أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-11-2017
5868
التاريخ: 9-11-2017
3305
التاريخ: 9-11-2017
7288
|
قال تعالى : {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا} [الجن: 1 - 7].
أمر سبحانه نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يخبر قومه بما لم يكن لهم به علم فقال {قل} يا محمد {أوحي إلي} إنما ذكره على لفظ ما لم يسم فاعله تفخيما وتعظيما والله سبحانه أوحى إليه وأنزل الملك عليه {أنه استمع نفر من الجن} أي استمع القرآن طائفة من الجن وهم جيل رقاق الأجسام خفيفة على صورة مخصوصة بخلاف صورة الإنسان والملائكة فإن الملك مخلوق من النور والإنس من الطين والجن من النار {فقالوا} أي قالت الجن بعضها لبعض {إنا سمعنا قرآنا عجبا} والعجب ما يدعو إلى التعجب منه لخفاء سببه وخروجه عن العادة في مثله فلما كان القرآن قد خرج بتأليفه المخصوص عن العادة في الكلام وخفي سببه عن الأنام كان عجبا لا محالة وأيضا فإنه مباين لكلام الخلق في المعنى والفصاحة والنظام لا يقدر أحد على الإتيان بمثله وقد تضمن أخبار الأولين والآخرين وما كان وما يكون أجراه الله على يد رجل أمي من قوم أميين فاستعظموه وسموه عجبا.
{يهدي إلى الرشد} أي يدل على الهدى ويدعو إليه والرشد ضد الضلال {ف آمنا به} أي صدقنا بأنه من عند الله {ولن نشرك} فيما بعد {بربنا أحدا} فنوجه العبادة إليه بل نخلص العبادة لله تعالى والمعنى أنا قد بدأنا بأنفسنا فقبلنا الرشد والحق وتركنا الشرك واعتقدنا التوحيد وفي هذا دلالة على أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان مبعوثا إلى الجن والإنس وعلى أن الجن عقلاء مخاطبون وبلغات العرب عارفون وعلى أنهم يميزون بين المعجز وغير المعجز وأنهم دعوا قومهم إلى الإسلام وأخبروهم بإعجاز القرآن وأنه كلام الله تعالى لأن كلام العباد لا يتعجب منه.
وروى الواحدي بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ما قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على الجن وما رآهم انطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا ما ذاك إلا من شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو بنخل عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم وقالوا {إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد ف آمنا به ولن نشرك بربنا أحدا} فأوحى الله تعالى إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن} ورواه البخاري ومسلم أيضا في الصحيح.
وعن علقمة بن قيس قال قلت لعبد الله بن مسعود من كان منكم مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليلة الجن فقال ما كان منا معه أحد فقدناه ذات ليلة ونحن بمكة فقلنا اغتيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو استطير فانطلقنا نطلبه من الشعاب فلقيناه مقبلا من نحو حراء فقلنا يا رسول الله أين كنت لقد أشفقنا عليك وقلنا له بتنا الليلة بشر ليلة بات بها قوم حين فقدناك فقال لنا أنه أتاني داعي الجن فذهبت أقرئهم القرآن فذهب بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم فأما أن يكون صحبه منا أحد فلم يصحبه وعن أبي روق قال هم تسعة نفر من الجن قال أبوحمزة الثمالي وبلغنا أنهم من بني الشيصبان هم أكثر الجن عددا وهم عامة جنود إبليس وقيل كانوا سبعة نفر من جن نصيبين رآهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ف آمنوا به وأرسلهم إلى سائر الجن.
{وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا} الاختيار كسر إن لأنه من قول الجن لقومهم وهو معطوف على قوله {قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا} أي وقالوا تعالى جد ربنا وقال الفراء من فتح فتقديره ف آمنا به وآمنا بأنه تعالى جد ربنا وكذلك كل ما كان بعده ففتح أن بوقوع الإيمان عليه والمعنى تعالى جلال ربنا وعظمته عن اتخاذ الصحابة والولد عن الحسن ومجاهد وقيل معناه تعالت صفات الله التي هي له خصوصا وهي الصفات العالية التي ليست للمخلوقين عن أبي مسلم وقيل معناه جل ربنا في صفاته فلا تجوز عليه صفات الأجسام والأعراض عن الجبائي وقيل تعالى قدرة ربنا عن ابن عباس وقيل تعالى ذكره عن مجاهد وقيل فعله وأمره عن الضحاك وقيل علا ملك ربنا عن الأخفش وقيل تعالى آلاؤه ونعمه على الخلق عن القرظي والجميع يرجع إلى معنى واحد وهو العظمة والجلال على ما تقدم ذكرهما ومنه قول أنس بن مالك كان الرجل إذا قرأ سورة البقرة جد في أعيننا أي عظم وقال الربيع بن أنس أنه قال ليس لله تعالى جد وإنما قالته الجن بجهالة فحكاه سبحانه كما قالت وروي ذلك عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام).
