المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17632 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
النابذون ولاية محمد واله وراء ظهورهم لهم عذاب اليم
2024-11-05
Rise-fall Λyes Λno
2024-11-05
Fall-rise vyes vno
2024-11-05
Rise/yes/no
2024-11-05
ماشية اللحم كالميك في القوقاز Kalmyk breed
2024-11-05
Fallyes o
2024-11-05

تنصيب علي ( عليه السلام ) للإمامة
9-08-2015
قياس السعرات
2023-09-21
جهاد الكفار والمنافقين
8-10-2014
هل استعملت خيوط العنكبوت على نطاق تجاري؟
11-4-2021
معنى كلمة وجس
11-2-2016
غرنوقي مستدير الورق، يمان
5-5-2020


تفسير الاية (17-30) من سورة النبأ  
  
3634   11:56 صباحاً   التاريخ: 23-2-2018
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النبأ /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-2-2018 3635
التاريخ: 23-2-2018 14916
التاريخ: 23-2-2018 8091

قال تعالى : {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} [النبأ: 17 - 30]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

ذكر سبحانه الإعادة والبعث تنبيها على أنه دل بذكر الآيات فيما تقدم على صحة البعث فقال {إن يوم الفصل} أي يوم القضاء الذي يفصل الله فيه الحكم بين الخلائق {كان ميقاتا} لما وعد الله من الجزاء والحساب والثواب والعقاب {يوم ينفخ في الصور} قد مر معناه {فتأتون أفواجا} أي جماعة جماعة إلى أن تتكاملوا في القيامة وقيل زمرا زمرا من كل مكان للحساب وكل فريق يأتي مع شكله وقيل إن كل أمة تأتي مع نبيها فلذلك جاءوا أفواجا أفواجا {وفتحت السماء} أي شقت لنزول الملائكة {فكانت أبوابا} أي ذات أبواب وقيل صار فيها طرق ولم تكن كذلك من قبل {وسيرت الجبال} أي أزيلت عن أماكنها وذهب بها.

 {فكانت سرابا} أي كالسراب يظن أنها جبال وليست إياها وفي الحديث عن البراء بن عازب قال كان معاذ بن جبل جالسا قريبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في منزل أبي أيوب الأنصاري فقال معاذ يا رسول الله أ رأيت قول الله تعالى {يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا} الآيات فقال يا معاذ سألت عن عظيم من الأمر ثم أرسل عينيه ثم قال يحشر عشرة أصناف من أمتي أشتاتا قد ميزهم الله من المسلمين وبدل صورهم بعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون أرجلهم من فوق ووجوههم من تحت ثم يسحبون عليها وبعضهم عمي يترددون وبعضهم صم بكم لا يعقلون وبعضهم يمضغون ألسنتهم فيسيل القيح من أفواههم لعابا يتقذرهم أهل الجمع وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم وبعضهم مصلبون على جذوع من نار وبعضهم أشد نتنا من الجيف وبعضهم يلبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم فأما الذين على صورة القردة فالقتات(2) من الناس وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت وأما المنكسون على رءوسهم فأكلة الربا والعمي الجائرون في الحكم والصم والبكم المعجبون بأعمالهم والذين يمضغون بألسنتهم فالعلماء والقضاة الذين خالف أعمالهم أقوالهم والمقطعة أيديهم وأرجلهم الذين يؤذون الجيران والمصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس إلى السلطان والذين هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات واللذات ويمنعون حق الله في أموالهم والذين يلبسون الجباب فأهل الفخر والخيلاء)).

 {إن جهنم كانت مرصادا} يرصدون به أي هي معدة لهم يرصد بها خزنتها الكفار عن المبرد وقيل مرصدا محبسا يحبس فيه الناس عن مقاتل وقيل طريقا منصوبا على العاصين فهو موردهم ومنهلهم وهذا إشارة إلى أن جهنم للعصاة على الرصد لا يفوتونها {للطاغين م آبا} أي للذين جاوزوا حدود الله وطغوا في معصية الله مرجعا يرجعون إليه ومصيرا فكان المجرم قد كان بإجرامه فيها ثم رجع إليها {لابثين فيها أحقابا} أي ماكثين فيها أزمانا كثيرة وذكر فيها أقوال (أحدها) أن المعنى أحقابا لا انقطاع لها كلما مضى حقب جاء بعده حقب آخر والحقب ثمانون سنة من سني الآخرة عن قتادة والربيع (وثانيها) أن الأحقاب ثلاثة وأربعون حقبا كل حقب سبعون خريفا كل خريف سبعمائة سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوما وكل يوم ألف سنة عن مجاهد (وثالثها) أن الله تعالى لم يذكر شيئا إلا وجعل له مدة ينقطع إليها ولم يجعل لأهل النار مدة بل قال {لابثين فيها أحقابا} فو الله ما هو إلا أنه إذا مضى حقب دخل آخر ثم آخر كذلك إلى أبد الآبدين فليس للأحقاب عدة إلا الخلود في النار ولكن قد ذكروا أن الحقب الواحد سبعون ألف سنة كل يوم من تلك السنين ألف سنة مما نعده عن الحسن.

