المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الجزر Carrot (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
المناخ في مناطق أخرى
2024-11-24
أثر التبدل المناخي على الزراعة Climatic Effects on Agriculture
2024-11-24
نماذج التبدل المناخي Climatic Change Models
2024-11-24
التربة المناسبة لزراعة الجزر
2024-11-24
نظرية زحزحة القارات وحركة الصفائح Plate Tectonic and Drifting Continents
2024-11-24



إشكالية نظرية مقاصد القرآن  
  
2290   03:47 مساءاً   التاريخ: 23-09-2015
المؤلف : جواد علي كسار
الكتاب أو المصدر : فهم القرآن دراسة على ضوء المدرسة السلوكية
الجزء والصفحة : ص 139-128 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / التفسير / مفهوم التفسير /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-22 1855
التاريخ: 21-3-2016 15299
التاريخ: 26-02-2015 14887
التاريخ: 13-10-2014 1742

توحي نظرية مقاصد القرآن عند الإمام بانفصال القرآن عن حركة الحياة ، والترفع عن شئون الإنسانية في المعاش والعمران والسياسة والإدارة والاجتماع وغير ذلك ممّا يتصل بالإنسان والحياة وعالم الشهادة والمادة ، في مقابل تركيز مكثّف على اللّه والآخرة والغيب ، والانحياز إلى العزلة والفردية والانقطاع إلى العبادة والتبتل.

لكن الحقيقة أنّ هذا غير صحيح من جهات عدة ، يمكن الإشارة لها كما يلي :

1- لو حققت الإنسانية التوحيد الحقّ في وجودها ، لعمرت الحياة واضمحلّت جميع مظاهر الشرك في مراتبه الذاتية والصفاتية والأفعالية ، ومن ثمّ اختفى الظلم والجور والاستبداد ، وشاعت العدالة والقسط. أي أنّ نشر التوحيد وإقامته يستلزم إعمار الدنيا بالعدل والقسط وخلافة الإنسان الصالح والجماعة الصالحة ، وبتعبير الإمام الخميني : «إنّ الهدف الأساس للأنبياء العظام والشرائع وتأسيس الأحكام ونزول الكتب السماوية بالأخص القرآن الشريف ... هو نشر التوحيد والمعارف الإلهية ، وقطع جذور الكفر واستئصالها ووأد الشرك والاثنينية» (1).

التوحيد في هذه المدرسة هو مركّب يحوي كلّ ما في الإسلام من عبادات ومعاملات وامور سياسية واجتماعية وقيم أخلاقية ، فإقامته تعني إقامة كلّ هذه النظم والقيم والممارسات مجتمعة ، وتعطيله يعني تعطيلها. يكتب الطباطبائي في نص شديد الدلالة على هذا المعنى : «فإنّ الإسلام كما يعلمه ويعرفه كلّ من سار في متن تعليماته ، من كلياته التي أعطاها القرآن وجزئياته التي أرجعها إلى النبي ...

متعرض للجليل والدقيق من المعارف الإلهية (الفلسفية) ، والأخلاق الفاضلة ، والقوانين الدينية الفرعية من عبادات ومعاملات وسياسات واجتماعيات ، وكلّ ما يمسه فعل الإنسان وعمله ، كلّ ذلك على أساس الفطرة وأصل التوحيد ، بحيث ترجع التفاصيل إلى أصل التوحيد بالتحليل ، ويرجع الأصل إلى التفاصيل بالتركيب» (2).

في مقدمة تفسيره لسورة هود يقدم منظورا أوضح للحقيقة ذاتها المتمثلة في أنّ التوحيد هو كلّ شي‏ء ، وهو الجامع لكلّ مقاصد القرآن وآياته ، حين يكتب :

