أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-8-2017
815
التاريخ: 14-8-2017
754
|
إن نظام اللغة نظام متشابك العلاقات بين وحداته، ومفتوح دوماً على التجديد والتغيير في بنياته المعجمية والتركيبية، حتى غدا تحديد دلالة الكلمة يحتاج إلى تحديد مجموع السياقات التي ترد فيها، وهذا ما نادت به النظرية السياقية التي نفت عن الصيغة اللغوية دلالتها المعجمية، يقول مارتيني: "خارج السياق لا تتوفر الكلمة على المعنى"(1). إن منهج النظرية السياقية يعد من المناهج الأكثر موضوعية ومقاربة للدلالة، ذلك أنه يقدم نموذجاً فعلياً لتحديد دلالة الصيغ اللغوية، وقد تبنى كثير من علماء اللغة هذا المنهج منهم العالم (وتغنشتين) ـ (Wittgenstein) الذي صرح قائلاً: "لا تفتش عن معنى الكلمة وإنما عن الطريقة التي تستعمل فيها"(2) إن هذه الطريقة التي تستعمل فيها الكلمة هي التي تصنف دلالة هذه الكلمة ضمن الدلالة الرئيسية أو القيم الحافة التي تتحدد معها الصور الأسلوبية، لأن السياق يحمل حقائق إضافية تشارك الدلالة المعجمية للكلمة في تحديد الدلالة العامة التي قصدها الباث يقول ستيفن أولمن: "السياق وحده هو الذي يوضح لنا ما إذا كانت الكلمة ينبغي أن تؤخذ على أنها تعبير موضوعي صرف أو أنها قصد بها أساساً؛ التعبير عن العواطف والانفعالات"(3).
ص88
لقد حصل تطور هام في مفهوم السياق إذ لم يعد يقتصر على الجانب اللغوي في إيضاح دلالة الصيغة اللغوية، وإنما وجدت جوانب أخرى قد تنحسم معها الدلالة المقصودة للكلمة، كالوضع والمقام الذي يحدث فيه التواصل أو الملامح الفيزيولوجية النفسية للمتكلم التي تصاحبه يقول الدكتور عبد القادر الفهري الفاسي في ذلك: "اختيار مفهوم ملائم من بين لائحة المفاهيم التي يعبر عنها اللفظ المشترك يتطلب مجهوداً معرفياً خاصاً ويتسبب أحياناً في أخطاء ويقع رفع الالتباس عن طريق السياق اللغوي المباشر، أو السياق الخطابي أو الوضع الذي يحدث فيه التواصل أي كل مصادر المعلومات المتوفرة لرفع اللبس"(4). إن تعدد المفاهيم التي يدل عليها اللفظ تعني أن هذا اللفظ له معنى مركزي هو "النواة"، ومعان هامشية ثانوية اكتسبها بفعل دورانه المتجدد في أنساق كلامية مختلفة، حتى أضحى المعنى المركزي يدور في فلك المعاني الثانوية التي لا تفاضل بينهما وأصبح طريق رفع اللبس في الدلالة يمر عبر السياق اللغوي أو الخطابي أو معاينة المقام الذي يتمثل في المعطيات الخارجية والنفسية. ويتضح في ذلك خاصة عند استعمال المشترك اللفظي (polysemie) وتبعاً لذلك فإن دلالة الكلمة تتعدد بتعدد السياقات وتنوعها أي تبعاً لتوزعها اللغوي وقد توصل العلماء إلى تمييز بين أربعة أنواع من السياق: (5).
1 ـ السياق اللغوي.
2 ـ السياق العاطفي الانفعالي.
3 ـ سياق الموقف أو المقام.
4 ـ السياق الثقافي أو الاجتماعي.
فالسياق اللغوي يشرف على تغيير دلالة الكلمة تبعاً لتغيير يمس التركيب اللغوي، كالتقديم والتأخير في عناصر الجملة فقولنا: "زيد أتم قراءة الكتاب"،
ص89
تختلف دلالتها اللغوية عن جملة:"قراءة الكتاب أتمها زيد"(6)..
أما السياق العاطفي الانفعالي فهو يحدد دلالة الصيغة أو التركيب من معيار قوة أو ضعف الانفعال، فبالرغم من اشتراك وحدتين لغويتين في أصل المعنى إلا أن دلالتها تختلف، مثل ذلك الفرق بين دلالة الكلمتين: (اغتال) و(قتل)، بالإضافة إلى القيم الاجتماعية التي تحددها الكلمتان فهناك إشارة إلى درجة العاطفة والانفعال الذي تصاحب الفعل، فإذا كان الأول يدل على أن المغتال ذو مكانة اجتماعية عالية، وأن الاغتيال كان لدوافع سياسية، فإن الفعل الثاني يحمل دلالات مختلفة عن الأول وهي دلالات تشير إلى أن القتل قد يكون بوحشية وأن آلة القتل قد تختلف عن آلة الاغتيال فضلاً على أن المقتول لا يتمتع بمكانة اجتماعية عالية..
وهو يعني الموقف الخارجي الذي يمكن أن تقع فيه الكلمة فتتغير دلالتها تبعاً لتغير الموقف أو المقام وقد أطلق اللغويون على هذه الدلالة مصطلح "الدلالة المقامية"..
وهي القيم الثقافية والاجتماعية التي تحيط بالكلمة، إذ تأخذ ضمنه دلالة معينة. وقد أشار علماء اللغة إلى ضرورة وجود هذه المرجعية الثقافية عند أهل اللغة الواحدة لكي يتم التواصل والإبلاغ، وتخضع القيم الثقافية للطابع الخصوصي الذي يلون كل نظام لغوي بسمة ثقافية معينة وهو ما يكون أحد العوائق الموضوعية في تعلم اللغات…
وتعتبر النظرية السياقية بنموذجها النظري التطبيقي من النظريات العملية الأكثر تعلقاً بالنظام اللغوي، بل إنها بطريقتها الإجرائية في تحديد جملة السياقات وما يصاحبها من العوامل الخارجية كالمقام والحال تعد بذلك مرحلة تمهيدية
ص90
مهمة بالنسبة للنظرية التحليلية حيث "يرى أولمن أنه بعد أن يجمع المعجمي عدداً من السياقات المتمثلة التي ترد فيها كلمة معينة، وحينما يتوقف أي جمع آخر للسياقات عن إعطاء أي معلومات جديدة، يأتي الجانب العملي إلى نهايته، ويصبح المجال مفتوحاً أمام المنهج التحليلي".(7)
كان آخر ما توصل إليه علماء اللغة في إطار النظرية السياقية هو فكرة "الرصف"، وهو يعني مراعاة وقوع الكلمات مجاورة لبعضها حيث يعد هذا الوقوع أحد معايير تحديد دلالة الكلمة، إن تسييق الصيغة اللغوية يعد المنفذ المهم لتحديد مجالها الدلالي، فلا يمكن أن ترد الصيغة اللغوية بمعزل عن السياق النفسي أو الاجتماعي الثقافي، بل يحصل التجاور بين مجموع الصيغ اللغوية داخل التركيب وهو ما يمكن التعبير عنه بمصطلح "النظم"، كما سماه قديماً عبد القاهر الجرجاني في كتابه: "دلائل الإعجاز".. وقد اعتبر فيرث *(Firht) أن قائمة الكلمات المتراصفة مع كل كلمة تعد جزءاً من معناها(8)، بحيث يستدعي حضور كلمة ما حضور سلسلة من الكلمات التي تتراصف معها سياقياً وتتوافق معها في الوقوع.
ص91
______________________
([1]) سالم شاكر، مدخل إلى علم الدلالة، ص 31.
(2) د.موريس أبو ناضر ، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، ص 33، مجلة الفكر العربي المعاصر، العددج رقم 18/19،السنة 1982.
(3) دور الكلمة في اللغة: ستيفن أولمن، ترجمة محمد كمال بشير، ص 63.
(4) اللسانيات واللغة العربية، ص 372.
(5) د.أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص 69.
(6) التقديم والتأخير في الكلام يخضع لمقاصد دلالية، حددها البلاغيون في مبحثهم حول تخصيص الدلالة، وقد تبلور ذلك ضمن مفاهيم لسانية منهامصطلح "التبئير" الذي يعني الاهتمام ببؤرة خاصة في الجملة...
(7) د.أحمد مختار عمر،. علم الدلالة، ص 72.
(8) المرجع السابق، ص 77.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|