أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-10-2017
15457
التاريخ: 3-10-2017
12554
التاريخ: 30-9-2017
8184
التاريخ: 3-10-2017
10529
|
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُمْ أَو أَبْنَاءَهُمْ أَو إِخْوَانَهُمْ أَو عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [المجادلة: 20، 22].
{إن الذين يحادون الله ورسوله} أي يخالفونه في حدوده ويشاقونه وهم المنافقون {أولئك في الأذلين} فلا أحد أذل منهم في الدنيا ولا في الآخرة قال عطاء يريد الذل في الدنيا والخزي في الآخرة.
{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} أي كتب الله في اللوح المحفوظ وما كتبه فلا بد من أن يكون أجري قوله {كتب الله} مجرى القسم فأجابه بجواب القسم قال الحسن ما أمر الله نبيا قط بحرب إلا غلب إما في الحال أو فيما بعد وقال قتادة كتب الله كتابا فأمضاه لأغلبن أنا ورسلي ويجوز أن يكون المعنى قضى الله ووعد لأغلبن أنا ورسلي بالحجج والبراهين وإن جاز أن يغلب بعضهم في الحرب {إن الله قوي عزيز} أي غالب قاهر لمن نازع أولياءه ويروى أن المسلمين قالوا لما رأوا ما يفتح الله عليهم من القرى ليفتحن الله علينا الروم وفارس فقال المنافقون أ تظنون أن فارسا والروم كبعض القرى التي غلبتم عليها فأنزل الله هذه الآية ثم قال سبحانه.
{لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} أي يوالون من خالف الله ورسوله والمعنى لا تجتمع موالاة الكفار مع الإيمان والمراد به الموالاة في الدين {ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} أي وإن قربت قرابتهم منهم فإنهم لا يوالونهم إذا خالفوهم في الدين وقيل إن الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة ينذرهم بمجيء رسول الله إليهم وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) أخفى ذلك فلما عوتب على ذلك قال أهلي بمكة أحببت أن يحوطوهم بيد تكون لي عندهم وقيل إنها نزلت في عبد الله بن أبي وابنه عبيد الله بن عبد الله وكان هذا الابن عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فشرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال أبق فضلة من شرابك أسقها أبي لعل الله يطهر قلبه فأعطاه فأتى بها أباه فقال ما هذا فقال بقية شراب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) جئتك بها لتشربها لعل الله يطهر قلبك فقال هلا جئتني ببول أمك فرجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال ائذن لي في قتله فقال بل ترفق به عن السدي.
ثم قال سبحانه {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} أي ثبت في قلوبهم الإيمان بما فعل بهم من الألطاف فصار كالمكتوب عن الحسن وقيل كتب في قلوبهم علامة الإيمان ومعنى ذلك أنها سمة لمن يشاهدهم من الملائكة على أنهم مؤمنون كما أن قوله في الكفار وطبع الله على قلوبهم علامة يعلم من شاهدها من الملائكة أنه مطبوع على قلبه عن أبي علي الفارسي {وأيدهم بروح منه} أي قواهم بنور الإيمان ويدل عليه قوله وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان عن الزجاج وقيل معناه وقواهم بنور الحجج والبراهين حتى اهتدوا للحق وعملوا به وقيل قواهم بالقرآن الذي هو حياة القلوب من الجهل عن الربيع وقيل أيدهم بجبرائيل في كثير من المواطن ينصرهم ويدفع عنهم {ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم} بإخلاص الطاعة والعبادة منهم {ورضوا عنه} بثواب الجنة وقيل رضوا عنه بقضائه عليهم في الدنيا فلم يكرهوه {أولئك حزب الله} أي جند الله وأنصار دينه ودعاة خلقه {ألا إن حزب الله هم المفلحون} ألا كلمة تنبيه أن جنود الله وأولياءه هم المفلحون الناجون الظافرون بالبغية .
__________________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص421-422.
{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهً ورَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} . هذه الآية أشبه بالجواب عن سؤال مقدر ، ويتلخص السؤال : بأن أعداء اللَّه يعيشون في عز من عدتهم وعددهم ، وينكّلون بأهل اللَّه تقتيلا وتشريدا ، فكيف أمهلهم سبحانه وأمدّ لهم ؟
وتجيب الآية بأن الأشرار هم أذل خلق اللَّه من الأولين والآخرين لأن نهايتهم الخزي والخذلان دنيا وآخرة ، أما في الدنيا فلأن اللَّه يعذبهم بأيدي الطيبين الأحرار :
{قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ويُخْزِهِمْ ويَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} - 14 التوبة . وأما عذاب الآخرة فهو أشد وأعظم .
{كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا ورُسُلِي إِنَّ اللَّهً قَوِيٌّ عَزِيزٌ} . الغلبة تكون في الآخرة ،
وتكون في الدنيا بالسيف أو بعذاب من السماء أو بالحجة والبرهان أو بخلود الذكر .
أنظر تفسير الآية 38 من سورة الحج ج 5 ص 331 فقرة {لا يخلو المؤمن من ناصر} ، وتفسير الآية 7 من سورة محمد {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهً ورَسُولَهُ ولَو كانُوا آباءَهُمْ أَو أَبْناءَهُمْ أَو إِخْوانَهُمْ أَو عَشِيرَتَهُمْ} . مستحيل ان يجتمع الايمان مع محبة الكافر وموالاته . . كيف وهو سبحانه القائل : {ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} - 4 الأحزاب .
وقد اشتهر عن الإمام علي (عليه السلام) : ان صديق العدو عدو. وقال : {فلقد كنا مع رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) وان القتل ليدور على الآباء والأبناء والاخوان والقرابات ، فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلا ايمانا ومضيا على الحق وتسليما للأمر} . وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية 28 من سورة آل عمران ج 2 ص 38 .
{أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمانَ وأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} . أولئك إشارة إلى الذين لا يؤثرون شيئا على ايمانهم حتى الآباء والأبناء ، والمعنى ان اللَّه ثبّت الايمان في قلوب المخلصين ، وأيدهم بالحجج والبراهين : {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ} - 27 إبراهيم . {ويُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْهُ} .
ومعنى رضى اللَّه عن العبد هو أن يعطيه من فضله ، ومعنى رضا العبد عنه تعالى هوان يرضى بما أعطاه . وقال ابن عربي في الفتوحات : (يرضى اللَّه باليسير من عمل عباده ، وهم أيضا يرضون باليسير من ثوابه لأن اللَّه مهما أعطى فعطاؤه أقل القليل بالنسبة إلى ما عنده) . ولكن هذا الذي أسماه ابن عربي أقل القليل بالنسبة إليه تعالى هو أكثر الكثير بالنسبة إلى العباد . قال عز من قائل :
{فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً} - 245 البقرة .
{أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} . هذه الآية في مقابلة الآية 19 من هذه السورة : {أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ} .
والخلاصة ان الإنسان بالغا ما بلغ من المقدرة فإنه أعجز من أن يجمع بين مرضاة اللَّه ومرضاة أعدائه تعالى ، فإن أرضاهم أغضب اللَّه ، وان أرضى اللَّه
أغضبهم . . ومستحيل أن يرضوا الا عمن هو على شاكلتهم بشهادة اللَّه عز وجل :
{ولَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ ولَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} - 120 البقرة . وفي الحديث الشريف ان رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) قال : (اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة فإني وجدت فيما أوحيت : لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهً ورَسُولَهُ) .
_____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص277-279.
قوله تعالى: {إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين}تعليل لكونهم هم الخاسرين أي إنما كانوا خاسرين لأنهم يحادون الله ورسوله بالمخالفة والمعاندة والمحادون لله ورسوله في جملة الأذلين من خلق الله تعالى.
قيل: إنما كانوا في الأذلين لأن ذلة أحد المتخاصمين على مقدار عزة الآخر وإذ كانت العزة لله جميعا فلا يبقى لمن حاده إلا الذلة محضا.
قوله تعالى: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز} الكتابة هي القضاء منه تعالى.
وظاهر إطلاق الغلبة شمولها للغلبة من حيث الحجة ومن حيث التأييد الغيبي ومن حيث طبيعة الإيمان بالله ورسوله.
أما من حيث الحجة فإن الإنسان مفطور على صلاحية إدراك الحق والخضوع له فلوبين له الحق من السبيل التي يألفها لم يلبث دون أن يعقله وإذا عقله اعترفت له فطرته وخضعت له طويته وإن لم يخضع له عملا اتباعا لهوى أو أي مانع يمنعه عن ذلك.
وأما الغلبة من حيث التأييد الغيبي والقضاء للحق على الباطل فيكفي فيها أنواع العذاب التي أنزلها الله تعالى على مكذبي الأمم الماضين كقوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وعلى آل فرعون وغيرهم ممن يشير تعالى إليهم بقوله: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ } [المؤمنون: 44] ، وعلى ذلك جرت السنة الإلهية وقد أجمل ذكرها في قوله: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [يونس: 47].
وأما الغلبة من حيث طبيعة الإيمان بالله ورسوله فإن إيمان المؤمن يدعوه إلى الدفاع والذب عن الحق والمقاومة تجاه الباطل مطلقا وهو يرى أنه إن قتل فاز وإن قتل فاز فثباته على الدفاع غير مقيد بقيد ولا محدود بحد وهذا بخلاف من يدافع لا عن الحق بما هو حق بل عن شيء من المقاصد الدنيوية فإنه إنما يدافع لأجل نفسه فلو شاهد نفسه مشرفة على هلكة أو راكبة مخاطرة تولى منهزما فهو إنما يدافع على شرط وإلى حد وهو سلامة النفس وعدم الإشراف على الهلكة ومن الضروري أن العزيمة المطلقة تغلب العزيمة المقيدة بقيد المحدودة بحد ومن الشاهد عليه غزوات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أدت إليه من الفتح والظفر في عين أنها كانت سجالا لكن لم تنته إلا إلى تقدم المسلمين وغلبتهم.
ولم تقف الفتوحات الإسلامية ولا تفرقت جموع المسلمين أيادي سبإ إلا بفساد نياتهم وتبديل سيرة التقوى والإخلاص لله وبسط الدين الحق من بسط السلطة وتوسعة المملكة {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [الأنفال: 53] وقد اشترط الله عليهم حين أكمل دينهم وأمنهم من عدوهم أن يخشوه إذ قال: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون}.
ويكفي في تسجيل هذه الغلبة قوله تعالى فيما يخاطب المؤمنين: { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139] .
قوله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}إلخ، نفي وجدان قوم على هذه الصفة كناية عن أن الإيمان الصادق بالله واليوم الآخر لا يجامع موادة أهل المحادة والمعاندة من الكفار ولو قارن أي سبب من أسباب المودة كالأبوة والبنوة والأخوة وسائر أقسام القرابة فبين الإيمان وموادة أهل المحادة تضاد لا يجتمعان لذلك.
وقد بان أن قوله: {ولو كانوا آباءهم} إلخ، إشارة إلى أسباب المودة مطلقا وقد خصت مودة النسب بالذكر لكونه أقوى أسباب المودة من حيث ثباته وعدم تغيره.
وقوله: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} الإشارة إلى القوم بما ذكر لهم من الصفة، والكتابة الإثبات بحيث لا يتغير ولا يزول والضمير لله وفيه نص على أنهم مؤمنون حقا.
وقوله: {وأيدهم بروح منه}التأييد التقوية، وضمير الفاعل في {أيدهم} لله تعالى وكذا ضمير منه ومن ابتدائية، والمعنى: وقواهم الله بروح من عنده تعالى، وقيل: الضمير للإيمان، والمعنى: وقواهم الله بروح من جنس الإيمان يحيي بها قلوبهم، ولا بأس به.
وقيل: المراد بالروح جبرائيل، وقيل: القرآن، وقيل: المراد بها الحجة والبرهان، وهذه وجوه ضعيفة لا شاهد لها من جهة اللفظ. ثم الروح - على ما يتبادر من معناها - هي مبدأ الحياة التي تترشح منها القدرة والشعور فإبقاء قوله: {وأيدهم بروح منه}على ظاهره يفيد أن للمؤمنين وراء الروح البشرية التي يشترك فيها المؤمن والكافر روحا أخرى تفيض عليهم حياة أخرى وتصاحبها قدرة وشعور جديدان، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: {أ ومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها{: الأنعام: 122، وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [النحل: 97] .
وما في الآية من طيب الحياة يلازم طيب أثرها وهو القدرة والشعور المتفرع عليهما الأعمال الصالحة، وهما المعبر عنهما في آية الأنعام المذكورة آنفا بالنور ونظيرها قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ } [الحديد: 28].