«السورة ... تبيّن غرض الآيات القرآنية على كثرتها وتشتتها ، وتصف المحصّل من مقاصدها على اختلافها والملخّص من مضامينها ، فتذكر أنّها [الآيات القرآنية] على احتوائها معارف الدين المختلفة من اصول المعارف الإلهية والأخلاق الكريمة الإنسانية ، والأحكام الشرعية الراجعة إلى كليات العبادات والمعاملات والسياسات والولايات ، ثمّ وصف عامة الخليقة ... ووصف بدء الخليقة ، وما ستعود إليه من الفناء والرجوع إلى اللّه سبحانه ، وهو يوم البعث ... ثمّ فصل القضاء ، ثمّ الجنة أو النار ... ثمّ وصف الرابطة بين خلقة الإنسان وبين عمله ... فالآيات القرآنية على‏

احتوائها تفاصيل هذه المعارف الإلهية والحقائق الحقة تعتمد على حقيقة واحدة هي الأصل وتلك فروعه ، وهي الأساس الذي عليه بنيان الدين ، وهو توحيده تعالى توحيد الإسلام ... وهذا أصل يرجع إليه على إجماله جميع تفاصيل المعاني القرآنية من معارفها وشرائعها بالتحليل ، وهو يعود إليها على ما بها من التفصيل بالتركيب» (3).

على ضوء هذه الرؤية يتبيّن السرّ من وراء تركيز هذه المدرسة على التوحيد ، والأهم من ذلك لا يبقى مجال للإشكالية المطروحة ، لأنّ إقامة التوحيد تعني إقامة كلّ شي‏ء على مستوى المعارف والنظم الحياتية والقيم السلوكية ، بحكم أنّ التوحيد هو المركّب الذي يضمّ ذلك جميعا ، وأنّ «التوحيد الخالص يوجب في كلّ من مراتب العقائد والأخلاق والأعمال ما يبينه الكتاب الإلهي من ذلك ، كما أنّ كلا من هذه المراتب وكذلك أجزاؤها لا تتم من دون توحيد خالص» (4).

إنّها علاقة محكمة لا انفصام فيها بين العلم والعمل ، والمعاش والمعاد ، والدنيا والآخرة ، والمبدأ والمعاد ، فإذا ما أريد لدنيا الإنسان أن تعمر عقيديا وأخلاقيا وعمليا فعليه بالتوحيد.

2- يلتحق بالنقطة السابقة ويتممها أنّ التوحيد ليس بعدا علميا من أعمال الذهن وحسب ، ولا هو مجرد بعد معرفي من أعمال العقل والقلب ، بل له أيضا بعد عملي يبرز في السلوك الفردي كما السلوك الاجتماعي ، وله مدلولات تظهر على الصعيد الاجتماعي والسياسي والسلوكي بمعناه الشامل والعام الذي يستوعب‏ مرافق الحياة والمجتمع.

هذا المعنى هو الذي يفسّر لنا بروز منهجيات بعضها قديم وبعضها حديث ، راحت تبحث عن المدلولات الاجتماعية للتوحيد في حياة المسلمين. من المحدثين زاوج السيد جمال الدين الأفغاني (1254- 1314 هـ) بين المنطق الاجتماعي والمنطق الفلسفي في ضرورة التوحيد ، وانتهى إلى أنّ ذيوع المادية وتغييب التوحيد ينتهي جزما إلى «إفساد الهيئة الاجتماعية وتزعزع أركان المدنية» (5).

كما سعى الشيخ محمد عبده (1265- 1323 هـ) في كتابه الشهير «رسالة التوحيد» ، أن يقرأ التوحيد توحيدا للمجتمع ، وأخوة بين أفراده في مقابل الشرك ، الذي رأى فيه الفرقة والتمزق الاجتماعي‏ (6).

على المنوال نفسه سار محمد إقبال (1873- 1938 م) في مناشدته المسلم أن يتحرى الروح الاجتماعية للتوحيد متمثلة في «المساواة والاتحاد والحرية» (7).

أمّا مالك بن نبي (1905- 1973 م) فهو يسجل في نص نافذ ، قوله : «إنّ مشكلتنا ليست في أن «نبرهن» للمسلم على وجود اللّه ، بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده ونملأ به نفسه باعتباره مصدرا» (8). وذلك في إشارة نقدية إلى غياب التأثير النفسي والاجتماعي لمبدأ التوحيد الكلامي.

