أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2018
3322
التاريخ: 21-4-2018
1323
التاريخ: 13-9-2017
3143
التاريخ: 21-4-2018
2032
|
إن مفهوم الدلالة عند الغزالي ينبغي أن ينظر إليه من زاوية الثقافة الأصولية، ذلك أن الأحكام التي استنبطها من القرآن الكريم- خاصة- استند فيها على أسس نظرية نجدها بشكل واضح في كتابه "المستصفى من علم الأصول". وتعود هذه الأسس أصلاً إلى فهم عميق للدلالة، "وإن كانت وضعت لتطبق في فهم النصوص الشرعية، ولكنها تطبق أيضاً في معاني أي نص غير شرعي ما دام مصوغاً في لغة عربية"(1) والتفسير الدلالي الذي توصل إليه الغزالي، يدل على أن هذا العالم الفيلسوف قد تجاوز البحث عن ماهية الدلالة إلى البحث عن جوهر الدلالة وفروعها، فبنظرة مقتضبة إلى بعض نصوصه في كتابه المشار إليه آنفاً، تجده يذكر أصنافاً لمعان قد حددها علماء الدلالة المحدثون كالمعنى الإرشادي أو الإيمائي، والمعنى الاتساعي، والمعنى السياقي، وإن كان الغزالي يسميها بمصطلحات أصولية وهي على الترتيب دلالة الإشارة ودلالة الاقتضاء وفحوى الخطاب، وكل دلالة عند الغزالي قد تنقسم إلى دلالات فرعية يقول معرفاً دلالة الاقتضاء، بأنها هي التي لا يدل عليها اللفظ ولا يكون منطوقاً بها ولكن تكون من ضرورة اللفظ.(2) وكيف تكون دلالة الاقتضاء من ضرورة اللفظ يا ترى؟ يوضح ذلك الغزالي بقوله: "أما من حيث لا يمكن كون المتكلم صادقاً إلا به، أو من حيث يمتنع وجود الملفوظ شرعاً إلا به أو من حيث يمتنع ثبوته عقلاً إلا به".(3)
إن إدراك دلالة الاقتضاء تتم إما باعتبار طبيعة حال المتكلم فهي بناء على ذلك طبيعية لا يكون المتكلم عندها إلا صادقاً وإما باعتبار طريق العقل فالدلالة إذن عقلية منطقية.
وسيشير الغزالي إلى ما يمكن أن يصحب العملية التواصلية من حركة وإيماء وإشارة من قبل المتكلم فتنصرف الدلالة من المعنى الرئيسي، إلى المعنى الإيمائي أو ما يسمى في علم الدلالة الحديث "بالقيم الحافة"، وهي تعني جملة القيم الثقافية والاجتماعية وغيرها التي تصحب عملية التواصل أو الإبلاغ فلكي نؤدي دلالة معينة لا نعتمد فحسب على الألفاظ أو الرموز، إنما يقتضي ذلك تضافر عدة
ص31
أنظمة إبلاغية "إذا كان النظام الكلامي أهمها فإن سائرها يواكبه مكملاً إياه"(4) من ذلك النظام الإشاري، والنظام النبري "فوق المقطعي"، والنظام الإيحائي، والنظام السياقي، ونظام المقام أو الحال، يقول الغزالي محدداً بعض هذه الأنظمة الدلالية في سياق تعريفه لدلالة الإشارة: "وهي [أي دلالة الإشارة] ما يؤخذ من إشارة اللفظ لا من اللفظ ونعني به ما يتبع اللفظ من غير تجريد قصد إليه، فكما أن المتكلم قد يفهم بإشارته وحركته في أثناء كلامه ما لا يدل عليه نفس اللفظ فيسمى إشارة فكذلك قد يتبع اللفظ ما لم يقصد به (…) وهذا ما قد يسمى إيماء وإشارة."(5) أما النظام السياقي الذي يشرف على تحميل الصيغة دلالات إضافية، عدها الدرس الدلالي الحديث دلالات أساسية، يقدمه الغزالي بقوله أنه فهم غير المنطوق به من المنطوق بدلالة سياق الكلام ومقصوده."(6)
إن هذه التصنيفات للدلالة التي حددها الغزالي، تمثل وعياً عميقاً صحب فكر هذا العالم، ومكنه من أن يسهم في تأسيس الفكر النظري في مجال الدلالة. وهذه الإسهامات العلمية، لن تقدر حق قدرها ما لم ينظر إليها بمنظار "المعرفة" التي تأسس وفقها تراث القرن الخامس والسادس الهجريين، وقد أبان الغزالي على نحو علمي راق علاقات الألفاظ بالمعاني، ولم يخرج عن تلك المحددة قبلاً عند العلماء، وهي علاقة المطابقة وعلاقة التضامن وعلاقة الالتزام أو الاستتباع.(7) كما بحث الغزالي قسم الألفاظ من حيث إفرادها وتركيبها وأحصى في ذلك ثلاثة أقسام: ألفاظ مفردة وألفاظ مركبة ناقصة، وألفاظ مركبة تامة، فاللفظ المفرد عند الغزالي، لا يخرج عن تصور من سبقه من العلماء خاصة الفرابي وابن سينا يقول الغزالي: "المفرد وهو الذي لا يراد بالجزء منه دلالة على شيء أصلاً حين هو جزؤه كقولك عيسى وإنسان، فإن جزئي عيسى وهما "عي وسا" وجزئي إنسان وهما "إن وسان" ما يراد بشيء منهما الدلالة على شيء أصلاً(8). أما المركب فهو الذي يدل كل جزء فيه على معنى، والمجموع يدل دلالة تامة بحيث يصح السكوت عليه من ذلك قولهم: زيد يمشي والناطق حيوان أما قولهم: في الدار أو الإنسان في، مركب ناقص لأنه مركب من اسم وأداة.(9) وما يلاحظ في تقسيمات
ص32
الفرابي وابن سينا والغزالي للألفاظ باعتبار الإفراد والتركيب، هو إسنادهم في ذلك كله على القصد والإرادة، فإن أريد بمركب اسمي أو فعلي دلالة مفردة، كانت تلك الدلالة، وإن أريد بهما غير تلك الدلالة لم تكن.