{وأنه كان يقول سفيهنا} أي جاهلنا {على الله شططا} أرادوا بسفيههم إبليس عن مجاهد وقتادة والشطط السرف في ظلم النفس والخروج عن الحق فاعترفوا بأن إبليس كان يخرج عن الحد في إغواء الخلق ودعائهم إلى الضلال وقيل شططا أي قولا بعيدا من الحق وهو الكذب في التوحيد والعدل {وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا} اعترفوا بأنهم ظنوا أن لن يقول أحد من الإنس والجن كذبا على الله في اتخاذ الشريك معه والصاحبة والولد أي حسبنا أن ما يقولونه من ذلك صدق وأنا على حق حتى سمعنا القرآن وتبينا الحق به وفي هذا دلالة على أنهم كانوا مقلدة حتى سمعوا الحجة وانكشف لهم الحق فرجعوا عما كانوا عليه وفي إشارة إلى بطلان التقليد ووجوب اتباع الدليل.
{وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن} أي يعتصمون ويستجيرون وكان الرجل من العرب إذا نزل الوادي في سفره ليلا قال أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه عن الحسن ومجاهد وقتادة وكان هذا منهم على حسب اعتقادهم أن الجن تحفظهم قال مقاتل وأول من تعوذ بالجن قوم من اليمن ثم بنو حنيفة ثم فشا في العرب وقيل معناه وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من أجل الجن ومن معرة الجن(2) عن البلخي قال لأن الرجال لا تكون إلا في الناس وقال الأولون في الجن رجال مثل ما في الناس {فزادوهم رهقا} أي فزاد الجن الإنس إثما على إثمهم الذي كانوا عليه من الكفر والمعاصي عن ابن عباس وقتادة وقيل رهقا أي طغيانا عن مجاهد وقيل فرقا وخوفا عن الربيع وابن زيد وقيل شرا عن الحسن وقيل زادوهم ذلة وضعفا قال الزجاج يجوز أن يكون الإنس الذين كانوا يستعيذون بالجن زادوا الجن رهقا وذلك أن الجن كانوا يزدادون طغيانا في قومهم بهذا التعوذ فيقولون سدنا الإنس والجن ويجوز أن يكون الجن زاد الإنس رهقا.
{وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا} قيل معناه قال مؤمنو الجن لكفارهم إن كفار الإنس الذين يعوذون برجال من الجن في الجاهلية حسبوا كما حسبتم يا معشر الجن أن لن يبعث الله رسولا بعد موسى أو عيسى ووراء هذا أن الجن مع تمردهم وعتوهم لما سمعوا القرآن آمنوا واهتدوا به فأنتم معاشر العرب أولى بالتفكر والتدبر لتؤمنوا وتهتدوا مع أن الرسول من جنسكم ولسانه لسانكم وقيل إن هذه الآية مع ما قبلها اعتراض من إخبار الله تعالى يقول إن الجن ظنوا كما ظننتم معاشر الإنس أن الله لا يحشر أحدا يوم القيامة ولا يحاسبه عن الحسن وقيل يعني لن يبعث الله أحدا رسولا عن قتادة .
___________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10، ص143-147.
{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً} . الجن حقيقة واقعة ، لا يشك فيها مؤمن لأن آي الذكر الحكيم أثبتت ذلك بما لا يقبل الشك والتأويل ، وبماذا نؤول قوله تعالى في الآية 13 من سورة سبأ : {يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وتَماثِيلَ وجِفانٍ كَالْجَوابِ} والآية 39 من سورة النمل :
{قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ} والآية 30 من سورة الأحقاف : {إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى} . وقوله تعالى في سورتنا هذه : {سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً . .} {لَمَسْنَا السَّماءَ . .} {مِنَّا الصَّالِحُونَ ومِنَّا دُونَ ذلِكَ} بماذا نؤول هذه الآيات ؟
ومثلها كثير ، أنؤولها بالمكروبات أو بالراديوم أو بالإلكترونات وما إليها من المصطلحات ؟ .