وهذه حياة خاصة كريمة لها آثار خاصة ملازمة لسعادة الإنسان الأبدية وراء الحياة المشتركة بين المؤمن والكافر التي لها آثار مشتركة فلها مبدأ خاص وهو روح الإيمان التي تذكرها الآية وراء الروح المشتركة بين المؤمن والكافر.
وعلى هذا فلا موجب لما ذكروا أن المراد بالروح نور القلب وهو نور العلم الذي يحصل به الطمأنينة وأن تسميته روحا مجاز مرسل لأنه سبب للحياة الطيبة الأبدية أومن الاستعارة لأنه في ملازمته وجوه العلم الفائض على القلب - والعلم حياة القلب كما أن الجهل موته - يشبه الروح المفيض للحياة.
انتهى.
وقوله: {ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} وعد جميل ووصف لحياتهم الآخرة الطيبة.
وقوله: {رضي الله عنهم ورضوا عنه}استئناف يعلل قوله: {ويدخلهم جنات} إلخ، ورضا الله سبحانه عنهم رحمته لهم لإخلاصهم الإيمان له ورضاهم عنه وابتهاجهم بما رزقهم من الحياة الطيبة والجنة.
وقوله: {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} تشريف لهؤلاء المخلصين في إيمانهم بأنهم حزبه تعالى كما أن أولئك المنافقين الموالين لأعداء الله حزب الشيطان وهؤلاء مفلحون كما أن أولئك خاسرون.
وفي قوله: {ألا إن حزب الله} وضع الظاهر موضع الضمير ليجري الكلام مجرى المثل السائر.
_______________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص171-173.
حزب الله .. والنصر الدائم!!
كان الحديث عن المنافقين وأعداء الله وبيان بعض صفاتهم وخصائصهم في الآيات السابقة، وإستمراراً لنفس البحث ـ في هذه الآيات التي هي آخر آيات سورة المجادلة ـ تطرح خصوصيات اُخرى لهم، ويتّضح المصير الحتمي لهم حيث الموت والإندحار، يقول تعالى في البداية: {إنّ الذين يحادّون الله ورسوله اُولئك في الأذلّين} أي أذلّ الخلائق(2).
والآية اللاحقة في الحقيقة دليل على هذا المعنى حيث يقول سبحانه: {كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ الله قوي عزيز).
وبنفس القدر الذي يكون فيه الله قويّاً عزيزاً فإنّ أعداءه يكونون ضعفاء أذلاّء، وهذا بنفسه بمثابة الدليل على ما ورد في الآية السابقة من وصف الأعداء بأنّهم {في الأذلّين}.
والتعبير بـ (كتب) يعني التأكيد على أنّ الإنتصار قطعي.
وجملة «لأغلبنّ» مع (لام التأكيد) و(نون التوكيد الثقيلة)، هي دلالة تأكيد هذا النصر بصورة لا يكون معه أي مجال للشكّ والريبة.
وهذا التشبيه هو نفس الذي ورد في قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ } [الصافات: 171 - 173].
ولقد اتّضح على مرّ العصور هذا الإنتصار للمرسلين الإلهيين في أوجه مختلفة، سواء في أنواع العذاب الذي أصاب أعداءهم وصوره المختلفة كطوفان نوح وصاعقة عاد وثمود والزلازل المدمّرة لقوم لوط وما إلى ذلك، وكذلك في الإنتصارات في الحروب المختلفة كغزوات بدر وحنين وفتح مكّة، وسائر غزوات رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأهمّ من ذلك كلّه إنتصارهم الفكري والمنطقي على أفكار الشيطان وأعداء الحقّ والعدالة، ومن هنا يتّضح الجواب على تساؤل من يقول: إذا كانت هذه الوعود قطعيّة فلماذا إستشهد الكثير من الرسل الإلهيين والأئمّة المعصومين والمؤمنين الحقيقيين دون تحقيق النصر؟
هؤلاء المنتقدين والمتسائين لم يشخّصوا في الحقيقة معنى الإنتصار بصورة صحيحة، فمثلا هل يمكن أن نتصوّر أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد إندحر لأنّه إستشهد في كربلاء هو وأصحابه، في حين نعلم جيّداً بأنّه (عليه السلام) قد حقّق هدفه النهائي في فضح بني اُميّة، وبنى صرح العقيدة والحرية، وأعطى الدروس لكلّ أحرار العالم، وإنّه يعتبر الآن زعيم أحرار عالم الإنسانية وسيّد شهداء الدنيا، بالإضافة إلى انتصار خطّه الفكري ومنهجه بين أوساط مجموعة عظيمة من الناس؟(3).