 (ورابعها) أن مجاز الآية لابثين فيها أحقابا لا يذوقون في تلك الأحقاب بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا ثم يلبثون فيها لا يذوقون غير الحميم والغساق من أنواع العذاب فهذا توقيت لأنواع العذاب لا لمكثهم في النار وهذا أحسن الأقوال (وخامسها) أنه يعني به أهل التوحيد عن خالد بن معدان وروى نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ((لا يخرج من النار من دخلها حتى يمكث فيها أحقابا والحقب بضع وستون سنة والسنة ثلاثمائة وستون يوما كل يوم كألف سنة مما تعدون فلا يتكلن أحد أن يخرج من النار)).  وروى العياشي بإسناده عن حمران قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الآية فقال هذه في الذين يخرجون من النار.

 وروي عن الأحول مثله وقوله {لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا} يريد النوم والماء عن ابن عباس قال أبو عبيدة البرد النوم هنا وأنشد((فصدني عنها وعن قبلاتها البرد))(3) أي النوم وقيل لا يذوقون في جهنم بردا ينفعهم من حرها ولا شرابا ينفعهم من عطشها عن مقاتل {إلا حميما} وهو الماء الحار الشديد الحر {وغساقا} وهو صديد أهل النار {جزاء وفاقا} أي وافق عذاب النار الشرك لأنهما عظيمان فلا ذنب أعظم من الشرك ولا عذاب أعظم من النار عن مقاتل وقيل جوزوا جزاء وفق أعمالهم عن الزجاج وهو المروي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والوفاق الجاري على المقدار فالجزاء وفاق لأنه جار على مقدار الأعمال في الاستحقاق.

 {إنهم كانوا لا يرجون حسابا} أي فعلنا ذلك الكفار لأنهم كانوا لا يخافون أن يحاسبوا والمعنى كانوا لا يؤمنون بالبعث ولا بأنهم محاسبون عن الحسن وقتادة وقيل لا يرجون المجازاة على الأعمال ولا يظنون أن لهم حسابا عن أبي مسلم وقال الهذلي في الرجاء بمعنى الخوف :

إذا لسعته النحل لم يرج لسعها *** وخالفها في بيت نوب عواسل(4).

{وكذبوا بآياتنا} أي بما جاءت به الأنبياء وقيل بالقرآن وقيل بحجج الله ولم يصدقوا بها {كذابا} أي تكذيبا {وكل شيء أحصيناه كتابا} أي وكل شيء من الأعمال بيناه في اللوح المحفوظ ومثله وكل شيء أحصيناه في إمام مبين وقيل معناه وكل شيء من أعمالهم حفظناه لنجازيهم به ثم بين أن ذلك الإحصاء والحفظ وقع بالكتابة لأن الكتابة أبلغ في حفظ الشيء من الإحصاء ويجوز أن يكون كتابا حالا مؤكدة أي أحصيناه في حال كونه مكتوبا عليهم والكتاب بمعنى المكتوب {فذوقوا} لهؤلاء الكفار ذوقوا ما أنتم فيه من العذاب {فلن نزيدكم إلا عذابا} لأن كل عذاب يأتي بعد الوقت الأول فهو زائد عليه .

____________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص242-245.

2- النمامون.

3- هذا عجز البيت للكندي ، وتمامه :

(بردت مراشفها علي فصدني *** عنها وعن قبلاتها البرد )

والمراشف الشفاه.

4- مضى البيت في ما سبق .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً} . يوم الفصل هو يوم القيامة ، وفيه يفصل بين الحق والباطل ، وله وقت معين ولكن لا يعلمه إلا اللَّه ، وفي هذا الوقت يفنى العالم ، وتنتقل الخلائق الأحياء منهم والأموات إلى عالم آخر لا يشبه دنيانا في شيء ، عالم لا باطل فيه ولا فناء ، ولا عمل وادعاء . . لا شيء إلا النعيم لمن أحسن ، والجحيم لمن أساء ، ومن دلائله ما أشار إليه سبحانه بقوله : {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً} . والصور بوق يكبر الصوت ، ولا ندري : هل أراد سبحانه هذا المعنى أو هو كناية عن بعث ما في القبور ؟ ومهما يكن فإن اللَّه سبحانه لم يكلفنا طلب هذا العلم ، ولا يتصل بحياتنا من قريب أو بعيد {وفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً} . هذا كناية عن خراب العالم العلوي بما فيه حيث يضطرب نظام الكواكب ، ويذهب ما بينها من تماسك ، وقال الشيخ محمد عبده : {قد تكون السماء بالنسبة إلينا أبوابا في ذلك اليوم ندخل من أيها شئنا بإذن اللَّه} .

{وسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً} أي شيئا كلا شيء كما قال سبحانه : {وبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا} - 6 الواقعة أي فتتت حتى صارت كالسويق الملتوت أو الغبار المنتشر .

{إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً} . بعد ان ذكر سبحانه الدلائل على قدرته - هدد المكذبين بنبوة محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وبالبعث ، هددهم بأن جهنم لهم في الانتظار ، وهي مرجعهم الوحيد ومقرهم الأخير {لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً} مقيمين في جهنم مددا طوالا لا حد لها ولا نهاية إلا ان يشاء اللَّه {لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً ولا شَراباً} . وهل يجتمع البرد والماء مع النار ؟ {إِلَّا حَمِيماً وغَسَّاقاً} . هذا استثناء متصل لأن الحميم هو الماء المغلي على النار ، والغساق القيح والصديد اللذان يسيلان من الجسم المحروق بالنار {جَزاءً وِفاقاً} عذابا يوافق أعمالهم وسيئاتهم في الحياة الدنيا {وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها} .

{إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً وكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً} . لقد أعمت الدنيا وترفها قلوبهم وعقولهم فكيف يرجون لقاء اللَّه ، ويرون آياته وبيناته {وكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً} . لا يخفى على اللَّه من عباده ما اقترفوه في ليل أو نهار حتى ما يختلج في نفوسهم ، ويمر بضمائرهم {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً} . ليس لكم عند اللَّه إلا العذاب ، ولا تأملوا الا بمضاعفته وشدته .

__________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، الطبرسي ، ج7 ، ص500-501.

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

تصف الآيات يوم الفصل الذي أخبر به إجمالا بقوله: {كلا سيعلمون} ثم تصف ما يجري فيه على الطاغين والمتقين، وتختتم بكلمة في الإنذار وهي كالنتيجة.

قوله تعالى: {إن يوم الفصل كان ميقاتا} قال في المجمع،: الميقات منتهى المقدار المضروب لحدوث أمر من الأمور وهومن الوقت كما أن الميعاد من الوعد والمقدار من القدر، انتهى.

شروع في وصف ما تضمنه النبأ العظيم الذي أخبر بوقوعه وهددهم به في قوله: {كلا سيعلمون} ثم أقام الحجة عليه بقوله: {أ لم نجعل الأرض مهادا} إلخ، وقد سماه يوم الفصل ونبه به على أنه يوم يفصل فيه القضاء بين الناس فينال كل طائفة ما يستحقه بعمله فهو ميقات وحد مضروب لفصل القضاء بينهم والتعبير بلفظ {كان} للدلالة على ثبوته وتعينه في العلم الإلهي على ما ينطق به الحجة السابقة الذكر، ولذا أكد الجملة بإن.

والمعنى: أن يوم فصل القضاء الذي نبأه نبأ عظيم كان في علم الله يوم خلق السماوات والأرض وحكم فيها النظام الجاري حدا مضروبا ينتهي إليه هذا العالم فإنه تعالى كان يعلم أن هذه النشأة التي أنشأها لا تتم إلا بالانتهاء إلى يوم يفصل فيه القضاء بينهم.

قوله تعالى: {يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا} قد تقدم الكلام في معنى نفخ الصور كرارا، والأفواج جمع فوج وهي الجماعة المارة المسرعة على ما ذكره الراغب.

وفي قوله: {فتأتون أفواجا} جري على الخطاب السابق الملتفت إليه قضاء لحق الوعيد الذي يتضمنه قوله: {كلا سيعلمون} وكان الآية ناظرة إلى قوله تعالى: { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71].

قوله تعالى: {وفتحت السماء فكانت أبوابا} فاتصل به عالم الإنسان بعالم الملائكة.

وقيل: التقدير فكانت ذات أبواب، وقيل: صار فيها طرق ولم يكن كذلك من قبل، ولا يخلو الوجهان من تحكم فليتدبر.

قوله تعالى: {وسيرت الجبال فكانت سرابا} السراب هو الموهوم من الماء اللامع في المفاوز ويطلق على كل ما يتوهم ذا حقيقة ولا حقيقة له على طريق الاستعارة.

ولعل المراد بالسراب في الآية هو المعنى الثاني.

بيان ذلك: أن تسيير الجبال ودكها ينتهي بالطبع إلى تفرق أجزائها وزوال شكلها كما وقع في مواضع من كلامه تعالى عند وصف زلزلة الساعة وآثارها إذ قال: {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} [الطور: 10] وقال: { وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة: 14] ، وقال: { وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل: 14] ، وقال: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 5] ، وقال: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة: 5] ، وقال: { وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ } [المرسلات: 10].

فتسيير الجبال ودكها ينتهي بها إلى بسها ونسفها وصيرورتها كثيبا مهيلا وكالعهن المنفوش كما ذكره الله تعالى وأما صيرورتها سرابا بمعنى ما يتوهم ماء لامعا فلا نسبة بين التسيير وبين السراب بهذا المعنى.

نعم ينتهي تسييرها إلى انعدامها وبطلان كينونتها وحقيقتها بمعنى كونها جبلا فالجبال الراسيات التي كانت ترى حقائق ذوات كينونة قوية لا تحركه العواصف تتبدل بالتسيير سرابا باطلا لا حقيقة له، ونظيره من كلامه تعالى قوله في أقوام أهلكهم وقطع دابرهم، {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } [سبأ: 19] وقوله: {فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [المؤمنون: 44] ، وقوله في الأصنام { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} [النجم: 23].

فالآية بوجه كقوله تعالى {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88] - بناء على كونه ناظرا إلى صفة زلزلة الساعة -.