أمّا مع مطلع الثمانينيات فقد تصدى عدد من العلماء والمفكرين للحديث بكثافة عن المدلولات الاجتماعية للتوحيد ، ربما كان من المناسب أن نشير منها إلى كتابات السيد محمد باقر الصدر ، الذي كتب يقول نصا : «إنّ اصول الدين الخمسة التي تمثل على الصعيد العقائدي جوهر الإسلام والمحتوى الأساسي لرسالة السماء ، هي في نفس الوقت تمثل بأوجهها الاجتماعية على صعيد الثورة الاجتماعية التي قادها الأنبياء الصورة المتكاملة لأسس هذه الثورة» (9). عن التوحيد تحديدا ، قال : «فالتوحيد يعني اجتماعيا أنّ المالك هو اللّه دون غيره من الآلهة المزيفة» (10). على هذا المنوال راح يتقصّى الآثار الاجتماعية للتوحيد في حياة المسلمين‏ (11).

عند ما نصل إلى الإمام الخميني نفسه نراه يقدم المقاربة التالية للمحتوى الاجتماعي للقرآن مقارنة بمحتواه العبادي : «هناك فرق كامل بين القرآن وكتب الحديث التي تعدّ مصادر أحكام الإسلام وتعاليمه ، وبين الرسائل العملية التي تصنف من قبل مجتهدي العصر والمراجع ، من زاوية الشمول والأثر الذي يمكن أن تتركه في الحياة الاجتماعية. إنّ نسبة اجتماعيات القرآن إلى آياته العبادية ، هي أكثر من نسبة المائة إلى واحد» (12).

عن مهجورية القرآن من زاوية تعطيل آياته الاجتماعية والسياسية وما تنطوي عليه من مدلولات حياتية ، يقول الإمام نصا : «لقد نسينا الآيات التي ترتبط بالمجتمع ، والآيات ذات الصلة بالسياسة ، والآيات التي ترتبط بالحرب والجهاد ، بالرغم من كثرة هذه الآيات ، إذ ترتبط أكثر الآيات بهذه المسائل؛ لقد نسيناها وأغفلناها» (13).

المشكلة إذا ليست في التوحيد ، فللتوحيد مدلولات اجتماعية وسياسية وسلوكية جمّة ينبغي استكناهها وتفعيلها ، ومن يركز على التوحيد كمقصد أقصى لا يبغي مطلقا تجميد آثاره العملية في المجتمع والسياسة والاقتصاد وبقية مرافق الحياة. على هذا إذا كان هناك تقصير فعلاجه لا يكمن بإلغاء محورية التوحيد ، بل باللجوء إلى سبل تفعيل معطياته في واقع الناس ، ليعود الترابط في حياة الإنسان بين الغيب والشهادة ، واللّه والإنسان ، والملك والملكوت ، والعلم والعمل ، والدنيا والآخرة وهكذا.

3- من المغالطة بمكان الزعم أنّ المقاصد الستة في هذه النظرية بعيدة بعدا كليا عن واقع الحياة ومنفصلة عنها انفصالا تاما ، بالشكل الذي تنقطع به صلة القرآن مع الحياة. فهذه المقاصد تحوي بنفسها امور المعاش وتمر بقضايا الدنيا لكنها لا تقف عندها. فلو افترضنا محورا عاما للحياة الإنسانية يرتكز إلى ثلاثة خطوط عريضة هي العقيدة ، والسلوك العملي الذي تنظمه وتضبطه أنظمة العمل ، ثمّ القيم الذي تؤطر الحياة عامة ، فإنّ ما في تلك المقاصد الستة يشملها دون ريب. أ لم تتحدث تلك المقاصد صراحة عن عمارة منازل الطريق ؟ وعن تحديد خط السير إلى اللّه؟ أ ليست الدنيا والحياة الإنسانية هي المجال الرحب لهذه‏ الحركة نحو اللّه جل جلاله؟

4- مع عناية رموز هذه المدرسة بالمقاصد المعرفية والمعنوية ، وبغض النظر عمّا تستلزمه هذه المقاصد من عناية بالحياة ، فإنّ نصوصهم تركز بكثافة على شمول القرآن للعباديات والسياسيات ، وللمعنويات والماديات. فهذا الغزالي يكتب في وصف القرآن ، ويقول فيه : «كلّ ما أشكل فيه على النظار واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات ، ففي القرآن إليه رموز ودلالات عليه يختصّ أهل الفهم بدركها» (14).