والجدير بالذكر أنّ هذا الإنتصار القطعي ثابت وفقاً للوعد الإلهي بالنصر للسائرين على خطّ الأنبياء والرسالة، وهذا يعني إنتصار مضمون وأكيد من قبل الله تعالى، كما في قوله عزّوجلّ: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51] .
ومن الطبيعي أنّ كلّ من يطلب العون من الله فإنّ الله سوف ينصره، إلاّ أنّه يجب ألاّ ننسى أنّ هذا الوعد الحقيقي لله سبحانه لن يكون بدون قيد أو شرط، حيث أنّ شرطه الإيمان وآثاره، شرطه ألاّ يجد الضعف طريقه إلى نفوسنا، ولا نخاف ولا نحزن من المصائب، ونجسّد قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 139].
والشرط الآخر أن نبدأ التغيير من داخل نفوسنا، لأنّ الله تعالى لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53] .
كما يجب أن نوثّق علاقتنا بالسلسلة المرتبطة بالخطّ الإلهي ونوحّد صفوفنا، ونجنّد قوانا ونخلص نيّاتنا، ونكون مطمئنّين بأنّ كلّما كان العدو قويّاً، وكنّا قليلي العدّة والعدد .. فإنّنا سننتصر بالجهاد والسعي والتوكّل على الله تعالى.
وذكر بعض المفسّرين أنّ سبب نزول الآية أعلاه أنّ قسماً من المسلمين تنبّأوا أنّ الله سيفتح لهم أرض الروم وفارس، بعد ما شاهدوا بعض قرى الحجاز، إلاّ أنّ المنافقين والمرجفين قالوا لهم: أتتصوّرون أنّ فارس والروم كقرى الحجاز، وأنّ بإمكانهم فتحها، عند ذلك نزلت الآية أعلاه ووعدتهم بالنصر.
آخر آية مورد البحث ـ والتي هي آخر آية من سورة المجادلة ـ تعدّ من أقوى الآيات القرآنية التي تحذّر المؤمنين من إمكانية الجمع بين حبّ الله وحبّ أعدائه، إذ لابدّ من إختيار طريق واحد لا غير، وإذا ما كانوا حقّاً مؤمنين صادقين فعليهم إجتناب حبّ أعداء الله، يقول تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخرين يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم}.
نعم، لا يجتمع حبّان متضادّان في قلب واحد، والذين يدّعون إمكانية الجمع بين الإثنين، فإنّهم إمّا ضعفاء الإيمان أو منافقون، ولذلك نلاحظ في الغزوات الإسلامية أنّ جمعاً من أقرباء المسلمين كانوا في صفّ المخالفين والأعداء، ومع ذلك قاتلهم المسلمون حتّى قتلوا قسماً منهم.
إنّ حبّ الآباء والأبناء والاُخوان والعشيرة شيء ممدوح، ودليل على عمق العواطف الإنسانية، إلاّ أنّ هذه المحبّة حينما تكون بعيدة عن حبّ الله فإنّها ستفقد خاصيّتها.
وطبيعي أنّ من يتعلّق بهم الإنسان ليس مختصاً بالأقسام الأربعة التي إستعرضتها الآية الكريمة، ولكن هؤلاء أقرب عاطفياً من غيرهم للإنسان، وبملاحظة الموقف من هؤلاء سيتّضح الموقف من الآخرين.
ولذلك لم يأت الحديث عن الزوجات والأموال والتجارة والممتلكات، في حين أنّ ذلك قد لوحظ في الآية (24) من سورة التوبة، حيث يقول سبحانه: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].
والسبب الآخر في عدم ذكر المتعلّقات الاُخرى بالإنسان في الآية مورد البحث، هوما ورد في سبب نزول الآية الكريمة والتي من جملتها أنّ «حاطب بن أبي بلتعة» كتب رسالة إلى أهل مكّة ينذرهم بقدوم رسول الله إليهم، ولمّا إنكشفت الوشاية وعرف أنّ حاطب بن أبي بلتعة وراء هذا الأمر، إعتذر قائلا: «أهلي بمكّة أحببت أن يحوطوهم بيد تكون لي عندهم»(4).