قوله تعالى: {إن جهنم كانت مرصادا} قال في المفردات،: الرصد الاستعداد للترقب - إلى أن قال - والمرصد موضع الرصد قال تعالى: {واقعدوا لهم كل مرصد} والمرصاد نحوه لكن يقال للمكان الذي اختص بالرصد قال تعالى: {إن جهنم كانت مرصادا} تنبيها على أن عليها مجاز الناس، وعلى هذا قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} انتهى.

قوله تعالى: {للطاغين مآبا} الطاغون الملتبسون بالطغيان وهو الخروج عن الحد، والمآب اسم مكان من الأوب بمعنى الرجوع، والعناية في عدها مآبا للطاغين أنهم هيئوها مأوى لأنفسهم وهم في الدنيا ثم إذا انقطعوا عن الدنيا آبوا ورجعوا إليها.

قوله تعالى: {لابثين فيها أحقابا} الأحقاب الأزمنة الكثيرة والدهور الطويلة من غير تحديد.

وهو جمع اختلفوا في واحده فقيل: واحده حقب بالضم فالسكون أو بضمتين، وقد وقع في قوله تعالى: { أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا } [الكهف: 60] ، وقيل: حقب بالفتح فالسكون وواحد الحقب حقبة بالكسر فالسكون قال الراغب: والحق أن الحقبة مدة من الزمان مبهمة.

انتهى.

وحد بعضهم الحقب بثمانين سنة أو ببضع وثمانين سنة وزاد آخرون أن السنة منها ثلاثمائة وستون يوما كل يوم يعدل ألف سنة، وعن بعضهم أن الحقب أربعون سنة وعن آخرين أنه سبعون ألف سنة إلى غير ذلك ولا دليل من الكتاب يدل على شيء من هذه التحديدات ولم يثبت من اللغة شيء منها.

وظاهر الآية أن المراد بالطاغين المعاندون من الكفار ويؤيده قوله ذيلا: {إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا}.

وقد فسروا {أحقابا} في الآية بالحقب بعد الحقب فالمعنى حال كون الطاغين لابثين في جهنم حقبا بعد حقب بلا تحديد ولا نهاية فلا تنافي الآية ما نص عليه القرآن من خلود الكفار في النار.

وقيل: إن قوله: {لا يذوقون فيها} إلخ صفة {أحقابا} والمعنى لابثين فيها أحقابا هي على هذه الصفة وهي أنهم لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا، ثم يكونون على غير هذه الصفة إلى غير النهاية.

وهو حسن لو ساعد السياق.

قوله تعالى: {لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا} ظاهر المقابلة بين البرد والشراب أن المراد بالبرد مطلق ما يتبرد به غير الشراب كالظل الذي يستراح إليه بالاستظلال فالمراد بالذوق مطلق النيل والمس.

قوله تعالى: {إلا حميما وغساقا} الحميم الماء الحار شديد الحر، والغساق صديد أهل النار.

قوله تعالى: {جزاء وفاقا - إلى قوله - كتابا} المصدر بمعنى اسم الفاعل والمعنى يجزون جزاء موافقا لما عملوا أو بتقدير مضاف أي جزاء ذا وفاق أو إطلاق الوفاق على الجزاء للمبالغة كزيد عدل.

وقوله: {إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا} أي تكذيبا عجيبا يصرون عليه، تعليل يوضح موافقة جزائهم لعملهم، وذلك أنهم لم يرجوا الحساب يوم الفصل فأيسوا من الحياة الآخرة وكذبوا بالآيات الدالة عليها فأنكروا التوحيد والنبوة وتعدوا في أعمالهم طور العبودية فنسوا الله تعالى فنسيهم وحرم عليهم سعادة الدار الآخرة فلم يبق لهم إلا الشقاء ولا يجدون فيها إلا ما يكرهون، ولا يواجهون إلا ما يتعذبون به وهو قوله: {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا}.

وفي الآية أعني قوله: {جزاء وفاقا} دلالة على المطابقة التامة بين الجزاء والعمل فالإنسان لا يريد بعمله إلا الجزاء الذي بإزائه والتلبس بالجزاء تلبس بالعمل بالحقيقة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [التحريم: 7].

وقوله: {وكل شيء أحصيناه كتابا} أي كل شيء ومنه الأعمال ضبطناه وبيناه في كتاب جليل القدر فالآية في معنى قوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12].

أو المراد وكل شيء حفظناه حال كونه مكتوبا أي في اللوح المحفوظ أوفي صحائف الأعمال، وجوز أن يكون الإحصاء بمعنى الكتابة أو الكتاب بمعنى الإحصاء فإن الإحصاء والكتابة يتشاركان في معنى الضبط والمعنى كل شيء أحصيناه إحصاء أوكل شيء كتبناه كتابا.

والآية على أي حال متمم للتعليل السابق، والمعنى الجزاء موافق لأعمالهم لأنهم كانوا على حال كذا وكذا وقد حفظناها عليهم فجزيناهم بها جزاء وفاقا.

قوله تعالى: {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا} تفريع على ما تقدم من تفصيل عذابهم مسوق لإيئاسهم من أن يرجو نجاة من الشقوة وراحة ينالونها.