وتقول : العلم الحديث لم يثبت الجن . ونقول : وهل في العلم الحديث ما ينفيه ؟
وهل أحصى العلم الحديث عدد الكائنات ما ظهر منها وما بطن ؟ وأي عالم قديم أو جديد يعرف حقيقة نفسه وعقله ، بل وجسمه المحسوس الملموس ، يعرفه بما فيه من عروق وخطوط وشعر ؟ ومن جهل نفسه فهو بغيره أجهل بخاصة عالم الغيب . لقد أثبت الوحي الجن والملائكة فوجب التصديق ، ومن نفى بلسان القطع والجزم فعليه الإثبات من العقل أو الوحي تماما كما لو أثبت .
وبعد ، فقد أوحى سبحانه إلى نبيه الكريم ان جماعة من الجن استمعوا إليه ، وهو يتلو كتاب اللَّه ففهموه وتدبروا معانيه ، فدهشوا من عظمته مبنى ومعنى ، وقال بعضهم لبعض : ألا تعجبون لهذا القرآن ؟ وهل سمعتم بمثيل له من قبل ؟
حقا انه لمعجز وانه {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} فما من خير إلا ويرشد إليه ويأمر به مرغَّبا ومبشرا ، وما من شر إلا ويدل عليه وينهى عنه منذرا ومحذرا .
1 - {فَآمَنَّا بِهِ ولَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً} لأنه قادر على كل شيء ، ومن قدر على كل شيء فهو في غنى عن الشركاء ، ولو استعان بغيره لكان عاجزا ، والعاجز لا يكون إلها .
2 - {وأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً ولا وَلَداً} . جل سبحانه عن اتخاذ الأبناء ، وطهر عن ملامسة النساء ، كيف وهو الغني الحميد ؟ .
3 - {وأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً} . المراد بالسفيه هنا الجاهل ، والشطط تجاوز الحد ، وفيه إيماء إلى انه كان في الجن طائفة تدين بالتثليث :
الرب وابنه وزوجته ، وما من شك ان هذا سفه وسرف .
4 - {وأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنْسُ والْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً} . كان قادة الدين من الجن يلقنون أتباعهم الأضاليل والأباطيل ، من ذلك ان للَّه صاحبة وولدا فيصدق الأتباع السذج ثقة بالكبار ، وإيمانا بأن ما من أحد يجترئ على اللَّه ويصفه بغير صفاته ، ولما سمعوا القرآن أيقنوا ان رؤساءهم يفترون على اللَّه الكذب ويصفونه بما لا يليق بجلاله وعظمته .
ومكان العظمة في هذه الآيات ان الجن سمعوا حكمة القرآن للمرة الأولى فوعوها واتعظوا بها . . ونحن نسمع القرآن ونقرأه مرات ومرات ، ولا يخلو منه بيت من بيوت المسلمين ، ثم لا ننتفع بمواعظه ، ولا نهتدي برشده . . فهل الجن - يا ترى - أصفى نفسا ، أو أتم عقلا ، أولا شيء في حياتهم من المغريات والشهوات ؟ .
5 - {وأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً} .
اختلفوا في تفسير هذه الآية ، والأقرب إلى الافهام - خلافا لجمهور المفسرين - ان المراد برجال من الإنس البسطاء السذج ، والمراد برجال من الجن المشعوذون الذين يموهون على البسطاء بأن لهم صلات بالجن يستحضرونهم متى شاؤوا ، ويسخرونهم فيما أرادوا ، وعليه يكون المعنى ان السذج كانوا يستجيرون بالمشعوذين ليدفعوا عنهم غائلة الجن ، أو يتنبئوا بما يحدث لهم ، أو يقربوا بعيدا ، أو يبعدّوا قريبا . أما قوله : {فَزادُوهُمْ رَهَقاً} فمعناه ان المشعوذين كانوا يطلبون من البسطاء من الأجر ما يرهقونهم به .
