المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2764 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
ميعاد زراعة الجزر
2024-11-24
أثر التأثير الاسترجاعي على المناخ The Effects of Feedback on Climate
2024-11-24
عمليات الخدمة اللازمة للجزر
2024-11-24
العوامل الجوية المناسبة لزراعة الجزر
2024-11-24
الجزر Carrot (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
المناخ في مناطق أخرى
2024-11-24



مفاتيح تحليل التطور الدلالي(المعجم العربي وصلته بالتطور الدلالي)  
  
4475   10:38 صباحاً   التاريخ: 30-8-2017
المؤلف : د. فايز الداية
الكتاب أو المصدر : علم الدلالة، النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة : ص204- 233
القسم : علوم اللغة العربية / علم الدلالة / التطور الدلالي / ماهية التطور الدلالي /

 

1- سنتناول في هذا الحيز المعجم العربي، وما يثار حوله في هذا المضمار، على الرغم من الحذر المنهجي؛ فالدراسة الحديثة تخصص القول في كل فرع من فروع اللغة وبحثها،(فجورج مونان) ينبه الى أنه " من الضروري

ص204

عدم الخلط بين علم الدلالة Sémantique(والدراسة المعجمية) Lexicographie، هذه التي لا تهتم إلا بوصف فحوى الكلمات كما نراها – في الحالة التقليدية – حين تسجلها في المعجم، وعندما نسمي مؤلف المعجم بصورة عامة بالمعجمي.

وكذلك ينبغي عدم الخلط بعلم تصنيف المفردات Lexicologie، وهو العلم الذي يبحث في إرساء المبادئ والأصول للدراسة المعجمية ولطرائقها كذلك(1) " ونستشير معجم اللغويات الحديث لنوضح حدود كل من العلمين الأخيرين فنطالع ان " العجمية هي تقنية صنع المعجمات، والتحليل اللغوي لهذه التقنية " ويفرق ههنا بين الدارس المعجمي الذي يدرس القضايا المتعلقة بالمعجم Le Linguiste Lexicographe والمؤلف المعجمي الذي يصنع تلك المعاجم L'auteur de dictionnaire(2)، وأما علم المفردات فإنه الدراسة للأشكال(البنى): الصيغ يقوم بحث معجمي حقيقي بدون إخضاع هذا(المفهوم) للنقد. والمعجمية(تقنية صنع المعجمات) سابقة – بصورة عامة – على دراسة المفردات(3). وقد يكون للتمييز الزمني بينهما تعليل في تاريخ استخدام المصطلحات فأقدم زمن محدد Lexicographe: المعجمي وهو سنة 1578 م. وأما علم دراسة المفردات فيرجع الى سنة 1765 م كما ينص على ذلك المعجم الاشتقاقي التاريخي للألفاظ الفرنسية(4).

وحرصنا على إظهار الفرق بين الفروع العلمية يحتمه المنهج العلمي، ولكن

ص205

التنقيب في المادة العربية القديمة يجعل من الصعب وضع النتائج الحديثة للتقسيم على أنها فاصل دقيق في المعالجة، إذ كانت جهود علماء اللغة متداخلة في كثير من الأحيان، ومتبادلة التأثير فيما بينها، وقد أسهم الخليل بن أحمد – في القرن الثاني – في النحو والصرف والمعجم والعروض، وكانت له الريادة في بعض منها كالمعجم(العين)، والعروض. ونجد أبا علي القالي(5) صاحب الأمالي في القرن الرابع يروي الأخبار وينقد الشعر ويحلل اللغة، ثم ينقلب فيؤلف معجمه(البارع) وهكذا الشأن لدى العديد من علماء العربية وأدبائها المسهمين في ضروب الثقافة القديمة. لذلك فإننا نناقش قضية التطور في المعجم ليظهر تمثله خصائص الفصحى بنية وتاريخاً، وهذا يفيد في استجلاء معالم القضية ثم نعرض لمقابلة بين المعنى المعجمي وصورة المعاني السياقية التي يكون منها بعدُ المعنى المتطور.

إن التصنيف المعجمي يمثل ضرباً من النشاط الدؤوب للحفاظ على جوهر العربية الفصحى، وبه أخذت تتكامل صورة مفردات اللغة على نحو يناظر ما كان من إقامة أركان النحو والصرف في الكتب والتأليف المختلفة بين المدارس والنزعات المتفقة في أمر أولي وأساسي وهو: الا تضطرب من حركة جميع الأشعار والأخبار الجاهلية، بل إن التفقه بكلام القرآن استدعى عناية بالغريب وشرحه حتى إنهم ليعدون تفسير ابن عباس نواة للمعاجم العربية التي كانت أوائلها تحمل اسم(غريب القرآن) وأقدم مؤلف يحمل هذا الأسم هو لأبي سعيد أبان بن رباح البكري(141 هـ)(6).

ص206

وإذا نظرنا الى العمل المعجمي من زاوية تثبيت أركان الفصحى – التي تحدثنا عنها – عرفنا حدود المادة وماهيتها في المعاجم المعروفة لدينا، فقد أدرك المشتغلون بالعربية والدراسات القرآنية ضرورة بلورة هذه اللغة في كيان لا يتغير إلا بمقدار ما يسعف حاجة الناس ولا يفتات على الأصل القديم، وتبدو فكرة التطور كامنة في التفكير الإسلامي ذاته عندما نرى الالتزام بالنصوص القرآنية فالحديث، ثم يفتح باب الاجتهاد والقياس(7). ولقد حفل الفقه بالآراء والفتاوى التي كانت تلبي الحاجة الطارئة والحادثة التي قاسها الأئمة على ما كان من قبل، أو اجتهدوا فيها على هدي من التشريع اي بما لا يتناقض معه – في واحد من التفسيرات -.

ولقد احتوت المعجمات العربية حتى القرن الرابع على الذخيرة الفصيحة من الألفاظ ومعانيها، ذلك أن سلسلة المعاجم ابتدأت بأعمال الرواة مع القرن الأول الهجري الذين رحلوا الى البادية ومواطن العرب الأقحاح ممن سلمت ألسنتهم من الخطأ أو الاختلاط بالأعاجم والأقوام ذوي الألسنة المغايرة لعربية الشمال – كأهل اليمن، او الأنباط – ودونوا القدر الأكبر مما كان لا يزال محكياً أو مروياً من اشعار وأخبار وقليل من الخطب والكلمات المشهورة، وكذلك تلقوا أفواجاً من الأعراب الذين عرفوا ما لدهم من تراث حملوه عن الأسلاف فأتوا الى مدن العراق خاصة وجلسوا الى أصحاب الرواية ليملؤوا القراطيس(8).

وتتابعت المكتوبات من تلك التي عرفت بالنوادر مما حوى خليطاً إن يتميز بغناه فإنه يفتقد التبويب والترتيب كالذي نراه لدى أبي زيد الأنصاري، ثم انشئت الرسائل الصغيرة التي تبنى على معنى من المعاني أو حرف من الحروف،

ص207

وتصادفنا أسماء لها كـ " اللبأ واللبن لأبي زيد ن الإبل والخيل، والشاء، وأسماء الوحوش وصفاتها، وخلق الإنسان للأصمعي، وبعد ذلك الرحل والمنزل المنسوب لابن قتيبة(9) ". وهناك ضروب أخرى تدور حول الأضداد أشهرها متأخر – نسبياً – في القرن الرابع لابن الانباري(328 هـ) إلا أن عدداً من الرسائل ينسب أيضاً الى الأصمعي، وأبي حاتم السجستاني، وابن السكيت، وقطرب. وثمة نمط آخر يتناول الألفاظ في حالة خاصة هي الأفعال ذات الاشتقاق الواحد مثل:(فعلت وأفعلت للزجاج)، و(فعل وأفعل) لقطرب(10).

