المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
The structure of the tone-unit
2024-11-06
IIntonation The tone-unit
2024-11-06
Tones on other words
2024-11-06
Level _yes_ no
2024-11-06
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05

الشيخ حسين بن محمد مهدي الشاه
26-6-2017
حق الأجنبي في الخروج من إقليم الدولة
21-1-2022
Vowels CURE
2024-04-30
الحدود في البحيرات والمستنقعات
20-11-2020
الاستخلاص والتقنية Downstream
13-2-2018
علاقة عناصر المناخ في تلوث هواء- الامطار (Rain)
2/9/2022


تفسير الاية (44-52) من سورة القلم  
  
6973   03:38 مساءً   التاريخ: 31-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف القاف / سورة القلم /

قال تعالى : {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُو مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُو مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُو إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } [القلم : 44 - 52].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

قال سبحانه {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث} هذا تهديد معناه فذرني والمكذبين أي كل أمرهم إلي كما يقول القائل دعني وإياه يقول خل بيني وبين من يكذب بهذا القرآن ولا تشغل قلبك به فإني أكفيك أمره {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} أي سنأخذهم إلى العقاب حالا بعد حال وقد مر تفسيره في سورة الأعراف وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال إذا أحدث العبد ذنبا جدد له نعمة فيدع الاستغفار فهو الاستدراج {وأملي لهم إن كيدي متين} أي وأطيل آجالهم ولا أبادر إلى عذابهم مبادرة من يخشى الفوت فإنما يعجل من يخاف الفوت أن عذابي لشديد .

ثم خاطب سبحانه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال على وجه التوبيخ للكفار {أم تسئلهم أجرا} هذا عطف على قوله أم لكم كتاب فيه تدرسون ذكر سبحانه جميع ما يحتج به فقال أم

تسأل يا محمد هؤلاء الكفار أجزاء على أداء الرسالة والدعاء إلى الله {فهم من مغرم} أي هم من لزوم ذلك {مثقلون} أي محملون الأثقال {أم عندهم الغيب فهم يكتبون} أي هل عندهم علم بصحة ما يدعونه اختصموا به لا يعلمه غيرهم فهم يكتبونه ويتوارثونه وينبغي أن يبرزوه.

 ثم قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) {فاصبر لحكم ربك} في إبلاغ الرسالة وترك مقابلتهم بالقبيح وقيل اللام تجري مجرى إلى والمعنى اصبر إلى أن يحكم الله بنصر أوليائك وقهر أعدائك وقيل معناه فاصبر لحكم الله في التخلية بين الظالم والمظلوم حتى يبلغ الكتاب أجله {ولا تكن كصاحب الحوت} يعني يونس أي لا تكن مثله في استعجال عقاب قومه وإهلاكهم ولا تخرج من بين قومك من قبل أن يأذن لك الله كما خرج هو{إذ نادى وهو مكظوم} أي دعا ربه في جوف الحوت وهو محبوس عن التصرف في الأمور والذي نادى به قوله لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وقيل مكظوم أي مخنق بالغم إذ لم يجد لغيظه شفاء.

 {لولا أن تداركه نعمة من ربه} أي لولا أن أدركته رحمة من ربه بإجابة دعائه وتخليصه من بطن الحوت وتبقيته فيه حيا وإخراجه منه حيا {لنبذ} أي طرح {بالعراء} أي الفضاء {وهو مذموم} ملوم مليم قد أتى بما يلام عليه ولكن الله تعالى تداركه بنعمة من عنده فطرح بالعراء وهو غير مذموم {فاجتباه ربه} أي اختاره الله نبيا {فجعله من الصالحين} أي من جملة المطيعين لله التاركين لمعاصيه {وإن يكاد الذين كفروا} إن هذه هي المخففة من الثقيلة والتقدير وأنه يكاد أي قارب الذين كفروا.