6 - {وأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً} . الضمير في ظنوا للكفرة من الإنس ، والخطاب في ظننتم من مؤمني الجن للكفرة من قومهم ، والمعنى ان مؤمني الجن قالوا للكفار من قومهم : لكم في الإنس أمثال لا يؤمنون بالبعث والحساب .
_____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7، ص434-436.
تشير السورة إلى قصة نفر من الجن استمعوا القرآن فآمنوا به وأقروا بأصول معارفه، وتتخلص منها إلى تسجيل نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والإشارة إلى وحدانيته تعالى في ربوبيته وإلى المعاد، والسورة مكية بشهادة سياقها.
قوله تعالى: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد} أمر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقص القصة لقومه، والموحي هو الله سبحانه، ومفعول {استمع} القرآن حذف لدلالة الكلام عليه، والنفر الجماعة من ثلاثة إلى تسعة على المشهور، وقيل: بل إلى أربعين.
والعجب بفتحتين ما يدعو إلى التعجب منه لخروجه عن العادة الجارية في مثله، وإنما وصفوا القرآن بالعجب لأنه كلام خارق للعادة في لفظه ومعناه أتى به رجل أمي ما كان يقرأ ولا يكتب.
والرشد إصابة الواقع وهو خلاف الغي، وهداية القرآن إلى الرشد دعوته إلى عقائد وأعمال تتضمن للمتلبس بها سعادته الواقعية.
والمعنى: يا أيها الرسول قل للناس: أوحي - أي أوحى الله - إلي أنه استمع القرآن جماعة من الجن فقالوا - لقومهم لما رجعوا إليهم - إنا سمعنا كلاما مقروا خارقا للعادة يهدي إلى معارف من عقائد وأعمال في التلبس بها إصابة الواقع والظفر بحقيقة السعادة.
كلام في الجن
الجن نوع من الخلق مستورون من حواسنا يصدق القرآن الكريم بوجودهم ويذكر أنهم بنوعهم مخلوقون قبل نوع الإنسان، وأنهم مخلوقون من النار كما أن الإنسان مخلوق من التراب قال تعالى: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر: 27].
وأنهم يعيشون ويموتون ويبعثون كالإنسان قال تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأحقاف: 18].
وأن فيهم ذكورا وإناثا يتكاثرون بالتوالد والتناسل قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 6].
وأن لهم شعورا وإرادة وأنهم يقدرون على حركات سريعة وأعمال شاقة كما في قصص سليمان (عليه السلام) وتسخير الجن له وقصة ملكة سبإ.
وأنهم مكلفون كالإنسان، منهم مؤمنون ومنهم كفار، ومنهم صالحون وآخرون طالحون، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56] وقال تعالى: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ } [الجن: 1، 2] وقال: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} [الجن: 14] وقال: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } [الجن: 11] وقال تعالى: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ } [الأحقاف: 30، 31] إلى غير ذلك من خصوصيات أحوالهم التي تشير إليها الآيات القرآنية.
ويظهر من كلامه تعالى أن إبليس من الجن وأن له ذرية وقبيلا قال تعالى: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [الكهف: 50] وقال تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} [الكهف: 50] وقال تعالى: { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ } [الأعراف: 27].
قوله تعالى: {فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا} إخبار عن إيمانهم بالقرآن وتصديقهم بأنه حق، وقوله: {ولن نشرك بربنا أحدا} تأكيد لمعنى إيمانهم به أن إيمانهم بالقرآن إيمان بالله الذي أنزله فهو ربهم، وأن إيمانهم به تعالى إيمان توحيد لا يشركون به أحدا أبدا.
قوله تعالى: {وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا} فسر الجد بالعظمة وفسر بالحظ، والآية في معنى التأكيد لقولهم: {ولن نشرك بربنا أحدا{.
والقراءة المشهورة {أنه} بالفتح، وقرئ بالكسر في هذه الآية وفيما بعدها من الآيات - اثنا عشر موردا - إلى قوله: {وأن لو استقاموا} فبالفتح وهو الأرجح لظهور سياق الآيات في أنها مقولة قول الجن.
وأما قراءة الفتح فوجهها لا يخلو من خفاء، وقد وجهها بعضهم بأن الجملة {وأنه} {إلخ} معطوفة على الضمير المجرور في قوله {آمنا به} والتقدير وآمنا بأنه تعالى جد ربنا إلخ فهو إخبار منهم بالإيمان بنفي الصاحبة والولد منه تعالى على ما يقول به الوثنيون.