والالتفات إلى خطابهم بقوله: {فذوقوا} تقدير لحضورهم ليخاطبوا بالتوبيخ والتقريع بلا واسطة.

والمراد بقوله: {فلن نزيدكم إلا عذابا} أن ما تذوقونه بعد عذاب ذقتموه عذاب آخر فهو عذاب بعد عذاب وعذاب على عذاب فلا تزالون يضاف عذاب جديد إلى عذابكم القديم فاقنطوا من أن تنالوا شيئا مما تطلبون وتحبون.

والآية لا تخلو من ظهور في كون المراد بقوله: {لابثين فيها أحقابا} الخلود دون الانقطاع.

_____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج20 ، ص145-148.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

سيأتي اليوم الموعود:

الآية الاُولى من الآيات أعلاه بمثابة نتيجة لما تعرضت له الآيات السابقة...

{إنّ يوم الفصل كان ميقاتاً}(2)

والتعبير بـ «يوم الفصل» يحمل بين ثناياه إشارات كثيرة، فسيحدث في ذلك اليوم:

فصل الحقّ عن الباطل.

فصل المؤمنين الصالحين عن المجرمين.

فصل الوالدين عن أولادهم، والأخ عن أخيه...

و«الميقات»: من الوقت، الميعاد من الوعد، بمعنى الوقت المعين والمقرر، وإنّما سمّيت الأماكن التي يحرم منها حجاج بيت اللّه الحرام بـ «المواقيت» لأنّ الإجتماع فيها يكون في وقت معين.

ويتناول القرآن الكريم بعض خصائص ذلك اليوم العظيم، فيقول: {يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً}.

ويستفاد من آيات القرآن أنّ ثمّة نفختان عظيمتان ستحدثان باسم (نفخ الصور).. ففي النفخة الاُولى سينهار كلّ عالم الوجود، ويخرّ ميتاً كلّ من في السموات والأرض، وفي النفخة الثّانية يتجدّد عالم الوجود وتعود الحياة إلى الأموات مرّة اُخرى، ليقول بعدها يوم القيامة.

«الصور»: بوق يستعمل لإعطاء إشارة التوقف أو الحركة للقوافل أو الكتائب العسكرية وما شابهها من الإستعمالات، وتختلف الإشارة بين المجاميع التي تستعمل البوق، كلّ حسب ما تعارف عليه.

واستعمل القرآن «الصور» ككنابة لطيفة للتعبير عن المحدثين العظيمين المذكورين أعلاه، وأمّا ما ورد في الآية فيختص بنفخة الصور الثّانية، أي: نفخة القيام وإعادة الحياة(3).

ومع أنّ الآية أعلاه تقول: {فتأتون أفواجاً}، ولكنّ الآية (95) من سورة مريم تقول: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } [مريم: 95] ، والآية (71) من سورة الإسراء تقول: { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } [الإسراء: 71] ، فكيف يمكن تخريج ذلك؟

يمكن جمع الآيات الثلاثة بلحاظ أنّ حشر الناس أفواجاً لا بعرض أنّ يتقدمهم إمام، وأمّا الحشر فرادى فبلحاظ ما ليوم القيامة من مواقف متعددة، حيث يمكن أن يكون ورود الناس في المواقف الاُولى على شكل أفواج مع أئمّتهم (سواء كانوا أئمّة هدى أم أئمّة ضلال)، وحينما يستقر بهم المآل سيقفون في ساحة العدل الإلهي على شكل فرادى، كما تنقل لنا الآية (21) من سورة (ق)

عن ذلك المشهد العظيم: {وجاءت كلّ نفس معها سائق وشهيد}.

وثمّة احتمال آخر في معنى «فرداً»: هو انفصال الإنسان في ذلك اليوم عن أحبائه ومتعلقيه، ولا يكون معه يومئذ إلاّ ما كسبت يداه.

وتأتي الآية الاُخرى لتقول: {وفتحت السماء فكانت أبواباً}.

فما الأبواب؟ وكيف تفتح؟

يقول البعض: إنّ المقصود بهذه الأبواب هي أبواب عالم الغيب تفتح على عالم الشهود، وتزول الحجب ويتصل عالم الملائكة بعالم الإنسان(4).

ويرى البعض الآخر أنّها تشير إلى ما ورد في آيات قرآنية اُخرى، من قبيل: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } [الانشقاق: 1] ، و {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار: 1].

فما سيحصل من أثر ذلك الإنشقاق والإنفطار وكأنّ النجوم والكرات السماوية أبواب تفتحت على مصراعيها.

وثمّة مَن يذهب إلى أنّها إشارة إلى عدم استطاعة الإنسان في هذه الدنيا من اختراق السماوات والسير فيها، وإن استطاع فبشكل محدود جدّاً وبصعوبة بالغة، وكأن أبواب السماء موصدة أمامه، ولكنّ حال يوم القيامة سيتغير تماماً، حيث ترى الإنسان يغوص في أعماق السماء بعد تحرره من ممسكات الأرض، وكان أبواب السماء قد تفتحت له.