 {ليزلقونك بأبصارهم} أي ليزهقونك أي يقتلونك ويهلكونك عن ابن عباس وكان يقرأها كذلك وقيل ليصرعونك عن الكلبي وقيل يصيبونك بأعينهم عن السدي والكل يرجع في المعنى إلى الإصابة بالعين والمفسرون كلهم على أنه المراد في الآية وأنكر الجبائي ذلك وقال إن إصابة العين لا تصح وقال علي بن عيسى الرماني وهذا الذي ذكره غير صحيح(2) لأنه غير ممتنع أن يكون الله تعالى أجرى العادة لصحة ذلك لضرب من المصلحة وعليه إجماع المفسرين وجوزه العقلاء فلا مانع منه وجاء في الخبر أن أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين أ فأسترقي لهم قال نعم فلوكان شيء يسبق القدر لسبقه العين وقيل إن الرجل منهم كان إذا أراد أن يصيب صاحبه بالعين تجوع ثلاثة أيام ثم كان يصفه فيصرعه بذلك وذلك بأن يقول للذي يريد أن يصيبه بالعين لا أرى كاليوم إبلا أو شاء أو ما أراد أي كإبل أراها اليوم فقالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما كانوا يقولون لما يريدون أن يصيبوه بالعين عن الفراء والزجاج وقيل معناه أنهم ينظرون إليك عند تلاوة القرآن والدعاء إلى التوحيد نظر عداوة وبغض وإنكار لما يسمعونه وتعجب منه فيكادون يصرعونك بحدة نظرهم ويزيلونك عن موضعك وهذا مستعمل في الكلام يقولون نظر إلي فلان نظرا يكاد يصرعني ونظرا يكاد يأكلني فيه وتأويله كله أنه نظر إلي نظرا لو أمسكنه معه أكلي أو يصرعني لفعل عن الزجاج.

 وقوله {لما سمعوا الذكر} يعني القرآن {ويقولون} مع ذلك {إنه لمجنون} أي مغلوب على عقله مع علمهم بو قاره ووفور عقله تكذيبا عليه ومعاندة له {وما هو» أي وما القرآن {إلا ذكر} أي شرف {للعالمين} إلى أن تقوم الساعة وقيل معناه وما محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلا شرف للخلق حيث هداهم إلى الرشد وأنقذهم من الضلالة لما نسبوه إلى الجنون وصفة بما ينفي ذلك عنه وقيل المراد بالذكر أنه يذكرهم أمر آخرتهم والثواب والعقاب والوعد والوعيد قال الحسن دواء إصابة العين أن يقرأ الإنسان هذه الآية .

____________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10، ص97-101.

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{فَذَرْنِي ومَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ}  . {من} هنا اسم موصول للجماعة ، وهم مشركو العرب الذين كذبوا بالرسول وبالقرآن ، وكلمة {ذرني} تؤذن بإعلان الحرب عليهم من اللَّه ، وانه تعالى سيتولى بنفسه الانتقام منهم ، ويريح النبي والذين آمنوا معه - منهم ومن شرهم . . ثم بين سبحانه : كيف وبأي طريق ينتقم منهم حيث قال عز من قائل {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}  . انه تعالى يمهلهم ولا يعالجهم بالعقوبة ، وأيضا يمد لهم من الأموال والبنين ، وينقلهم من حسن إلى أحسن في ظاهر الحياة الدنيا ، ولكنهم في واقع الأمر ينقلون من سيء إلى أسوأ . . حتى إذا ركنوا إلى الدنيا

وظنوا انهم في حصن حصين من ضربات الدهر ودوراته أخذهم اللَّه أخذ عزيز مقتدر ليكون ذلك أنكى وأوجع لقلوبهم . . وسمى سبحانه هذا الامهال والاستدراج كيدا لأنه يشبه الكيد في ظاهره . . وإلا فإن اللَّه منزه عن الكيد والمكر . . كيف ولا يلجأ إليه إلا عاجز ، واللَّه يقول للشيء : كن فيكون . . هذا ، إلى ان الغرض من ذكر الكيد أن لا يخدع الإنسان بالدنيا إذا أقبلت عليه وابتسمت له ، وان يكون على حذر من المخبآت والمفاجئات . وتقدم مثله في الآية 180 من سورة الأعراف .

{أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}.

ما الذي جعلهم يكذبون برسالتك يا محمد ؟ هل تقاضيتهم على الهداية مالا يصعب عليهم تحمله وأداؤه ، أم اطلعوا على علم الغيب ، ونسخوا عنه ما يدل على مزاعمهم وادعاءاتهم . وتقدم مثله بالحرف في الآية 40 من سورة الطور {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ولا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وهُو مَكْظُومٌ}  . صاحب الحوت هو النبي يونس الذي ضاق صدره من قومه فتركهم مغاضبا ، وتقدمت الإشارة إليه والى قصته مع قومه في الآية 98 من سورة يونس والآية 87 من سورة الأنبياء والآية 140 وما بعدها من سورة الصافات . . وقد أوصى سبحانه نبيه الكريم محمدا (صلى الله عليه واله وسلم)  بالصبر على أذى قومه ، وان لا يعجل عليهم كما فعل يونس الذي التقمه الحوت ، فنادى وهو في بطنه : {لا إِلهً إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} - 87 الأنبياء .