وهذا إنما يستقيم على قول الكوفيين من النحاة بجواز العطف على الضمير المتصل المجرور، وأما على قول البصريين منهم من عدم جوازه فقد وجهه بعضهم كما عن الفراء والزجاج والزمخشري بأنها معطوفة على محل الجار والمجرور وهو النصب فإن قوله: {آمنا به} في معنى صدقناه، والتقدير وصدقنا أنه تعالى جد ربنا إلخ، ولا يخفى ما فيه من التكلف.
ووجهه بعضهم بتقدير حرف الجر في الجملة المعطوفة وذلك مطرد في أن وأن، والتقدير آمنا به وبأنه تعالى جد ربنا {إلخ}.
ويرد على الجميع أعم من العطف على الضمير المجرور أو على محله أو بتقدير حرف الجر أن المعنى إنما يستقيم حينئذ في قوله: {وأنه تعالى جد ربنا} إلخ، وقوله: {وأنه كان يقول سفيهنا} إلخ، وأما بقية الآيات المصدرة بأن كقوله: {وأنا ظننا أن لن تقول} إلخ، وقوله: {وأنه كان رجال من الإنس} إلخ، وقوله: {وأنا لمسنا السماء} فلا يصح قطعا فلا معنى لأن يقال: آمنا أو صدقنا أنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله شططا، أو يقال: آمنا أو صدقنا أنه كان رجال من الإنس يعوذون إلخ، أو يقال: آمنا أو صدقنا أنا لمسنا السماء إلخ.
ولا يندفع الإشكال إلا بالمصير إلى ما ذكره بعضهم أنه إذا وجه الفتح في الآيتين الأوليين بتقدير الإيمان أو التصديق فليوجه في كل من الآيات الباقية بما يناسبها من التقدير.
ووجه بعضهم الفتح بأن قوله: {وأنه تعالى} إلخ وسائر الآيات المصدرة بأن معطوفة على قوله: {إنه استمع} إلخ.
ولا يخفى فساده فإن محصله أن الآيات في مقام الإخبار عما أوحي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أقوالهم وقد أخبر عن قولهم: إنا سمعنا قرآنا عجبا فآمنا به بعنوان أنه إخبار عن قولهم ثم حكى سائر أقوالهم بألفاظها فالمعنى أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا كذا وكذا وأوحي إلي أنه تعالى جد ربنا {إلخ} وأوحي إلي أنه كان يقول سفيهنا إلى آخر الآيات.
فيرد عليه أن ما وقع في صدر الآيات من لفظة {إنه} و{أنهم} و{أنا} إن لم يكن جزء من لفظهم المحكي كان زائدا مخلا بالكلام، وإن كان جزء من كلامهم المحكي بلفظه لم يكن المحكي من مجموع أن وما بعدها كلاما تاما واحتاج إلى تقدير ما يتم به كلاما حتى تصح الحكاية، ولم ينفع في ذلك عطفه على قوله: {إنه استمع} شيئا فلا تغفل.
قوله تعالى: {وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا} السفه - على ما ذكره الراغب - خفة النفس لنقصان العقل، والشطط القول البعيد من الحق.
والآية أيضا في معنى التأكيد لقولهم: {لن نشرك بربنا أحدا} ومرادهم بسفيههم من سبقهم من مشركي الجن، وقيل: المراد إبليس وهومن الجن، وهو بعيد من سياق قوله: {كان يقول سفيهنا} إلخ.
قوله تعالى: {وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا} اعتراف منهم بأنهم ظنوا أن الإنس والجن صادقون فيما يقولون ولا يكذبون على الله فلما وجدوهم مشركين وسمعوهم ينسبون إليه تعالى الصاحبة والولد أذعنوا به وقلدوهم فيما يقولون فأشركوا مثلهم حتى سمعوا القرآن فانكشف لهم الحق، وفيه تكذيب منهم للمشركين من الإنس والجن.
قوله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} قال الراغب: العوذ الالتجاء إلى الغير، وقال: رهقه الأمر غشيه بقهر انتهى.
وفسر الرهق بالإثم، وبالطغيان، وبالخوف، وبالشر، وبالذلة والضعف، وهي تفاسير بلازم المعنى.
