‏يشرح الرازي في (الزينة) تطور دلالة (غفر) من الطرف المحسوس الى افاق التجريد والادراك العقلي والنفسي، وتحليل مبكر على هذا النحو يدي الى ‏منهج سنجد النقاد يتجهون اليه ومعهم عدد من اللغويين لتبيان اكتساب اللفظ قيماً ذهنية بعد ان كان مستخدما في الجوانب الحسية:

‏يقال: غفور وغفار وغافر ثلاث لفات، وهي من المغفرة، والمغفرة:

ص279

‏السفر، لأنه يستر ذنوب العباد اذا رضي عنهم، فلا يكشفها للخلائق. ويقال في الدعاء: اللهم تغمدني بمغفرتك، اي استر ذنوبي. واصله من غفرت الشيء اذا غطّيته. ويقال: ثوبٌ كثير الغفر، أي كثير الزئبر اذا كان من خز او وبر او صوف او غيره، سمي بذلك لأنه يستر النسج بزئبره. ويقال: اضم متاعك في وعائك، واغفر متاعك في وعائك، وهما بمعنى واحد. ويقال: غفر غفرا، ومنه يقال: اللهم غفراً، وقال الشاعر:

‏ليث يهاب الناس صولته                  جمَع العقابَ وأحسنَ الغفرا

وقال الكميت:

‏في ظل من عنت الوجوه له               ‏ملك الملوك ومالك الغفر(1)

‏وفي موضع آخر يشرح اسماً آخر ويبرز قيمه الدلالية المجردة واستعماله في مادي من قبل، فيقول في (الزينة):

‏ومن الاسماء ما يجر معنيين كقولك: الزكاة. قالوا: هو من النمو والزيادة. يقال: زكا الزرع اذا نما وطال وزاد. ويكون من الطهارة. قال تعالى: {قد افلح من زكاها} [الشمس 91/9] اي طهرها(2). ويذكر ابن ناقيا البغدادي (٤٨٥ هـ)‏ في كتابه الجمان في تشبيهات القران تطور دلالة الأمرد، فهو " مأخوذ من الشجرة المرداء، وهي العارية من الورق. ومنه قولهم: شيطان مريد، اي عارٍ، معناه قد عري من الخير. ومن ذلك قيل بناء ممرد اي مملس (3) ".

‏واتينا على هذا الشاهد للبرهنة على ان الاهتمام الدلالي كان واسعاً بين المثقفين والادباء في كتبهم واحاديثهم.

 ________________

(1) الزينة، الرازي، (2/97 – 98).

(2) الزينة (2/133).

‏(3) الجمان في تشبيهات القرآن، ابن ناقيا البغدادي (عبد الله بن محمد بن الحسين) ٢٨٢ ‏.

ص280