أمّا صدر الدين الشيرازي فإنّ نصه أدل على المطلوب ، وهو يكتب : «فكما أنّ القرآن العظيم يوجد فيه علوم الآخرة ومكاشفات الأسرار الإلهية والآيات الربوبية ، فكذلك يوجد فيه أحكام الحل والحرمة ، وطريق المعاملات ، وكيفية المعاشرة مع الخلق ، وعلم التمدن والسياسات ، والجروح والقصاص ، والأقضية والحكومات ، فتلك الآخرة ، وهذه الدنيا على وجه تكون وسيلة للآخرة» (15).

في نص مطلق من دون قيد ، يسجل الإمام : «إنّ القرآن يشتمل على المعارف كافة ، وجميع ما يحتاج إليه البشر» (16). ثمّ يفصّل بعض ذلك في نص آخر ، يقول فيه : «إنّ لدينا مثل هذا الكتاب الذي يتوفر على المصالح الشخصية ، والمصالح الاجتماعية ، والمصالح السياسية ، وإدارة البلاد ، وفيه كلّ شي‏ء» (17).

بيد أنّ الأروع من ذلك كله هو وصفه القرآن بأنّه مركب يلتقي فيه البعدان‏ المعنوي والمادي ، ممّا يعدّ من خصائص هذا الكتاب : «إنّ اتصال المعنى والمعنوية بالماديات وانعكاس المعنوية في جميع الجهات المادية ، هو من خصوصيات القرآن ومن مننه وعطاياه.

ففي الوقت نفسه الذي يعدّ فيه القرآن كتابا معنويا عرفانيا بحيث لا نبلغ [كنهه‏] ولا يصل إليه خيالنا ، بل حتّى خيال الأمين جبرائيل؛ فهو في الوقت ذاته كتاب ينهض بتهذيب الأخلاق ، ويمارس الاستدلال ، والحكم ، ويوصي بالوحدة ، ويحثّ على الجهاد والقتال.

و هذه من خصوصيات كتابنا السماوي الذي فتح في آن واحد باب المعرفة بما يتناسب مع حد الإنسان ومستواه ، كما فتح أيضا باب الماديات ، واتصال الماديات بالمعنويات ، وفتح باب الحكم والخلافة وباب كلّ شي‏ء» (18).

5- أمّا أن تكون المقاصد المعنوية مقدّمة على غيرها ، والآخرة على الدنيا ، فهذا ما لا ننكره وليس بوسع أحد أن ينكره ، لأنّ الرؤية الكونية الإسلامية هي التي تجعل الدنيا منزل للآخرة ، والقرآن تحدّث صراحة وبكثافة على أنّ الآخرة ولقاء اللّه هما المقصد الأخير ، وهناك الحياة الدائمة الأبدية لا هنا.

يقول سبحانه : {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت : 64] ، ويقول : {وفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} [الرعد : 26] ، وقوله : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} [النحل : 107] ، وقوله : {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال : 67] ، وقوله : {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} [النساء : 77] ، وقوله : {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} [التوبة : 38].

بل حتّى الآية العتيدة التي يكثر الاستشهاد بها على الدنيا ، فهي أيضا تؤثر الآخرة وتجعلها هي المبتغى : {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص : 77].

أ فبعد هذا يجوز أن يعاب على هذه الرؤية بمثل القول : «إنّ مفهوم غاية الوجود الإنساني بوصفه «سفرا» إلى اللّه لا بوصفه «تحقيقا» لإرادته قد أدى إلى اعتبار الدنيا مجرد «منزل» من منازل السفر» (19)

الحقيقة ليس هناك تعارض بين أن تبقى الآخرة هي الهدف والمبتغى- كما هي فعلا كذلك- في مسير الإنسان ، وبين أن يحقق هذا الموجود إرادته في الحياة الدنيا. الرؤية القرآنية لا تنفي الدنيا هكذا مطلقا ، وأنّى لها ذلك ، بل تنظر إليها كهدف طريق لا هدف غاية. فليست الدنيا هي الهدف الأصيل الذي وضعته السماء للإنسان الإسلامي على وجه الأرض ، وإنّما هي وسيلة يؤدي بها الإنسان دور الخلافة على‏

الأرض ، باستخدام إرادته وإقامة القسط والعدل والارتفاع بالإنسانية في المجالين المعنوي والمادي ‏(20).