والمراد بعوذ الإنس بالجن - على ما قيل: إن الرجل من العرب كان إذا نزل الوادي في سفره ليلا قال: أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه، ونقل عن مقاتل أن أول من تعوذ بالجن قوم من اليمن ثم بنو حنيفة ثم فشا في العرب.
ولا يبعد أن يكون المراد بالعوذ بالجن الاستعانة بهم في المقاصد من طريق الكهانة، وإليه يرجع ما نقل عن بعضهم أن المعنى كان رجال من الإنس يعوذون برجال من أجل الجن ومن معرتهم وأذاهم.
والضميران في قوله: {فزادوهم} أولهما لرجال من الإنس وثانيهما لرجال من الجن والمعنى فزاد رجال الإنس رجال الجن رهقا بالتجائهم إليهم فاستكبر رجال الجن وطغوا وأثموا، ويجوز العكس بأن يكون الضمير الأول لرجال الجن والثاني لرجال الإنس، والمعنى فزاد رجال الجن رجال الإنس رهقا أي إثما وطغيانا أو ذلة وخوفا.
قوله تعالى: {وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا} ضمير {أنهم} لرجال من الإنس، والخطاب في {ظننتم} لقومهم من الجن، والمراد بالبعث بعث الرسول بالرسالة فالمشركون ينكرون ذلك، وقيل: المراد به الإحياء بعد الموت، وسياق الآيات التالية يؤيد الأول.
وعن بعضهم أن هذه الآية والتي قبلها ليستا من كلام الجن بل كلامه تعالى معترضا بين الآيات المتضمنة لكلام الجن، وعليه فضمير {إنهم} للجن وخطاب {ظننتم} للناس، وفيه أنه بعيد من السياق.
_______________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج20 ، ص34-38.
القرآن العجيب!!
نرجع إلى تفسير الآيات بعد ذكر ما قيل في سبب النّزول يقول اللّه تعالى: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجن فقالوا إنّا سمعنا قرآناً عجباً}(2).
التعبير بـ (اُوحي إليّ) يشير إلى أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يشاهد الجنّ بنفسه بل علم باستماعهم للقرآن عن طريق الوحي، وكذلك يعلم من مفهوم الآية أنّ للجن عقلاً وشعوراً وفهماً وإدراكاً، وأنّهم مكلّفون ومسؤولون، ولهم المعرفة باللغات ويفرقون بين الكلام الخارق للعادة بين الكلام العادي، وبين المعجز وغير والمعجز، ويجدون أنفسهم مكلّفين بإيصال الدعوة إلى قومهم، وأنّهم هم المخاطبون في القرآن المجيد، هذه بعض الخصوصيات لهذا الموجود المستور الحي الذي يمكن الإستفادة منها في هذه الآية، ولهم خصوصيات اُخرى سوف نبيّنها في نهاية هذا البحث، وإنّ شاء اللّه تعالى.
إنّ لهم الحقّ في أن يحسبوا هذا القرآن عجباً، لِلَحنِه العجيب، ولجاذبية محتواه، ولتأثيره العجيب، ولمن جاء به والذي لم يكن قد درس شيئاً وقد ظهر من بين الاُميين، وكلام عجيب في ظاهره وباطنه ويختلف عن أيّ حديث آخر ولهذا اعترفوا بإعجاز القرآن.
لقد تحدثوا لقومهم بحديث آخر تبيّنه السورة في (12) آية، وكل منها تبدأ بـ (أن) وهي دلالة على التأكيد(3).
فيقول أوّلاً: بأنّهم قالوا: {يهدي إلى الرّشد فآمنا به ولن نشرك بربّنا أحداً}التعبير بـ «الرّشد» تعبير واسع وجامع، ويمكن أن يستوعب كل امتياز، فهو الطريق المستقيم من دون اعوجاج، وهو الضياء والوضوح الذي يوصل المتعلقين به إلى محل السعادة والكمال.
وبعد إظهار الإيمان ونفي الشرك باللّه تعالى ينتقل كلامهم إلى تبيان صفات اللّه تعالى: {وإنّه تعالى جدّ ربّنا ما اتّخذ صاحبة ولا لداً}.
