذا الشأن، وفي مقدّمتها (المجلسُ الدوليّ للمتاحف) الذي هو منظّمةٌ دوليّةٌ غير حكوميّة تُعنى بالمتاحف والعاملين بها، وهو أكبر تجمّع للمتحفيّين في العالم، ويرتبط رسميًّا باليونسكو، تأسّس المجلس سنة 1946 على هامش الذكرى السنوية لتأسيس اليونسكو، كما يتمتّع بمركزٍ استشاريٍّ لدى المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ التابع للأمم المتّحدة، والذي أصبح العراقُ عضوًا فيه منذ ذلك الوقت. ويشكّل المجلس شبكة من مهنيي المتاحف المتخصّصين في المجالات كافّة، وعددهم قرابة (46,000) ألف عضوٍ و (120) لجنةٍ وطنيّة و(7) اتحادات جهويّة، من مئة وستة وأربعين بلدًا، ويضمّ الآن (33) لجنة دوليّة متخصّصة بالمتاحف، ولم ينظمّ أي مؤتمر للـ(ICOM) الدوليّ في أيّ دولةٍ عربيّةٍ حتى اختيار دولة الإمارات العربيّة المتحدة لتنظيمه سنة 2025. أمّا المنظمة العربية للمتاحف (ICOM) العربيّ، الجهة الأكثر فاعليّة والمسؤولة على الصعيد العربيّ في هذا المجال، فهي الجهات المهمّة للمجلس الدوليّ للمتاحف ومن أنشط الرابطات الجهويّة له، وهي الآن عضوٌ بالمجلس الاستشاريّ في الآيكوم الدوليّ. أُنشئت المنظمة بشكل رسميّ سنة 1995 على هامش مؤتمر (ICOM) الدوليّ بالنرويج، بعد توصية موجّهة لجامعة الدول العربية و(ICOM) الدوليّ بإنشاء منظمة للمتاحف العربيّة وهي تمثّل رغبة الدول العربية في تأسيس كيانٍ خاصٍّ بها. وتمّ عقد أول اجتماع لها بعد التأسيس بجمهوريّة مصر العربية سنة 1996 وبمشاركة 14 دولة، كما تشكّلت أول لجنة وطنيّة لجمهوريّة مصر ثمّ تبعتها الدول العربية الأخرى، وهي بواقع (10) لجان مفعّلة و (7) معطلة و(5) لم تؤَسَّس لغاية الآن. ويسعى (ICOM) العربيّ على الدوام لمدّ جسور التعاون والمساندة لمتاحفنا العربيّة بمختلف أنواعها وتخصُّصاتها سواء أ كان ذلك في حضورها الميدانيّ لتعزيز دور تلك المتاحف، أو من خلال مشاركتها في فعالياتها العلميّة المتعدّدة، وتهيئة الاحتياجات كافّة والسبل لدعمها في المحافل الدولية. لقد كان لـ (ICOM) العربيّ ومنذ تأسيسه دورًا فاعلاً في تعزيز المتاحف بأشكالها كافّة، وجعلها نافذةً ثقافيّةً وتعليميّةً، وتعزيز للهُويّة الوطنيّة، لا سيما أنّ منطقتنا العربية هي موطن أصيل للحضارات والثقافات على المستوى الإنسانيّ، ولتُصبحَ تراثًا مشتركًا للبشريّة جمعاء. لقد أسهم (ICOM) العربيّ في تطوير المحتوى اللغويّ في نقاشاته بدورته الأخيرة والتي عُقِدَت في براغ عاصمة التشيك سنة 2022 ، وأدراج اللغة العربية كأحد اللغات الرسميّة المعتمدة في (ICOM) الدوليّ. كما أخذ (ICOM) العربيّ بدورته الأخيرة على عاتقه وضع نظامٍ أساسيّ داخليّ يُنظّم العلاقة بتفرعاتها كافة والمستند على الأنظمة الدوليّة المعتَمَدةِ وبما يتلاءَم وواقع متاحفنا العربية وقوانينها النافذة، ووضع صياغةٍ لتعريف المُتحف بموجب الفصل الثالث من النظام الأساسيّ للمجلس الدوليّ للمتاحف الذي اعتُمد في المؤتمر الأخير لسنة 2022 والتي أصبحت صيغة النصّ بحسب الترجمة العربية كالآتي: المتحف مؤسسّة دائمة غير ربحيّة في خدمة