أجل ، نحن نتفق مع الناقد بشيوع ثقافة التبرير ، والتنظير لاعتزال الحياة ولفكر الطاعة والاستسلام للأنظمة الظالمة وللواقع ، والإيحاء بأنّ ذلك قدر من السماء لا إرادة للإنسان في مواجهته ، كما نتفق وإياه بغياب الوعي الدقيق للواقع الاجتماعي والسياسي للعالم الإسلامي ، وتضخيم ثقافة النص بتهميش ثقافة الواقع.

الأهم من ذلك إننا نتفق وإياه إلى المآل الذي انتهى إليه القرآن وما أصابه من هجران حتّى تحول «تدريجيا إلى «شي‏ء» ثمين في ذاته ، وتمّ «تشييئه» في الثقافة ، فصار حلية للنساء ورقية للأطفال وزينة تعلق على الحوائط وتعرض إلى جانب الفضيّات والذهبيات» (21) ، لكننا لا نرى علة ذلك ناشئة عن النظرة المقاصدية التي تجعل معرفة اللّه ولقائه هي المقصد الأقصى ، وتنظر من ثمّ إلى الدنيا كمنزل من منازل الطريق ، وأنّ الإنسان في حال سفر صوب الآخرة.

إنّ لتغييب القرآن وتعطيل دوره وتجميد مقاصد الإسلام والشريعة أسباب عديدة نظرية وواقعية ، تأريخية ومعاصرة تنبع من داخل الواقع الفكري والعملي للمسلمين على حد سواء ، من دون إهمال للعنصر الأجنبي الخارجي في العصور المتأخرة ، لكن أيضا من دون تضخيم له.

مع ذلك تملي الموضوعية القول بأنّ النظرية المقاصدية التي تعطي الأولية لمعرفة اللّه وللارتقاء المعنوي للإنسان وللآخرة ، هي أحرى من غيرها في سوء استغلال الآخرين لها ، وتحويلها إلى ذريعة نظرية تغذّي اتجاهات العزلة وتعطيل الجهد الإنساني خاصة مع سوء الفهم الذي تتعرض له في نطاقها الخاص أو في النطاق العام الذي تنتمي إليه ، متمثلا بالاتجاه العرفاني.

لكن مع الإمام الخميني في فكره وتجربته الاجتماعية والثورية انقلبت الحالة إلى الضد وأصبح العرفان هو عرفان المقاومة والثورة والحماسة ، وبسط العدل والقسط ، ومواجهة الطاغوت ورفض الاستبداد والاستقلال ، بوصفها جميعا مقاصد فرعية متفرعة عن المقصد الأساسي.

علينا أن لا نعجب ونحن ننظر إلى الرؤية الخمينية ، تسجل لنا بأنّ «الإسلام عني بتأمين رفاه الناس وراحتها وأمثال ذلك ، من دون فرق بين طبقة واخرى» (22).

أو أن يكون القرآن هو الكتاب الأوّل في مواجهة الاستغلال والظلم والاستعمار :

«فهذا القرآن الكريم الذي ينطوي على الأمر الإلهي المباشر في قتال المشركين والمترفين ، والذي يعدّ الكتاب الإلهي الوحيد المحرك ضدّ الاستعمار والظلم ، عرضوه بصورة اخرى» (23) ؛ بصورة مستخذية توحي بالتبرير والاستسلام.

