أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-10-2015
3692
التاريخ: 25-2-2018
2743
التاريخ: 14-10-2015
9736
التاريخ: 10-4-2016
3715
|
من المؤكَّد أنّ الإنسان العربي الجاهلي - قبيل الإسلام - كان يعوزه الوعي التاريخي بالمعنى الّذي عرفتْه الشعوب المتحضِّرة ذات الثقافة المدوّنة، وذات المؤسّسات السياسيّة والإداريّة الرّاسخة العريقة، هذا فضلاً عن أنْ يكون الوعي التاريخي بالمعنى الّذي عرفه إنسانُ العصور الحديثة قد وُجد لدى الإنسان العربي الجاهلي قُبَيْل الإسلام.
وهذا الحكم ينطبق بوجه خاص على عرب الشّمال، وإنْ لم يكن عرب الجنوب - كما سنرى - أفضل حالاً منهم بكثير.
فقد كان العربي الجاهلي - قُبيل الإسلام - يعيش حياة البداوة بما يلزمها من تنقّل وارتحال؛ طلباً للكلأ وللماء، ومِن ثمّ لم يكن لدى العربي مؤسّسات ثابتة، ونُظُم سياسيّة وإداريّة.
وكانت الأُمِّيَّة غالبة على هذا المجتمع، ومِن ثمّ فلم يُنشئ ثقافة مدوّنة بأيّ نحو من الأنحاء إلاّ نقوشاً نادرة لا تبلغ أنْ تكون ثقافة مدوّنة تسهم في تكوين الشخصيّة الثقافيّة للإنسان، لا نستثني من ذلك عرب الجنوب الّذين كانوا قد فقدوا قُبيل الإسلام - بانهيار نظام الرّي عندهم - الكثير من سماتهم كشعب متحضِّر له ماضٍ عريق، وغدوا أقرب إلى البداوة والأُمِّيَّة.
وكانت الحياة من البساطة والسذاجة بحيث إنّ أحداثها البارِزَة كانت نادرةً جدّاً، ومحدودة المدى جغرافيّاً وبشريّاً، وهذه الأحداث هي الّتي شكّلت مادّة ما يُسمّى (أيّام العرب) الّتي سنعرض للحديث عنها بعد قليل.
كما لم يكن لدى العربي الجاهلي شعور بالزمن المستمر كمفهوم حضاري، كان الزمن عنده مجرّد تعاقب للظواهر الفلكية والفصول، ومن المعلوم أنّه لم يكن لدى العربي الجاهلي تقويم.
ونتيجةً لكلّ هذه العوامل لم تتكوّن لدى العربي أيّة خبرات تاريخيّة ماضية ذات شأن، ناشئة من وقوع الأحداث نفسها من ناحية، والشعور بها من ناحية أخرى، لا أحداث مشتَّتة غير مترابطة، بل في نطاق نظام للتعاقب الزّمني وللعلاقات الداخليّة فيما بينها.
وبعبارة أخرى: لم يكن لدى العربي الجاهلي شعور باستمرار الأحداث وديمومتها، وتفاعلها الداخلي، وعلاقاتها بحاضره، وإمكانات تأثيرها في المستقبل، على النحو الذي يصحّ أنْ يسمّى وعياً تاريخيّاً.
لقد كان وعي الماضي على هذا النحو لدى العربي الجاهلي قُبيل الإسلام معدوماً.
نعم، لقد كان ثمّة وَمِيْض من الشّعور بالماضي لدى العربي الجاهلي.
كانت الذّاكرة تحمل صوراً غامضة، هلاميّة الشّكل ومشوّهة لهذا الماضي، ناشئة من القصص الّتي كانت تسمّى (الأيّام)، ومن العناية بالأنساب.
لقد كانت (الأيّام) والأنساب كما (البعد التّاريخي) للإنسان العربي.
إنّ هذا الوميض من الشّعور بالماضي لا يرقى - بالتأكيد - إلى أنْ يكون وعياً تاريخيّاً بالمعنى الّذي نفهمه الآن.
فقصص الأيّام نادراً ما تملأها الأحداث الكبرى ذات الشّأن السّياسي والإنساني، وهو ما يعطي التاريخ حقيقته ومعناه، وغالب أحداثها يتكوّن من معارك صغيرة بين مجموعات قبليّة، ويعطيها الخيال الشعري والنصوص الشعريّة المرافِقَة لها وهجاً وحجماً غير واقعيَّين.
كما أنّها تفقد عنصر الترابط فيما بينها، ولا تأخذ في جميع الأحوال بنظر الاعتبار عنصر السببيّة، ولا تقوم بينها علاقات داخليّة.
وهي خالية من عنصر الزمن؛ وخلوّها من عنصر الزمن ليس ناشئاً من إهمال، بل ناشئ من عدم إدراك العربي الجاهلي لعامل الزمن التاريخي كما أشرنا آنفاً.
وكانت قصص الأيّام في حلقات السّمر الّتي تُعقد أمام الأخبية والخيام للتسلية والمتعة، وللمفاخرة في بعض الحالات، ولم تكن تُتَداوَل كمادّة علميّة، والرأي الراجح أنّها لم تُدَوَّن على الإطلاق.
والأنساب وإنْ كانت تدلّ على شعور بالماضي من خلال وعي الانتماء إلى الآباء الّذين تشتمل على ذكرهم شجرة النسب القبليّة، إلاّ أنّ علمنا بأنّ شجرات الأنساب كانت تقتصر على مجرّد ذكر الأسماء فقط دون أنْ تحتوي على أيّة مادّة تاريخيّة، عِلْمُنَا بهذا الوضع لشجرات الأنساب التي كانت تُتَداول عن طريق الرّوايات الشّفويّة يجعل قيمتها كمصدر لتكوين الوعي التاريخي معدومة.
ومن المؤكّد أنّ شجرات الأنساب في العصر الجاهلي لم تعرف أيّ شكل من أشكال التدوين ليتيح فرصة إضافة مادّة تاريخيّة إليها، ولم تُدَوَّن شجرات الأنساب في كتب إِلاّ في عصر إسلامي متأخّر نسبيّاً.
ويظهر لنا هذا الوميض من الشعور بالماضي لدى العربي الجاهلي في الشعور الّذي يصوّر مواقف أخلاقيّة للشاعر في مجالات (الحرب، والكرم، والوفاء)، وما إلى ذلك، حيث تدفع الشاعر خشيته من (أحاديث الغد) الّتي تعكس مسلكيّة غير نبيلة، إلى أنْ يجعل سلوكه منسجماً مع قِيَم النبالة كما تقضي بها أخلاقيّات المجتمع الجاهلي فيكون وفيّاً، وشجاعاً حتّى الموت، وكريماً...
هذا الشعور يمكن أنْ يكون نواة للوعي التاريخي، ولكنّه لا يرقى - بطبيعة الحال - إلى أنْ يكون وعياً تاريخيّاً بالمعنى الّذي حدّدناه آنفاً، إنّه وعي ناشئ عن قِيَم أخلاقيّة بدويّة الطابع، وليس عن وجود تاريخ يستوعبه الشعور والوجدان، وهو مقصور على حالات فرديّة لم تبلغ أنْ تكون وعياً عامّاً، وهو شعور بالخَشْية من تصرّف شخصي أو موقف شخصي قد يدفع الآخرين إلى إدانته، وليس شعوراً بإنجازات الآخرين وتفاعلاً معها ... .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|