{لَولا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وهُو مَذْمُومٌ}  . دعا يونس ربه ، وهو في بطن الحوت ، فاستجاب دعاءه رحمة به ، ونبذه الحوت من بطنه في الفضاء ، وهو غير مذموم ولا ملوم عند اللَّه ، ولولا دعاؤه ورحمة اللَّه لكان مذموما وملوما ، بل ولبقي في بطن الحوت إلى يوم يبعثون . وتجدر الإشارة إلى ان الذم هنا على ترك الأفضل لا على الذنب لمكان العصمة {فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}  . من نعم اللَّه على يونس انه تعالى أخرجه من بطن الحوت ، وهو راض عنه ، ورده إلى قومه نبيا كما كان من قبل ، فانتفعوا به وبمواعظه ، ولو بقي في بطن الحوت إلى يوم يبعثون لم يكن لنبوته أي أثر ، وقوله تعالى : فجعله من الصالحين معناه ان اللَّه سبحانه يحشره غدا مع النبيين وفي زمرتهم .

{وإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ}  . الخطاب

لرسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم)  والمعنى ان المشركين حين يسمعون القرآن من محمد (صلى الله عليه واله وسلم)  ينظرون إليه شزرا بعيون العداء والبغضاء ، وتكاد قدم الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم)  تزل وتزلق من نظراتهم لأنها حادة كالسهام . . قال الرازي : يقول العرب : نظر إليّ نظرا يكاد يصرعني ، ويكاد يأكلني ، قال الشاعر :

يتقارضون إذا التقوا في موطن * نظرا يزلّ مواطئ الأقدام

{ويَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}  . نظروا إلى الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)  بنظرات كالسهام ، وأيضا سلقوه بألسنة حداد كقولهم : هو مجنون . . وقد رد عليهم سبحانه في أول هذه السورة بقوله : {ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} {وما هُو إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ}  .

ضمير هو للقرآن : والمراد بالذكر التذكير بالخير ، والإرشاد إلى طريقه ، والمعنى ان القرآن وحي من اللَّه أنزله على قلب محمد (صلى الله عليه واله وسلم)  ليهدي به جميع الناس في كل زمان ومكان .

_________________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص397-399.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث} المراد بهذا الحديث القرآن الكريم وقوله: {فذرني ومن يكذب} إلخ، كناية عن أنه يكفيهم وحده وهو غير تاركهم وفيه نوع تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتهديد للمشركين.

قوله تعالى: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} استئناف فيه بيان كيفية أخذه تعالى لهم وتعذيبه إياهم المفهوم من قوله: {فذرني} إلخ.

والاستدراج هو استنزالهم درجة فدرجة حتى يتم لهم الشقاء فيقعوا في ورطة الهلاك وذلك بأن يؤتيهم الله نعمة بعد نعمة وكلما أوتوا نعمة اشتغلوا بها وفرطوا في شكرها وزادوا نسيانا له وابتعدوا عن ذكره.

فالاستدراج إيتاؤهم النعمة بعد النعمة الموجب لنزولهم درجة بعد درجة واقترابهم من ورطة الهلاك، وكونه من حيث لا يعلمون إنما هو لكونه من طريق النعمة التي يحسبونها خيرا وسعادة لا شر فيها ولا شقاء.

قوله تعالى: {وأملي لهم إن كيدي متين} الإملاء الإمهال، والكيد ضرب من الاحتيال، والمتين القوي.

والمعنى: وأمهلهم حتى يتوسعوا في نعمنا بالمعاصي كما يشاءون إن كيدي قوي.

والنكتة في الالتفات الذي في {سنستدرجهم} عن التكلم وحده إلى التكلم مع الغير الدالة على العظمة وأن هناك موكلين على هذه النعم التي تصب عليهم صبا، والالتفات في قوله: {وأملي لهم} عن التكلم مع الغير إلى التكلم وحده لأن الإملاء تأخير في الأجل ولم ينسب أمر الأجل في القرآن إلى غير الله سبحانه قال تعالى: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ } [الأنعام: 2].

قوله تعالى: {أم تسئلهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} المغرم الغرامة، والإثقال تحميل الثقل، والجملة معطوفة على قوله: {أم لهم شركاء} إلخ.

