أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-12-2017
4588
التاريخ: 6-10-2017
2423
التاريخ: 4-12-2017
2151
التاريخ: 18-10-2017
2358
|
بعدما نالت الشهادة الصفوة الطاهرة من أصحاب الإمام (عليه السّلام) هبّ أبناء الاُسرة النبويّة شباباً وأطفالاً إلى التضحية والفداء ، فكانوا كالليوث وكالصاعقة على جيوش الكفر والضلال ، وأخذ بعضهم يودّع البعض الآخر وهم يذرفون الدموع على وحدة سيّدهم أبي الأحرار ؛ حيث يرونه وحيداً قد أحاطت به من كلّ جانب جيوش الاُمويِّين ليتقرّبوا بقتله إلى ابن مرجانة ، وفي طليعة الذين استشهدوا من آل البيت (عليهم السّلام) عليّ الأكبر (عليه السّلام) .
كان عليّ الأكبر شبيه جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في ملامحه وفي أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيّين ، وكانت الاُسرة النبويّة والصحابة إذا اشتاقوا إلى رؤية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نظروا إلى وجه عليّ الأكبر ، وكان دنيا من الفضائل والمواهب والعبقريات ؛ فقد تسلّح بكلّ فضيلة وأدب ، وكان أعزّ أبناء الإمام الحسين (عليه السّلام) لعمّته العقيلة وسائر بني عمومته وأعمامه .
وهو أوّل هاشمي اندفع بحماس بالغ إلى الحرب ، وكان عمره الشريف ثماني عشر سنة ، وقد وقف أمام أبيه طالباً منه الرخصة لمناجزة أعداء الله ، فلمّا رآه الإمام (عليه السّلام) ذابت نفسه أسى وحسرات ، وأشرف على الاحتضار ؛ فقد رأى فلذة كبده قد ساق نفسه إلى الموت ، فرفع الإمام شيبته الكريمة نحو السماء ، وهو يقول بنبرات قد لفظ فيها شظايا قلبه : اللّهمّ اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك محمّد (صلّى الله عليه وآله) خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً ، وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه .
اللّهمّ امنعهم بركات الأرض ، وفرّقهم تفريقاً ، ومزّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً ؛ فإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدوا علينا يقاتلوننا .
والتفت الإمام (عليه السّلام) إلى المجرم الأثيم عمر بن سعد عبد ابن مرجانة ، فصاح به : ما لك ؟! قطع الله رحمك ، ولا بارك لك في أمرك ، وسلّط عليك مَنْ يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) . وتلا قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 33، 34] .
وشيّع الإمام (عليه السّلام) ولده بدموع مشفوعة بالأسى والحزن ، وخلفه عمّته العقيلة وسائر عقائل الوحي ، وقد علا منهم الصراخ والعويل على شبيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) .
وانطلق فخر هاشم إلى ساحة الحرب وقد امتلأ قلبه حزماً وعزماً ، ووجهه الشريف يتألق نوراً ؛ فقد حكى بهيبته هيبة جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وبشجاعته شجاعة جدّه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وتوسّط حراب الأعداء وسيوفهم وهو يرتجز قائلاً :
أنا عليُّ بنُ الحسين بنِ علي ... نحن وربُّ البيت أولى بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابنُ الدعي
أنت يا شرف هذه الاُمّة أولى بالنبي وأحق بمقامه من هؤلاء الأدعياء الذين سلّطتهم عليكم الطغمة الحاكمة من قريش التي أبت أن تجتمع الخلافة والنبوّة فيكم .
والتحم عليّ الأكبر (عليه السّلام) مع أعداء الله ، وقد ملأ قلوبهم خوفاً ورعباً ، وأبدى من البسالة والشجاعة ما يقصر عنه كلّ وصف ؛ فقد ذكّرهم ببطولات جدّه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، ومحطّم أوثان القرشيّين ، وقد قتل مئة وعشرين فارساً سوى المجروحين ، وألحّ عليه العطش وأضرّ به ، فقفل راجعاً إلى أبيه يشكو ظمأه القاتل قائلاً : يا أبتِ ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إليّ شربة ماء من سبيل أتقوى بها على الأعداء ؟
والتاع الإمام (عليه السّلام) ، فقال له بصوت خافت ، وعيناه تفيضان دموعاً : واغوثاه ! ما أسرع الملتقى بجدّك فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها أبداً .