وبعبارة اُخرى: إنّ السماوات والأرض ستتلاشى في ذلك اليوم ثمّ تتبدلان إلى سماء وأرض أخريين كما تشير الآية (48) من سورة إبراهيم لذلك: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48] وعندها. ستفتح أبواب السماء أمام أهل الأرض، ويفتح الطريق للإنسان ليسلك الصالحون سبيل الجنّة فتفتح أبوابها لهم: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الزمر: 73] .

وحين يدخلون الجنّة يرد عليهم الملائكة للتهنئة: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد: 23] وتتفتح أبواب جهنم للكافرين كذلك: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 71].

وبذلك يرد الإنسان حينها إلى عرصة واسعة كوسع السماوات والأرض: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران: 133].

وتأتي الآية الأخيرة لتخبرنا عن حال الجبال في ذلك اليوم الحق: { وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} [النبأ: 20].

بملاحظة ما جاء في القرآن الكريم بخصوص مصير الجبال ليوم القيامة تظهر لنا أنّ الجبال ستطويها مراحل متعاقبة، تبدأ حركتها من: {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} [الطور: 10].

ثمّ تُحمل وتُدك: { وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة: 14].

فتكون تلالاً من الرمال المتراكمة: { وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا } [المزمل: 14].

فتصبح كأصواف منفوشة: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 5].

فتتحول غباراً متناثراً في الفضاء: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة: 5، 6]

ولا يبقى منها أخيراً إلاّ الأثر، كما أشارت لذلك الآية المبحوثة، وكأنّها يلوح في الاُفق، ويصبح سطح الأرض مستوياً بعد أن تُمحى الجبال من فوقها: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا } [طه: 105، 106].

«السراب»: من (السرب).. هو الذهاب في طريق منحدر، فعندما يسير الإنسان بين المنحدرات في الصحراء، يتراءى له من بعيد تلألؤاً يطنّه ماءً، وما هو إلاّ إنكسار في الأشعة يسمى (السراب)، ثمّ اُطلقت كلمة السراب على كلّ ظاهر خالً من المحتوى.

وبهذا تكون الآية قد أشارت إلى بداية حركة الجبال ونهاية أمرها، فيما تعرضت بقية الآيات (التي ذكرناها) إلى المراحل المختلفة بين البداية والنهاية.

فإذا كانت عاقبة الجبال على ما لها من شموخ وصلابة ستنتهي إلى غبار متناثر في الفضاء وعلى صورة سراب، فما حال ذلك الإنسان الذي يتصور أنّه جبار شديد البطش عريك القوى، ولكنّه لا يستطيع أن يتحدى الجبل صلابة!... إنّه يوم القيامة...

ولكن.. هل أن هذه الحوادث تتعلق بالنفخة الاُولى للصور التي تحكي عن نهاية العالم، أم هي متعلقة بالنفخة الثّانية والتي تقوم القيامة بها؟!

بلا شك أنّ الآية: {يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً} تشير إلى نفخة الصور الثّانية، لانّها تحكي عن إحياء الأموات ومحبتهم في عرصة المحشر أفواجاً، وكذا الحال بالنسبة للحوادث المذكورة فإنّها متعلقة بنفخة الصور الثّانية، إلاّ أنّه من الممكن حمل بداية حركة الجبال على النفخة الاُولى، ونهاية (السراب) ستكون بعد النفخة الثّانية.

ويحتمل أيضاً: إنّ كلّ ما تمرّ به الجبال من مراحل تتعلق بالنفخة الاُولى للصور، وقد ذُكرتا معاً لقرب الفاصلة الزمنية ما بين النفختين، وجرياً مع سياق بعض الآيات القرآنية التي تناولت حوادث النفختين معاً، كما جاء ذلك في سورتي التكوير والإنفطار.

ومن جميل التصوير القرآني وصفه للجبال بـ «الأوتاد» والأرض بـ «المهاد»، وتأتي الآيات لتخبر عن فناء الأرض التي هي مهد الإنسان بعدما تقتلع الجبال حينما ينفخ في الصور، ويتناسب هذا التصوير تماماً مع معارفنا، حيث أننا لو أخرجنا أوتاد أي شيء فمعنى ذلك حكمنا على ذلك الشيء بالإنهيار.

وقوله تعالى : {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا } [النبأ: 21 - 30]

جهنّم.. المرصاد الرهيب:

بعد أن بيّن القرآن الكريم في الآيات السابقة بعض أدلة المعاد وتناول قسماً من حوادث يوم القيامة، يذكر في هذه الآيات ما يؤول إليه حال المجرمين، فيقول:

{إنّ جهنم كانت مرصاداً}.

وهي: {للطاغين مآباً}(5).

وأنّهم: {لابثين فيها أحقاباً}.

«المرصاد»: اسم مكان يختفي فيه للمراقبة، ويقول الراغب في مفرداته: «المرصد» موضع الرصد، والمرصاد نحوه، لكن يقال للمكان الذي أُختص بالترصد.

وقيل: إنّه صيغة مبالغة، ويطلق على الذي يكمن كثراً للرصد، مثل «المعمار» الذي يكثر من البناء والعمران.