والمعنى: أم تسأل هؤلاء المجرمين - الذين يحكمون بتساوي المجرمين والمسلمين يوم القيامة - أجرا على دعوتك فهم من غرامة تحملها عليهم مثقلون فيواجهونك بمثل هذا القول تخلصا من الغرامة دون أن يكون ذلك منهم قولا جديا.

قوله تعالى: {أم عندهم الغيب فهم يكتبون} ظاهر السياق أن يكون المراد بالغيب غيب الأشياء الذي منه تنزل الأمور بقدر محدود فتستقر في منصة الظهور، والمراد بالكتابة على هذا هو التقدير والقضاء، والمراد بكون الغيب عندهم تسلطهم عليه وملكهم له.

فالمعنى: أم بيدهم أمر القدر والقضاء فهم يقضون كما شاءوا فيقضون لأنفسهم أن يساووا المسلمين يوم القيامة.

وقيل: المراد بكون الغيب عندهم علمهم بصحة ما حكموا به والكتابة على ظاهر معناه والمعنى: أم عندهم علم بصحة ما يدعونه اختصوا به ولا يعلمه غيرهم فهم يكتبونه ويتوارثونه وينبغي أن يبرزوه.

وهو بعيد بل مستدرك والاحتمالات الأخر المذكورة مغنية عنه.

وإنما أخر ذكر هذا الاحتمال عن غيره حتى عن قوله: {أم تسئلهم أجرا} مع أن مقتضى الظاهر أن يتقدم عليه، لكونه أضعف الاحتمالات وأبعدها.

قوله تعالى: {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم} صاحب الحوت يونس النبي (عليه السلام) والمكظوم من كظم الغيظ إذا تجرعه ولذا فسر بالمختنق بالغم حيث لا يجد لغيظه شفاء، ونهيه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أن يكون كيونس (عليه السلام) وهو في زمن النداء مملوء بالغم نهي عن السبب المؤدي إلى نظير هذا الابتلاء وهو ضيق الصدر والاستعجال بالعذاب.

والمعنى: فاصبر لقاء ربك أن يستدرجهم ويملىء لهم ولا تستعجل لهم العذاب لكفرهم ولا تكن كيونس فتكون مثله وهو مملوء غما أو غيظا ينادي بالتسبيح والاعتراف بالظلم أي فاصبر واحذر أن تبتلي بما يشبه ابتلاءه، ونداؤه قوله في بطن الحوت: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} كما في سورة الأنبياء.

وقيل: اللام في {لحكم ربك} بمعنى إلى وفيه تهديد لقومه ووعيد لهم أن سيحكم الله بينه وبينهم، والوجه المتقدم أنسب لسياق الآيات السابقة.

قوله تعالى: {لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم} في مقام التعليل للنهي السابق: {لا تكن كصاحب الحوت} والتدارك الإدراك واللحوق، وفسرت النعمة بقبول التوبة، والنبذ الطرح، والعراء الأرض غير المستورة بسقف أو نبات، والذم مقابل المدح.

والمعنى: لولا أن أدركته ولحقت به نعمة من ربه وهو أن الله قبل توبته لطرح بالأرض العراء وهو مذموم بما فعل.

لا يقال: إن الآية تنافي قوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 143، 144]، فإن مدلوله أن مقتضى عمله أن يلبث في بطنه إلى يوم القيامة ومقتضى هذه الآية أن مقتضاه أن يطرح في الأرض العراء مذموما وهما تبعتان متنافيتان لا تجتمعان.

فإنه يقال: الآيتان تحكيان عن مقتضيين مختلفين لكل منهما أثر على حدة فآية الصافات تذكر أنه (عليه السلام) كان مداوما للتسبيح مستمرا عليه طول حياته قبل ابتلائه – وهو قوله: كان من المسبحين - ولولا ذلك للبث في بطنه إلى يوم القيامة، والآية التي نحن فيها تدل على أن النعمة وهو قبول توبته في بطن الحوت شملته فلم ينبذ بالعراء مذموما.

فمجموع الآيتين يدل على أن ذهابه مغاضبا كان يقتضي أن يلبث في بطنه إلى يوم القيامة فمنع عنه دوام تسبيحه قبل التقامه وبعده، وقدر أن ينبذ بالعراء وكان مقتضى عمله أن ينبذ مذموما فمنع من ذلك تدارك نعمة ربه له فنبذ غير مذموم بل اجتباه الله وجعله من الصالحين فلا منافاة بين الآيتين.

وقد تكرر في مباحثنا السابقة أن حقيقة النعمة الولاية وعلى ذلك يتعين لقوله: {لولا أن تداركه نعمة من ربه} معنى آخر.