وقد ظهر أول معجم شامل – أو لنقل ذا فكرة شمولية – لألفاظ اللغة في اواخر القرن الثاني الهجري وذلك في(العين) للخليل بن أحمد الفراهيدي – ولسنا في مقام تأكيد نسبة المصنف بأكمله الى الخليل لكنه من الثابت أن له الفكرة وتطبيقاً وافياً جرى على ما يقتضيه، ومن ثم اكمل توبع بعده – أي أن اسلوب إيراد مجموعات نوعية من الكلمات غدا جزءاً من كل يستوعب هذا القسم وغيره ولقد صبت هذه الرسائل والكتيبات في معاجم الألفاظ التي تتابعت، وكذلك في معاجم المعاني التي ترتب ألفاظ اللغة في أبواب تستغرق الماديات والمعنويات مبتدئة بخلق الإنسان حتى تصل الى الأنواء والنجوم، ومتناولة أثناء ذلك الحيوان والنبات والجماد، والانفعالات والمعاني المجردة عموماً(11).

وشهد القرن الرابع غزارة في التأليف المعجمي بطرفيه: الألفاظ والمعاني، فمن معجم الألفاظ(جمهرة اللغة) لابن دريد(321 هـ) و(البارع) لأبي علي القالي(356هـ) و(تهذيب اللغة) لأبي منصور محمد بن أحمد الازهري(370 هـ) والمجمل، ومقاييس اللغة) لأحمد بن فارس(395 هـ )،

ص108

و(المحكم) لابن سيده الأندلسي، وهو مخضرم القرنين الرابع والخامس(458 هـ)، وكذلك(تاج اللغة وصحاح العربية) لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري(393 هـ)، ومن الكتب المدرجة في معاجم المعاني(الألفاظ الكتابية) لعبد الرحمن الهمذاني(320 هـ)،(جواهر الألفاظ) لقدامة بن جعفر(337 هـ) ثم مصنف(فقه اللغة وسر العربية) لأبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي المجاوز طرفاً من القرن الرابع(429 هـ)، وكذلك معجم(المخصص) لابن سيده، و(متخير الألفاظ) لأحمد بن فارس و(التلخيص في معرفة الأشياء لأبي هلال العسكري(395 هـ).

وتنوعت أساليب هذه المعاجم – إضافة الى ما سبقتها(العين للخليل)، و(الألفاظ لابن السكيت) في إيراد موادها خاصة في الالفاظ، فكانت ترتبها بحسب المخارج الصوتية للأصول، وبمقاييس – صرفية – الثلاثي والرباعي والخماسي، وكذلك الإعلال والتضعيف، وبأساليب اعتبار تقاليب الأصل الواحد، ونحن نكتفي في هذا الجزء من عملنا بالوقوف على حقيقة ان هذه المعاجم دونت العربية الصحيحة في إطار مبدأ الاحتجاج ولم يضف مرويات جديدة سوى الأزهري في(تهذيب اللغة) الذي توافق في هذا مع ابن جني(12)، وأما سائر رجال المعاجم فكانوا يتشددون في الرواية وإثباتها حتى إن الجوهري يعنون معجمه بالصحاح لاعتقاده بأن أوهاماً وترخصاً أخلا بمواضع في أعمال سابقيه، فسعى الى أن يأتي بمصنف يخلو – قدر استطاعته العملية – مما عابه على الآخرين وللدارسين المحدثين آراء ناقده تدور كلها حول التطور المفتقد في جهد العلماء القدماء في تراثنا المعجمي، وسنناقش القضية بعد ان نورد خصيصة بارزة في المعجمات تعيننا أثناء الحديث وتوضح أجزاء من صورة الحل للمشكلة.

ص209

التقت الطرائق المتنوعة بين اعتبار للأوائل إطلاقاً، او البدء بترتيب عام بحسب الأواخر ثم العود الى الحروف الأولى للألفاظ المعجمية على أن تنظر دائماً في الأصول المجردة للمواد سواء أكانت ثلاثية أو رباعية أو خماسية، وهذا التشكيل والترتيب للعمل في المعاجم إنما يبرز حيوية العربية في حركتها بين الأصول والفروع فثمة عناصر يتولد منها العديد من البنيات، وليس الرصيد اللغوي للمفردات محصوراً في كم معين يزداد بصورة تراكمية مفصومة العرا فيما بنيها أو هي واهية. إن النشاط الاشتقاقي يمثل اتجاهاً نازلاً نحو المركز – المصادر الأصلية – واتجاهاً آخر صاعداً الى أطراف الدائرة المحدد بالأوزان والصيغ المقبولة بعد استقراء للأسلوب العربي الصحيح في التعبير أثناء عمليات الجمع والتدوين والتقعيد. وفي اعتقادي أن هذا النمط من التصنيف يرشد الى مفتاح لحمل مشكلة التطور الدلالي وللاستجابة لمتطلبات الحياة التي تستدعي ألفاظاً وتسميات جديدة، فلاد من عملية التكييف بحسب النظام الاشتقاقي.

ولقد تنبه واحد من المستشرقين المحدثين الى أصالة المنهج الذي اتبعه مصنفو المجمعات العربية القدماء، وانتقد المحاولة التي قام بعض العاملين في هذا المضمار حتى أتى بمعجم يرتب الكلمات دون إعادتها الى أصولها المجردة راغباً – فيما يبدو في متابعة أسلوب التصنيف الغربي إلا أن هذا يدفع الى خلق تلك التراكمات التي أشرنا إليها بدلاً من الارتباط بجذور تتجدد حيناً بعد حين، يقول هنري فليش يبدو أن العرب منذ بدؤوا بكتاب العين للخليل نظموا من تلقاء انفسهم ثروتهم اللفظية تبعاً للأصول، وكان هذا بفضل تأملاتهم الخالصة في اللغة أي أنهم اتجهوا اتجاهاً اشتقاقياً. ولكن هذه كانت هي الطريقة الوحيدة الصالحة للعمل والتي تتفق مع احترام خاصة اللغة العربية.

فالمعجم الذي ينتهج في ترتبيه طريقة أبجدية خالصة بالنسبة الى كل كلمة إنما يحطم جميع ما يتولد طبيعياً عن الكلمات، وهو بذلك يحطم اللغة

ص210

ويسحقها(13) "، ونرى باحثاً آخر يتابع فليش في فكرته هذه مما يجعلنا نسكله وإياه في سلك واحد " فقد نستطيع أن نصنف الكلمات حسب حروفها الألفبائية أو الأبجدية، وقد باءت المحاولات التي قام بها بعضهم في هذا الصدد بالفشل، ولذا يبدو أن تصنيف الكلمات بحسب أصولها هي الطريقة المثلى التي تلائم طبيعة اللغة العربية(14) ".

وإن النقد الموجه الى المعاجم – ونحن نخصص القول بالقرن الرابع ثم نعممه في بعض لجوانب استكاملاً للأفكار المتناولة – يكاد يكون واحداً، ونستطيع أن نعرضه من زاويتين تؤدي الواحدة منهما الى الأخرى، أولاهما تأخذ على أصحاب التصنيف المعجمي أنهم لم يتجاوزوا بالمادة المجموعة حداً زمنياً معيناً هو عصر الاحتجاج، ثم أهملوا ما بعد ذلك من ألفاظ الحضارة والمبتكرات المحدثة التي شهدها العصر العباسي على امتداده، ويلاحظ باحث " أن هذه المعاجم – على الرغم من اتساعها وتعدد أجزائها – تعنى بإثبات الألفاظ القديمة بما فيها الغريب والموات، وتبذل جهداً عظيماً في استقصائها، وتوضيح معانيها والاستشهاد عليها بالقرآن والحديث والشعر الذي يحتج به(15) ". ويؤكد دارس آخر على محدودية العمل، إذا اقتصر على تدوين اللغة القديمة(16) " التي اقتصر جهد التالين لعصر الجمع الأول على تنظيم تلك المادة وتبويبها طبقاً لمناهج مختلفة ".

والتفسير الذي يقوم مقام الرد على هذه النظرة، وهو الاتجاه في التأليف كان مرتبطاً بالرغبة في تثبيت المعالم الأساسية للثروة اللفظية العربية مما حمل

ص211

أصحاب المعجمات على أن يلتزموا الحدود الاحتجاجية، وظل التابعون يعملون الفكر النظري في تنضيد الألفاظ والمعاني الى أن استقامت في صورة(الصحاح) آخر القرن الرابع، وبعده في(أساس البلاغة) للزمخشري، ومن ثم كانت المعجمات تأخذ مادتها مما صنف في القرن الرابع وما قبله، وأقصد هنا القاموس المحيط للفيروزآبادي ولسان العرب، ثم تاج العروس الشارح للقاموس، وهذا النوع من المعجمات يقترن بمفهوم يقسم العربية لهذه الأعمال المرافقة لانتشار اللغة في طوفان البلاد المفتوحة من المشرق الى المغرب وفي هذا الحيز تتبدي مشكلة التطور، وأعتقد أننا بحاجة الى العديد من المراجعات التفصيلية والدراسات المعمقة لمنهج المعاجم في إيراد المواد تفصيلياً في كل اصل من الأصول المعجمية، وافترض ان ثمة اشارات نستطيع الاهتداء بها – بالمقارنة والإحصاء – فنعرف الوجهات التي كانت تسلكها البيئة العربية القديمة في استعمال الألفاظ وتفريعها بعضها من بعض، وستكون الأمثلة التطبيقية المأخوذة من شروح القرن الرابع دليلاً لنا في افتراضنا، وليس من المنهج العلمي المأخوذة من شروح القرن الرابع دليلاً لنا في افتراضنا، وليس من المنهج العلمي أن نقبل الأحكام الأولية في الدرس المعجمي العربي على أنها مسلمات نمضي في إثرها.

2- والزاوية الثانية لنقد المعاجم هي انها لم تتابع مسيرها لتسجل تطورات الالفاظ في الازمنة اللاحقة للعصر الاحتجاجي فيقول رمضان عبد التواب " لقد اقتصرت جهود اللاحقين على تنظيم ما جمعه أسلافهم، ولم يحاول واحد منهم أن يدون ملاحظاته على الفروق بين تلك اللغة القديمة: لغة البدو في القرون الاولى، ولغة معاصريه، فلم يحاول واحد من علماء القرن الخامس مثلاً أن يبين لنا المعنى الذي يفهمه معاصروه في لفظة جمعها زميل له في القرن الثاني الهجري(17) " وهذا التطلب مما يبعد عن مهمتها كما رسخت في مفهوم أصحاب

ص212

التصانيف في ذلك الإطار، وإننا حين نبغي معرفة الدلالات وألفاظها الجديدة أو المحتوى الحادث على الرموز القديمة لابد أن نتلمس طلبتنا بين التآليف المتفرقة للأدب والتاريخ، والجغرافيا، والفقه، إضافة الى ما عرف باسم كتب(اللحن)، وهو ما سنعرض له بشيء من التفصيل في أجزاء تالية.

وإن مصنفاً يفي بالغرض المثارة حوله المناقشة لجدير بمحاولة خاصة لتصوره، وذلك من خلال تحليل واقع اللغة في المجتمع لأمدٍ زمني معين، ويتبين لنا أن رصد الجدة والحداثة في الآماد التالية للاحتجاج – بقواعده التي تعورف عليها – أمر يغاير طبيعة التصنيف المعجمي الذي تتابع عليه الرجال في القرون الأربعة الأولى – وفيما بعدها ترسماً لها – فقد كانت السلامة اللغوية معروفة الأبعاد، ولها مواطن في الجزيرة العربية وهي – كذلك تدور في فلك يشكل الموروث الشعري عظمة، ويعضده النسق القرآني ولغته، وأما التغير والتطور والنقل في الدلالات فلها مجالات واسعة تمتد وتتلون بألوان المجتمع الإسلامي العباسي الذي ضم بلاداً جديدة وأمماً طارئة على اللغة(18)، وهناك شكول عدة للأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية، وفي ميدان القول والتأليف تعدّد المتكلمون بين العربي فصيحاً لسانه وملحوناً، والأعجمي المتكلم بلغة غريبة عنه هي العربية، ولكل حالة ظروفها وأخطاؤها أو لنقل تصرفاتها. إذن يتعاظم السؤال عن الكيفية التي تعتمد فيها المصطلحات العلمية والاستعمالات اليومية والتغيرات الأدبية وقد تكون الإجابة متمثلة في عدد كبير من المؤلفات – المتصورة – التي تعالج أطرافاً من وجوه الحياة – وذلك على النحو المتبع في معاجم المعاني الكبرى كالمخصص لابن سيده، ثم تنقلب الى ترتيب للألفاظ(لا بحسب الموضوعات) – ثم تصب في جداول أو كتب

ص213

ليست هي بالمعاجم القديمة بل هي إضافة إليها، فتتميز الاختصاصات لا كما يتصور اللغويون الأوربيون خاصة، فبيير غيرو يصور لنا تدرج الجديد من الألفاظ مرحلة إثر أخرى حتى يبلغ في النهاية مرتبة الاعتراف به معجمياً " فإن(التسمية) فعل خلاق، ومدرك فيه الاصل الفردي، وهو في الوقت نفسه متقطع يحدث مرة بعد أخرى، وإن فرداً ما يبتكر الكلمة فتضطلع حالاً بوظيفتها بفضل قانون الاتفاق الجمعي. أما(الاستبدال أو الإحلال) فهو على النقيض من حالة الابتكار السالفة، إنه غير مؤكد، ومتدرج وثمة اتفاق اجتماعي عليه إلا أنه غير مفسر ويسير نحو الشيوع بفعل القانون الذي يقضي بأن المعنى الجديد يفرض نفسه شيئاً فشيئاً حتى يبلغ النقطة التي يقبله فيها المعجم(19) ".

وتواجهنا في هذا المقام أكثر من قضية، ويشير ستيفن أولمان الى واحدة منها فثمة مرحلة غامضة وغير مقيسة تفصل بين ابتكار اللفظ واعتماده وقبوله في المجتمع اي " صيرورة هذه الكلمات عرفية تقليدية "(20) وإن معيار الانتشار او بلوغ درجة النقل الدلالي السليم لم يكن مما اتفق عليه بدقة، ولئن كانت الرواية عن شاعر أو بدوي في أعماق الجزيرة مقبولة عند الرواة – ومن يجمعون التراث القديم – وتبنى عليها القواعد والأحكام لقد يكون الأمر مختلفاً في حالة شاعر محدث أو كاتب او مصنف، فأصحاب النحو واللغة يلوذون بالموروث وبما استقام له من رسوم القوانين.

وإذا ما عدنا الى اقتراحنا بتعقب ضروب من الكتب التي تناثرت فيها الكلمات المحدثة فإننا نستطيع بقدر واف من التقصي والإحصاء أن نساير حركة التغير والتطور ونوازن بينها وبين الأسس الصحيحة القياسية لصوغ الجديد، وههنا تبرز أهمية معرفتنا بطرائق انتقال الدلالات في المرحلة السابقة على

ص214

التدوين والاستقرار للعربية الفصحى، ولدينا نماذج مختلفة لتطور الدلالة.

ونقف مع(يوهان فك) أمام كتاب(أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) لأبي عبد الله محمد بن أحمد المقدسي، وهو من رجال القرن الرابع فقد أتم مصنفه في سنة 375 هـ، ونفيد منه بعضاً مما تتطلبه من معرفة أحوال الجانب الدلالي الحديث إذ اشتمل العمل على " قائمة من الاستعمالات المحلية فيها مترادفات أوصاف الأشخاص والأشياء التي يحتاج اليها المسافر، وتتبادر الى ذهنه أنواع السفن وأوصاف رجالها، ومفردات خاصة بالملاحة، واصطلاحات جغرافية، وألفاظ الملكس ورجاله... "(21).

ويثير اللغويون في دراستهم للتطور الدلالي مشكلات ويبحثون من ثم عن حل لها ليفيدوا من الحلول في التطبيقات العملية ويكون للأب وتعبيره النصيب الأوفى والأساس الذي يرتكزون عليه هو المعجم وحدود دلالته، اي أن درس المعجم ينصرف الى المجال الفني عن طريق المقارنة وتمييز الاختلافات، وبذا نلحظ المنطلق اللغوي للنتائج التي توجه تفسير النصوص الأدبية وتدعم النظرية النقدية.

ولقد كنا رأينا اتجاهات النقد الحديث في آراء المنظرين له، ومحاولتهم الإفادة من تناغم أو جدل يتحرك بين اللغة – والدلالة خاصة – والعمل الأدبي، وهذا التناول يجعل مناقشتنا لقضية المعاجم العربية القديمة معللة، فالتحولات والتطورات الدلالية التي نتقصاها في كتب النقد في القرن الرابع – والشروح الأدبية على رأسها تبرز خصائصها التي كانت لها في هذا المضمار بالمقايسة بحالة الظاهرة اللغوية في مظان لها – حسب رأي بعض الباحثين أو تصورهم – هي المعاجم، أو بتقرير أبعادها التي لا يوفيها المعجم وهي ضرورية لاستكمال الوظيفة الدلالية في الحيز الأدبي.

ص215

يميز الدارسون بين ضربين للدلالة، الأول منهما هو ذاك المعجمي الذي يقدمه لنا مصنفو المعاجم، والآخر هو المعنى أو الدلالات السياقية وتلاحظ كثرة من الاصطلاحات تدور كلها حول هذين الطرفين بتسميات تختلف باختلاف المدارس والاجتهادات التعبيرية فهناك: " ألفاظ المعاجم(22)، العناصر المعجمية(23)، المعنى المركزي(24)، المعنى الأساسي(25)، المعنى القاعدي(26)، اللغة المنطقية(27) اصطلاحات للطرف الاول، وثمة: السياق(28) – بشكل عام – والدلالة الهامشية(29)، وخارج المركز(30)، ظلال المعنى أو ألوانه(31)، والقيم الانفعالية السلوكية(32)، الظلال والألوان العاطفية والجمالية للمعنى(33)، شعور فردي، وعاطفة شخصية(34)، مصطلحات للطرف الآخر.

وكان فندريس قد قارن بين ذاك التجريد المنطقي في تفسير الكلمة معجمياً من جهة، وما تثيره من أجواء تأثيرية من جهة أخرى " فالكلمة لا تحدد فقط بالتعريف التجريدي الذي ترسمه المعجمات، إذ يتأرجح حول المعنى المنطقي لكل

ص216

كلمة جو عاطفي يحيط بها وينفذ فيها ويعطيها ألواناً مؤقتة على حسب استعمالاتها هي التي تكون قيمتها التعبيرية "(35) وبعد امد طويل نطالع ما يكتب(غيرو) مخصصاً القول فكل ما يمكننا أن نحمله للكلمة من المعاني، يكون ضمنياً افتراضياً، ذلك أنه ما من معنى مقبول أو حقيقي إلا ذاك المتمثل في نص معطى.

ولكل كلمة معنى أساسي وآخر سياقي، والسياق هو الذي يحدد المعنى المخصص لـ(العملية) من بين الاحتمالات العصرية لها: الجراحية، المالية، العسكرية... في قولنا: إن العمليات لا تزال متتابعة في الدلتا " وفي كلّ حالة نجد الاسم يثير مفهوماً محدداً"(36)، واللغوي الفرنسي المحدث يؤكد – بهذا – انه يوجد لدينا دائماً لا يمكن واحدة محددة للكلمة الواحدة، إذ إن ما ندعوه: الظلال أو الألوان المتعددة لا يمكن أن تظل مائلة عند وقوع اللفظ في سياق – أو نص – معين، بل تجري حركة ذهنية توازن بين مختلف المعطيات، وتناظر بين اللفظ وفحواه الوحيد الملائم لموقف.

وينظر الى المعجم على أنه لا يفي بالغرض اذا ما رغبنا في حصر دقيق للدلالة بحسب السياقات وتنوعها، ومع ذلك لا يعد هذا نقصاً في الدرس المعجمي، لأن المنوط به هو إيراد المعنى المشترك أو المركزي الذي يتشعب الى مجموعة الحالات الجزئية التي تتباين وتتغاير بعدد السياقات التي تحل فيها، وإن الفروق أو ما نسميه بالظلال تتسع أو تضيق إلا أنها تبقى موصولة بالأصل الذي يرجع إليه في تثبيت الجدة الحادثة، أو اللمحة المضافة، وقد يتأبى على نقله الى مجال بعيد كل البعد عما قدر له من قبل. ويغلب على الابتداع والابتكار الجزئي ههنا النمط الأدبي خاصة في مجازاته وتحولات المعنى، إضافة الى المرات التي تستخدم فيها الفاظ لتعبر عن مخترعات طريفة، او انفعالات غريبة.

ص217

لذا كله ليس في وسع المعجم أن يورد كل ظل أو دلالة سياقية لأنه يتحول عندئذ الى اعمدة من الألفاظ التفسيرية لا تكاد تنتهي، فالمتكون يضيفون – باستمرار – الكثير من الألوان، أما الأسلوب المقترح فهو أن تتخيل استعمالات مدة معينة ويسجل التردد الأكثر بينها، فيدون في معجمات – أو كتب معجمية – لاحقة مميزة.

ويشرح أولمان السياق بشكل موسع فإنه ينبغي أن يشمل لا الكلمات والجمل الحقيقية – اللفظ المعنيّ – فحسب بل والقطعة كلها والكتاب كله كما ينبغي ان يشمل بوجه من الوجوه كل ما يتصل بالكلمة من ظروف وملابسات والعناصر غير اللغوية المتعقلة بالمقام الذي تنطق فيه الكلمة لها هي الأخرى اهميتها البالغة في هذا الشأن(37) وبعد أن يورد فكرة المعنى المركزي(38) الثابت في المعجم وما يتفرع منه يعلل غموضها أو اضطرابها لدى عدد من العلماء بأن الفرق غير واضح عندهم بين الكلام – أي الحالة الحيوية للألفاظ إذ ترد في تعاملنا وتخاطبنا في مواقف معينة وحالات معاشة – واللغة التي هي: الوضع السكوني للألفاظ والتعابير عندما تجرد وتوضع لها القواعد(39) وترتب على أساس ما يشرحه أحياناً(نيدا) بأنه القاسم المشترك للمعنى(40).

ونجمل القول في منهجين للتحليل اللغوي يفيدان توضيح العلاقة ما بين المعجم والاستعمال اللغوي وخاصة ما يتصل منه بالإبداع الأدبي، وننبه في حديثنا الى ما تنفرد به هذه العلاقة عندما تعالج في العربية.

ص218

1) والمنهج الأول هو المنتسب الى المدرسة اللغوية وعلى رأسها ليونارد بلومفيلد – ويقوم على التركيز والإلحاح على الجوانب النفسية والمادية، ويكاد ينفر من التنظيم المعجمي لأنه لا يرى الألفاظ أية قيمة تذكر خارج استعمالها وتداولها، ويعرض نلا أصحاب معجم المصطلحات اللغوية هذه الزاوية إذ يقولون: إن شرعية دراسة المفردات معجمياً مطروحة للتساؤل لدى كل المدارس غير القابلة للاستعانة بالمعنى واول القائلين بهذا: ل. بلومفيلد، وبالنسبة لهذه المدرسة البلومفيلدية إن فحوى اشارة لغوية ما لا يستطيع أن يكون ثابتاً متكوناً إلا في علم النفس ودراسته(أي بدراسة الموقع الذي حلت فيه الكلمة وردود الفعل السلوكية)، وفي العلوم المادية(فالتفاحة ثمرة فاكهة بالنسبة الى عالم اللغة)؛ فإن الواصف اللغوي(للأشياء) لا يستطيع دراسة القيم، والمقابلات الدلالية للوحدات المعجمية(في آن)، ويحاول بعض الدارسين الآخرين أن يخففوا هذا المدخل السلبي للمعنى فينقل يوجين نيدا كلمة لصاحب المدرسة يظهر فيها أنه يعترف بالمعنى في الدراسة اللغوية ولا يرى إنكاره لكنه يلح على طرف دون آخر منطلقاً وبداية فلا يمكن في اللغة فصل الأشكال عن معانيها. ومن غير المرغوب فيه ، وربما من غير المجدي جداً، دراسة صوت اللغة فقط دون إعطاء اعتبار للمعنى ولكن يجب أن نبدأ من الأشكال لا من المعنى(41).

لذا فإننا إذ نستعين بجزئيات السياق والموقع لدى هذه المدرسة إنما ندور في فلك النفس وانفعالاتها، وتفصيلات الحدث الإيصالي وعناصره بين: مرسل، ومتلق. وأحوال الرسالة(الكلام)، ونفرق في تتابعات آنية تشكل دلالة لما نحن فيه أي – وبشيء من الحذر العلمي – نصف صناعة الدلالة المتجددة متباعدين عن

ص219

العالم المعجمي(42). ولا تتطلب العودة الى المعاجم لاستشارة تطورية للألفاظ ودلالاتها بالنسبة الى النصوص والمواقف الجديدة. بل إن الدرس للأعمال القديمة قد يخضع لتحليل من وجهة النظر الخاصة بالسلوكية، ذلك أن التحديدات القديمة قد يعترض عليها – أقصد: على توجيهها -.

2) أما المنهج الآخر فلا يقطع الصلة بالمعاني التي استقرت في المصنفات الخاصة بالمفردات: المعاجم، بل يعد – بشكل عام – النص الأدبي حالة خاصة من حيث التناول لأمر متكون على هيئة ثابتة أو مستقرة بادئ ذي بدء، ومن ثم اصابته تحولات وتغيرات هي مكتسبات له يفاد منها دون أن يقوم تعارض يجعل الحادث منبتاً أو يكاد عما هو أصل له.

ومن علماء اللغة الآخذين بهذا النحو من العمل التحليلي:(أولمان) الذي يركز على نظرية السياق، وتمثل لديه حجر الزاوية في علم الدلالة، كما أنها أحدثت ثورة في طريق التحليل الأدبي، ومكنت الدارسة التاريخية للمعنى من الاستناد الى أسس حديثة أكثر ثباتاً(43). ويذكر فضل كلّ من ريتشاردز وأوجدن في هذا المضمار، وكذلك يشيد بما وضحه(فيرث) اللغوي الإنجليزي المعاصر من مسألة: السياقات المتداخلة، والتي ينضوي كل منها ضمن الآخر الى أن يكون متاحاً لنا مناقشة السياق الثقافي. وكان سبق أن عرفنا ثنائية المعنى المركزي والمعنى السياقي عند أولمان أي أنه يبين الجسر الواصل بين مركز الدائرة وأطرافها المختلفة في أشياء أضيفت إليها خلال الحركة والزمن. ويلمح الى مسألة الغموض وإن لم تكن واضحة على الوجه الامثل كما هي الحال عند ريتشاردز وإمبسون – بعد – فيقول: قد يؤخذ ما كان منقصة في التفاهم اللغوي العادي على

ص220

أنه ميزة فيما لو نظرنا إليه من وجهة نظر مخالفة، فاستغلال الغموض خاصة من خواص الأسلوب، يكاد قديماً قدم الأدب نفسه، ولقد كان للإغريق نظرية دقيقة محكمة في هذه القضايا وأمثالها(44).

ويجمع – كذلك – يوجين نيدا الحالات التي تورد فيها الألفاظ الى المعاني المعجمية، فمع تعدد أشكال السياقات تتخلق معان مختلفة اختلافاً واسعاً، ويشرح عدداً من العوامل التي في إضفاء هذه الجديد وذاك التميز، والتي يختصر التعبير عنها بالسياق الثقافي كما لدى مالينوفسكي(45) أو يضاف إليها تفصيل لجوانب مثل طبقة الصوت، المدى، سرعة اللفظ، الإيقاع.

ويقارن نيدا بين الوضع المألوف الذي يكاد أن يكون التزاماً بالمعنى المعجمي، أو هو أقرب إليه، وذاك الذي يحفل بالجزئيات المضافة بحيث يغدو من الصعب التعامل معها إن لم تحتط الحيطة اللازمة خاصة عندما يخرج اللفظ من نطاق محدودية مجاله الى افق اكبر متنوع وهنا تكمن فاعلية المجازات، والانتقالات الدلالية " فليس من الصعب أن نعالج العالم المركزي لكلمة dog:(كلب) عندما نتعامل مع مختلف أنواع الكلاب في فصيلة الكلاب الأليفة، غير أننا نضيع غالباً دون أمل عندما ننحرف نحو المدلولات المجازية لكلمة(dog) إذ تعني مجازاً:(1) شخص خسيس(2) أبراج سماوية(3) جهاز ميكانيكي لقبض شيء(كلابة)(4) منصب توضع فوقه القدر(5) التظاهر(6) الخراب " ويقول نيدا: بالرغم من كل ذلك تعدُ مختلف هذه المدلولات جزءاً يتجزأ من بناء دلالات ألفاظ كلمة(dog)(46).

وفي الطرف المقابل للدارسين اللغويين في مجال الدلالة، نطالع الآراء النظرية والتطبيقية لنقاد الأدب الذين أغنوا البحوث الدلالية، وأضافوا الكثير

ص221

مما ذكره أولمان ونيدا وسواهما من علماء اللغة(47)، ونقصد هنا ريتشاردز وإمبسون تلميذه ومن ترسم طريقهما، وقد قدم الأول سلسلة متتابعة من الدراسات: معنى المعنى(مع أوجدن) ثم(النقد العملي)، و(مبادئ النقد)، و(فلسفة البلاغة)، وكان وكده فيها أن يميط اللثام عن اللغة الانفعالية، أو تلك التي تضم الأحاسيس والمشاعر وتعبر عن المواقف الشخصية، وتتلون بألوان شتى، واللغة الإشارية أو الرمزية التي يطابق الرمز فيها مسألة محددة إخبارية أو استدلالية منطقية(48). ومن ثم تبلورت قضية السياق، ولحقتها مسألة(الغموض)، وتابع إمبسون خطوات ريتشاردز وجدد في أشياء، وناقشه آخرون وأضاؤوا جوانب أغنت هذا الاتجاه، أو المدرسة إذا توسعنا في التسمية.

ويبدأ الاهتمام بالدلالات المميزة للنص، أي الحالة الخاصة التي تقدم إلينا الأفكار والانفعالات عن طريق لغة الكاتب وعصره وموروثه من التأثيرات الإيقاعية؛ فالمعنى لا يفهم بمعزل عن موسيقا الألفاظ وتناغمها كصيغ أولاً على أنها متجاورات، ولا يغيب عن النظر هنا أن الجدل متحرك نشط بين الطرفين: الإيقاع والمعنى، ويعلق ناقد على رأي ريتشاردز " بأن الفرق بين الإيقاع الجيد والرديء ليس فرقاً بسيطاً بين تعاقبات معينة في الصوت، فهو يمضي أعمق من ذلك، ولكي نفهمه علينا أن نضع في حسابنا معاني الكلمات " كذلك يقول: " يفترض المرء برتشاردز أن يقول إن الأصوات الفعلية تقارن بالمعاني المعجمية للكلمات التي يستعملها الشاعر، غير انها لا تتحمل كل المسؤولية عن الإيقاع "(49)، فهذا إذن المنطلق الأولي ثم تتابع عمليات التحليل لنحيط بموضوع النص الذي يدفع الى ضرب من(الاستبعاد) أو نقيضه(الاشتمال)، فإننا ننظر

ص222

الى آفاق دلالية معينة عندما نقرأ قصيدة وجدانية في الحب " فنستبعد بشكل منهجي من سياقها مسائل من مثل(حساب الطبيب) و(صياح الأطفال وروائح المطبخ)(50)، وهكذا نمضي لنرى الظلال والهوامش فيما غذا كانت للألفاظ المستعملة خليفة تاريخية معينة كست اللفظ لبوساً خاصاً، وعلى العموم فإن معاني(دلالات) الكلمات هي نتائج لا يتوصل إليها إلا من خلال تفاعل الإمكانيات التفسيرية لكامل الكلام كما يرى إمبسون(51) أي لمجموع مكونات النص السياقية.

وفي ضوء مفهوم السياق هنا نجد الاستعارة تفسر على أنها مثال لامتزاج السياقات، فالاستعارة " هي أكثر من مجرد مقارنة توضح نقطة أو تطري مذهباً فتضفي عليه ألواناً جذابة، إنها ضماد يربط سياقين قد يكونان متباعدين تماماً – في الحديث التقليدي على الأقل – إن المعنى الذي تحققه الاستعارة هو معنى جديد – ليس منقحاً عن آخر سابق له - تندفع فيه المخيلة الى أمام وتحتل ارضاً جديدة(52)، فالتحليل إنما ينبثق من معرفة أدق بالدلالة الخاصة وارتباطها بغيرها من عناصر النص، وحتى المظاهر الجمالية الأسلوبية تنفتح مغاليقها لنرى كيف تؤدي الى المعنى الطريف بسبب تجاوز إطار سابقٍ حد فيه.

ويصف بعض الدارسين لأعمال ريتشاردز واتجاهه المتأخر زمناً 1936 في كتابه(فلسفة البلاغة) بأنه قد تطور إذ استبعد التفريق بين ضربي اللغة " الانفعالية، واللغة " الانفعالية، واللغة الاستدلالية(53)، وعمم الحديث عن بلاغة جديدة تتخذ لها

ص223

مساراً من بداية إشكالية في التحليل السياقي المرتبط بالأصول المعجمية الدلالية من طرف خفي وهي(الغموض) " فالبلاغة القديمة عاملت الغموض على أنه غلط في اللغة، ورغبت في حصره، أو حذفه، أما البلاغة الجديدة فتنظر إليه على أنه نتيجة حتمية لقوة اللغة وأنه وسيلة لا غنى عنها لأهم ما في معظم كلامنا – وبخاصة في الشعر والدين(54) " فالثراء والغنى يكمنان في الزوايا التي عدت معتمة ومعوقة لتهم النص، ولمعرفة مقصد صاحبه، وإن التضمنات الجديدة التي تشع بين حين وآخر بفعل جهدنا التحليلي والموازنات اللغوية والثقافية تكشف عن فاعلية لغوية، وخصيصة لابد منها في حديثنا وفي الكتابة بصورة خاصة فالكلمات المحددة في أدائها لها نموذج واضح يتمثل في التعابير التقنية حيث يدل المصطلح على معنى واحد مناسب لا يتغير، ويقول ريتشاردز إننا لا نتكلم أو نعبر بلغة علمية تقنية دائماً لذا ينبغي على اللغة في الاستعمالات غير التقنية أن تزحزح معانيها وإن لم تفعل فقدت مهارتها ومرونتها كما ستفقد قدرتها على خدمتنا "(55).

وإننا نلجأ الى المفهوم لمصطلح البلاغة في الموروث العربي لنشرح ملامح تتبدي لنا في وجهة ريتشاردز هذه، فالبلاغة هي البلوغ وإيصال المعاني والأغراض الإيحائية المتضمنة داخلها لذا فهو يعتمد – في نظرته الى ما يسميه: بلاغة جديدة – على تحليل لمجموعة الرموز الخاصة التي هي: اللغة فقسم منها يتداول في حدوده المعجمية المتعارف عليها، ولا يكون من الصعب فهمه وإدراك المغزى منه، ولكن أقساماً أخرى تحتاج الى جهد – لنسمه إضافياً – فهي تبدو غامضة عويصة إذ تكون أحياناً ذات اتجاهات عدة، دائرية الحركة، وإن ربطها بمجموع ما حولها هو الذي يثبت الطرف الملائم، أو يجعله منوراً قصد المرسل.

ص224

والمعجم في هذه الحالة تختلف وظيفته ومحاكمته التطورية، فهو يستخدم في عمليتين ليستا متطابقتين ويكون في الاول موفيا بالغرض عندما يشرح( المعنى المركزي ) او المتوسط المشترك للرمز اللغوي. وفي الثانية يعطي عددا من الاحتمالات الدلالية يمايز بينها المتلقي( المحلل ) ليختار أكثرها ملاءمة ثم يرجع الى الملابسات السياقية ليتشكل عنده الحد الاعلى للدلالة.

واذا ما اردنا ان نقارن موقف ريتشاردز واتباعه في مدرسته من المعجم – بحسب تصورنا لها – بما يمكن ان يناقش فيه المعجم العربي من حيث التطور واهميته في العمل اللغوي، ثم التطبيق الادبي على نصوص شعرية ونثرية، فنحن واجدون المصنفات المعجمية وافية بالقسط الاولي ثم هي مؤدية اصول المعاني المشكلة( الغامضة بمعنى الغموض العام )، وبعد ذلك يتحتم على الدارس المحلل ان يلون: اي يعطي الابعاد للألفاظ التي بين يديه منطلقا من معطيات النص والموقف، لان الظلال المكتسبة عبر القرون قد لا تعين على فهم افضل، فاللغة العربية الفصحى مثلها في الاستخدامات الحديثة – مثل التنويعات على لحن اساسي، واننا نرجع دائما الى الاصل الاول – اي يمكننا ذلك – ولا نتبع طريقة تراكمية بصورة مطردة كما هو الشأن في اللغات الاوربية – واخص الفرنسية و الانكليزية وعلى هذا فالدراسة التطورية العربية تحتل مصنفات لاحقة ومكملة، وليست داخلة في اساس التصنيف المعجمي بل هي ضرب خاص منه.

علامات تطويرية في المعاجم العربية القديمة

اننا نضيف الى احاديثنا عن المعجمية العربية فكرة جديدة تتصل بالتطور والاهتمام به، ذلك ان مطالعة متوالية في( لسان العرب ) وفي( اساس البلاغة ) جعلتني اقدم فرضية حديثة بين يدي دارسي العربية وهي تقول: ان معاجمنا – اضافة الى تأديتها دورها في اعطاء الدلالة العامة – تستطيع اضاءة جوانب من

ص225

تاريخ الالفاظ ودلالاتها، وان لم يكن الأمر مطابقا التتبع الاوروبي الحديث للمراحل التي مرت بها الكلمات.

‏واني اظن ظنا يقرب من الاعتقاد ان استخراج عدد وافرمن نتب الكلمات ودلالاتها من المعاجم ميسور ويكفيه الداب والتزود بمفهوم الحركة التطورية وقوانينها، ولئن لم نرسم خطة عملية تسرع من المعجم التطوري التاريخي لقد يكون من الخير تصنيف حشد من الالفاظ ذات التاريخ النسبي تعطي دفعا للباحثين.

‏نستعرض بمعنى هذه المواد المشار الى تطورها ‏كما وردت عند صاحب اللسان، ثم نقرن بها كلمات الزمخشري في حديثه عن المجاز في عدد منها:

1. نبدأ بأمثلة للتطور الدلالي بالانتقال من المحسوس الى المجرد:

‏* (  ط ب ع ) في اللسان: الطبع والطبيعة: الخليقة والسجية التي جبل عليها الانسان، والطبع: الختم وهو التأثير في الطين ونحوه. يقال: " طبع الله على قلوب الكافرين  "، اي ختم فلا يعي وغطى ولا يوفق لخير. واما طبع القلب بتحريك الباء فهو تلطيخه بالأدناس. واصل الطبع الصدأ يكثر على السيف وغيره. في اساس البلاغة: ومن المجاز: طبع الله على قلب الكافر. وان فلانا لطمع طبع: دنس الاخلاق، ورب طمع يهدي الى طبع. وقال المغيرة بن حبناء:

وامك - حين تنسبا - ام صدق        ولكن ابنها طبع سخيف

‏وهو مطبع على الكرم، وقد طبع على الاخلاق المحمودة، وهو كريم الطبع والطبيعة والطباع والطبائع. وهو متطبع بكذا. وهذا كلام عليه طبائع الفصاحة ".

‏ومن اللسان ايضا " الطبع بالسكون: الختم، وبالتحريك: الدنس،

ص226

‏واصله من الوصخ  و الدنس يغشيان السيف ثم استعير فيما يشبه ذلك من الاوزار والآثام وغيرها من المقابح ".

‏ونلحظ استخدام مصطلي( اصل ) و( استعير) مع( يشبه  ) وتوافقا بين الاجزاء المعروضة في( اساس البلاغة ) وتلك الاخرى بحسب ورودها في( اللسان ).

* ( ن ب ط ) في اللسان: النبط: الماء الذي ينبط من قعر البئر اذا حفرت. وانبطنا الماء اي استنبطناه وانتهينا اليه. والاستنباط: الاستخراج. قال الزجاج: معنى يستنبطون في اللغة: يستخرجونه، واصله من النبط: وهو الماء الذي يخرج من البئر او ما تحفر.

‏وفي الحديث: " من غدا من بيته ينبط علما فرشت له الملائكة اجنحتما "، اي يظهره ويفشيه في الناس، واصله من: نبط الماء ينبط اي نبع ".

 ** في اساس البلاغة: ومن المجاز: فلان لا ينال نبطه لمن يوصف باللغز. قال كعب الغنوي:

‏قريب ثراه لا ينال عدوه       له نبطا ابي الهوان قطوب

‏ويقال في الوعيد: لا بثن ما في جونتك، و لأنبطن نبطك. واستنبط معنى حسنا ورايا صائبا لعلمه الذين يستنبطونه منهم. واستنبطت من فلان خبرا..

* ( ف ت ي ) في اللسان: يقال: افتاه في المسالة يفتيه اذا اجابه، والاسم الفتوى. قال الطرماح:

‏انخ بفناء اشدق من عدي       ومن جرم وهم اهل التفاتي

‏اي التحاكم واهل الافتاء. قال: والفتيا، تبيين المشكل من الاحلام، اصله

 ص227

‏من الفتى وهو الشاب الحدث الذي شب وقوي فكانه يقوي ما أشكل ببيانه، فيشب ويصير فتيا قويا، واصله من الفتى وهو الحديث السن.

‏ ** في اساس البلاغة: ومن المجاز: ولا افعل ذلك ماكر الفتيان، قال:

‏غدا فتيا دهر وراحا عليهم             ‏نهار وليل يلحقان التواليا

‏وهذا  كقولهم:الجديدان، وادام مادام الفتيان بركة افتائك واقمت عنده فتى من نهار اي صدرا منه.

* ( غ ف ر ) في اللسان: الغفور الفقار، جل ثناؤه، وهما من ابنية المبالغة، ومعناهما الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم. يقال: اللهم اغفر لنا مغفرة وغفرا وغفرانا.

‏واصل الغفر: التغطية والستر. غفر الله ذنوبه اي سترها".

٢ - ثم نعرض شواهد التطور الدلالي من الخاص الى العام اومن المحدود الى المتسع ونلحظ كذلك استخدام مصطلحات للتطور عند المعجميين واللغويين عامة:

* ( ع ي ر ) في اللسان: العِير( مؤنثة القافلة، وقيل العِير: الابل التي تحمل الميرة، لا واحد لها من لفظهما. وقيل هي قافلة الحمير، وكثرت حتى سميت بها كل قافلة؛ فكل قافلة عير كأنها جمع عير.

* ( ع ي ن ) في اللسان: عين الرجل منظره، والعين الذي ينظر للقوم يذكر ويؤنث، سمي بذلك لأنه انما ينظر بعينه. و كان نقله من الجزء الى الكل هو الذي حمل على تذكيره، والا فان حكمه التأنيث. قال ابن سيده: وقياس هذا عندي ان من حمله على الجزء فحكمه أن يؤنثه، ومن حمله على الكل فحكمه ان يذكره وكلاهما قد حكاه سيبويه.

‏ص228

** ومن المجاز في اساس البلاغة: عين الشجر نور، وهومن اعيان الناس، اي من اشرافهم. واعيان الاخوة: الذين هم لاب وام. وأولاد الرجل من الحرائر: بنو اعيان.

‏* ( ض.ح.و ) في اللسان تقول: هم يتضحون اي يتغدون. وفي حديث سلمة بن الاكوع: " بينا نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اي نتغدى، والاصل فيه ان العرب كانوا يسيرون في ظعنهم، فاذا مروا ببقعة من الارض فيها كلا وعشب قال قائلهم: الا ضحوا رويدا، اي ارفقوا بالابل حتى تتضحى اي تنال من هذا المرعى، ثم وضعت التضحية مكان الرفق لتصل الابل الى المنزل وقد شبعت ثم اتسع فيه حتى قيل: لكل من اكل وقت الضحى وهو يتضحى اي يأكل في هذا الوقت. كما ‏يقال: يتغدى ويتعشى في الغداء والشاء.

‏** في اساس البلاغة: ومن المجاز: ضحى عن الامر، وعشى عنه اذا تانى عنه و اتاد ولم يعجل اليه، واصله من تضحية الابل عن الورد.

‏3. ومن شواهد التخصيص:( د. غ.م )

‏* في اللسان الادغام: ادخال حرف في حرف. والادغام: ادخال اللجام في افواه الدواب. وادغم الفرس اللجام: ادخله في فيه.

‏قال الازهري وادغام الحرف مأخوذ من هذا. وقيل: بل اشتقاق هذا من ادغام الحروف. وكلاهما ليس بعتيق، وانما هو كلام نحوي.

‏** وفي اساس البلاغة، وادغم اللجام في الفرس: ادخله. ومن المجاز: ادغم الحرف في الحرف، وارغمك الله وادغمك.

‏** نلحظ هنا مصطلح( مأخوذ من هذا ) و ( اشتقاق )، وكذلك يطالعنا مصطلح دقيق في استخدامه التاريخي( كلاهما ليس بعتيق )، اذن

ص229

‏هناك الفاظ قديمة واخرى حادثة، والروابط تجد لها مكانا بين هذين الطرفين.

4 ‏- اما شواهد النقل الدلالي بين المجالات الاستعمالية فهي:

* (ط. ن. ب ) في اللسان: الطنب والطنب معا: حبل الخباء والسرادق ونحوهما، وفي الحديث: ما بين طنبي المدينة احوج مني اليها، اي ما بين طرفيهما. والطنب واحد اطناب الخيمة فاستعارة للطرف والناحية.

‏** وفي اساس البلاغة، ومن المجاز: هذه شجرة طويلة الاطناب وهي العروق، وشد الله المفاصل بالأطناب وهي الاعصاب، والاشاجع اطناب الاصابع، ومدت الشمس اطنابها، وامتدت اطنابها: طلعت، و تقضبت اطنابها: غربت.

‏ولي حاجات اطانيب: طويلة كثيرة لا تكاد تنقضي. وغارات اطانيب: متصلة لا اخر لها.

‏وطنب بالبلد: اقام به. وجراد مطنب: كثير. ونهر مطنب : بعيد الذهاب.

‏ظاهر لدينا في هذا الشاهد اللغوي من اللسان واساس البلاغة ان الانتقال الدلالي ثم بالمشابهة والاستعارة،. وقد جمع الزمخشري عددا وافرادا من الاستخدامات المجازية التي لاتزال مشعة فنيا، فهي في طور متوسط في انتقالها ولم تستقر بعد في حركتها التي بدأت من طنب الخيمة.

*(‏ ر ث.ث )  في اللسان: الرث والرثة والرثيث: الخلق الخسيس البالي من كل شيء. تقول ثوب رث، وحبل رث، ورجل رث الهيئة في لبسه. واكثر ما يستعمل فيما يلس.

‏والرثة: خشارة الناس و ضعفاؤهم شبهوا بالمتاع الرديء.

 ص231

‏** وفي اساس البلاغة: ومن المجاز ارتث فلان: حمل من المعركة مثخنا ضعيفا، من قولهم:هم رث الناس لضعفائهم شبهوا برثة المتاع. ومر ببني فلان فارتثهم. ورجل رث الهيئة. وكلام غث رث: سخيف. وفي هذا الخبر رثاثة وركاكة اذا لم يصح.

*(ح ي ض ) في اللسان: الحيض: معروف. حاضت المرأة تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا. وقال المبرد: سمي الحيض حيضا من قولهم: حاض السيل اذا فاض، وانشد لعمارة بن عقيل:

‏اجالت حصاهن الذواري وحيضت      عليهن حيضات السيول الطواحم

* وجاء في(مقاييس اللغة)، لاحد بن فارس(حيض): يقال: حاضت السمرة(شجرة) اذا خرج منها ماء احمر، ولذلك سميت النفساء حائضا، تشبيها لدمها بذلك الماء.

‏** ‏وفي اساس البلاغة: ومن المجاز: حاضت السمرة اذا خرج منها شبه الدم، يعرف بالدودم ثم، ويضمد به راس المولود ليغفر عنه الجان.

‏نجد في هذه النقول اللغوية الدلالية ان(اللسان) و(المقاييس) يعطيان التسمية الاولى للأحداث الطبيعية الخارجية ثم تنقل الدلالة الى المرأة، اما(اساس البلاغة) فانه يجعل(حيض الشجرة) مجازا منقولا من المرأة على التشبيه.

‏ونحن نريد ان نؤكد ما نذهب اليه من اهتمام اللغويين القدامى بظاهرة التطور الدلالي، وسعيهم لوضع اشارات تهدي الى حركة الدلالات بداية واملا ثم تفرعا. اما الخلاف في هذه الدلالة( حيض ) فقد يكون البدء لدلالة الطبيعة الخارجية، خاصة وان الظاهرة مع اليل اعم واغلب، وقد يكون النقل مقبولا لظروف  اجتماعية لا تصرح بكلمات مباشرة عن بعض الاعراض الخاصة

ص231

‏(الحيض )، وتجد سهولة بالدلالة عليها مقرونة بظاهرة عامة( السيل، الشجرة ).

‏وفي هذا الموضع نشير الى صنيع ابن فارس في معجمه(المقاييس)، ذلك انه كان يقف في بداية كثير من المواد ليضع بين ايدينا اصلا او اصلين تتفرع منهما الفروع مجازا وتطورا دلاليا.

‏من الكلمات التي حللت دلاليا( بيت )، فيقول ابن فارس: هو المأوى والماب ومجمع الشمل. يقال: بيت وبيوت وابيات. ومنه يقال لبيت الشعر بيت على التشبيه لأنه مجمع الالفاظ والحروف والمعاني، على شرط مخصوص  وهو الوزن.

‏والبيت عيال الرجل والذين يبيت عندهم ‏. وبيت الامر اذا  دبره ليلا، وقد روي عن ابي عبيدة انه قال: بيت الشيء اذا قدر. ويشبهه ذلك بتقدير بيوت الشعر. وهذا ليس ببعيد من الامل الذي اصلناه وقسنا عليه(56).

‏* وقال ابن فارس في مادة(برق): الباء والراء والقاف اصلان تتفرع الفروع منهما: احدهما: لمعان الشيء، والاخر اجتماع السواد والبياض في الشيء. وما بعد ذلك فكله مجاز ومحمول على هذين الاصلين، ثم يمضي مبرهنا بالشواهد والادلة (57).

‏على هذا النحو تمضي كتب معجمية كثيرة وكتب علمية عديدة وهي حافلة بالملحوظات التطورية للدلالة، ويبقى ان نستقرئ عددا اكبر من المصنفات لتؤول فيما بعد.

ص232

_____________________

‏(1) Georges moumn semantique p. 11

(2) Dictronnaue de linguistique. jean dubors et des aulres, Larousse paris 1973. P.289

(3) dictionnaire de linguistique p. 293.

(4) dictionnaue étymologique et historique. Albert, dauzat , dubois mitterand Larousse , paris 1968 , p. 421.

(5) ينظر في مقدمة كتاب الأمالي لمحمد عبد الجواد الأصمعي 12 -13، ط دار الكتب المصرية.

(6) فصول في فقه اللغة، رمضان عبد التواب، 92 عن ياقوت الحموي، معجم الأدباء(1/108). ط. دار المأمون، القاهرة 1936 م.

(7) ليس غرضنا هنا أن نفيض في درجات الاحتجاج، فقه(المنقول عن الصحابة فالتابعين)، ولكننا نفيد معنى: المرونة في التطبيق والاجتهاد.

(8) ينظر في هذا كتاب أمجد الطرابلسي، حركة التأليف 12-28 ط 4، 1969 دمشق.

(9) المصدر السابق.

(10) حركة التأليف. أمجد الطرابلسي 12-28.

(11) حركة التأليف، أمجد الطرابلسي 52-55.

(12) لحن العامة، رمضان عبد التواب 61.

(13) العربية الفصحى، هنري فليش 191.

(14) الألسنية العربية عدد 1 ص 110 -111، ريمون طحان، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1972 م. والحديث الذي يدور في هذه النقطة إنما يستهدف تجربة لويس المعلوف اليسوعي فيما يسميه بـ(المنجد)، وهي تجربة مفلوطة تجافي روح العربية.

(15) حركة التأليف، أمجد الطرابلسي 47.

(16) لحن العامة، رمضان عبد التواب 60-61.

(17) لحن العامة، رمضان عبد التواب 63.

(18) تخصص الإشارة بالعباسي هنا مع أن الامتداد أساسه أموي، لكن المرحلة الأولى كانت الجزيرة فيها حافلة بالبيئات التي ارتادها اللغويون، واستمدوا أصول العربية قبل تحولها الى الخلط واللحن.

(19) pierre guiraud, La Sénabtrque p p. 40-41.

(20) دور الكلمة في اللغة، ستيفن أولمان 88.

(21) العربية يوهان فك 194.

(22) دلالة الألفاظ 213 إبراهيم أنيس.

(23) نحو علم للترجمة، يوجين نيدا 209 – 210.

(24) نيدا 104، دور الكلمة، أولمان 55، أنيس 106.

(25) أولمان 90.

(26) G. Mounin, Sem. P. 30

(27) اللغة، فندريس 235.

(28) أولمان 54-55، 59-60.

(29) نيدا 192-193، أنيس 107، 109، 117، 120.

(30) نيدا 104، 205.

(31) أولمان 90-91، 94، وأنيس 85.

(32) نيدا 83، 147، 149 – 150، 205 – 206.

(33) أولمان 94.

(34) أنيس 174.

(35) فندريس 335.

(36) Guiraud, Semantique p, p, 30-31.

(37) دور الكلمة، أولمان 54-55، وينظر أيضاً مبحث(المبدأ الدلالي في النقد الحديث) لكليث بوركس النقد الأدبي(4/115).

(38) دور الكلمة، أولمان 55.

(39) John Lyons, linguistique generale p. p. 41-42

(40) نحو علم للترجمة، يوجين نيدا 76.

(41) نحو علم للترجمة، بوجين نيدا 83 نقلاً عن بلومفيلد في كتابه له سنة 1943 م.

(42) يدرس نيدا: المعاني المعجمية ويقابلها بالانفعالية السلوكية، ويسمى نحو الربط بينهما 147-150 من: نحو علم للترجمة.

(43) دور الكلمة. أولمان 59-60.

(44) دور الكلمة. أولمان 123.

(45) نحو علم للترجمة. نيدا 87.

(46) نفسة 192 – 193.

(47) دور الكلمة 59-60، نحو علم للترجمة 87.

(48) مقدمة(مبادئ النقد الأدبي) لريتشاردز، محمد مصطفى بدوي 7-8.

(49) كلينت بروكس، المبدأ الدلالي في النقد 126.

(50) نفسه 129.

(51) المبدأ الدلالي 126.

(52) نفسه 126.

(53) إني أضع(الاستدلال) مكان كلمة(الدلالية)؛ لأن مترجم مبحث بروكس لا يتحرك الدقة في هذا المجال – فيما يبدو لي – إذ يقابل بين الانفعالي – والدلالي خاصة والمصطلح اللغوي النقدي يحبذ ترجمة Semantique  بـ دلالي(سيانتي)، فيكون في هذه الحالة شاملاً: الانفعالي والمعجمي واللغوي كما لدى أولمان، وغيرو ومونان.

(54) كلمة لريتشاردز في مقالة بروكس 124.

(55) كلمة لريتشاردز في مقالة " بروكس " 126.

(56) معجم مقاييس اللغة (1/ ٣٢٤ ‏_ ٣٢٥ ‏)، احمد بن فارس، تحقيق. عبد السلام هارون، دار الفكر بدمشق.

‏(57)‏ المقاييس (1/ 220) ‏، ابن فارس.

 




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.