والمعنى الأوّل أشهر وأنسب، ولكن.. مَن سيقوم بعملية الرصد في جهنّم؟

قيل: هم وملائكة العذاب بدلالة الآية (71) من سورة مريم التي تحكي عن مرور جميع الناس صالحهم وطالحهم من جانب جهنّم أومن فوقها: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71] وخلال ذلك المشهد تقوم ملائكة العذاب برصد أهل النّار والتقاتهم من بين الخلق!

وأمّا لوقلنا في تفسير الآية بأنّها (صيغة المبالغة) فسيكون جهنّم هي المرصاد للطاغين، وتقوم بعملية جذب أهل النّار إليها حال مرور الخلق واقترابهم منها. وعلى أية حال، فلا يستطيع أيّ من الطاغين من تخطي ذلك المعبر المحتوم، فإمّا أن تخطفه ملائكة العذاب أو تجذبه جهنّم.

«الماب»: هو محل الرجوع، ويأتي أحياناً بمعنى المنزل والمقر، وهو المقصود في هذه الآية.

و«الأحقاب»: جمع (حقب) على وزن (قفل)، بمعنى برهة زمانية غير معينة، وقد قدرها بعض بثمانين عاماً، وقيل سبعين، وقيل: أربعين عاماً.

وعلى أيّ من التقادير، فثمّة مدّة معينة للبقاء في جهنّم، وهوما يتعارض مع ما جاء في آيات اُخر والتي تصرح بخلود أهل النّار في جهنّم، ولذلك سعى المفسّرون لإيجاد ما يوضح هذا الموضوع.

المعروف بين المفسّرين: إنّ المقصود بـ «الأحقاب» في الآية هو تلك الفترات الزمانية الطويلة التي تتعاقب فيما بينها، المتسلسة بلا نهاية، فكلما تنتهي فترة تحل محلها اُخرى، وهكذا.

وقد جاء في إحدى الرّوايات... إنّ الآية جاءت في المذنبين من أهل الجنّة، الذين يقضون فترة في جهنّم يتطهّرون فيها ثمّ يدخلون الجنّة، وليست واردة في الكافرين المخلدين في النّار(6).

وتشير الآيات ـ بعد ذلك ـ إلى جانب صغير من عذاب جهنّم الأليم، بالقول: (لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً).

{إلاّ حميماً وغسّاقاً}، إلاّ ظلّ من الدخان الغليظ الخانق كما أشارت إلى ذلك الآية (43) من سورة الواقعة: { وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الواقعة: 43].

«الحميم»: هو الماء الحار جدّاً، و «الغسّاق»: هوما يقطر من جلود أهل النّار من الصديد والقيح، وفسّرها بعضهم بالسوائل ذات الروائح الكريهة.

في حين أنّ أهل الجنّة يسقيهم ربّهم جلّ شأنه بالأشربة الطاهرة، كما جاء في الآية (21) من سورة الدهر: { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] ، حتى الأواني التي يشربون بها وعلى ما لها من الرونق فهي مختومة بالمسك، كما أشارت لذلك الآية (26) من سورة المطففين: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26].. فانظر لعقبى الدارين!

ولكن، لِمَ هذا العذاب الأليم؟ فتأتي الآية التالية: إنّما هو: {جَزَاءً وِفَاقًا} (7).

ولِمَ لا يكون كذلك.. وقد أحرقوا في دنياهم قلوب المظلومين، وتجاوزوا بتسلطهم وظلمهم وشرّهم على رقاب الناس دون أن يعرفوا للرحمة معنى، فجزاهم يناسب ما اقترفوا من ذنوب عظام.

وكما قلنا مراراً، إنّ الآيات القرآنية حينما تشير إلى عقوبات يوم القيامة، إنّما تطرحها كجزاء لما اقترفت أيدي الناس بظلمهم، كما نقرأ في الآية (7) من سورة التحريم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [التحريم: 7] ، {حين تجسمت أعمالكم وحضرت أمامكم}.

ويذكر القرآن سبب الجزاء فيقول: {إنّهم كانوا لا يرجون حساباً}.

وبعبارة اُخرى: إنّ عدم الإيمان بالحساب سبب للطغيان، فيكون الطغيان سبباً لذلك الجزاء الأليم.

«لا يرجون»: من «الرجاء» ويأتي بمعنى «الأمل» وكذلك بمعنى «عدم الخوف»، ومن الطبيعي أن يشعر الإنسان بالخوف في حال الأمل والإنتظار، وإلاّ لَم يخف.. فبين الأمرين تلازم، ولهذا فالذين ليس لديهم أمل ورجاء لا يحسون بخوف أيضاً.

«إنّ» في «إنّهم»: للتأكيد. و«كانوا»: للماضي المستمر. و «حساباً»: نكرة جاءت بعد نفي لتعطي معنى العموم.. وكل هذا البيان جاء ليبيّن أنّهم ما كانوا ينتظرون حساباً مطلقاً، وما كانوا يشعرون لاخوف من ذلك! وبعبارة اُخرى: إنّهم تناسوا حساباً يوم القيامة بالكلية: ولم يفرزوا له مكاناً في كلّ حياتهم! ولا جرم أنّ عاقبة أمرهم سيؤول إلى العذاب الأليم لما اقترفوه من جرائم عظمى وكبائر الذنوب.