قوله تعالى: {فاجتباه ربه فجعله من الصالحين} تقدم توضيح معنى الاجتباء والصلاح في مباحثنا المتقدمة.

قوله تعالى: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر} إن مخففة من الثقيلة، والزلق هو الزلل، والإزلاق الإزلال وهو الصرع كناية عن القتل والإهلاك.

والمعنى: أنه قارب الذين كفروا أن يصرعوك بأبصارهم لما سمعوا الذكر.

والمراد بإزلاقه بالأبصار وصرعه بها - على ما عليه عامة المفسرين - الإصابة بالأعين، وهو نوع من التأثير النفساني لا دليل على نفيه عقلا وربما شوهد من الموارد ما يقبل الانطباق عليه، وقد وردت في الروايات فلا موجب لإنكاره.

وقيل: المعنى أنهم ينظرون إليك إذا سمعوا منك الذكر الذي هو القرآن نظرا مليئا بالعداوة والبغضاء يكادون يقتلونك بحديد نظرهم.

قوله تعالى: {ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين} رميهم له بالجنون عند ما سمعوا الذكر دليل على أن مرادهم به رمي القرآن بأنه من إلقاء الشياطين، ولذا رد قولهم بأن القرآن ليس إلا ذكرا للعالمين.

وقد رد قولهم: {إنه لمجنون} في أول السورة بقوله: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون} وبه ينطبق خاتمة السورة على فاتحتها.

_____________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص340-343.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

يوجه البارئ عز وجل الخطاب لنبيه الكريم ويقول : {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث} .

وهذه اللهجة تمثل تهديدا شديدا من الواحد القهار لهؤلاء المكذبين المتمردين ، حيث يخاطب الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقوله : لا تتدخل ، واتركني مع هؤلاء ، لأعاملهم بما يستحقونه . وهذا الكلام الذي يقوله رب قادر على كل شيء ، - بالضمن - باعث على اطمئنان الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمؤمنين أيضا ، ومشعرا لهم بأن الله معهم وسيقتص من جميع الأعداء الذين يثيرون المشاكل والفتن والمؤامرات أمام الرسول والرسالة ، ولن يتركهم الله تعالى على تماديهم .

ثم يضيف سبحانه : {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين} .

نقرأ في حديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : " إذا أحدث العبد ذنبا جدد له نعمة فيدع الاستغفار ، فهو الاستدراج " (2).

والذي يستفاد من هذا الحديث - والأحاديث الأخرى في هذا المجال – أن الله تعالى يمنح - أحيانا - عباده المعاندين نعمة وهم غارقون في المعاصي والذنوب وذلك كعقوبة لهم . فيتصورون أن هذا اللطف الإلهي قد شملهم لجدارتهم ولياقتهم له فيأخذهم الغرور المضاعف ، وتستولي عليهم الغفلة . . إلا أن عذاب الله ينزل عليهم فجأة ويحيط بهم وهم بين أحضان تلك النعم الإلهية العظيمة . . وهذا في الحقيقة من أشد ألوان العذاب ألما .

إن هذا اللون من العذاب يشمل الأشخاص الذين وصل طغيانهم وتمردهم حده الأعلى ، أما من هم دونه في ذلك فإن الله تعالى ينبههم وينذرهم عن ممارساتهم الخاطئة عسى أن يعودوا إلى رشدهم ، ويستيقظوا من غفلتهم ، ويتوبوا

من ذنوبهم ، وهذا من ألطاف البارئ عز وجل بهم .

وبعبارة أخرى : إذا أذنب عبد فإنه لا يخرج من واحدة من الحالات الثلاث التالية :

إما أن ينتبه ويرجع عن خطئه ويتوب إلى ربه .

أو أن ينزل الله عليه العذاب ليعود إلى رشده .

أو أنه غير أهل للتوبة ولا للعودة للرشد بعد التنبيه له ، فيعطيه الله نعمة بدل البلاء وهذا هو : ( عذاب الاستدراج ) والذي أشير له في الآيات القرآنية بالتعبير أعلاه وبتعابير أخرى .

لذا يجب على الإنسان المؤمن أن يكون يقظا عند إقبال النعم الإلهية عليه ، وليحذر من أن يكون ما يمنحه الله من نعم ظاهرية يمثل في حقيقته ( عذاب الاستدراج ) ولذلك فإن المسلمين الواعين يفكرون في مثل هذه الأمور ويحاسبون أنفسهم باستمرار ، ويعيدون تقييم أعمالهم دائما ، كي يكونوا قريبين من طاعة الله ، ويؤدون حق الألطاف والنعم التي وهبها الله لهم .

جاء في حديث أن أحد أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : إني سألت الله تبارك وتعالى أن يرزقني مالا فرزقني ، وإني سألت الله أن يرزقني ولدا فرزقني ، وسألته أن يرزقني دارا فرزقني ، وقد خفت أن يكون ذلك استدراجا ؟ فقال : " أما مع الحمد فلا " (3) .

والتعبير ب‍ ( أملي لهم ) إشارة إلى أن الله تعالى لا يستعجل أبدا بجزاء الظالمين ، والاستعجال يكون عادة من الشخص الذي يخشى فوات الفرصة عليه ، إلا أن الله القادر المتعال أيما شاء وفي أي لحظة فإنه يفعل ذلك ، والزمن كله تحت

تصرفه .

وعلى كل حال فإن هذا تحذير لكل الظالمين والمتطاولين بأن لا تغرهم السلامة والنعمة أبدا ، وليرتقبوا في كل لحظة بطش الله بهم (4) .

وقوله تعالى : {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون ( 46 ) أم عندهم الغيب فهم يكتبون ( 47 ) فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم ( 48 ) لولا أن تدركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم ( 49 ) فاجتباه ربه فجعله من الصالحين}

لا تستعجل بعذابهم :

استمرارا للاستجواب الذي تم في الآيات السابقة للمشركين والمجرمين ، يضيف البارئ عز وجل سؤالين آخرين ، حيث يقول في البداية : أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون .

أي إذا كانت حجتهم أن الاستجابة لدعوتك تستوجب أجرا ماديا كبيرا ، وأنهم غير قادرين على الوفاء به ، فإنه كذب ، حيث أنك لم تطالبهم بأجر ، كما لم يطلب أي من رسل الله أجرا .

" مغرم " من مادة ( غرامة ) وهي ما يصيب الإنسان من ضرر دون أن يرتكب جناية ، و ( مثقل ) من مادة ( ثقل ) بمعنى الثقل ، وبهذا فإن الله تعالى أسقط حجة أخرى مما يتذرع به المعاندون .

وقد وردت الآية أعلاه وما بعدها ( نصا ) في سورة الطور ( آية 40 - 41 ) .

ثم يضيف واستمرارا للحوار بقوله تعالى : {أم عندهم الغيب فهم يكتبون} .

حيث يمكن أن يدعي هؤلاء بأن لهم ارتباطا بالله سبحانه عن طريق الكهنة ، أو أنهم يتلقون أسرار الغيب عن هذا الطريق فيكتبونها ويتداولونها ، وبذلك كانوا في الموقع المتميز على المسلمين ، أو على الأقل يتساوون معهم .

ومن المسلم به أنه لا دليل على هذا الادعاء أيضا ، إضافة إلى أن لهذه الجملة معنى ( الاستفهام الإنكاري ) ، ولذا فمن المستبعد ما ذهب إليه البعض من أن المقصود من الغيب هو ( اللوح المحفوظ ) ، والمقصود من الكتابة هو القضاء والقدر ، وذلك لأنهم لم يدعوا أبدا أن القضاء والقدر واللوح المحفوظ في أيديهم .

ولأن العناد واللا منطقية التي كان عليها أعداء الإسلام تؤلم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتدفعه إلى أن يدعو الله عليهم ، لذا فإنه تعالى أراد أن يخفف شيئا من آلام رسوله الكريم ، فطلب منه الصبر وذلك قوله تعالى : {فاصبر لحكم ربك}.

أي انتظر حتى يهيئ الله لك ولأعوانك أسباب النصر ، ويكسر شوكة أعدائك ، فلا تستعجل بعذابهم أبدا ، واعلم بأن الله ممهلهم وغير مهملهم ، وما المهلة المعطاة لهم إلا نوع من عذاب الاستدراج .

وبناء على هذا فإن المقصود من ( حكم ربك ) هو حكم الله المقرر الأكيد حول انتصار المسلمين .

وقيل أن المقصود منها هو : أن تستقيم وتصبر في طريق إبلاغ أحكام الله تعالى .

كما يوجد احتمال آخر أيضا وهو أن المقصود بالآية أن حكم الله إذا جاء فعليك أن تستسلم لأمره تعالى وتصبر ، لأنه سبحانه قد حكم بذلك (5) .

إلا أن التفسير الأول أنسب .

ثم يضيف تعالى : {ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم} :

والمقصود من هذا النداء هو ما ورد في قوله تعالى : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] .

وبذلك فقد إعترف النبي يونس ( عليه السلام ) بترك الأولى ، وطلب العفو والمغفرة من الله تعالى . كما يحتمل أن يكون المقصود من هذا النداء هو اللعنة التي أطلقها على قومه في ساعة غضبه . إلا أن المفسرين اختاروا التفسير الأول لأن التعبير ب‍ " نادى " في هذه الآية يتناسب مع ما ورد في الآية ( 87 ) من سورة الأنبياء ، حيث من المسلم انه نادى ربه عندما كان ( عليه السلام ) في بطن الحوت .

" مكظوم " من مادة ( كظم ) على وزن ( هضم ) بمعنى الحلقوم ، و ( كظم السقاء ) بمعنى سد فوهة القربة بعد امتلائها ، ولهذا السبب يقال للأشخاص الذين يخفون غضبهم وألمهم ويسيطرون على انفعالاتهم ويكظمون غيظهم . . . بأنهم : كاظمون ، والمفرد : كاظم ، ولهذا السبب يستعمل هذا المصطلح أيضا بمعنى ( الحبس ) .

وبناء على ما تقدم فيمكن أن يكون للمكظوم معنيان في الآية أعلاه : المملوء غضبا وحزنا ، أو المحبوس في بطن الحوت ، والمعنى الأول أنسب ، كما ذكرنا .

ويضيف سبحانه في الآية اللاحقة : {لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم} (6) .

من المعلوم أن يونس ( عليه السلام ) خرج من بطن الحوت ، والقي في صحراء يابسة ، عبر عنها القرآن الكريم ب‍ ( العراء ) وكان هذا في وقت قبل الله تعالى فيه توبته وشمله برحمته ، ولم يكن أبدا مستحقا ( عليه السلام ) للذم .

ونقرأ في قوله تعالى : {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} [الصافات: 145، 146] كي يستريح في ظلالها .

كما أن المقصود من ( النعمة ) في الآية أعلاه هو توفيق التوبة وشمول الرحمة الإلهية لحاله ( عليه السلام ) حسب الظاهر .

وهنا يطرح سؤالان :

الأول : هو ما جاء في الآيتين 143 ، 144 من سورة الصافات في قوله تعالى : {فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} وهذا مناف لما ورد في الآية مورد البحث .

وللجواب على هذا السؤال يمكن القول : كانت بانتظار يونس ( عليه السلام ) عقوبتان :

إحداهما شديدة ، والاخرى أخف وطأة . الأولى الشديدة هي أن يبقى في بطن الحوت إلى يوم يبعثون ، والأخف : هو أن يخرج من بطن الحوت وهو مذموم وبعيد عن لطف الله سبحانه ، وقد كان جزاؤه ( عليه السلام ) الجزاء الثاني ، ورفع عنه ما ألم به من البعد عن الألطاف الإلهية حيث شملته بركة الله عز وجل ورحمته الخاصة .

والسؤال الآخر يتعلق بما جاء في قوله تعالى : {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات: 142] وإن ما يستفاد من الآية مورد البحث أنه ( عليه السلام ) لم يكن ملوما ولا مذموما .

ويتضح الجواب على هذا السؤال بالالتفات إلى أن الملامة كانت في الوقت الذي التقمه الحوت توا ، وأن رفع المذمة كان متعلقا بوقت التوبة وقبولها من قبل الله تعالى ، ونجاته من بطن الحوت .

لذا يقول البارئ عز وجل في الآية اللاحقة : {فاجتباه ربه فجعله من الصالحين} .

وبذلك فقد حمله الله مسؤولية هداية قومه مرة أخرى ، وعاد إليه يبلغهم رسالة

ربه ، مما كانت نتيجته أن آمن قومه جميعا ، وقد من الله تعالى عليهم بألطافه ونعمه وأفضاله لفترة طويلة .

وقد شرحنا قصة يونس ( عليه السلام ) وقومه ، وكذلك بعض المسائل الأخرى حول تركه ل‍ ( الأولى ) واستقراره فترة من الزمن في بطن الحوت والإجابة على بعض

التساؤلات المطروحة في هذا الصدد بشكل مفصل في تفسير الآيات ( 139-148) من سورة الصافات وكذلك في تفسير الآيات ( 87 ، 88 ) من سورة الأنبياء .