وقيل: إنّ هذه الآية قد نزلت بشأن «عبدالله بن أُبي»، الذي كان له ولد مؤمن أراد الخير لأبيه، حيث رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً يشرب الماء، فطلب من رسول الله سؤره المتبقّي في الإناء ليعطيه لأبيه، عسى أن يطهّر قلبه، إلاّ أنّ الأب إمتنع من شربه وتجاسر على رسول الله. عند ذلك جاء الولد يطلب من رسول الله الإذن في قتل أبيه، فلم يسمح له (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك وقال: «بل ترفّق به» يداريه، (وأن يتبرّأ من أعماله في قلبه).
ثمّ يتطرّق القرآن الكريم إلى الجزاء العظيم لهذه المجموعة التي سخّرت قلوبها لعشق الله تعالى، حيث يستعرض خمسة من أوصافهم والتي يمثّل بعضها مدداً وتوفيقاً من الله تعالى، والآخر نتيجة العمل الخالص له سبحانه ...
وفي بيان القسم الأوّل والثاني يقول تعالى: {اُولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه}.
ومن الطبيعي أنّ هذا الإمداد واللطف الإلهي لا يتنافى أبداً مع أصل حرية الإرادة وإختيار الإنسان، لأنّ الخطوات الاُولى في ترك أعداء الله قد قرّرها المؤمنون إبتداءً، ثمّ جاء الإمداد الإلهي بصورة إستقرار الإيمان حيث عبّر عنه بـ (كتب).
هل هذه الروح الإلهية التي يؤيّد الله سبحانه المؤمنين بها هي تقوية الاُسس الإيمانية، أو أنّها الدلائل العقلية، أو القرآن، أوأنّها ملك إلهي عظيم يسمّى بالروح؟ ذكرت لذلك إحتمالات وتفاسير مختلفة، إلاّ أنّه يمكن الجمع بينهما، وخلاصة الأمر أنّ هذه الروح نوع من الحياة المعنوية الجديدة التي أفاضها الله تعالى على المؤمنين.
ويقول تعالى في ثالث مرحلة: {ويدخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها).
ويضيف في رابع مرحلة لهم: {رضي الله عنهم ورضوا عنه).
إنّ أعظم ثواب معنوي وجزاء روحاني لأصحاب الجنّة في مقابل النعم الماديّة العظيمة في القيامة من جنان وحور وقصور هو شعورهم وإحساسهم أنّ الله راض عنهم وأنّ رضى مولاهم ومعبودهم يعني أنّهم مقبولون عنده، وفي كنف حمايته وأمنه، حيث يجلسهم على بساط قربه، وهذا أعظم إحساس ينتابهم، ونتيجته رضاهم الكامل عن الله سبحانه.
نعم، لا تصل أي نعمة إلى هذا الرضا ذي الجانبين المادّي والمعنوي، والذي هو مفتاح للهبات والعطايا الإلهية الاُخرى، لأنّه سبحانه عندما يرضى عن عبد فإنّه يعطيه ما يطلب منه، فهو القادر والكريم.
وما أروع التعبير القرآني: {رضي الله عنهم ورضوا عنه) أي أنّ مقامهم رفيع إلى درجة بحيث أنّ أسماءهم تكون مقترنة باسمه، ورضاهم إلى جانب رضاه تعالى.
وفي آخر مرحلة يضيف تعالى بصورة إخبار عام يحكي عن نعم وهبات اُخرى حيث يقول: {اُولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون).
وليس المقصود بالفلاح هنا ما يكون في عالم الآخرة ونيل النعم المادية والمعنوية في يوم القيامة فحسب، بل كما جاء في الآيات السابقة أنّ الله تعالى ينصرهم بلطفه في هذه الدنيا أيضاً على أعدائهم وستكون بأيديهم حكومة الحقّ والعدل التي تستوعب هذا العالم أخيراً.
_______________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14 ، ص44-48.
2 ـ «يحادّون» من مادّة (محادّة) بمعنى الحرب المسلّح وغير المسلّح، أو بمعنى الممانعة (وقد أعطينا توضيحاً آخر في هذا المجال في نهاية الآية (5) من نفس السورة).
3 ـ للتوضيح الأشمل في هذا المجال يراجع تفسير الآية (171) من سورة الصافات.
4 ـ مجمع البيان، ج9، ص255.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|