وإن تتبعنا تقسيمات الغزالي للألفاظ، لألفيناها تتعدد لتعطي ذلك المفهوم العام الذي استقر لدى هذا العالم حول الدلالة وفروعها ومتعلقاتها، ويمكن أن يشير في هذا المجال إلى تقسيمه للألفاظ باعتبار الكلي والجزئي، وعموم المعنى وخصوصه، كما أقام تقسيمات للألفاظ باعتبار نسبتها إلى المعاني وحدد أربعة أصناف يقول: "اعلم أن الألفاظ من المعاني على أربعة منازل: المشتركة والمتواطئة والمترادفة والمتزايلة."(10) ويشرح الغزالي على نحو تفصيلي مرتب، العلاقة بين الصور المحفوظة في الذاكرة للمدلولات المادية والمجردة، والألفاظ والكتابة التي هي أدوات دالة فيقول: "اعلم أن المراتب فيما نقصده أربع واللفظ في الرتبة الثالثة، فإن للشيء وجوداً في الأعيان ثم في الأذهان ثم في الألفاظ ثم في الكتابة، فالكتابة دالة على اللفظ، واللفظ دال على المعنى الذي في النفس، والذي في النفس هو مثال الموجود في الأعيان."(11)
وعلى هذا الأساس وبحسب تقسيمات الغزالي
-فالكتابة دال فقط باعتبارها واسطة تمثيل للملفوظ فهي إشارة لإشارة كما يقول (جاك دريدا)(12).
-اللفظ دال باعتبار ومدلول باعتبار آخر.
-المعنى الذي في النفس (الصور الذهنية) مدلول فقط وليست بدال.
-الموجود في الأعيان (الأمور الخارجية) مدلول فقط وليست بدال.
وعلى هذا الاعتبار وبحسب ركني العملية الدلالية (الدال- المدلول).
-الكتابة، الألفاظ: دال.
-الصور الذهنية- الأمور الخارجية: مدلول.
ص33
إن تلك الإشارات العابرة، إلى ما قدمه الإمام الغزالي في مجال التأسيس النظري للدلالة، يبرز ما مدى ثراء تراثنا المعرفي الذي اتخذ من النص القرآني كمعطى مثالي من أجل وضع أسس لنظرية معرفية شاملة خاصة إذا علمنا أن العلماء القدامى، قد امتلكوا الأدوات المختلفة اللغوية والمنطقية والفلسفية من أجل إبراز كل الجوانب الهامة في النص المقدس، وإن الحيطة التي أخذوها في التعامل مع أحكام القرآن زادت من منطقية معارفهم وصدق مفاهيمهم، والغزالي يعد المازج الحقيقي للمنطق الأرسططاليسي(13). بعلوم المسلمين، وظاهر ذلك من المقدمة المنطقية التي صدّر بها كتابه "المستصفى" وذكر فيها أن من لا يحيط بالمنطق ومعاني اللغة وأسرارها لاثقة بعلومه قطعاً.
ومنذ عهد الغزالي دأب الأصوليون المتكلمون يستهلون كتبهم بمقدمات كلامية ومنهم صاحب كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" سيف الدين الآمدي، موضوع هذا البحث، وقد أظهر الغزالي قدرة عميقة في فهم تلك السنن التي ينطوي عليها نظام اللغة، وذلك استجابة للمبحث الأصولي الذي يتجاوز الفهم السطحي "النحوي" للغة، إلى استقراء دقيق لمعانيها، لا يتعرض لها اللغوي المشتغل بصناعة النحو.
ص34
_______________________
([1]) عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي، ج1، ص156.
(2) المستصفى من علم الأصول، ص187.
(3) المصدر السابق، نفس الصفحة.
(4) عبد السلام المسدي، اللسانيات وأسسها المعرفية.
(5) المستصفى من علم الأصول، ج2، ص188.
(6) المصدر السابق، ج2، ص190.
(7) معيار العلم في المنطق، ص42-43.
(8) المصدر السابق: ص49.
(9) المصدر نفسه، ص49-50.
(0[1]) المصدر نفسه، ص52. المشتركة: (المشترك اللفظي)، المتواطئة: أعيان متعددة بمعنى واحد مشترك بينها كدلالة اسم الحيوان على الفرس والطير والأسد، والمترادفة: (المترادف)، المتزايلة: هي الأسماء المتباينة التي ليست بينها شيء من هذه النسب.
(11)المصدر نفسه، ص46-47.
(12) الكتابة جاءت لتملأ فراغاً لتكون امتداداً للملفوظ خاصة إذا وجدت لغات لا يمكن إلا أن تكون مكتوبة ولا نستطيع تجريدها بالمنطق كما هو شأن لغة الجبر في الرياضيات، انظر ذلك في كتاب: De La Grammatologie jaque derrida (p 429)
(13) محمود سامي النشار، منهج البحث عند مفكري الإسلام، ص90.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|