في نص آخر كثيف الدلالة على حركية القرآن ، وتوازن هذه الحركية بمزاوجتها بين عالمي المادة والمعنى ، وبين السياسة والقيم ، وبين الطبيعة والغيب ، والدنيا والآخرة ، بما يجعل الاولى مثابة إلى الثانية ، والثانية هي المبتغى ، يواجهنا الإمام بقوله : «إنّ الإسلام دين الحركة ، والقرآن الكريم كتاب حركة؛ حركة من الطبيعة إلى الغيب ، حركة من المادية إلى المعنوية ، حركة في طريق العدالة ، حركة من أجل إقامة حكومة العدل» (24).

كما ينعى سماحته على من يزعم أنّ القرآن كتاب تخدير للإنسان وتجميد لطاقته على الفعل والمقاومة ، ويقول : «ليس القرآن كتابا مخدرا ، القرآن كتاب محرّك ، كتاب استطاع أن يحرّك العرب الذين لم يكونوا يعرفون شيئا ، بحيث أطاحوا بالإمبراطورات العظمى الظالمة» (25).

عن الاتجاه الذي عطل القرآن ، وحوّله إلى تمائم وأحراز ، أو في الحد الأقصى إلى كتاب للبركة عبر ما فيه من أذكار ودعاء ، يتساءل الإمام : «ينبغي لنا أن نبادر إلى مطالعة ولو جزئية في القرآن الكريم ، لننظر هل أنّ القرآن جاء للذكر والدعاء ومن أجل التمائم وأمثال ذلك أم أنّهم لم يعرفوا القرآن؟» (26) ، بعد إثارة عدد من الأسئلة ينتهي الإمام ، إلى القول : «إنّ القرآن هو كتاب تستفاد منه الحركة أكثر من أي شي‏ء آخر ، كتاب حرّك الناس من هذا الخمود والجمود الذي كانت فيه ، ووضعها على خط مواجهة جميع الطواغيت» (27).

_____________________

(1)- نفس المصدر : 153.

(2)- الميزان في تفسير القرآن 1 : 62.

(3)- نفس المصدر 10 : 534- 135.

(4)- نفس المصدر : 137.

(5)- رسالة الردّ على الدهريين ، السيد جمال الدين الأفغاني ، منشورة في كتاب : الثائر الإسلامي جمال الدين الأفغاني ، بقلم الشيخ محمد عبده ، سلسلة كتاب الهلال : 133.

(6)- مشكلة الوجود والمعرفة في الفكر الإسلامي الحديث عند كلّ من الإمام محمد عبده ومحمد إقبال : 113 فما بعد.

(7)- تجديد الفكر الديني في الإسلام : 178.

(8)- وجهة العالم الإسلامي : 55.

(9)- الإسلام يقود الحياة : 38.

(10)- نفس المصدر : 34.

(11)- راجع على هذا الصعيد : التوحيد ، بحوث في مراتبه ومعطياته : 437- 464.

(12)- ولايت فقيه : 5.

(13)- صحيفه امام 15 : 11.

(14)- إحياء علوم الدين 1 : 289.

(15)- تفسير القرآن الكريم 6 : 132.

(16)- صحيفه امام 20 : 249.

(17)- نفس المصدر 18 : 423.

(18)- نفس المصدر 17 : 434.

(19)- مفهوم النص : 263 ، من الأمانة أن نشير إلى أنّ المؤلّف كان بصدد نقد مقاصد القرآن عند الغزالي انطلاقا من النسق المعرفي الذي يؤمن به. وإذا كان النقد واردا على الغزالي فهو بالتأكيد لا يرد عليه بسبب أنّه قدم المقصد المعنوي على المادي واعتبر الدنيا منزلا للآخرة ؛ لأنّ القرآن هو الذي فعل ذلك.

(20)- راجع ممّن تناول هذه الإشكالية بالعلاج : اقتصادنا : 669 فما بعد.

(21)- مفهوم النص : 297.

(22)- صحيفه امام 7 : 289.

(23)- نفس المصدر 3 : 254 ، من الطريف أن نعرف أنّ هذا النص للإمام جاء في سياق جواب الإمام على برقية كان قد بعثها إليه ياسر عرفات.

(24)- نفس المصدر 8 : 291.

(25)- نفس المصدر 4 : 98- 99.

(26)- نفس المصدر : 18.

(27)- نفس المصدر.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .