أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-7-2017
3257
التاريخ: 18-1-2020
1241
التاريخ: 1-04-2015
1979
التاريخ: 26-7-2017
2878
|
قد يتسامح الناقد العربي عندما يعقد مقارنة بين شاعرين لعصرين مختلفين، فيُسهب في الحديث عن مواطن الجمال في نتاج كل منهما وقد يطنب في الكلام عن اسلوبهما، وعناصر الابداع والجودة، وقد لا ينسى العيوب إن وجدت بارزة، فمن البديهي ان يذكرها.
أقول: هكذا مقارنة ليست بصحيحة، وتجاهل الناقد مؤثرات البيئة على الأديب سوف يوقعه في اخطاء كبيرة، بحيث تؤدّي إلى تخطئة احكامه لأنها ليست واقعيّة.
فلو اخذنا شعر امرئ القيس واردنا أن نصدر احكامنا النقدية، فلابد من دارسة بيئة الشاعر، والمؤثرات الطبيعية والنفسية- فامرؤ القيس عاش في وسط اجتماعي متميّز، يسوده البذخ والاسراف والترف، وكونه من اسرة لها نفوذها السياسي المتميّز لأنه ابن ملك وهو المدلّل المعزّز في صباه، والشاب المدمن على اللهو والشراب ومعاقرة الفجور، فقد شب على الهوى ومعاقرة الخمر، وارتمى في احضان الجواري والنساء الغانيات، حتى اصاب منهنّ، كما اصبنَ منه، الى ان اصبح رمز الفجور وغاية في العهر والتهتك، بل انتهى الامر به لان يصبح طريداً ويتبرأ منه ابوه، إلّا ان ذلك لم يزده إلّا التّمرد على الحياة والاخلاق والاعراف، تاركاً وراءه جملة من الغواني ونساء الحي اللواتي شغفن قلبه حباً، فكم كان يصبح عند احداهن ويمسي عند غيرها وهو مطبق على السكر والضياع الى ان وصله خبر مقتل ابيه الملك فقال وهو في سكر وثمول: (ضيعني صغيراً، وحمّلني دمه كبيراً، اليومَ سكْرٌ وغَداً أمرُ).
فشعر امرئ القيس صورة واضحة المعالم عن حياة السكر والمجون، كما ان شعره يعكس لنا صورة حقيقية عن واقع العربي والبيئة التي كان يتنقّل فيها.
فهل نجد امرأ القيس بعيداً عن المؤثرات الطبيعيّ؟ ام هل تجد حياة اللهو التي عاشها مختصة بإمرئ القيس دون سواه من الشعراء؟!
لا يعقل ان نتجاهل دور البيئة واثرها على حياة وشخصية الاديب سواء كان ذلك سلباً أم ايجاباً.
ولو أخذنا صورة عن حياة الشاعر تأبّط شرّا، لوجدناها تمثل نمطاً من حياة اخرى لها ميزاتها الفنيّة، على أنه يعدّ من شعراء الصعاليك، التي اثرت فيهم البيئة القاسية فامتازوا عن غيرهم.
وهكذا لو درسنا النصوص الشعرية للحُطَيئة- الذي امضى شطراً من عمره في الجاهلية والشطر الثاني في الإسلام- فلا يمكن أن نفصلها عن المحيط الذي عاش فيه هذا الشاعر، فانّ قبح منظره وفقره؟ وضيق ذات اليد مع كثرة العيال، دفعته ان يكون بذي اللسان، كثير الفحش، سيّئ الأخلاق، بل ان قساوة المجتمع وأثر البيئة على الشاعر خلقت منه لساناً سليطاً يهجو به كل من صادفه فمنعه العطاء، لهذا انتقم من المجتمع وصبّ جام غضبه عليه لأنه- في تصوّره- هو العامل المباشر والسبب الرئيسِ في حرمانه وتعاسته، فلا غرابة اذا اتصفت حياة الحُطَيئة بالتمرّد على السنن الطبيعية والازدراء والسخرية بالقيم والتهكم على ابناء جنسه، فمزاجه خاص ونظرته الى الوجود نظرة احتقار، ولو بحثنا عن اهم العوامل في تكوين هكذا شخصية، لَوَجَدْنا ان اهم تلك العوامل هي البيئة والمجتمع وما يرافق ذلك من مؤثرات خارجية.
واثر البيئة يزداد كلما ازدهرت الحياة واتسع نطاق السلطة الحاكمة؟ فاثرها على الشاعر في العصر الجاهلي يختلف عما هو عليه في صدر الإسلام، واثر البيئة في زمن الخلفاء الأربعة يختلف عما هو عليه في العصر الأموي والعباسي.
ففي صدر الإسلام- أو بالتحديد بعد وفاة الرسول مباشرة- نشأت التكتلات السياسية كمرحلة بدائية اعقبتها تيارات فكرية ومذهبية، ثم نشأت الأحزاب السياسية نتيجة للأطماع الشخصية، والبعد عن الواقع الإسلامي، وعدم تغلغل الايمان في قلوب القوم، مما اثر ذلك في نفسية وشعور طائفة من كبار الشعراء.
فلو درست حياة الشاعر حسان بن ثابت قبل وفاة الرسول ومواقفه في الذّب عن حمى الاسلام والدفاع عن المسلمين وهجوه للكافرين والمشركين، لو درست كل ذلك بمتابعة دقيقة لو جدت فيها البون الواسع قياساً مع المرحلة الثانية من حياته الأدبية والسياسية والتي هي تبدأ بعد وفاة الرسول (ص) وتقليد أبي بكر الخلافة.
ففي هذه المرحلة يقف الى جنب المناوئين للإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) وينكر جميع مواقفه البطولية في جميع المعارك والغزوات التي اشترك بها الامام، بل وينكر جميع مواقفه السياسية وذبّه عن حمى الاسلام وصلته بالرسول (ص).
فما تفسّر ذلك؟
ولماذا انقلب حسّان بن ثابت من كونه ناصراً للرسول (ص) ولأهل بيته (ع) الى كونه مناوئاً لأخيه وابن عمه وصهره على ابنته وخليفته من بعده؟
ألم يكن حسّان احد رواة حديث يوم الغدير، لمّا نصّب الرسول (ص) الامام أمير المؤمنين
(ع) خليفة للمسلمين من بعده؟!
اسمع واقرأ ما يقوله حسّان في ذلك اليوم المشهور:
يُناديهُم يومَ الغدير نبيهم بخمّ*** وأسمع بالرّسول مناديا
وقد جاءه جبريل عن أمر ربّه*** بانك معصوم فلا تك وانيا
وبلّغهم ما أنزل اللّه ربّهم *** اليك ولا تخشى هناك الاعاديا
فقام به اذْ ذاك رافع كفّه*** بكفّ علي مُعلن الصوت عاليا
فقال: فمن مولاكم ووليّكم؟*** فقالوا ولم يُبدوا هناك التَّعامِيا
إلهك مولانا وأنت وليّنا *** ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا
فقال له: قم يا علي فإنّني *** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليّه *** فكونوا له انصار صِدقٍ مَواليا
هناك دعا اللّهم وال وليّه *** وكن للذّي عادى عليّاً معاديا
فيارب اُنصر ناصريه لنصرهم *** إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا(1)
اخرج هذه الابيات او بعضها جملة من كبار الادباء والحفّاْظ واهل السيرة، منهم أبو عبد الله المرزباني ت 378 هـ وابن مردوية الاصبهاني، وأبو نُعَيم الاصفهاني ت 430هـ والحافظ ابو سعيد السجستاني ت 477 هـ، والخطيب الخوارزمي ت 568 هـ، والحافظ سبط ابن الجوزي ت 4 65 هـ، والحافظ الكنجي الشافعي ت 722 هـ، والحافظ جلال الدين السيوطي ت911 هـ، واَخرون من علماء الجمهور، ناهيك عن علماء الخاصة.
بل هناك عشرات الأبيات والقصائد في مدح أمير المؤمنين (ع) وسبطي الرسول وامهم فاطمة البتول سيدة النساء عليهم صلوات الله اجمعين.
مع كل ذلك فقد تغير حسان وانحرف عن خطّ أهل البيت عليهم السلام ذلك لمّا صُيِّرتِ الخِلافة الى أبي بكر، وقد اعتزل عن الامام أمير المؤمنين في خِلافته وما اشترك في حروبه وغزواته بل اصبح شامتاً في كثير من مواقفه، انظر الى ما يقول في الصحابي الكبير قيس بن سعد بن عبادة، لمّا عزله الامام أمير المؤمنين (ع) من ولاية مصر، وقفل راجعاً الى المدينة، فلما وصل اليها جاءه حسان بن ثابت شامتاً به، وكان عثمانياً بعد ما كان علوياً في هواه، قال له:
نزعك علي بن ابي طالب وقد قتلت عثمان فبقي عليك الاثم ولم يحسن لك الشكر، فزجره قيسٌ وقال: يا أعمى القلب والبصر، والله لو لا أن أُلقي بين رهطي ورهطك حرباً لضَرَبْت عُنُقَك، ثم اخرجه من عند(2).
أقول كما كان حسان اعمى البصر فقد كان أعمى البصيرة، مناوئاً للحق، مناصراً لهوى غيره، فلا عجب لو قلنا ان للبيئة آثاراً كبيرة ومهمة على شخصية الأديب، بل تكاد تحدّد مسيره الأدبي والسياسي.
ولا نبالغ إذا قلنا ان استقامة الشاعر مرهونة بتقلّبات الحياة والظروف السياسية فلا ينجو منها إلّا من رحمه اللّه، وتأريخ الأدب العربي يضع بين ايدينا العشرات من تلك النماذج بل المئات؟ فكم من شاعر أو أديب استهوته الدنيا وبهرجتها، وتجاذبته الاطماع والمصالح فانقلب على عقبيه..!
واليوم نعاصر ثلّة كبيرة من تلك العملات الزائفة التي عرفتها اسواق الصيرفة وفرزتها اذهان واعية...!
نعم، صدق ربّ العزّة ومن اصدق منه قيلا:
(والشعراء يتّبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات(3).
اذن لابد من الدراسة التأريخية لكل عصر، بل لكل أديب كي نفهم جيداً ما هي العناصر المؤثّرة في نفسية ذلك الأديب.
والنقد الادبي لا يستغني عن تلك الدراسة، وهي كلما كانت متكاملة كان اصدار الحكم على النص اكثر واقعية، وأقرب إلى الصواب.
فمثلاً لا نستطيع ان نُقوِّم شعر السيد الشريف الرضي إلّا إذا درسنا ابعاد شخصيته وتأريخ حياته وعصره وصفاته الخاصة كعلو همّته، واعتزازه بنسبه وحسبه وشرفه، وكونه ينتمي الى الامام الكاظم (ع) ومنه الى أمير المؤمنين (ع) وينتمي إلى الرسول (ص) جّده لأمه ومن جهة فاطمة الزهراء عليها السلام.
فلا غرو أن يفتخر أمام الحاكم العباسي ويصوّر نفسه اعلى منه نسباً وحسباً، وشرفاً وكرامة، بل انه احق منه بالخلافة.
ثم المعترك السياسي بين العباسيين والعلويين، وما لحق بالسادة الهاشميين من ظلم وجور، واضطهاد العباسيين لهم طوال القرون الماضية دفعت بالشريف الرضي ان يفصح عن عقيدته.
فلو أردنا نقد شعر الشريف الرضي فلابدّ من دراسة عصر الشاعر من جميع جوانبه، وبالذات الحياة السياسية، وهكذا بالنسبة إلى اغراضه الاخرى التي تطرق لها الشاعر.
ولا يمكن أن نستثني من هذا الاسلوب أي شاعر أو اديب، ولكي نفهم بحق موقع الأديب من بين معاصريه، فلابدّ من الاذعان لجملة من الحقائق، منها:
1- ان الأديب عنصر مؤثر في البيئة، ومتأثر بها، فلا يمكن عزله عن بيئته، ولا يمكن القول انه كان يتقمّص عصراً آَخر.
2- الأديب حلقة وصل بين تُراثِ مَن سبقه وتراث من يأتي بعده.
3- العوامل النفسية والعقد تشكل منعطفاً كبيراً في نتاج الأديب.
4- العَوزُ والفقر والحِرمان يسجل تغييراً ملحوظاً في اسلوب الأديب.
5- عامل الوراثة والانتماءات العرقية تتجسّد بشكل فنّي يهتدي اليها الناقد الفطن بعد استقراء لحياة ونتاج الأديب.
6- بعض الاسس النقدية تصح كمقياس نقدي لعصر دون اَخر، ولزمان دون غيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الغدير 2/ 39 وكتاب سليم ص 229.
(2) انظر شرح النهج لابن أبي الحديد 2/ 25، وتاريخ الطبري 3/ 555.
(3) سورة الشعراء.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|