المجتمع، يقوم بالبحث وجمع وصون وتفسير وعرض التراث الماديّ وغير الماديّ، مفتوح للجمهور، متاح وشامل ومعَزِّز للتنوّع والاستدامة، تعمل المتاحف وتتواصل بطريقة أخلاقيّة ومهنيّة بمشاركة المجتمعات المختلفة لتقديم تجاربَ متنوّعة في التربية والاستمتاع والتأمّل وتبادل المعرفة. كما أسهم المكتب التنفيذي (ICOM) العربيّ بدورته الحاليّة بالتعريف بالمتاحف في بلداننا العربيّة بشتّى أنواعها وتخصّصاتها من خلال عقد سلسلة المتاحف العربية عِبرَ منصة (الزوم) وبشكل دوريّ في بداية كلّ شهر. ومن أولياته التركيز على الجانب التعليميّ للعاملين بالمتاحف من خلال الاستفادة من المُنَح للدورات التدريبية وهو بصدد تأسيس مركز عربيّ للتدريب في مجال المتاحف في إحدى الدول العربية. إنّ المنظمة العربيّة للمتاحف هي في خدمة المُتحفيين العرب كما تساعد وتُسهِم في تكوين لجان جديدة ويعمل (ICOM) العربيّ كذلك على إعادة اللجان العربيّة الوطنيّة السابقة والتي اختفت كالعراق وسوريا والسودان وفلسطين والجزائر وليبيا وموريتانيا، وكذلك المساعدة على انضمام الأعضاء الجدد وبالتنسيق مع اللجان الوطنيّة. أمّا فيما يخصّ العراق مهد الحضارة، فقد كان (ICOM) الدوليّ والعربيّ دورًا فاعلاً للحفاظ على الموروث الرافدينيّ المنقول وعلى وجه الخصوص بعد أحداث 2003 وما تعرّضت له المتاحف العراقية من أضرار فادحة نتيجة الحرب لا سيما المُتحف العراقيّ، ومنها متابعة الاتّجار غير المشروع بالآثار العراقيّة، ووضع مشروع قائمة الطواريء الحمراء المعرّضة للخطر للعمل على حمايتها، ومنع اقتنائها غير المشروع، وهو من أولويات التزامات (ICOM) الدوليّ بمكافحة الاتّجار غير المشروع بالممتلكات الثقافيّة بالتنسيق مع (الأنتربول) ومنظمة الكمارك العالميّة (WCO)، وحماية التراث في حالات الكوارث الطبيعيّة والنزاعات المسلّحة. إنّ هذا الاهتمام المتزايد جعل من الآيكوم العربيّ حلقة وصل بين الآيكوم الدوليّ وممثليّة اللجنة الوطنيّة العراقية (ICOM) العراق من أجل تذليل كافة الصِعَاب لكي تُعيده إلى دوره الفاعل على مستوى الثقافة، وتحقيق الأهداف التي أُنشئت من أجلها، بعد فترة انقطاع دامت أكثر من سبعةِ عُقود. وفي الختام، فإنّ المنظمة العربية للمتاحف تتمنّى لكم النجاح والتوفيق في أعمال هذا المؤتمر الذي نرجو من خلاله الخروج بتوصيات هامّة، تصبو إلى مستوى المسؤوليّة الكبيرة المُلقاة على عاتقنا جميعًا من أجل النهوض بمتاحفنا العربيّة وبما ينسجم وإرثها الخالد، وتوظيف كلّ الإمكانات المتاحة. بُوركت الجهود جميعًا من أجل الارتقاء بالعمل المتحفيّ ولم شمل جميع متاحفنا العربية لتكون نوافذ ثقافية للإبداع وتعزيز الهويّة العربيّة المشتركة، ومجددين في الوقت نفسه دعم المنظمة العربية المتواصل لمتاحفنا العربية. شكرنا وتقديرنا للعتبةِ العبّاسيّة المقدّسة على حُسن الاستقبال والاستضافة ولمتحف الكفيل وكافّة اللجان المنظِّمة والمشرفة على هذا الجهد العلميّ المُميّز. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. المنظمة العربية للمتاحف 23/11/2023