أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-8-2017
403
التاريخ: 10-9-2017
451
التاريخ: 16-8-2017
635
التاريخ: 16-8-2017
343
|
المبحث الثاني: الدال والمدلول:
من أهم القضايا الدلالية التي تناولها علماء الألسنية والدلالة، مسألة الدال والمدلول والعلاقة بينهما، كانت القضية في بداية طرحها في الدرس اللغوي، تقتصر على اللفظ والمعنى وباتساع مجال علم الدلالة أضحت المسألة تتعلق بالدال والمدلول سواء أكان الدال لفظاً أو غير لفظ، واللغة في الأخير ما هي إلا علاقات تربط دالا بمدلوله، ضمن شبكة تنظيمية، ذلك أن الدال لا يحمل دلالته في ذاته إنما منبع الدلالة هي تلك التقابلات الثنائية التي تتم على مستوى الرصيد اللغوي، يقول في ذلك د. عبد السلام المسدي: "اللغة هي مجموعة من العلاقات الثنائية القائمة بين جملة العلامات المكونة لرصيد اللغة ذاتها، وعندئذ نستسيغ أيضاً ما دأب عليه اللسانيون من تعريف العلامة بأنها تشكل لا يستمد قيمته ولا دلالته من ذاته، وإنما يستمدهما من طبيعة العلاقات القائمة بينه وبين سائر العلامات الأخرى"(1).
وقد خصص سوسير حيزاً واسعاً لدراسة مسألة الدال والمدلول، وأطلق
ص57
مصطلح الدليل اللساني على وجهي العملية الدلالية (الدال والمدلول) فالدال هو القيمة الصوتية أو الصورة الأكوستيكية، أما المدلول فهو المحتوى الذهني أو الفكري(2).
إن علم الدلالة، يقوم على أساس تحديد العلاقة بين الدال والمدلول وهي علاقة لا يمكن ضبطها إلا إذا تعرفنا على طبيعة كل من الدال والمدلول وخواصهما، وفي هذا الإطار فإن الدال اللغوي لا يمكن بحال من الأحوال أن يحيلنا على الشيء الذي يعنيه في العالم الخارجي مباشرة، وإنما مرورا بالمدلول أو المحتوى الذهني الذي يرجعنا إلى الشيء الذي تشير إليه العلامة اللسانية، فالعلامات اللسانية حسب النموذج السوسيري تقتضي توفر ثلاثة شروط:
أ-أن تكون العلامة اللسانية دالة على المعنى.
ب-أن تكون مستعملة في مجتمع لساني يفهمها.
ج-أن تنتمي إلى نظام من العلامات اللغوية.
ويمكن تقديم علاقة العلامة اللسانية بالمدلول والموجود في الأعيان على النحو التالي:
Signfieالمدلول
Signe
الدليل (الرمز)
Referent (المرجع)
فالمرجع يعني الشيء الخارجي الذي يحيلنا عليه الدليل اللساني، وهو عالم غير لغوي، وهو لا يحدد فقط بالأشياء المادية المحسوسة، فكثير من المراجع لا توجد إلا في إطار الخطاب اللغوي فمثلاً "حب" أو "صداقة" تسجل في الخطاب اللساني، ولكن لا نجد قيمتها الدلالية الحقيقية إلا داخل المجتمع اللغوي. وهذا المثلث، الذي يوضح العلاقات التي يقيمها الرمز اللغوي مع الدال والمدلول والمرجع، يبرز أن العلاقة بين الدال والمرجع هي منقطه وذلك للدلالة على أن
ص58
استحضار المرجع يمر غالباً عبر المدلول، وتترك حالات قليلة يمكن أن يستحضر فيها المرجع بواسطة الدال وذلك مثلاً في الأسماء الأعلام(3).
واتخذ منحى دراسة الدليل اللساني في المباحث الدلالية، عدة أبعاد ترمي إلى تعميق الدراسة لرصد العلاقة التي تجمع الدال بالمدلول، وأخذ علم الدلالة بالمبادئ اللسانية التي كتب لها النجاح في علم الأصوات الوظيفي، ورسم العلماء منهجاً لدراسة طرفي الفعل الدلالي، أو الدليل اللساني بمصطلح سوسير وحددوا جانبين رئيسيين لهذه الدراسة:
1-التحليل الداخلي للدليل وذلك بتحليل المدلول بأساليب مختلفة برده واختزاله إلى صفاته الدلالية.
2-التحليل الخارجي للدليل، أي تحليل علاقات الدليل ببقية المعجم في إطار الحقول الدلالية(4) وتفرعت المباحث الدلالية في العصر الحديث لتشمل عناصر الدلالة الثلاث: الدال والمدلول والمرجع، وحرص العلماء على التأكيد أن علم الدلالة يختص بدراسة المدلول محدداً في سبيل ذلك معايير علمية "فالمدلول يتحدد بواسطة الوحدات المجاورة له، وكل تغير يصيب وحدة ما من وحدات النظام يمكن أن ينعكس على مجموع أو جزء من هذا النظام(…) فقيمة وحدة ما هي ذات طبيعية علائقية (relationnel) وهذا لا ينفي على كل حال الوجود الإيجابي للمدلول كوحدة معجمية"(5).
ويمكن أن تجمع عناصر الدلالة، في دراسة متكاملة تدخل ضمن مباحث الحقول الدلالية، التي تنتظم وفقاً للمنهج التصنيفي التنظيمي في دراسة الأدلة ومحتوياتها، لأن الدراسة التي تناولها الدال تنسحب بالضرورة لتتناول المدلول ومن ثم المرجع. فتقسيم الدراسة العلمية لمؤلفات الدلالة الثلاثة ليس سوى تيسير منهجي، يعتمد في تفكيك البنية الواحدة ذات المكونات المتحدة ليعيد تركيبها مرة أخرى لتكون الدراسة ذات طابع شمولي متكامل.
إذا كانت اللسانيات تركز اهتمامها على دراسة "الدال" من جوانبه المختلفة،
ص59
فإن علم الدلالة- كما أسلفنا- يعني، بالأخص، بالجانب المفهومي "للدال" فيتناول ضمن مباحثه العلاقة التي يقيمها "المدلول" مع الأشياء، وعلاقته ببقية المدلولات داخل السياق اللغوي، يوضح موريس أبو ناضر ذلك بقوله: "يعرف علم المعاني أو علم الدلالة بأنه العلم الذي يعنى بدراسة الدلالات الألسنية، وعلى الأخص الجانب المعنوي من هذه الدلالات، أي المدلول، والمدلول يدرس على ضوء هذا العلم من عدة جوانب:
أ-الجانب الأول: يتمثل في العلاقات التي يقيمها المدلول مع الأشياء التي يومئ إليها أو يعبر عنها (المفاهيم – العواطف- معطيات العالم الخارجي).
ب-الجانب الثاني: يتمثل في العلاقات التي يقيمها المدلول مع غيره من المدلولات.
ج-الجانب الثالث: يتمثل في العلاقات التي تنشأ بين السمات الأساسية التي تتكون منها المدلولات(6)
فقد يكون للدال أكثر من مدلول يتحدد وفق السياق اللغوي، ومن ثم قد يكون المعنى أساسياً أو ثانوياً تصريحياً أو إيمائياً، وقد يحمل الدال قيماً دلالية تسمى القيم التعبيرية أو الأسلوبية يذهب بيار جيرو إلى التأكيد أن للكلمة أكثر من معنى تصريحي وآخر إيمائي، نظراً للتداعيات التي يمكن أن تحدثها أثناء الاستعمال، فأي كلمة قد تستدعي قيماً اجتماعية أو ثقافية أو حتى قيماً انفعالية، تعكس صورة قائلها وتحدد بعض ملامح الجانب النفسي فيه (7).
وتوصل علماء الدلالة في العصر الحديث، إلى تصنيف للمدلولات بالاعتماد على عدة طرق، حددها الدكتور موريس أبو ناضر منها.
1-الطريقة الشكلية: وهي تعني تصنيف المدلولات وفقاً للشكل الذي يجمعها في بنية واحدة بتفرعها عن أصل واحد يبرز القرابة بينها مثل: علم- يعلم- تعليم- معلم..
2-الطريقة السياقية: وتفيد أن المدلولات تصنف باعتبار المعنى الذي ترد من خلاله في السياقات المختلفة.
ص60
3-الطريقة الموضعية: وهي تعني أن المدلول يتحدد من خلال الموضع والموقف الذي يكون فيهما المتكلم.
4-الحقول الدلالية: وهي تكشف عن القرابة المعنوية بين المدلولات.
5-التحليل المؤلفاتي: وهو يفيد أن المدلول يعيّن انطلاقاً من مؤلفات الكلمة الأساسية أو ما يطلق عليه باللكسيم "مثل لكسيم" امرأة يحوي المؤلفات التالية: أنثى +بالغ +بشر(8).
أما دراسة (المرجع) عند علماء الدلالة فإنها لم تحسم ذلك الجدل الدائر حول تحديد الموجودات في عالم الأعيان، بحيث أن المرجع الذي يحدّد في السياق اللغوي أو في الصيغة المعجمية لا يمكنه أن يحيل إلى الشيء المعين في العالم الخارجي إحالة دقيقة، ذلك أن الموجودات في العالم الخارجي، تتميز بالتصنيف المتعدد والمتداخل حتى داخل الحقل الواحد الذي يضم موجودات متماثلة، ذلك "أن التحديد المرجعي يقع في الخطأ اعتبار علاقة: دال- مدلول علاقة تسمية (…) في حين يتعين علينا أولا عند إقدامنا على وصف المدلول، استنباط الصفات المشتركة التي تلازم (المراجع) التي قد ينطبق عليها (دليل) ما فكوننا قد شاهدنا كرسياً واحداً، لا يخبرنا بالخصائص (الفيزيائية والوظيفية) اللصيقة بمجموعة لا متناهية من الأشياء التي تكوّن جنس الكرسي"(9) وإلى الفكرة ذاتها يشير كولردج بقوله: "ولا يتضمن" معنى "اللفظة في رأيي مجرد الموضوع الذي يقابلها بل يشمل أيضاً جميع الارتباطات التي تبعثها اللفظة في أذهاننا"(10).
ويبقى تحديد الشيء الخارجي في عالم الموجودات بكيفية لا تعيق عملية الإبلاغ والتواصل، من المسائل التي ما زالت تشغل اهتمام علماء الدلالة في العصر الحديث، خاصة وأنهم توصلوا إلى تنظيم دلالي في هذا المجال مفاده أن معرفة شيء من الأشياء، ينبغي فيه اعتباره جميع مستلزمات هذا الشيء بحيث يتميز عن غيره ولا يلتبس في تحديده أو تعيينه.
أما المسألة الأخرى في المبحث الدلالي والتي كانت مدار الدارس اللغوي في التراث المعرفي إحدى أسس الدرس اللساني الحديث، فهي العلاقة بين الدال والمدلول أهي عرفية اصطلاحية أم اعتباطية لا تخضع لأية معيارية قسرية تخلو
ص61
من العلل؟ وأثارت قضية اعتباطية الدليل اللساني أو عرفيته – منذ سوسير –كثيرا من الجدل، وكان دوسوسير أول من وضع نظرية لسانية تنم عن فهم عميق لطبيعة العلاقة بين العلامة اللسانية ومدلولها، حيث يقول توليودومورو (tullio de mauro) وهو يعاين هذه المسألة في كتاب سوسير "محاضرات في اللسانيات العامة": "إن سوسير وجد في مبدأ اعتباطية العلامة اللساني، ما كان يصبو إليه من أجل إرساء نظرية لسانية، إضافة إلى أن سوسير في سياق حديثه عن اعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول – في بدء إلقاء دروسه على تلاميذه- لم ينته سوى من الخطوة الأولى في طريق الفهم العميق لمبدأ الاعتباطية. هذا يعني أن المفهوم العميق لهذا المبدأ عند سوسير، لا ينبغي تحديده انطلاقاً من الصفحتين 101-102 من الكتاب لكن من قراءته كله"(11).
إن الاعتباطية في الاقتران العرضي بين الدال والمدلول، تعتبر الخلية الحيوية التي تشرف على عملية التوالد الداخلي في اللغة، إذ يتم استحداث تراكيب وصيغ لغوية جديدة في صلب اللغة وابتكار مدلولات لها ذلك أن الألفاظ تمتلك من المرونة ما يمكنها من عبور المجالات الدلالية باعتماد معيار النقل الدلالي، أو تغيير مجال الاستعمال، وإن المدلولات تستطيع كذلك أن تجتاز سلسلة من الأدلة مرتدية بعضها مكان البعض الآخر، وذلك إذا اعتمدت في سياقات معينة يحددها الموقف المعين. يشرح ذلك الدكتور عبد السلام المسدي بقوله: "إن التوالد المستمر في رصيد اللغة سببه سمة العرضية في حصول الألفاظ دوال على المعاني، وبهذا يتسنى الجرم بطواعية الألفاظ على عبور المجالات الدلالية واحداً بعد آخر وبطواعية المدلولات على ارتداء الألفاظ بعضها مكان بعض، كما تسنى البت- بحكم علاقة الإنسان باللغة وموقعه الفاعل منها – في أمر استحداث المركبات الدلالية أصلاً بابتكار المدلول الذي لم يكن، ثم صناعة دال له فيلتحمان، ومن التحامهما يتكون مثلث دلالي جديد"(12).
ولا تتوفر للغة هذه الحركية المتجددة في بنيتها، إذا لم تخضع علاقة الدال بالمدلول إلى (معيار) الاعتباطية الذي لا يقيد دالا بمدلوله، وإنما يكسب اللغة مرونة وقدرة على تجديدها كلها بابتكار مكونات أخرى. وتعميق البحث اللغوي في مسألة العلاقة بين طرفي الفعل الدلالي، أدى إلى الاعتقاد بأن اتصال الدال
ص62
بمدلوله لم يبن على(معيار) الاعتباطية إنما الذي يوحي بوجود هذا المبدأ، هو قدم العلة التي ربطت الدال بمدلوله، حتى ليخال إلينا أنه لا وجود لعلة تجمع بينهما. يوضح بيار جيرو ذلك بقوله: "إن كل الكلمات تحتوي على العلة في البداية وتحتفظ غالبيتها بها زمناً طويلاً إلى حد ما. وعلى هذا فإن العلة تكون إذن إحدى السمات الرئيسية للإشارة اللسانية"(13).
إن (معيار) الاعتباطية في العلاقة الدلالية المعتمد في النظام اللغوي، تتحدد على أساسه العملية الإبلاغية والتواصلية، ذلك أنه كلما تحققت العلاقة الاعتباطية بكثافة في لغة الخطاب، كلما بلغ النظام التواصلي مداه وانتهى الجهاز الإبلاغي إلى حده الأوفى. ويدل ذلك على الطاقة التعبيرية الكبيرة التي تتوفر عليها اللغة المبينة علاقتها الدلالية على أساس الاقتران العرضي أو التعسفي، يبيّن المسدي ذلك بقوله: "إن مقبولية العلاقة بين الدال والمدلول في كل نظام تواصلي على أساس الاقتران المنطقي، تتناسب تناسباً عكسياً مع طاقة ذلك النظام المعتمد في الإبلاغ(…) فكلما ثقلت كثافة التعسف الاقتراني في أي نظام إخباري، نزع نسقه الدلالي إلى طاقته القصوى. فالشحنة الاعتباطية في كل واقعة تواصلية هي المولد الدائم لسعة القدرة الإبلاغية التي تلتئم فيها"(14).
فالدلالة تكون قابلة للاتساع، كلما كانت العلة مختفية غير معروفة ذلك أن الارتباط القسري الذي جمع الدال بمدلوله، كان في البدء عن طريق علة جوهرية هي التي أعطت لهذا الارتباط مرونته، بحيث يحدث امتداد في المجال الدلالي للفظ، "فيجب على العلة أن تختفي إذن لمصلحة المعنى أما إذا حدث العكس فإنها ستقلص المعنى وتهدمه" (15).
هذه – مجملة- هي المباحث الدلالية التي تناولت في مجالها الدراسي مسألة الدال والمدلول، وما تفرع عنها من مسائل أخرى، أضحت مواد الدرس الدلالي الحديث الذي اعتمد منهج التحليل والتفكيك لبنية النظام اللغوي، وإظهار مكوناته الأساسية قصد بحثها، وإيجاد العلائق التي تجمع بينها.
ص63
________________________
( ) عبد السلام المسدي: اللسانيات وأسسها المعرفية، ص30.
(2) cours de linguistiques generale f. de saussure p. 99
(3) linguistique francaises, intiation a la problematique structurale tomel j. L. chiss. J. filliolet, d p. 118-119 maigueneau
(4) سالم شاكر ترجمة محمد يحياتين مدخل إلىعلم الدلالة، ص21
(5) المرجع السابق ص18.
(6) انظر مقال: مدخل إلى علم الدلالة الألسني د. موريس أبو ناضر، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 18-19، السنة 1982، ص34.
(7) بيار جيرو، انظر علم الدلالة، ترجمة د. منذر عياشي ص61-62-63.
(8) مقال: مدخل إلى علم الدلالة الأنسي. موريس أو ناضر: مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 18/19، السنة 1982، ص34-35.
(9) سالم شاكر: ترجمة محمد جباني، مدخل إلى علم الدلالة، ص23. يحياتين.
(10) محمد مضطفى: بدوي كولردج ص97
(1 ) notes bio – graphiques et critiques de cours de hnguistique generale p. 343
(2 ) اللسانيات وأسسها المعرفية، ص95.
(3 ) بيار جيرو علم الدلالة – ترجمة د. منذر عياشي ص46.
(4 ) اللسانيات وأسسها المعرفية: ص74
(5 ) بيار جيرو علم الدلالة – ترجمة د. منذر عياشي، ص50
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|