وأخذ لسانه فمصّه ليريه شدّة عطشه ، فكان كشقّة مبرد من شدّة العطش .
يقول الحجّة الشيخ عبد الحسين صادق في رائعته :
يـشـكو لـخـيرِ أبٍ ظمـأه وما اشتكى ... ظمـأ الحشا إلاّ إلى الظامي الصدي
كــلٌّ حـشـاشته كـصـاليةِ الـغضا ... ولـسـانُـه ظـمـأ كـشـقةِ مـبـردِ
فـانـصاعَ يـؤثـرهُ عـلـيهِ بـريقهِ ... لــو كــانَ ثـمةَ ريـقه لـم يـجمدِ
لقد كان هذا المنظر الرهيب لعليّ الأكبر من أفجع وأقسى ما رُزئ به أبو الأحرار ؛ فقد رأى ولده الذي هو من أنبل وأشرف ما خلق الله ، وهو في غضارة العمر وريعان الشباب قد أشرف على الهلاك من شدّة العطش ، وهو لم يستطع أن يسعفه بجرعة ماء ليروي عطشه .
وقفل فخر الإسلام عليّ الأكبر (عليه السّلام) راجعاً إلى حومة الحرب ، قد فتكت الجراح بجسمه ، وفتّت العطش فؤاده ، وجعل يُقاتل كأشدّ ما يكون القتال وأعنفه حتّى ضجّ العسكر من كثرة مَنْ قتل منهم .
ولمّا رأى ذلك الوضر الخبيث مرّة بن منقذ العبدي قال : عليَّ آثام العرب إن لم أثكل أباه . وأسرع الخبيث الدنس إلى شبيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فطعنه بالرمح في ظهره ، وضربه ضربة منكرة على رأسه ففلق هامته ، واعتنق فرسه يظنّ أنّه يرجعه إلى أبيه ، إلاّ أنّ الفرس حمله إلى معسكر الأعداء فأحاطوا به من كلّ جانب ، ومزّقوا جسده الشريف بالسيوف ، ونادى فخر هاشم ومجد عدنان رافعاً صوته : عليك منّي السّلام أبا عبد الله ، هذا جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد سقاني بكأسه شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول : إنّ لك كأساً مذخورة .
وحمل الأثير هذه الكلمات إلى أبيه الثاكل الحزين فقطّعت قلبه ، ومزّقت أحشاءه ، ففزع إليه وهو خائر القوى ، منهدّ الركن ، فانكب عليه فوضع خدّه على خدّه وهو جثة هامدة ، قد قطّعت شلوه السيف إرباً إرباً ، وأخذ الإمام (عليه السّلام) يذرف أحرّ الدموع على ولده الذي لا يشابهه أحد في كمال فضله ، وجعل يلفظ شظايا قلبه بهذه الكلمات : قتل الله قوماً قتلوك يا بُني ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول ! على الدنيا بعدك العفا .
وما كاد الخبر يبلغ الخيام حتّى هرعت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) زينب من خدرها ، وكان ذلك أوّل ما خرجت إلى المعركة فأكبت بنفسها على ابن أخيها الذي كان أعزّ ما عندها من أبنائها ، وجعلت تضمّخه بدموعها وقد انهارت قواها ، وانبرى إليها الإمام (عليه السّلام) وجعل يعزّيها بمصابها الأليم ، وهو يردّد هذه الكلمات : على الدنيا بعدك العفا .
وأخذ الإمام (عليه السّلام) بيد اُخته وردّها إلى الفسطاط ، وأمر فتيانه بحمل ولده إلى الفسطاط .
لقد كان علي بن الحسين (عليه السّلام) الرائد والزعيم لكلّ حرّ شريف مات أبيّاً على الضيم في دنيا الإباء ، فسلام الله عليه غادية ورائحة ، ونودعه بالأسى والحزن ، ونردّد كلمات أبيه : على الدنيا بعدك العفا .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|