«جد»: لها معان كثيرة في اللغة، منها: العظمة، والشدّة، والجد، والقسمة، والنصيب، وغير ذلك، وأمّا المعنى الحقيقي لها كما يقول الراغب في المفردات فهو «القطع»، وتأتي بمعنى «العظمة» إذا كان هناك كائن عظيم منفصل بذاته عن بقية الكائنات، وكذلك يمكن الأخذ بما يناسب بقية المعاني التابعة لها، وإذا ما أطلقنا لفظة «الجد» على والدي لأبوين فإنّما يعود ذلك إلى كبر مقامهما أو عمرهما، وذكر آخرون معاني محدودة لهذه الكلمة فقد فسّروها بالصفات، والقدرة، والملك، والحاكمية، والنعمة، والاسم، وتجتمع كل هذه المعاني في معنى العظمة، وهناك ادعاء في أنّ المقصود هنا هو الأب الأكبر «الجد» وتشير الرّوايات إلى أنّ الجنّ ولقلّة معرفتهم اختاروا هذا التعبير غير المناسب، هذا إشارة إلى نهيهم عن ذكر هذه التعابير(5).
ويمكن أن يكون هذا الحديث ناظراً إلى الموارد التي يتداعى فيها هذا المفهوم، وإلاّ فإنّ القرآن يذكر هذا التعبير بلحن الموافق في هذه الآيات، وإلاّ لم وقد ذكر هذا التعبير أيضاً في نهج البلاغة، كما في الخطبة (191): «الحمد للّه الفاشي في الخلق حمده، والغالب جنده، والمتعالي جدّه».
وورد في بعض الرّوايات أنّ أُنس بن مالك قد قال : كان الرجل إذا قرأ سورة البقرة جد في أعيننا(6).
على كل حال فإنّ استعمال هذه اللفظة في المجد والعظمة مطابق لما ورد في نصوص اللغة، ومن الملاحظ أنّ خطباء الجن معتقدون بأنّ اللّه ليس له صاحبة ولا ولد، ويحتمل أن يكون هذا التعبير نفيّ للخرافة المتداولة بين العرب حيث قالوا: إنّ للّه بنات لزوجة من الجن قد اتّخذها لنفسه، وورد هذا الإحتمال في تفسير الآية (158) من سورة الصافات: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: 158].
ثمّ قالوا: {وإنّه كان يقول سفيهنا على اللّه شططاً}.
ويحتمل أنّ التعبير بـ «السفيه» هنا بمعنى الجنس والجمع، أي أنّ سفهاءنا قالوا: إنّ للّه زوجة وأطفالاً، واتّخذ لنفسه شريكاً وشبيهاً، وإنّه قد انحرف عن الطريق، وكان يقول شططاً، واحتمل بعض المفسّرين أنّ «السفيه» هنا له معنى انفرادي، والمقصود به هو «ابليس» الذي نسب إلى اللّه نسب ركيكة، وذلك بعد مخالفته لأمر اللّه، واعتراضه على اللّه في السجود لآدم (عليه السلام) ظنّاً منه أنّ له الفضل على آدم، وأنّ سجوده لآدم بعيد عن الحكمة.
ولمّا كان ابليس من الجن، وكان قد بدا منهُ ذلك، اشمأز منه المؤمنون من الجن واعتبروا ذلك منه شططاً، وإن كان عالماً وعابداً، ولأن العالِم بلا عمل، والعابد المغرور من المصاديق الواضحة للسفيه.
«شطط» على وزن وسط، وتعني الخروج والإبتعاد عن قول الحقّ، ولهذا تسمّى الأنهار الكبيرة التي ترتفع سواحلها عن الماء بـ «الشط».
ثمّ قالوا: {وإنّا ظننا أن لن تقول الإنس والجنّ على اللّه كذباً}.
لعل هذا الكلام اشارة إلى التقليد الأعمى للغير، حيث كانوا يشركون باللّه وينسبون إليه الزوجة والأولاد، وفهنا يقولوا: لقد كنّا نصدقهم بحسن ظننا بهم ونقول بمقالتهم الخاطئة، وما كنّا نظنهم يتجرؤون على اللّه بهذه الأكاذيب، ولكننا الآن نخطّىء هذا التقليد المزيف لما عرفنا من الحق والإيمان بالقرآن، ونقر بما التبس علينا، بانحراف المشركين من الجنّ.
ثمّ ذكروا احدى الانحرافات للجن والإنس وقالوا: {وأنّه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً}.
«رهق» على وزن (شفق) ويعني غشيان الشيء بالقهر والغلبة، وفُسّر بالضلال والذنب والطغيان والخوف الذي يسيطر على روح الإنسان وقلبه ويغشيه، وقيل إنّ هذه الآية تشير إلى إحدى الخرافات المتداولة في الجاهلية، وهي أنّ الرجل من العرب كان إذا نزل الوادي في سفره ليلاً قال: أعوذ بعزيز هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه(7).
وبما أنّ الخرافات كانت منشأ لإزدياد الإنحطاط الفكري والخوف والضلال فقد جاء ذكر هذه الجملة في آخر الآية وهي: {فزادوهم رهقاً}.
وذكر في الآية {رجال من الجن} ممّا يستفاد منه أنّ فيهم اُناثاً وذكوراً(8)، على كل حال فإنّ للآية مفهوماً واسعاً، يشمل جميع أنواع الإلتجاء إلى الجنّ، والخرافة المذكورة هي مصداق من مصاديقها، وكان في أوساط العرب كهنة كثيرون يعتقدون أنّ الجن باستطاعتهم حلّ الكثير من المشاكل وإخبارهم بالمستقبل.
وقوله تعالى : { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً}:
كنّا من قبل نسترق السمع ولكن...
يشير سياق الآية إلى استمرار حديث المؤمنين من الجن، وتبيان الدعوة لقومهم، ودعوتهم إلى الإسلام بالطرق المختلفة، وفيقولون: {وأنّهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحداً}.
لذا تبادروا لإنكار القرآن وتكذيب نبوّة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكننا عند سماعنا لآيات القرآن أدركنا الحقائق، فلا تكونوا كالإنس وتتخذوا طريق الكفر فتبتلوا بما ابتلوا به. وهذا تحذير للمشركين ليفيقوا عند سماعهم لكلام الجن وتحكيمهم وليتمسكوا بالقرآن وبالنّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال البعض: إنّ الآية {أن لن يبعث اللّه أحد} تشير إلى إنكار البعث لا إلى إنكار بعثة الأنبياء، وقال آخرون: إنّ هذه الآية والتي قبلها هي من كلام اللّه تعالى وليست من كلام مؤمني الجنّ، وإنّها آيات عرضية جاءت في وسط حديثهم، والمخاطبون هم مشركو العرب، وطبقاً لهذا التّفسير يكون المعنى هكذا، يا مشركي العرب، إنّهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحداً، ولمّا سمعوا الذكر أدركوا خطأهم، وقد حان لكم أن تفيقوا، ولكن هذا القول يبدو بعيداً، بل الظاهر أن الخطاب هو لمؤمني الجن والمخاطبون هم الكفار منهم.
___________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14 ، ص481-
2 ـ نفر: على قول أصحاب اللغة والتّفسير: الجماعة من 3 الى 9.
3 ـ المشهور بين علماء النحو أنّ (إن) في مقول القول يجب أن تقرأ بالكسر كما هي في الآيات الاُولى، وأمّا في الآيات الأُخرى المعطوفة عليها فإنّها بالفتح، ولهذا اضطر الكثير من المفسّرين أن يجعلوا لهذه الآيات تقديرات أو مبررات أُخرى، ولكن ما الذي يمنعنا من القول أنّ لهذا القاعدة أيضاً شواذ، وهي جواز القراءة بالفتحة في موارد يكون العطف فيه على مقول القول، وما يدل على ذلك آيات هذه السورة.
4 ـ مجمع البيان، ج10، ص368، ونور الثقلين، ج5، ص435، وذكر هذا المعنى في تفسير
علي بن إبراهيم.
5 ـ تفسير القرطبي، ج10، ص6801.
6 ـ مجمع البيان، ج10، ص369، وروح المعاني، ج28، ص85.
7 ـ نقل عن بعضهم في تفسير الآية أعلاه أنّ لجوء جماعة من الإنس بالجن ادّى إلى أن يتمادى الجن في طغيانهم وظنوا أن بيدهم زمام الاُمور المهمّة، والتّفسير الأوّل أوجه (والضمير حسب التّفسير الأوّل في (زادوا) يرجع إلى الجن، والضمير «هم» يرجع إلى الإنس، بعكس التّفسير الثاني).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|