ومباشرة يضيف القرآن القول: {وكذّبوا بآياتنا كذّاباً}(8).

فقد أحكمت الأهواء النفسانية قبضتها عليهم حتى جعلتهم يكذبون بآيات اللّه تكذيباً شديداً، وأنكروها إنكاراً قاطعاً ليواصلوا أمانيهم الإجرامية باتباعهم المفرط لأهوائهم الغاربة.

وبما أنّ معنى «آياتنا» من الوسع بحيث يشمل كلّ آيات التوحيد والنبوّة والتكوين والتشريع ومعجزات الأنبياء والأحكام السنن، فعملية تكذيب كلّ هذه الأدلة الإلهية في عالم التكوين والتشريع، إنّما تستحق أشدّ العقوبات المخبر عنها في القرآن الكريم.

ينبه القرآن الطغاة على وجود الموازنة بين الجرم والعقاب في العدل الإلهي، فيقول: {وكلّ شيء أحصيناه كتاباً}(9).

فلا تظنوا أنّ شيئاً من أعمالكم سيبقى بلا حساب أو عقاب، ولا تساوركم الشكوك بعدم عدالة العقوبات المقررة لكم.

فما أكثر الآيات القرآنية التي تحكي عن حقيقة ضبط إحصاء كلّ ما يبدر من الإنسان، سواء كان من الأعمال الصغيرة أم الكبيرة، سرية أم علنية، بل ويخضع لذلك حتى عقائد ونيّات المرء.

وفي هذا المجال، يقول القرآن: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر: 52، 53].. وفي موضع آخر يقول: {إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} [يونس: 21].. وفي مكان آخر يقول: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12].

ولذلك يصرخ المجرمون بالقول: { يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49] ، حينما يستلمون كتابهم الحاوي على كلّ ما فعلوه في الحياة الدنيا.

وممّا لا شك فيه، أنّ إدراك حقيقة الآيات الرّبانية بكامل القلب، سوف يدفع الإنسان لأنّ يكون دقيقاً في جميع أعماله، وسيكون اعتقاده الجازم بمثابة السدّ المنيع بينه وبين ارتكاب الذنوب، ومن العوامل المهمّة والمؤثرة في العملية التربوية.

ويتغيّر لحن الخطاب في الآية الأخيرة من الآيات المبحوثة، فينتقل من التكلم عن الغائب إلى مخاطبة الحاضر: ويهدد القرآن بنبرات غاضبة اُولئك المجرمين، ويقول: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} [النبأ: 30].

فصرخاتكم بـ «يا وليتنا» وطلبكم العودة إلى الدنيا لإصلاح ما أفسدتم، لن ينفعكم، وكل ما ستنالونه هو الزيادة في العذاب ولا مِن مغيث.

وهذا هو جزاء اُولئك الذين يواجهون دعوات الأنبياء الداعية إلى اللّه والإيمان والتقوى، بقولهم: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} [الشعراء: 136] .

وهذا هو جزاء الذين ينفرون من سماع واستماع ما تتلى عليهم من آيات اللّه، كما قال تعالى: {وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا} [الإسراء: 41].

وأخيراً.. فالعذاب الأليم جزاء كلّ مَن لا يتورع عن اقتراف الذنوب، ولا يسعى صوب الأعمال الصالحة.

حتى روي عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «هذه الآية أشدّ ما في القرآن على أهل النّار»(3).

كيف لا.. وهي التي تحمل بين ثناياها الغضب الإلهي، وتسدّ كلّ أبواب الأمل للخلاص من جهنّم، ولا تعد أهل النّار إلاّ زيادة في العذاب.

_________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14 ، ص27-35.

2 ـ استعمال (كان) في هذا المورد لبيان حتمية الوقوع لذلك اليوم.

3 ـ تطرقنا لهذا الموضوع بشكل مفصل في ذيل الآية (68) من سورة الزمر، فراجع.

4 ـ تفسير الميزان، ج20، ذيل الآية المذكورة.

5 ـ يوجد محذوف في الآية، والتقدير: {كانت للطاغين مآباً}.

6 ـ تفسير نور الثقلين، ج5، ص494، ح23 و26.

7 ـ «جزاء»: مفعول مطلق لفعل محذوف تظهره قرينة الكلام، «وفاقاً»: صفة الجزاء، والتقدير: يجازيهم جزاءً ذا وفاق!

8 ـ «كِذّاباً» ـ بكسر الكاف ـ: إحدى صيغ المصدر من باب التفعيل، بمعنى التكذيب، وقال بعض أهل اللغة: إنّه مصدر ثلاثي مجرّد معادل لكذب.. وعلى أية حال، فهو: مفعول مطلق لكذبوا، وجاء للتأكيد.

9 ـ «كلّ»: مفعول به لفعل مستتر يدل عليه الفعل «أحصيناه». و «كتاباً»: مفعول مطلق لأحصينا، لأنّه بمعنى كتبنا، واعتبره البعض: حالاً.

10 ـ تفسير الكشّاف، ج4، ص690; وتفسير روح البيان، ج10، ص307; وتفسير الصافي في ذيل الآية المذكورة.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .