أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-8-2017
201
التاريخ: 14-8-2017
217
التاريخ: 14-8-2017
206
التاريخ: 31-8-2017
189
|
إن المنظومة اللغوية تنزع نحو التمدد والتغير اللازمين لتغطية مجمل الحاجات اللغوية التي يقتضيها الخطاب الإبلاغي في الأحوال المختلفة، ولذلك استقر في أذهان اللغويين المحدثين أن محاولة الإبقاء على معنى قار دون أن يخضع لعوامل التغيير الدلالي هو ضرب من النمطية التي يرفضها النظام اللغوي المتجدد.
ولعل أبرز العوامل التي تنتظم التغيّر الدلالي هو الطابع الاجتماعي للغة، الذي يلقي بتأثيره على الطابع الذهني والفكري لدى أهل هذه اللغة إذ تغدو المنظومة اللغوية حاملة للقيم الاجتماعية والفكرية المستجدة. وفي ضوء ذلك نفسر مذهب "رونالد بارت (Roland Barthes) ،" واتباع نظرية سيمولوجية الدلالة الذين اعتبروا المعنى المعجمي معنى مشوشاً دائماً لأنه معرض للتغيير والتطور بفعل الاستعمال الاجتماعي للرمز الدلالي(1) إذ يفتح أمامه إمكانية تغيير المجال الدلالي وهو ما بحث مظاهره اللغويون محددين مستويات مختلفة منها: مستوى النقل ومستوى التغيير الانحطاطي أو المتسامي، وذلك بتخصيص الدلالة أو
ص224
تعميمها(2)، ثم مستوى الحذف والتعويض وذلك بملء الفجوة الدلالية التي تركها اللفظ المندثر بدلالة جديدة تستدعيها الظروف اللغوية، وقد يحدث أن يعاد اللفظ القديم (المندثر) ليحمل دلالة جديدة تلائم الحاجة اللغوية المستجدة، هذه الحركية أو الدينامية التي تميز العناصر اللغوية داخل النظام اللساني، يمكن حصرها في تقاطع حقلين رئيسيين على جميع مستويات التغيير الدلالي هما: حقل الحقيقة وحقل المجاز، حقل الدلالة الأصلية، وحقل الدلالة المحوّلة ولما كان المجاز يعد الجسر اللغوي الذي تنتقل عبره الدوال إلى المدلولات الجديدة أو العكس، كان ذلك مظهراً على قوة الطاقة التعبيرية في اللغة ولا أدل على ذلك أن ظاهرة المجاز ظاهرة عامة لكل الألسنة يلجأ إليها المجتمع اللغوي لتوليد المعاني الضرورية خاصة في إغناء الرصيد المصطلحاتي الخاص بالتواصل العلمي المعرفي، فهو إذن ضرب من العقلنة في باطن منظومة أساسها ومنطلقها الاعتباط المحض، لأن مبعثه هو الاقتران العرفي الذي لا يلبث أن يتحول إلى إطراد معقول يأخذ اللغة من الحاجة إلى الكفاف ومن التوحد الدلالي إلى طواعية التكاثر فيصبح هذا التولّد المستمر ينبوعاً في اللغة لا ينضب(3). إذن فمهمة المجاز تقوم على أساس التحديد المفهومي للحقل الدلالي إذ تستوعب اللغة المدلولات المستحدثة بتفجير طاقاتها التعبيرية الكامنة القادرة على موازاة ما طرأ من جديد في عالم المفاهيم أو عالم الأشياء. يقول عبد السلام المسدي في ذلك: "[المجاز] هو محرك الطاقة التعبيرية في ازدواجها بين تصريحية وإيحائية، بين طاقة موضوعة جدولية، وطاقة سياقية جافة فمكمن المجاز استعداد اللغة لإنجاز تحولات دلالية بين أجزائها، يتحرك الدال فينزاح عن مدلوله ليلابس مدلولاً قائماً أو مستحدثاً، وهكذا يصبح المجاز جسر العبور تمتطيه الدوال بين الحقول المفهومية"(4). بهذا التنظير العلمي تنكشف طبيعة النظام اللغوي وتتضح حركيته التي تغدو بعد حين تلقائية مطردة.
لقد كان هذا الوعي المعرفي الذي بلورته الأبحاث اللغوية الحديثة، أس تعامل علمائنا القدامى مع جميع صنوف البحث الذي يتخذ اللغة العربية مادة أو وسيلة للدراسة، , ولا عجب أن يطالعنا ابن رشد بمصطلح "التأويل" شارحاً أبعاده
ص225
بقوله: "ومعنى التأويل، هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية، من غير أن يخل في ذلك بعادة لسان العرب في التجوز من تسمية الشيء بشبيهه أو بسببه أو لاحقه أو مقارنه أو غير ذلك من الأشياء التي عددت في تعريف أصناف الكلام المجازي"(5).
ويزداد اهتمام العلماء بدقة البحث مع اهتمام بحسن التأويل كما شرحه ابن رشد، كلما تعلق الأمر بالقرآن الكريم واستنباط أحكامه وذلك لكمال نظامه اللغوي وانطوائه على النواميس المصرفة للكلام، وفي هذا المجال يبرز جمهور الأصوليين وقد امتلكوا وعياً معرفياً لغوياً يحدوهم لأن يتعاملوا مع نصوص القرآن الكريم تعاملاً حذراً، آخذين في سبيل تأويل دلالاته كل الأدوات المناسبة وفي مقدمتها اللغة وطاقاتها التعبيرية. وسننها في الإنشاء والقول، وتصانيف الكلام التي من ضمنها: الحقيقة والمجاز وما يتعلق بهما من أقسام، ومعايير ضابطة لطبيعتها. وعلاقة كل منهما بالآخر وغير ذلك مما هو مبسوط الكلام حوله في مداخل كتب الأصوليين وفي ثناياها ومنها كتاب "الإحكام" للآمدي، إذ فصل فيه القول حول ماهية الحقيقة والمجاز، وأقسامها، والمعايير المميزة لكل قسم وقد جر ذلك الآمدي إلى الحديث عن بداءة الأسماء الشرعية هل هي حقيقة أم مجاز؟. وعلاقة الجزء بالكل وهل تكون الدلالة الشرعية، عندئذ، شاملة؟ وغير ذلك مما سنبرزه في موضعه من هذا المبحث.
ص226
________________________
([1]) Introduction à la sémiologie, P 21. Dalila Morsly, Francois chevaldonne et autres…
(2) انظر ذلك في كتاب: دور الكلمة في اللغة: ستيفن أولمن، ترجمة كمال بشر، ص 161. وكتاب: علم اللغة: د. محمود السعران ص 388-401. وكتاب: دلالة الألفاظ. إبراهيم أنيس، ص 148-155.
(3) د. عبد السلام المسدي، اللسانيات وأسسها المعرفية، ص 96-97.
(4) عبد السلام المسدي: النواميس اللغوية والظاهرة الإصطلاحية، ص 23، مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 30-31، سنة 1984.
(5) فصل المقام فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال: ص 19-20.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|