وقوله تعالى : {ويقولون إنه لمجنون ( 51 ) وما هو إلا ذكر للعلمين }

يريدون قتلك . . لكنهم عاجزون

هاتان الآيتان تشكلان نهاية سورة القلم ، وتتضمنان تعقيبا على ما ورد في بداية السورة من نسبة الجنون إليه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من قبل الأعداء .

يقول تعالى : {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون} .

" ليزلقونك " من مادة ( زلق ) بمعنى التزحلق والسقوط على الأرض ، وهي كناية عن الهلاك والموت .

ثمة أقوال مختلفة في تفسير هذه الآية :

1 - قال كثير من المفسرين : إن الأعداء حينما يسمعون منك هذه الآيات العظيمة للقرآن الكريم ، فإنهم يمتلئون غضبا وغلا ، وتتوجه إليك نظراتهم الحاقدة وبمنتهى الغيظ ، وكأنما يريدون أن يطرحوك أرضا ويقتلوك بنظراتهم الخبيثة الغاضبة .

وأضاف قسم آخر في توضيح هذا المعنى ، أنهم يريدون قتلك بالحسد عن طريق العين ، وهو ما يعتقد به الكثير من الناس ، لوجود الأثر المرموز في بعض العيون والتي يمكن أن تؤثر على الطرف الآخر بنظرة خاصة تميت المنظور .

2 - وقال البعض الآخر : إنها كناية عن نظرات ملؤها الحقد والغضب ، كما يقال عرفا : إن فلانا نظر إلي نظرة وكأنه يريد إلتهامي أو قتلي .

3 - ويوجد تفسير آخر للآية الكريمة يحتمل أن يكون أقرب التفاسير ، وهو أن الآية الكريمة أرادت أن تظهر التناقض والتضاد لدى هؤلاء المعاندين ، وذلك أنهم يعجبون ويتأثرون كثيرا عند سماعهم الآيات القرآنية بحيث يكادون أن

يصيبوك بالعين ( لأن الإصابة بالعين تكون غالبا في الأمور التي تثير الإعجاب كثيرا ) إلا أنهم في نفس الوقت يتهمونك بالجنون ، وهذا يمثل التناقض حقا . إذ أين الجنون ولغو الكلام وأين هذه الآيات المثيرة للإعجاب والنافذة في القلوب ؟

إن هؤلاء ذوي العقول المريضة لا يدركون ما يقولون وما وقعوا فيه من التناقض فيما ينسبونه إليك .

وعلى كل حال فإن ما يتعلق بموضوع حقيقة إصابة العين وصحتها – من وجهة النظر الإسلامية أو عدمها ، وكذلك من وجهة نظر العلوم الحديثة ، فهذا ما سنستعرضه في البحوث التالية إن شاء الله .

وأخيرا يضيف تعالى في آخر آية : {وما هو إلا ذكر للعالمين} .

حيث أن معارف القرآن الكريم واضحة ، وإنذاراته موقظة ، وأمثاله هادفة ، وترغيباته وبشائره مربية ، وبالتالي فهو عامل وسبب ليقظة النائمين وتذكرة للغافلين ، ومع هذا فكيف يمكن أن ينسب الجنون إلى من جاء به ؟

وتماشيا مع هذا الرأي فإن ( ذكر ) على وزن ( فكر ) تكون بمعنى ( المذكر ) .

وفسرها البعض الآخر بمعنى ( الشرف ) ، وقالوا : إن هذا القرآن شرف لجميع العالمين ، وهذا ما هو وارد - أيضا - في قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44].

إلا أن ( الذكر ) هنا بمعنى المذكر والمنبه ، بالإضافة إلى أن أحد أسماء القرآن الكريم هو ( الذكر ) وبناء على هذا ، فإن التفسير الأول أصح حسب الظاهر .

__________________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14 ، ص371-378.

2 - مجمع البيان ، ج 10 ، ص 340 .

3 - أصول الكافي نقلا عن نور الثقلين ، ج 2 ، ص 197 ، ح 59 .

4 - سبق كلام حول عقوبة ( الاستدراج ) في الآية ( 183 ) من سورة الأعراف ، وكذلك في الآية ( 178 ) سورة آل

عمران .

5 - في هذه الصورة ستكون اللام في ( لحكم ربك ) هي لام التعليل .

6 - مع أن ( النعمة ) مؤنث ، إلا أن فعلها ( تداركه ) جاء بصورة مذكر ، وسبب هذا أن فاعل المؤنث يكون لفظيا ، وأن

الضمير المفعول أصبح فاصلا بين الفعل والفاعل ( فتأمل ! ) .

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .